إيريك زينغ – رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
أصحاب السمو والمعالي
أعضاء الهيئة التدريسية الأفاضل
الضيوف الكرام والعائلات
خريجو دفعة 2025
إننا نقف اليوم في قلب الحدث والتاريخ..
دعوني هنا أقول – بل وأؤكد – أن البشرية لم تشهد منذ فجر الثورة الصناعية ولا منذ اختراع المطبعة، تحولاً جوهرياً في قوة ونشاط الابتكار العالمي كما نشهده اليوم.. فلطالما تحدثنا عن فلورنسا وبريطانيا العظمى ووادي السيليكون خلال عصر النهضة والثورة الصناعية وعصر الإنترنت – أما الآن، فإن العالم يتحدث عن أبوظبي.
وزيارة الرئيس ترامب الأخيرة إلى المنطقة والشراكة التاريخية بين الإمارات والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وإطلاق أكبر حرم جامعي للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة.. لا تشكل مجرد أحداث عابرة فحسب، بل إنها تُعلن عن حقبة جديدة من التحول على نطاق عالمي.
وعندما أتأمل في هذه اللحظة، أرى تحولاً استثنائياً يحدث أمام أعيننا، وهو تحول مركز ثقل الابتكار التكنولوجي – نبض الاقتصاد العالمي – وانتقاله من مكانه التقليدي من وادي السيليكون إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – ومن الغرب إلى الشرق ومن الماضي إلى المستقبل.
وأنتم، خريجونا الأعزاء، لستم هنا للبقاء ماكثين في مقعد المشاهد والمتفرج على هذا التحول.. بل إنكم هنا لريادته وقيادته.
هذه اللحظة هي التي أسميها باللحظة التاريخية! – هذه هي فرصتكم.. وهذه هي مسؤوليتكم.. وهذه هي اللحظة الفارقة التي لن تشكل مساركم المهني فحسب، بل ستشكل أيضاً مسار المشهد التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي العالمي برمته.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو موطن المستقبل.. والذكاء الاصطناعي هو حجر الزاوية الذي على أساسه سيبنى هذا المستقبل.. وبصفتي رئيساً لهذه الجامعة، إنني أقف اليوم بين أيديكم لا بمشاعر التفاؤل فحسب، ولكن بمشاعر الإعجاب العميق والفخر بالتغيير الجذري الذي نشهده – وما أنتم على وشك الإسهام به من إنجازات واختراقات تقنية في سبيل تطوير هذا العالم وإحداث الفارق.. ولماذا أشعر بهذا الفخر؟ لأنكم أنتم، حقاً، من سيصنع هذا الفارق!
دعوني هنا أتساءل معكم وأطرح سؤالاً مهماً: هل نحن مستعدون حقاً لقيادة مثل هذا التحول المصيري؟ وهل نمتلك العقلية والشجاعة والكفاءة اللازمة للاضطلاع بهذا الدور؟
اسمحوا لي أن أوضح ما يتطلبه تحقيق هذا التحول:
• القناعات الراسخة – وأعني بها أننا يجب أن نتحرر من القيود الفكرية.. ونرحب بالنقد البناء.. ونتقبل حرية الفكر.. والحوار.. وتعدد الآراء المختلفة.. ونسعى للتميز بلا تردد.. أعلم أن معظم الناس يخافون من تحدي الأفكار التقليدية.. ولكن التاريخ يعلمنا أن كل تقدم ثوري في العلم قد واجه مقاومة في البداية – فعندما طرح كوبرنيكوس نظريته حول مركزية الشمس أو عندما قدم ألبرت أينشتاين نظريته النسبية أو عندما بدأنا فهم ميكانيكا الكم – كانت ردود الفعل الأولية دائماً ما يشوبها الشك أو التشكيك ويطبعها الخوف والتخوف.. ومع ذلك غيرت هذه الأفكار فهمنا للعالم وللواقع نفسه.
