كلمة رئيس الجامعة لخريجي دفعة العام 2022

أُلقي الخطاب في 30 يناير 2023 في مركز أدنوك للأعمال، أبوظبي.

شكراً لك دكتور سلطان على خطابك الملهم!

أصحاب السمو، أصحاب السعادة، رئيس مجلس الإدارة الدكتور سلطان، أعضاء مجلس الأمناء، السادة الزملاء، والطلاب، والأصدقاء، إنّه ليشرفني حقاً أن أتوجّه إليكم اليوم في حفل التخرج الأول لطلاب جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، دفعة العام 2022.

اسمحوا لي أن استهلّ خطابي بتهنئة خريجينا الجدد البالغ عددهم 52 خريجاً على تحقيقهم هذا الإنجاز الذي يستحق التقدير بعد عامين من العمل المجدّ. فمن خلال إتمام دراستكم وحيازتكم درجة الماجستير، نجحتم في الوصول إلى مرحلة مهمة من حياتكم المهنية، وبات بمقدوركم شق الطريق لتكريس معرفتكم وخدماتكم لصالح المجتمع. وبغض النظر عن اختلاف المساعي التي تصبون إلى تحقيقها، فإنّني أتمنى لكم بصدق كلّ التوفيق والنجاح. إنّ جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي هي أول جامعة بحثية على مستوى العالم مكرسة لتطوير الذكاء الاصطناعي، وإنّنا لفخورون حقاً بأن نتوجه إليكم بصفتكم أول دفعة تتخرج منها.

أودّ أيضاً أن أخصّ بالتهنئة والشكر أولياء أمور خريجينا وعائلاتهم وأصدقائهم. شكراً لكم جميعاً على حبكم الدائم ودعمكم الذي رافقهم طوال فترة دراستهم في جامعتنا.

وأخيراً، أود أن أهنّئ أعضاء الهيئة التدريسية والموظفين في جامعتنا لإعدادهم هذه الدفعة المتميّزة من الخريجين الذين نفخر بهم جميعاً. شكراً لكم على عطائكم المتفاني لطلابنا من زاد معرفتكم والتزامكم، والذي سيكنّ له طلابنا جميعهم فائق الامتنان طوال حياتهم.

قبل عامين، اتخذتُ قراراً جريئاً وشجاعاً، كمعظم خريجينا، بالانتقال إلى أبوظبي للانضمام إلى الجامعة. فجئت حاملاً إصراري الكبير على تطوير جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لتصبح مؤسسة بحثية رائدة عالمياً. وتصوّرت بأن تكون الجامعة مصدراً لأبرز العلماء، وحجر أساس للقدرة التنافسية التكنولوجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحافزاً ملهماً للابتكار وإحداث التغيير الإيجابي داخل ربوع الدولة وخارجها.

واليوم، نجحت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في الارتقاء لتصبح من بين أفضل 25 برنامجاً للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. كما لا بد لي من الإشارة إلى أن أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة هم من الباحثين الأكثر نشاطاً وشهرة على الساحة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، ويتضح ذلك من خلال أدوارهم الرائدة في أبرز المؤتمرات الأكاديمية ومن خلال التأثير الكبير الذي تحدثه منشوراتهم. ويعمل باحثونا اليوم بالشراكة مع أكثر من 20 جهة محلية ودولية من ضمنها ديوان ولي العهد وشركة “آي بي أم” العالمية لإيجاد الحلول لمختلف المشكلات الملحّة في مجتمعاتنا على مختلف الأصعدة، بما في ذلك البيئة والرعاية الصحية والسلامة العامة والتعليم والثقافة.

وتستمر جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في تعزيز سمعتها كمركز صاعد للتعليم المتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة الفكر، وقد باتت تستقطب اهتماماً كبيراً بالتعاون مع أفضل الجامعات حول العالم، بما في ذلك معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة كارنيجي ميلون، وجامعة أكسفورد، ومدرسة البوليتكنيك، ومعهد وايزمان للعلوم، وجامعة سيول الوطنية، على سبيل المثال لا الحصر.

