الذكاء الاصطناعي يحاكي الواقع بنسخة رقمية جديدة كلياً

Thursday, March 03, 2022

نشر هذا المقال لأول مرة في مجلة “وايرد الشرق الأوسط” بتاريخ 18 فبراير 2022

يعمل عدد من الباحثين في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على مساعدة تكنولوجيا التوأم الرقمي لتحقيق قفزة نوعية من الأجسام الجامدة إلى تمثيل البشر، في مشروع يحمل وعوداً كبيرة بإحداث نقلة نوعية تطال جميع القطاعات من الرعاية الصحية وصولاً إلى استكشاف الفضاء.

ومصطلح “التوأم الرقمي” متداول على نحو واسع هذه الأيام، وعلى غرار مصطلح “الفضاء الرقمي” (ميتافيرس) الذي يحظى بذات القدر من الشهرة – يحيد الكثير من الأشخاص عن المعنى الصحيح لهذا المصطلح بسبب استخدامه بشكل خاطئ. فغالباً ما يستخدم هذا المصطلح كمثال عن أنواع مألوفة من التمثيل الافتراضي – كالصور الرمزية على شبكة الإنترنت مثلاً أو الحسابات المهنية على موقع “لينكد إن”. ولكن في الواقع، يعتبر “التوأم الرقمي” نوعاً محدداً للغاية من عمليات المحاكاة الحاسوبية، حيث يتم استنساخ الأنظمة أو الهياكل المادية بأدق تفاصيلها إلى نظائر رقمية تعكس حالتها في الوقت الحقيقي.

وبهذا الصدد، قال البروفيسور عبدالمطلب الصادق، الأستاذ في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبوظبي وأحد أبرز العلماء في هذا المجال على مستوى العالم: “يخلط الكثير من الناس، حتى الكتاب أو المدونون المتخصصون في مجال التكنولوجيا، بين التوائم الرقمية والمحاكاة التقليدية أو التمثيل الافتراضي، لكن كل واحدة من هذه التقنيات تتمتع بخصائص مختلفة. فمثلاً، ينبغي للتوأم الرقمي أن يتمتع بتدفق بيانات ثنائي الاتجاه بين النظام أو الكائن الحقيقي ونظيره الافتراضي – ويجسّد هذا أبرز الاختلافات وأكثرها أهمية”.

وتعود حالة الارتباك التي تهيمن على مشهد التوائم الرقمية بشكل جزئي إلى الانتشار السريع لهذه التكنولوجيا – ففي حين كان استخدامها سابقاً يقتصر على مساعدة مهندسي العمارة على إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للتصميم أو مساعدة المهندسين على رصد وتشخيص الثغرات التقنية، نشهد اليوم تطبيق هذه التكنولوجيا على طيف متنام من المجالات. ومنذ وقت ليس بعيداً، كانت فكرة محاكاة نظام معقد وقابل للتغيّر كالجسم البشري بهذه الطريقة غير واردة على الإطلاق.

وأضاف الصادق، الأستاذ السابق في جامعة أوتاوا والذي انضم إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أواخر العام الماضي: “بالنسبة لي، يتمحور هذا الأمر حول توسيع نطاق تطبيقات هذه التكنولوجيا من مجرد الأجسام أو العمليات لتشمل الكائنات العضوية كالنباتات والحيوانات والبشر. وبكل تأكيد، تعتبر آلات استنساخ التوائم الرقمية أبسط بكثير من الكائنات الحية، لكن هذا الأمر هو ما يضفي طابعاً من التميز على عملنا في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي؛ فنحن من بين المؤسسات العلمية القليلة التي تبحث في مجال التوائم الرقمية من هذا المنظور”.

...قد يكون ظهور التوأم الرقمي قريباً؛ فهو بالتأكيد ليس محض خيال علمي.

البروفيسور عبدالمطلب الصادق
رئيس قسم الرؤية الحاسوبية بالإنابة وبروفيسور في قسم الرؤية الحاسوبية
ويعتبر استخدام التكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية واحداً من أبرز الآفاق المستقبلية وأكثرها جاذبية بالنسبة للبروفيسور الصادق، حيث قال: “باستخدام تكنولوجيا التوأم الرقمي، يمكننا استخراج كميات هائلة من البيانات. وقد نستخدم الكاميرات أو أجهزة الاستشعار الأخرى لتحديد طول الشخص ووزنه أو مستويات نشاطه البدني؛ ويمكننا الحصول على مؤشراته الحيوية بواسطة الأجهزة القابلة للارتداء؛ وقد نتمكن أيضاً من دراسة طريقة مشي الناس بالاعتماد على نعال الأحذية الذكية؛ كما يمكننا رصد عاداتهم الغذائية وأنماط حياتهم وما إلى ذلك من متغيرات. لذلك، يمكننا استخدام جميع هذه البيانات التي نمتلكها للتنبؤ بالمشكلات الصحية قبل ظهورها”.