• القناعة تتطلب الشجاعة – ولا أعني هنا بالشجاعة الجرأة في المواقف فقط، بل أعني بها التمسك بالمبادئ والقيم الأساسية دون مساومة.. بمعنى أنه يجب علينا أن نخرج من مناطق الراحة الخاصة بنا.. ونتحدى أنفسنا.. ونواجه المشكلات المعقدة والصعبة.. ونكون مستعدين لتغيير آرائنا عند الضرورة.. وندافع عن المبادئ الأكاديمية القائمة على الحقائق والموضوعية، لا على الأيديولوجيا أو المشاعر الذاتية.. وعلى النقاش المفتوح المتحضر وليس إسكات المعارضة – وتذكروا أن التقدم لا يأتي من توافق الآراء، بل من التمسك بمبادئ الحرية الفكرية والتفكير المستقل والحر والمنافسة العادلة.
• وأخيراً – نحتاج إلى الكفاءة – وأعني بالكفاءة أننا بحاجة إلى مهارات جديدة.. ومنطق هادف.. ومناهج قائمة على النتائج.. والقدرة على التكيف.. وإتقان استخدام أدوات مبتكرة كليا.. ذلك لإن المهارات التقنية قد تنتهي صلاحيتها، لكن القدرة البشرية على الإبداع والتفكير النقدي والتكيف هي التي تحدد من نكون وهي ما يصنع القادة ويحقق النتائج – وهذه قدرات مستدامة ومستمرة في الزمان والمكان.
بالإضافة إلى العناصر الثلاثة التي ذكرتها، أريد أن أؤكد على شيء مهم جداً مرتبط بضرورة عملنا على التخلص مما أصفه بـ “التفكير الذاتي المرجعي”، والذي أعتبره العدو الأكبر الذي يقف أمام كل تقدم تحويلي – وما أعنيه بهذا المفهوم هو محاولة تقييد الإمكانيات الجديدة بمنهجيات قديمة، أملاً في تحسين القديم قليلاً بدلاً من اقتحام واكتشاف مساحات وآفاق جديدة.
دعوني أشرح بثلاثة أمثلة ما أعنيه:
1. ذات مرة صادفت صورة مضحكة لسائق عربة يجرها حصان، وقد استبدل حصانه بكلب آلي من “بوسطن ديناميكس”، (تخيلوا معي المشهد!) وربما أضاف مصباحاً كهربائياً لعربته هذه.
وأقول له: لما لا تستغني عن حصانك وترسل عربتك إلى المتحف واشترِي سيارة أو خذ طائرة!
2. كثيراً ما التقيت بمديرين تنفيذيين يطلبون مني استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الهياكل التنظيمية القائمة لديهم ومضاعفة كفاءتها.
وأقول لهم: لماذا لا تستخدمون الذكاء الاصطناعي لتصميم مخطط تنظيمي جديد كلياً!
3. طلب مني العديد من الأطباء بناء خوارزميات ذكاء اصطناعي لفهم مرض ما بشكل أفضل بناءً على بيانات “منتقاة” من مجموعة خاصة.
وأقول لهؤلاء: كل البيانات لها قيمتها! ويجب أن نستخدم جميع البيانات المتاحة دون تحيز، من جميع المرضى لفهم الصورة الكاملة للبيولوجيا البشرية.
جوهر ما أعنيه – أنني أدعوكم للتفكير خارج الصندوق ولا تقيدوا أنفسكم بالأنماط التقليدية بافتراض أنكم تعرفون المشكلة وكل ما تحتاجون إليه لحلها هو فقط بعض التحسينات هنا وهناك لأن الهدف من الذكاء الاصطناعي ليس جعل مهام الأمس القديمة أفضل أو تحسين أنظمة الأمس – بل هو جعل مستحيلات الماضي ممكنة.
تماما كما كان الحال عندما تم اختراع المطبعة التي لم تكن مجرد أداة لنسخ الكتب، بل كانت أداة حولت المعرفة إلى حق متاح وفي متناول الجميع.. وبالمنطق نفسه، فإن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة حساب أسرع، بل هو أداة ستجعل أدوات العبقرية والذكاء في متناول الجميع.
أما وأنتم تستعدون لبدء فصل جديد في حياتكم.. فإنني أدعوكم إلى إعادة التفكير في الاتجاه الذي ستمضي فيه مسيرتكم ومساراتكم.. وأدعوكم لتحرير أنفسكم من الأفكار أو القناعات التي تشكلت بناءً على تجاربكم السابقة وأن تفتحوا المجال أمام طموحاتكم واجعلوها تكون بمثابة تلك المنارة التي ستنير طريقكم من اليوم!
