استضاف قسم الحوسبة الحيوية في الجامعة الأسبوع الماضي فعاليات أولى “ورش عمل هيكليات البيانات” التي تنعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تشكل جزءاً من مبادرة عالمية تهدف إلى تعليم المهارات الأساسية في الحوسبة وعلوم البيانات للباحثين.
وقد شهد حرم الجامعة بمدينة مصدر – وعلى مدى يومين – ضمن هذه المبادرة تنظيم فعاليات “ورشة عمل هيكلية البيانات الجينومية ” بمشاركة 35 باحثاً. وقد شكلت الورشة فرصة للمشاركين لتعلم المهارات الأساسية اللازمة لإجراء البحوث مثل تنظيم البيانات والحوسبة السحابية والأوامر البرمجية ومعالجة البيانات.
يذكر أن “هيكلية البيانات” تشكل فرعاً من فروع مؤسسة “هيكليات” التي ينضوي تحتها كل من فرعي “هيكلية البرمجيات” و”هيكلية المكتبات“، والتي تهدف مجتمعة إلى “توفير تدريب عالي الجودة ومتخصص للباحثين في المجالات المختلفة التي تغطي كافة جوانب البحث القائم على البيانات”.
وعن الهدف من الورشة، أوضح الدكتور عزيز خان – الأستاذ المساعد في قسم الحوسبة الحيوية بالجامعة، والمدرّب المعتمد من مؤسسة ’هيكليات‘ والمسؤول عن تنظيم الورشة – أن الهدف من الورشة هو تمكين المشاركين من المهارات الأساسية في علوم البيانات الجينومية بهدف بناء قدرات الإمارات في هذا المجال.
كما أبرز الدكتور أهمية تنظيم الورشة في ضوء التطور الكبير الذي شهده مبحث علم الجينوم، هذا المبحث الذي ظل ولسنوات طويلة منقسما إلى شق تجريبي بحت، وآخر تحليلي معني بمعالجة البيانات. وقد نتج عن هذا الانقسام – في تقدير الدكتور – هوة واضحة بين المجالين، حيث يمتلك الباحثون في الجانب التجريبي فهماً أعمق لتحليل البيانات، بينما في المقابل قد يغيب عن خبراء الحوسبة الإدراك الدقيق للسياق التجريبي.
ولكن هذا الأمر – يضيف خان – بدأ يتغير مع ظهور العلوم القائمة على البيانات التي تحول معها علم الأحياء من المقاربة التقليدية إلى الحوسبة الحيوية. وقد دفع هذا التطور بالباحثين التجريبيين إلى الرغبة في تطوير مهاراتهم التحليلية – مثل تحليل البيانات، ويشكل هذا أحد الأسباب الرئيسة لتنظيم هذه الورشة.
وقد عرفت الورشة مشاركة طلاب من مراحل الماجستير والدكتوراه وباحثين ما بعد الدكتوراه من الجامعة، وطلاباً من جامعات إماراتية أخرى مثل “جامعة نيويورك أبوظبي”، و”جامعة خليفة”، و”جامعة الإمارات العربية المتحدة” في العين، إضافة إلى ممثلين من القطاع الصناعي. وقد شكلت الإناث حوالي 70% من المشاركين من بينهم عدة مواطنات.
يشار إلى أن الورشة عُقدت بدعم وتنسيق من مدربين ومساعدين من الجامعة المستضيفة و”جامعة نيويورك أبوظبي”، حيث شارك إلى جانب الدكتور خان في التدريب الدكتور نزار درو – العالم الباحث الأول في جامعة نيويورك أبوظبي – بالإضافة إلى مساعدين من كلتا الجامعتين – ويتعلق الأمر بـ : لويز مانييرو ومحمد أرشد، ونادين حسني السعيد، وجايارام راداكريشنان، ونبيل رحيمان، وجوزيبي أنطونيو سالدي. وقد قدموا للمشاركين سلسلة من الجلسات المتكاملة والهادفة إلى تحسين الجانب التنظيمي للمشاريع البحثية وتحليل البيانات.
وعن أهم محاور الورشة أوضح د. خان أن المشاركين تلقوا فيها تدريبا عن كيفية إدارة المشاريع البحثية وكيفية تصنيف البيانات و/أو البيانات الوصفية باستخدام معايير FAIR [التوافق التشغيلي وإعادة الاستخدام وسهولة البحث وسهولة الاطلاع] بهدف تجنب الأخطاء والمشاكل في تحليل هذه الأخيرة.
قام المشاركون، بعد هذا المدخل، بتمرين تطبيقي على مجموعة بيانات وصفية تحتوي على أخطاء طلب منهم تحديد المشكلة فيها. كما اطلع المشاركون على كيفية التعامل مع البيانات الواردة من مراكز التسلسل الجيني، حيث تكون مجموعات البيانات كبيرة جداً (بالجيجابايت)، وتتطلب من أجل معالجتها استخدام الأوامر البرمجية اعتماداً على مفسري الأوامر Shell/Bash.