ويشير الصادق إلى أن استخدام التوائم الرقمية العضوية سيطال جميع مجالات الحياة تقريباً خلال السنوات المقبلة، حيث قال: “فيما يتعلق بأنشطة استكشاف الفضاء، يمكننا استخدام التوأم الرقمي لاستكشاف تأثيرات الفضاء الخارجي على الشخص الأصلي، وتكوين فهم وافٍ عن تأثيرات الضغط ودرجة الحرارة، الأمر الذي يسمح لنا ببناء معدات أفضل وتنظيم الظروف بالشكل المناسب. وعندما نتمكن من تحسين مستوى الملابس والمنازل الذكية، سنكون قادرين على جمع البيانات بطرق أقل تدخلاً وأكثر انتشاراً”.

وفي غضون ذلك، ستجسّد مسألة طرح تكنولوجيا اللمس الافتراضية (haptic technology) خطوة كبيرة أخرى نحو الأمام. وقال الصادق: “عادة ما يتم تمثيل التوائم الرقمية في العالم الافتراضي، لكننا نوجه أنظارنا اليوم نحو العالم المادي. ويمكن القيام بهذا الأمر بطرق مختلفة – من خلال الملابس الذكية أو الروبوتات الناعمة أو الصور المجسمة ثلاثية الأبعاد (الهولوجرام) القابلة للمس. وبات بمقدورنا الآن تخيّل حالات التطبيب عن بعد باستخدام الصور المجسمة ثلاثية الأبعاد أو الروبوتات، والتشخيص باستخدام اللمس. ويعتبر مجال الأعمال أحد المجالات الأخرى التي يمكن أن تستفيد من هذه التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، تفرض بعض الثقافات المصافحة بالأيدي لإظهار الاحترام، وسنكون قادرين على القيام بذلك عن بعد”.

ومع ذلك، يدرك الصادق حجم التحديات التي تنتظره. ويتمثل أحد أبرز الأسباب بأن التوائم الرقمية لا تعتمد على تقنية واحدة فقط، بل على مجموعة كبيرة منها – البلوك تشين والحوسبة الطرفية والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء – والتي يمكن أن تتبنى منهجية مجزأة لتطويرها. وقال الصادق: “أعتقد أن كلمة ’تحدي‘ لا تكفي لوصف العمل الذي نقوم به. ومن أجل تجميع كل هذه التقنيات في بوتقة واحدة، نحتاج إلى العمل ضمن فرق – ونحن بحاجة ماسة إلى تلك المعرفة متعددة التخصصات. ويتمثل أحد المجالات البحثية الأكثر أهمية بدمج البيانات الحسية، وكيف نجمع هذه البيانات بحيث يمكن فهمها”.

ولحسن الحظ، ساهمت النقلات النوعية المحتملة التي يعد هذا المجال بتحقيقها في جذب اهتمام مجموعة واسعة من الباحثين، ويعمل جميعهم على تجاوز الحواجز والعقبات كلّ بحسب تخصصه. ويقول الصادق: “إذا ما نظرنا إلى عدد المنشورات العلمية المتعلقة بالتوائم الرقمية، سنشعر بمدى التقدم المحرز. فقبل عام 2015، لم يكن هنالك أي أوراق بحثية تتناول هذا المجال تقريباً. لكنها شهد نمواً ملحوظاً منذ ذلك الحين. ونشهد في الوقت الراهن تصاعداً مستمراً في مستويات الاهتمام سواء في القطاع أو في الأوساط الأكاديمية”.

وعند سؤاله عن الموعد المتوقع لانتشار التوائم الرقمية البشرية على نطاق واسع في منازلنا ومستشفياتنا ومحطاتنا الفضائية، قال ضاحكاً: “تعلّمت منذ وقت طويل أن التنبؤ بالمستقبل أمر صعب، وتزداد صعوبة هذا الأمر في مجال التكنولوجيا. لكن قد يكون ظهور التوأم الرقمي قريباً؛ فهو بالتأكيد ليس محض خيال علمي”.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Thursday, October 24, 2024

تكنولوجيا تعلم الآلة في خدمة تشخيص المصابين بالسرطان

علماء من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يطورون طريقة جديدة ستساعد الأطباء على توقع مسار تطور.....

  1. تعلّم الآلة ,
  2. الرؤية الحاسوبية ,
  3. الرعاية الصحية ,
  4. MICCAI ,
  5. الطب ,
  6. السرطان ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Tuesday, October 22, 2024

مقاربة جديدة لتكييف النماذج الأساسية لقراءة الصور الطبية وتجزيئها

تشاو تشين يوضح كيف أن إعادة تدريب نماذج أساسية باستخدام محولات مكنه من تحسين أدائها، وما قد.....

  1. التقسيم ,
  2. طب ,
  3. النماذج الأساسية ,
  4. مجموعات البيانات ,
  5. MICCAI ,
  6. المؤتمرات ,
  7. تحليل الصور ,
اقرأ المزيد