قد يبدو وصف حنان غاني بأنه “واحد من مليون” مبالغاً فيه، لكنه في الواقع وصف دقيق إلى حد كبير. فعندما تقدم للتسجيل في أحد المعاهد الوطنية في الهند في مرحلة البكالوريوس، كان عليه أن يتنافس مع قرابة 1.5 مليون طالب للحصول على مقعد دراسي في مكان متميز لا يُقبل فيه إلا نسبة 1% فقط من المتقدمين.
وقد قُبل طلب غاني، حيث التحق عام 2014 بالمعهد الوطني للتكنولوجيا لدراسة هندسة الإلكترونيات والاتصالات، مع تخصص فرعي في علوم الحاسوب. كانت هذه الخطوة الأولى في مسيرته الناجحة في مجال الذكاء الاصطناعي والعمل الأكاديمي.
بعد مرور 11 عاماً، أصبح غاني، ابن كشمير الذي تخرج عام 2024 من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي حاصلاً على درجة الماجستير في تعلّم الآلة، في طليعة الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وهو يعمل اليوم باحثاً مساعداً في الجامعة على مشروع رائد في مجال الأرصاد الجوية بالتعاون مع إحدى الجهات الحكومية، بالإضافة إلى أبحاثه الخاصة في الذكاء متعدد الوسائط والذكاء الاصطناعي المتجسّد. كما أنه يتولى إرشاد الجيل التالي من طلاب الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على دخول عالم البحث العلمي والأكاديمي بسهولة ونجاح.
خلال العقد الماضي، تميّز غاني في دراسته، وتعلّم أساسيات الذكاء الاصطناعي، واكتسب خبرة في القطاع الصناعي، وأسس منظمة غير حكومية، ونشر سلسلة من الدراسات البحثية في أهم المؤتمرات العلمية. هذه التجارب أقنعته بأن مستقبله يكمن في البحث العلمي، وهو الآن ينتظر نتائج طلبه للالتحاق ببرنامج الدكتوراة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
يتحدث غاني عن شغفه بالعمل الأكاديمي قائلاً: “أنا أميل بشدة إلى العمل الأكاديمي. فهو يمنحني حرية الاستكشاف والبحث في مجالات متنوعة، وهو المكان الذي يمكن فيه تحقيق إنجازات علمية كبرى، كما أنه يوفر لي فرصة التدريس. أدركتُ منذ وقت مبكر أنني أرغب في مواصلة دراساتي العليا. فحصلت على البكالوريوس، ثم الماجستير، وآمل أن أنال الدكتوراة أيضاً”.
ويقول مواصلاً كلامه: “الإمارات العربية المتحدة مكان مثالي للدراسة، حيث تحرص الدولة حرصاً كبيراً على استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي ودمجه في جميع القطاعات، وهو ما أراه ضرورياً في عالمنا اليوم. كما أن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي توفر بيئة داعمة للبحث العلمي لا نظير لها، سواء من حيث الموارد أو الإرشاد والتوجيه. والحياة التي نعيشها هنا لا تتوفر لمعظم الطلاب، وهذا ما يدفع الكثير منا للبقاء بعد التخرج. لهذا فإن هدفي في المستقبل هو أن أصبح عضواً في الهيئة التدريسية البحثية بالجامعة. لدي ارتباط عميق بهذا المكان، وإذا حالفني الحظ، سأكون سعيداً بالانضمام إلى مسيرة الجامعة في المستقبل.”
إذا كان ما حققه غاني حتى الآن مؤشراً على ما يمكن أن ينجزه مستقبلاً، فإن هدفه يبدو في متناول اليد. فقد نشر دراسته البحثية الأولى في عام 2018 أثناء دراسته في مرحلة البكالوريوس، ثم نشر تسعة أبحاث أخرى خلال وجوده في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. وتنوعت موضوعات أبحاثه من “كيفية تدريب المُحوّلات البصرية على مجموعات بيانات صغيرة الحجم” (دراسة بحثية نُشرت في المؤتمر البريطاني للرؤية الآلية عام 2022) إلى “مخطط النموذج اللغوي الكبير: تمكين توليد الصور من النص باستخدام أوامر معقّدة ومفصّلة” (دراسة بحثية نُشرت في المؤتمر الدولي لتعلم التمثيلات عام 2024).
وخلال هذا العام وحده، قُبلت له دراسات بحثية في المؤتمر الدولي للغويات الحاسوبية 2025، والمؤتمر السنوي لفرع جمعية اللغويات الحاسوبية في أمريكا الشمالية 2025، بالإضافة إلى دراسته البحثية في مؤتمر الرؤية الحاسوبية والتعرف على الأنماط 2025، التي حملت عنوان “VideoGLaMM: نموذج كبير متعدد الوسائط للتحديد البصري على مستوى البكسل في مقاطع الفيديو”. ويُعدّ VideoGLaMM امتداداً للنموذج GLaMM، الذي جرى تطويره في معهد النماذج التأسيسية بالجامعة.