وهذه ليست سوى بداية رحلة طويلة لسعينا نحو التميز وبناء مؤسسة تعليمية عظيمة، وهو أمر قد يستغرق عقوداً أو حتى قروناً من الزمن. إن العلم والتكنولوجيا هما القوة الدافعة لحيوية أي دولة وازدهارها وهما قوتها الدائمة. فالزراعة تتطلب أجيالاً من الزراعة والبستنة والتسميد، وكذلك العلوم.

وهذا ما تفعله الجامعات الكبرى.

إننا نثق تماماً بأن دور جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يتخطى حل المشكلات الحالية التي يواجهها المجتمع وتدريب القوى العاملة التي يحتاج إليها. إذ يفرض عليها دورها أن تصبح منارة لنهضة دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي كله كمجتمع رائد في الاكتشاف العلمي والابتكار، لتكون رمزاً لسعي دولة الإمارات العربية المتحدة الدؤوب للمعرفة والتعليم. وتحقيقاً لهذه الغاية، أحث أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب على أن يأخذوا دوماً في عين الاعتبار المعنى الأكبر والأعمق لعملهم ومهمتهم.

إننا اليوم نعيش عصر تحول مجتمعي غير مسبوق من خلال التكنولوجيا، لا سيما، من خلال الذكاء الاصطناعي الذي يجتاح العالم. من الزراعة الخوارزمية إلى الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، ومن التنبؤ بهياكل البروتين في تصميم الأدوية إلى توقع انتشار الفيروس خلال احتواء الوباء، أثبت الذكاء الاصطناعي أنه قادر على تغيير القواعد لتوفير الحلول المرجوة. ففي عام 2022، على سبيل المثال. كانت اثنتان من جوائز نوبل مرتبطتين بشكل كبير بالذكاء الاصطناعي: جائزة الطب لدراسة جينومات البشر المنقرضة والتطور البشري، وجائزة الاقتصاد لنماذج تشغيل البنوك. فالموضوعان مرتبطان بالنظرية والممارسة في الذكاء الاصطناعي، أي مطابقة الأوتار ونظرية الألعاب.

أما على صعيد حياتنا اليومية، فمن خلال التطبيقات التي تتعقب أنشطة الأشخاص والخوارزميات التي تقدم توصيات للناس، تتشابك أنماط حياتنا وسلوكياتنا وتصوراتنا، وحتى أحكامنا، بعمق مع حوسبة الذكاء الاصطناعي. فالذكاء الاصطناعي قادر على اتخاذ قرارات بشأن ما نأكله وما نقرأه وكيفية تفاعلنا مع ما يحيط بنا. حتى إنّ بعض الأنظمة القوية مثل “تشات جي بي تي” في طريقها إلى ابتكار المعرفة الاصطناعية. لذا، فإننا لسنا نبالغ حين نقول إن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل حياتنا ومجتمعاتنا ومستقبلنا، وإن لم يكن ذلك يخلو من المخاطر.

فمن التاريخ تعلمنا كيف يمكن أن يكون لتطبيق التكنولوجيا آثار ضارة ما لم يكن ذلك يصب في مصلحة المجتمع وخيره. ففي الخمسينيات، أنتج الكيميائيون المبيدات الحشرية وغيرها من المواد المشابهة التي ما زالت تؤثر حتى اليوم في صحة مجتمعاتنا وسلامة بيئتنا. ولن يكون الحال مع الذكاء الاصطناعي مختلفاً، فهو قادر على إيجاد الحلول والاكتشافات العلمية، لكنه في الوقت نفسه يمكن استخدامه لأغراض شائنة ومضرة، إن لم يقع بين الأيادي الصحيحة. إذ حتى أفضل النوايا قد تطلق العنان لعواقب غير محمودة.

