تعزيز قدرات ومزايا الذكاء الاصطناعي بخوارزميات أكثر فاعلية

Tuesday, June 04, 2024

غالباً ما يُنظَر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره تقنية قادرة على إحداث ثورة في قطاعات عدة بما فيها: الرعاية الصحية، والطاقة، والخدمات اللوجستية، والأمن، والتعليم، وغيرها الكثير من المجالات الأخرى، غير أن توسع نطاق استخدام هذه التكنولوجيا المتطورة في حياتنا أدى رويداً رويداً إلى بُروزِ مجموعة من التحديات المرتبطة بتشغيلها.

ولنتأمل هنا كميات الطاقة اللازمة لتشغيل نظم الذكاء الاصطناعي، وتكلفة الرقائق وندرتها، وحقيقة أن كلاً من هذه العوامل يمكن أن تقيد قدرة الذكاء الاصطناعي على أداء وظيفته على النحو الصحيح، وخاصة بالنسبة للمستخدمين في المناطق النائية مثل فرق العمل الطبية أو فرق البحث والإنقاذ الذين يستخدمون أجهزة ببيانات وإمدادات طاقة محدودة.

الواقع أن تحديات مثل هذه يمكن معالجتها من خلال تمكين نظم الذكاء الاصطناعي من الاشتغال بحزم بيانات أصغر بكثير من تلك المستخدمة عادةً؛ وهذا بالضبط ما ركز عليه ويليام دي فَازِيلْ في بحثه – المواطن الفرنسي الذي تخرج في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بدرجة الدكتوراه في تعلم الآلة – منذ التحاقه بالجامعة عام 2021.

يذكر أن دي فَازِيلْ الذي درس الهندسة في جامعة باريس ساكلي الشهيرة وتخرج فيها بما يعادل الماجستير في علم البيانات، والذي عمل مهندس أبحاث بعدها في معهد إنريا (Inria) – المؤسسة البحثية الفرنسية – تقدم بطلب الالتحاق بالجامعة لمتابعة دراسته فيها في أعقاب زيارة سياحية قام بها إلى الإمارات رفقة زوجته التي تتخصص أيضاً في علم البيانات، ولم يفكر في تقديم طلبه الحصول على الدكتوراه فيها إلا فيما بعد، ويتذكر دي فَازِيلْ زيارته قائلاً:

“قمت برفقة زوجتي بزيارة دبي وأعجبتنا أجواؤها وحيويتها، وعلمت عندئذ بوجود جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي قرأت عنها وأعجبت بقيمة العمل البحثي الجاد الذي تنشره الجامعة من خلال عدد من الأوراق البحثية التي اطلعت عنها وكان هذا هو السبب وراء تقديمي طلب الالتحاق بها”.

ركز بحثُ دي فَازِيلْ على خوارزميات التحسين(Optimization Algorithms) ، وهي الآلية التي تتعلم من خلالها نماذج تعلم الآلة من بيانات التدريب. واهتم ويليام، تحديداً، بنوع خاص من الخوارزميات يُعرف باسم ’خوارزميات العتبة الصلبة‘ Hard Thresholding Algorithms))، والتي تمكن الذكاء الاصطناعي من فلترة وتبسيط المعلومات والتركيز من بينها على أكثر المعلومات أهمية، مما يجعل تحليلها والاشتغال بها أسهل.

وبمقارنة هذا النهج بطرق التحسين الأخرى، بين دي فَازِيلْ أنه رغم تصنيف ’خوارزميات العتبة الصلبة‘ ضمن فئة الخوارزميات التي يصعب عادة تحليلها و”المعروفة بالخوارزميات غير المحدبة”، أنه يمكن الوصول إلى نتائج مماثلة لتلك التي يُعتمد فيها على الخوارزميات التي يعتبر تحليلها أسهل و”المعروفة بالخوارزميات المحدبة” في ظروف اعتيادية عدة. كما أوضح الباحث أن هذا النهج أثبت قدرته على توفير الطاقة وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على الأجهزة المزودة بذاكرة تخزين منخفضة وتعزيز كفاءة عمليات تعلم الآلة.

وتمتاز ’خوارزميات العتبة الصلبة‘ بتنوع تطبيقاتها المحتملة وتعددها في عدد من القطاعات. ويرى دي فَازِيلْ أن مديري المحافظ المالية، على سبيل المثال، يمكنهم الاعتماد عليها لتطوير حلول مبتكرة تساعدهم في فلترة البيانات، وتمكينهم من فهم تقلبات السوق بشكل أفضل واتخاذ قرارات استثمارية مستندة إلى معلومات دقيقة. ويوضح الباحث أن هذه الخوارزميات يمكنها أيضاً مساعدة مديري الأصول خاصة عندما تواجههم قيود ميزانية على عدد الأصول التي يمكنهم الاستثمار فيها، حيث توفر هذه الخوارزميات طريقة أكثر كفاءة لاستعمال الذكاء الاصطناعي في إدارة محفظة الأصول التي يديرونها.