دعوني هنا أوضح أكثر ما أقصده بما يلي – هل تعرفون ما يحدث عندما يأتي أحدهم إليّ لطلب وظيفة أو ليعرض علي فكرة مشروع؟ غالباً ما يبدأ بالقول: “درست تخصص كذا، وتعلمت الشيء الفلاني، ولدي خبرة في عملية في ذلك المجال، ولذا يمكنني القيام بكذا وإنجاز كذا بأضعاف مضاعفة.”
ولكن إن كنت أنا مكانهم، لكنت بدأت بسؤال: ما هي المشكلة التي نحتاج لحلها؟ وما هو الهدف؟.. وهذا بغض النظر عما إذا كان لدي خبرة أم لا.. ففي حال كانت لدي خبرة، فسأستغلها ليكون أدائي أسرع وأكثر فعالية.. وفي حال لم تكن لدي خبرة، فإنني سأتعلم من الصفر.
لن أدع الماضي أو تجاربي تحدد ما سأفعله – بل سأجعل الهدف الذي أريد بلوغه يكون بمثابة البوصلة التي سأهتدي بها على الدرب الذي سيساعدني على تحقيق ما أسعى إليه.
كانت هذه فلسفتي في كل محطة مهمة من محطات حياتي.. فعندما غادرت بلدي الصين للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، لم أدع ظروفي المحدودة تقيد طموحاتي.. آمنت أن الأساليب الحاسوبية يمكنها أن تحول علم الأحياء، فعملت بشكل منهجي ودؤوب لتحقيق هذه الرؤية.. وكذلك كان عندما قبلت منصب رئيس هذه الجامعة، لم أكن إدارياً مخضرماً.. ولكن كانت لدي رؤية واضحة ألا وهي: بناء مؤسسة أكاديمية فريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. قبلت التحدي، وما زلت أتعلم كل يوم – ولكن كل يوم، أعرف أنني أصبحت نسخة أفضل من نفسي.
خريجو دفعة 2025 الأعزاء، دعوا رؤيتكم ترسم مساركم – وليس خبراتكم السابقة.
دعوني أجيب على السؤال الذي يؤرق ويشغل بال الكثيرين من صناع السياسات – ألا وهو: ماذا لو أصبح الذكاء الاصطناعي أذكى أو أكثر قوة من البشر؟
يعكس هذا التساؤل في عمقه سوء فهم جوهري، حيث إن الذكاء البشري لطالما اعتمد على تطوير الأدوات والتكنولوجيات منذ القدم وهذا التطوير لهذه الأدوات والتقنيات متواصل ومستمر إلى يومنا هذا.. والذكاء الاصطناعي ما هو إلا الأداة الأحدث في هذه السلسلة.
ودعوني هنا ألفت نظركم إلى أن الذكاء البشري لطالما تعزز وتقوَّى بأدوات وتكنولوجيات من قبيل الكتابة، والمطبعة والكهرباء والإنترنت.. والذكاء الاصطناعي هو الأداة الأحدث في هذه السلسلة من الأدوات التي سيرتقي معها الذكاء البشري إلى المستوى التالي.
وبتعبير آخر يمكن النظر أو يمكن اعتبار أن التكنولوجيا مَثلها كمثل الماء والمجتمع هو تلك السفينة التي عندما يرتفع الماء، ترتفع معه السفينة.. والذكاء الاصطناعي في هذه الحالة هو ذلك المد العالي الذي بدلاً من الخوف منه، يجب أن نتعلم كيف نركب موجه.
الذكاء الاصطناعي هو بمثابة ذلك المد المرتفع الذي بفضله سيصبح البشر أكثر قوة.. والتخلي عن الذكاء الاصطناعي أو إيقاف مد تطوره ليس من الحكمة.
وفي السباق العالمي نحو تطوير تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، أرى فريقين متعارضين:
• أحدهما يركز على منع الآخرين من التقدم – بخلق الحواجز، والقيود، والحدود.