لذا أتوجه إلى الخريجين لأقول لهم: قبل أن تصبحوا عالمين أو مهندسين أو رواد أعمال مميزين، عليكم أولاً أن تتحلوا بالفضيلة، وأن تتزودوا بالقدرة على إصدار الأحكام الصحيحة. لأن الفضائل التي تم توارثها عبر الأجيال متخطية كل الثقافات هي: الصدق والرحمة والشجاعة والعدالة والتضحية والشرف والروحانية والتواضع، وجميعها ما زالت تستحق منا احتضانها والامتثال بها حتى في عصرنا الرقمي هذا، لأنها وحدها قادرة على إرشادكم للتركيز على البحث والعمل الهادف والسعي والتغلب على الانحراف والأوهام.

لقد تصورت القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة مستقبلاً رائعاً تكون فيه دولة الإمارات قوة للخير تستحث ثورة صناعية جديدة وتحسّن رفاهية الإنسان. فهذه الأمة أظهرت الإرادة والقدرة حين كانت من أوائل المتبنين لتقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة في مختلف مستويات الحكومة والقطاعات. لذا، يجب أن تكون جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على أهبة الاستعداد لتحمل مسؤولية توفير القوى العاملة المدربة تدريباً جيداً والتكنولوجيا المتطورة لتحقيق هذه المهمة.

أنا فخور بأن غالبيتكم قد قررتم تولي وظائف أو متابعة دراساتهم العليا هنا في الإمارات العربية المتحدة، لتصبحوا جزءاً من نسيج هذا المجتمع وتساهموا بخبراتكم المتنامية التي اكتسبتموها في الجامعة. ألاحظ أيضاً أنكم قادمون من 24 دولة. وأنتم، مع أعضاء الهيئة التدريسية والموظفين، تجسدون القيم الجوهرية لهذا البلد: أي العمل الجاد، والتسامح، والتنوع، والاحترام. وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ملتزمة بتعزيز بيئة حيوية وحرة ومتنوعة، لأن ازدهار العلم ينبع دائماً من تنوع الأفكار والأساليب، وبذلك يمكننا أن ننمّي مؤسسة ديناميكية تدوم لزمن طويل.

وقبل أن أختتم كلمتي هذه، أود أن أترككم مع شعار جامعتنا – تسخير المعرفة للخدمة، فقد استرشدت بهذا المبدأ التوجيهي طوال حياتي. كلنا نكتسب المعرفة لاكتساب القوة وإحداث التغيير وجعل العالم مكاناً أفضل. ولكن لا معنى للقوة بحد ذاتها إذا لم تقدنا إلى خدمة العالم من حولنا وتحسينه. هذا هو معنى الخدمة الحقيقي.

واليوم، عندما تخرجون إلى العالم، أحثكم أيضاً على أن تبقوا تركيزكم منصباً على خدمة مؤسساتكم أو مجتمعاتكم أو بلدكم – فهذه هي الرسالة الأسمى لكل إنسان.

أيها الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية وفريق العمل في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أنا فخور بالاحتفاء بتفانيكم والتزامكم وطموحكم. وأدعوكم وأصدقاء الجامعة في جميع أنحاء العالم إلى الاستمرار في الارتقاء بمكانة جامعتنا لتكون “بيت الحكمة” الجديد في هذه الأرض الرائعة.

إن ما يصنع سمعة الجامعة العظيمة ويحفر اسمها في الذاكرة هي العقول العظيمة التي ترعاها، وليس القاعات العظيمة التي تشيّدها. وأنا أتمنى من كل قلبي أن تصبح جامعتنا، من خلال جهودنا الدؤوبة وعملنا بلا هوادة على مدى الأجيال القادمة، منارة للعلوم ترسّخ ثقافة الابتكار والاكتشاف بين شعب هذه الأرض العظيم.

تهانينا لكم جميعاً، ونتمنى لكم كل التوفيق في مساعيكم المستقبلية كلها.