ويمكن أيضاً أن يستفيد قطاع خدمات الرعاية الصحية من هذه الخوارزميات خاصة في المناطق النائية التي تتسم بمحدودية قدرتها على الوصول للموارد الحاسوبية. وتصبح أهمية هذه الخوارزميات واضحة في حالات استخدام الأطقم الطبية لأجهزة الموجات فوق الصوتية المحمولة والأجهزة اللوحية للوصول إلى سجلات الرعاية الصحية للمرضى.

ويتابع الباحث موضحاً مزايا هذه الخوارزميات بمقارنة استخدام ’نموذج تعلم متناثر‘ بـ ’نموذج تعلم كثيف‘ لتصنيف الصور الطبية، حيث إن النموذج الأول سيكون بحاجة إلى إجراء حسابات أقل للحصول على النتائج نفسها التي سيصل إليها النموذج الثاني، وهذا الفرق في الأداء من شأنه الإسهام في توفير الطاقة والموارد الحاسوبية وتحقيق أسرع للنتائج.

وعلاقة بالرعاية الصحية دائماً، يمكن لاستخدام الاستشعار المضغوط – حسب دي فَازِيلْ – مع أجهزة الموجات فوق الصوتية المحمولة أن يسهم في تقليل عدد القياسات اللازمة للحصول على صور ذات جودة عالية الأمر الذي بدوره سيسهم في تقليص حجم محول الموجات ويجعل هذه الأجهزة أكثر قابلية للحمل مع الحفاظ على جودة الصور التي تنتجها. كما يمكن للتحسين باستخدام نماذج التعلم المتناثرة في مجال العلاج الإشعاعي للسرطان أن يلعب دوراً مهماً في تحديد أفضل الزوايا لتوجيه الأشعة نحو الورم، وبالتالي تقليل مخاطر الإشعاع على المريض وخفض استهلاك الطاقة.

حمل بحث الدكتوراه الذي قام به الطالب دي فَازِيلْ في طياته تحديات كبيرة باعتباره مجالاً بحثيا جديدا تطلب منه في بعض الأحيان وقت وجهداً بحثياً مضاعفاً في إنجاز تجارب واختبارات مكثّفة كان من الممكن أن تكون سبلاً بنهايات مسدودة أو دون أي جدوى.

وذكر دي فَازِيلْ، في هذا الصدد، أن التحدي الرئيس الذي واجهه في بحثه ارتبط بجوانب لم يسبق تناولها بالبحث. وأضاف: “مقارنة بالبحث للحصول على درجتي بكالوريوس العلوم وماجستير العلوم اللذين غالباً ما تكون الإجابات عن تساؤلاتها معروفة مسبقاً، فإن بحث الدكتوراه كان شيئاً مختلفاً دفعني إلى استكشاف المجهول. كما أن الشك كان دائماً يسائل جدوى الأهداف البحثية والقيام بالتجارب والاختبارات كان أمراً ضرورياً. ورغم كل تلك الشكوك، تمكنت من تحقيق إنجازات مهمة.”

ومن بين أبرز إنجازات الباحث تمكنُه من توسيع نطاق ’خوارزميات العتبة الصلبة‘ إلى الدرجة الصفرية أو الشكل الأبسط للخوارزمية الذي لا يمكن معه حساب درجة الدالة. وتبرز قيمة هذا النهج في سيناريوهات التحسين، بما فيها تلك التي تحد فيها القيود على الخصوصية الوصول إلى البيانات ويصعب معها حساب درجة الدالة. ويشكل هذا النهج محاولة للابتعاد عن الاعتماد على التدرجات في خوارزميات التحسين. كما أنه نهج يبرز إمكانات هذه الخوارزميات في العديد من التطبيقات العملية التي يمكن أن تشمل مجالات عدة بما فيها تحسين كفاءة النماذج اللغوية الكبيرة.

وعلى صعيد آخر أشاد دي فَازِيلْ بجودة التعليم في الجامعة وما تتوفر عليه من مرافق وخدمات أسهمت في إثراء تجربته. كما أكد – في السياق ذاته – التزام الجامعة بضمان رفاهية الطلاب وراحتهم من خلال عملها على توفير جميع ما يحتاجونه لتمكينهم من تحقيق التميز الأكاديمي. وأثنى أيضاً دي فَازِيلْ على الهيئة التدريسية التي ذكر أنها تسهر على توفير بعض من أفضل البرامج التي درسها على الإطلاق. كما عبر عن إعجابه بالغنى الذي يشكله تنوع الطلاب الذين قدموا إلى الجامعة من مختلف أنحاء العالم وما يخلق هذا التنوع من أجواء رائعة تعزز بيئة التعلم وتدعمها.

وأضاف دي فَازِيلْ قائلا إن “ما يميز جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي هو تشجيع الأساتذة لطلاب ماجستير العلوم والدكتوراه التركيز على المشاريع التي يمكن أن تسهم في إيجاد حلول لتحديات حقيقية مطروحة، وشخصياً أتطلع – على المدى البعيد – إلى الإسهام في تطوير وتشغيل حلول الذكاء الاصطناعي التي ستسهم في إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع”.

بعد تخرجه، يطمح دي فَازِيلْ لاستكشاف الفرص في مجال الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات.

أخبار ذات صلة