كما حصل غاني، إلى جانب أبحاثه، على براءة اختراع أمريكية لنظام وطريقة لتدريب المُحوّلات البصرية على مجموعات بيانات صغيرة الحجم، وهو يشمل آلية للتصوير ومعالجة الصور الصغيرة، ومحرك تعلُّم آلي، ووحدة عرض.
اكتسبت أبحاث غاني بُعداً جديداً بعد تخرجه، حيث يعمل حالياً على مشروعين مبتكرين يوضح طبيعتهما بقوله: “المشروع الأول يجري بالتعاون مع حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، ويركز على تحسين خصائص السُحب لزيادة هطول الأمطار. وهو مشروع جديد تماماً وذو قابلية عالية للتطبيق، وإذا نجحنا فيه، فسيُحدث نقلة نوعية كبيرة من حيث تقليل التكاليف وربما المساهمة في الحد من ظاهرة الاحترار العالمي. أما المشروع الثاني، فيتعلّق بالذكاء الاصطناعي المتجسّد وكيفية تضييق فجوة الفهم بين البشر والآلات. فنحن البشر نعرف مثلاً كيف نغلق حاسوباً محمولاً: أين نضع أيدينا، ومدى قوة إمساكنا بغطائه، والسرعة الملائمة لفتحه أو إغلاقه. ورغم بساطة هذه العملية بالنسبة لنا، فإنها تمثّل تحدياً كبيراً للروبوتات حالياً، إذ عليها أولاً فهم التعليمات، ثم الاستدلال في سياق البيئة المحيطة بها، وأخيراً تنفيذ الفعل. إنه مشروع مثير جداً.”
رغم الإثارة التي ينطوي عليها العمل في المجال البحثي، إلا أنه لا يخلو من التحديات، وأبرزها الحاجة إلى مواكبة الجديد باستمرار. وفي هذا الشأن يقول غاني: “يُنشر يومياً ما يقارب 100 دراسة بحثية جديدة، وتظهر الكثير من الأفكار المبتكرة، ما يجعل الباحث ملزماً بمواكبة كل ذلك. وهذا بالتأكيد يشكّل ضغطاً للاطلاع على كل جديد وضمان مراعاته في أبحاثه. لهذا أحرص دائماً على أن يكون لعملي أثر طويل الأمد، بحيث يبقى مفيداً حتى بعد خمس سنوات من الآن.”
رغم انشغال غاني بالعمل البحثي، فإنه يجد وقتاً للمشاركة في نشاط آخر بالغ الأهمية بالنسبة له، ألا وهو الإرشاد الأكاديمي. فقد استفاد من الإرشاد خلال سنوات دراسته، بما في ذلك الدعم الذي حصل عليه من مشرفه في الجامعة، الدكتور سلمان خان، الأستاذ المساعد في قسم الرؤية الحاسوبية، ما جعله يدرك قيمة الإرشاد منذ وقت مبكر. ولذلك حرص على إرشاد الآخرين منذ سنواته الأولى في الدراسة.
يقول غاني: “بدأت مسيرتي في الإرشاد أثناء دراستي الجامعية، حيث أسسنا منظمة صغيرة غير حكومية لمساعدة طلاب المرحلة الثانوية على تحديد خياراتهم بعد التخرج، وكيفية رسم طريق واضح نحو أهدافهم. وقد زاد اهتمامي بالإرشاد منذ ذلك الحين، حيث أشارك حالياً في مبادرة أطلقتها الجامعة لإرشاد طلاب الماجستير، وأتولى من خلالها إرشاد ثلاثة طلاب من الدفعة الحالية. بناءً على خبرتي في برنامج الماجستير، والدروس التي تعلمتها والأخطاء التي وقعتُ فيها، أشعر أن من واجبي تقديم هذه المعرفة للطلاب الجدد.”
يتولى قسم شؤون الخريجين في الجامعة إدارة برنامج التوجيه والإرشاد التجريبي، الذي يستهدف دعم الطلاب المقبلين على التخرج. ويقدم غاني، بصفته خريجاً، للطلاب الحاليين خلاصة تجربته في تخطّي مرحلة التخرج وما يليها. وهو يقول في هذا الشأن: “أحاول أن أنبّه من أُرشدهم إلى أنهم قد يواجهون صعوبات، لكن عليهم أن يتحلّوا بالتفاؤل. وستحدث أخطاء لا محالة، ولكن الأمر يعتمد على كيفية تعاملهم الذهني معها. فترة دراستهم في الجامعة ما هي إلا جزء من رحلة طويلة، وكل ما يحدث خلالها يقدّم درساً يساعد على التعلّم على المدى البعيد.”
هذه بالتأكيد نصائح قيّمة من غاني، الذي تمثّل رحلته البحثية نفسها درساً في المثابرة والابتكار والطموح الأكاديمي.
بعد نجاحه في تطوير أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعد في الكشف عن المعلومات المضللة والخاطئة، يركز زين.....
اقرأ المزيدلكل منا مساره ومسيرته في دروب هذه الحياة، ومقارنة مساراتنا بمسارات الآخرين تفوت علينا متعة الإنجاز، ولذا.....
From academia to entrepreneurship, MBZUAI alumnus Faris Almalik has used his knowledge, experience, and AI to make.....