• والآخر يركز على القيام بعملنا بشكل أسرع وأفضل – وأنا أؤمن بأن هذا هو النهج الصحيح.
والشراكة الإماراتية الأمريكية وبنيتهما التحتية الضخمة لمراكز البيانات ووصولهما إلى أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم تجسد النهج الثاني.. نحن نتنافس ليس من خلال القيود، بل من خلال الابتكار، والتعليم، وخلق منظومات تزدهر فيها أفضل الأفكار – معاً، سنرتقي بمنطقتنا ومجتمعنا إلى آفاق مستقبلية جديدة.
لا نريد، في هذه الجامعة، أن نكون مجرد جامعة أخرى، بل إننا نطمح إلى أن نكون منارة جديدة للتعلم والابتكار: منارة تجمع بين طموح شركات التكنولوجيا الكبرى ودقة وانفتاح الأوساط الأكاديمية.
هذا المزج ليس صعبا فحسب – بل سيكون مؤلما ومزعزعا.. لكن التحديات التي تواجه البشرية – من تغير المناخ، إلى الابتكار في الرعاية الصحية، إلى التنمية المستدامة – تتطلب هذا الدمج بين الفكر والعمل، وتحتاج إلى البحث العِلمي والتطبيق العَملي والفهم النظري والتنفيذ الريادي.
ويمكنني أن أؤكد في هذا الصدد – في الوقت الذي يعطى فيه الاقتصاد كل الاهتمام – أنه في عصر التغير التكنولوجي المتسارع، سيصبح البحث العلمي ليس مهما فحسب، بل ضروريا لوجودنا نفسه! فقد رأيت، خلال مسيرتي، كيف تصبح الاختراقات النظرية اليوم معياراً يطبق ويستخدم في القطاع الصناعي غداً.. وهذا يعني أننا عندما ندعم العلم دون طلب تطبيقات أو استخدامات فورية له، فإننا نزرع بذور ابتكارات لا يمكننا حتى تخيلها.
في يوم تخرجكم هذا.. أنتم لا تدخلون مجرد عالمٍ يقف فيه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أعتاب التغيير؛ بل أنتم التغيير نفسه في عالم بحاجة إلى أشخاص يجمعون بين الخبرة التقنية والنزاهة الأخلاقية، وبين الدافع للريادي والمسؤولية الاجتماعية، وبين التفكير المبتكر والحكمة التأملية.. إن العالم بحاجة إليكم.
أنتم اليوم لا تنالون شهادات علمية فحسب، بل تقبلون أيضاً مسؤولية المساعدة في توجيه جهود التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي بطرق تعزز من الإمكانات البشرية بدلاً من إضعافها.. هذا هو، في جوهره، ما يجب أن تحققه التربية والتعليم في عصر الذكاء الاصطناعي.
تهانينا، دفعة عام 2025 – أنتم تتخرجون في لحظة يشهد فيها العالم تغيراً تكنولوجياً غير مسبوق.. وأنتم مزودون ليس فقط بالمعرفة، بل أيضا بقوة الشخصية والشجاعة والقدرة والكفاءة على القيادة في هذا العصر الجديد.
ستبقى هذه الجامعة دوماً منارة لكم.. لكن اليوم، عليكم أن تشقوا طريقكم وتتقدموا إلى لأمام لمواجهة تحديات لم يواجهها أي جيل من قبلكم.
أنتم تدخلون مجالًا ما تزال فيه المشكلات الأساسية دون حلول.. لن تتبعوا في حلها الأساليب التقليدية – بل ينبغي لكم العمل على تطوير مقاربات جديدة وفعالة.. أنتم مهندسو الغد.. الذين سيبنون نظما تجمع بين الذكاء البشري والاصطناعي لحل مشكلات حقيقية.
المستقبل ينتظركم كي تصنعوه.. وترسموا ملامحه!
شهد سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة.....
معالي الدكتورة فريدة الحوسني، خريجة البرنامج التنفيذي، توضح الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل.....
البروفيسور سامي حدادين يوضح كيف يمكن لمنهجية التصنيف الجديدة والمبتكرة التي طورها أن تسهم في تحسن إمكانات.....