وبالإضافة إلى هذا كان للمشاركين أيضاً فرصة الاطلاع على الحوسبة السحابية واستخدامها لمعالجة مجموعات البيانات. كما تعمق المشاركون أكثر في دراسة البيانات وتعرفوا على الكيفية التي يبدوا عليها تسلسل البيانات وما يعنيه كل سطر في ملف قراءة التسلسل. غطت الورشة أيضاً كيفية تقييم جودة البيانات وإجراء المعالجات اللاحقة. وأخيراً التحليل الحاسوبي للمعلومات الحيوية بدءاً من فهرسة المرجع، والتخطيط إلى فهرسة الجينوم وتحديد الطفرات وتمثيلها.
يشار إلى أن ورشة العمل قد حصدت إعجاب المشاركين بشكل كبير، حيث أظهر استبيان ما بعد الورشة نسبة رضا مذهلة بلغت 93%! هذا الرقم يعكس مدى استعداد المشاركين للتوصية بالورشة للآخرين، ويعبر بوضوح عن رضاهم التام عن المحتوى المقدم.
رهف أحمد، مرشحة الدكتوراه بجامعة الإمارات، شاركت حماسها قائلة: “الورشة فاقت توقعاتي بمراحل! والمدربون كانوا رائعين في تبسيط الأمور المعقدة وتحويلها إلى خطوات عملية يمكن تطبيقها بسهولة.. لم تكن الورشة مجرد دورة تدريبية، بل تجربة غيرت طريقة تفكيري بالكامل.”
من جهتها، أضافت لينا أوتينوفا، مساعد باحث في مركز الجينوميات والبيولوجيا بجامعة نيويورك أبوظبي: “الورشة كانت كنزاً من المعلومات! شرحوا لنا كل خطوة في تحليل بيانات الميتاجينوم، وذلك انطلاقا من مرحلة الفلترة إلى استخلاص المعلومات القيمة.. والأجمل – تضيف – أننا كنا نطرح أسئلتنا في أي وقت، والمدربون والمساعدون كانوا دائماً جاهزين للإجابة.”
حمدة الشحي، مرشحة الدكتوراه بجامعة خليفة، أشادت بدورها بدعم الفريق التدريبي وقالت: “المدربون والمساعدون كانوا سنداً حقيقياً لنا.. ساعدوني على صقل مهاراتي في تحليل البيانات الجينومية وإنتاج بحوث يمكن تكرارها.. إنها حقا تجربة عززت ثقتي بنفسي وجعلتني أقدر أهمية الممارسات البحثية الرصينة.”
ومن جانبها أيضا، عبّرت ربا المجذوب – المرشحة للدكتوراه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي – عن مدى أهمية الورشة بالنسبة لها وقالت: “لقد زودتني الورشة بأدوات ساعدتني على تحسين بحثي. كما أنها [أي الورشة] جعلتني أرى بوضوح كيف تؤثر كل خطوة في معالجة البيانات على جودتها. وفهمت كذلك أهمية اختيارات فلترة البيانات التي قد تكون حاسمة في نجاح أو فشل التحليلات الجينومية.”
وعلى صعيد آخر، أشار خان إلى أن أحد أهم نجاحات الورشة كان زيادة وعي الطلاب بنقاط قوتهم وضعفهم كما ظهر ذلك في استبيانات ما قبل وبعد الورشة: “كان الأمر مثيراً للاهتمام حيث سألنا المشاركين قبل الورشة عن مستوى ثقتهم في جوانب مختلفة مثل البرمجة، والتعامل مع البيانات، والقابلية للتكرار وغير ذلك. ثم قارنا ذلك بمستوى ثقتهم بعد الورشة. وقد أظهرت النتائج بالنسبة لمعظم المعايير مثل الثقة في البرمجة والتعامل مع البيانات الأولية تحسناً كبيراً (70-90%)، بينما انخفضت الثقة قليلًا في جانب القابلية لتكرار الحصول على النتائج نفسها بتكرار”.
ويضيف خان: “هذا الوعي هو مكسب كبير! فهو يساعد المشاركين على تحديد ما يحتاجون للتركيز عليه ليصبحوا باحثين أفضل.”
مع هذا النجاح الباهر، يخطط خان لتنظيم ورش عمل أخرى في المستقبل وقال: “سننظم المزيد من الورش العام القادم، وربما نقدم ورش عمل متقدمة تركز على مجالات محددة. كما أننا قد ندمج الذكاء الاصطناعي – مثل النماذج اللغوية، لدعم الباحثين في تطوير مهاراتهم البرمجية.”
واختتم خان حديثه بنصيحة ذهبية قائلا: “هدفنا هو مساعدة المشاركين على بناء عادات بحثية سليمة منذ البداية.. فإذا بدأت بحثك – يضيف – بتنظيم سيئ لمشروعك البحثي، فإن الفوضى ستستمر طوال المشروع وعندما تكتشف المشكلة، غالباً ما يكون الوقت قد فات.. لكن إذا كنت منظماً من البداية، ستتمكن من مواجهة التحديات وتصحيح الأخطاء بثقة.”
“تنظيم البيانات وحسن إدارة المشاريع البحثية والتأكد من قابلية النتائج للتكرار هي ليست أموراً تنتظر حتى النشر – بل هي جزء أساسي من رحلة البحث منذ اليوم الأول!”
الدكتور عزيز خان
نظم قسم الحوسبة الحيوية في الجامعة ورشة عمل سعت إلى تطوير المهارات العملية للمشاركين وتعزيز حضور ودور.....
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تستضيف ورشة عمل مشتركة مع جامعة بيركلي تحت عنوان "الاتجاهات الناشئة.....
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تخرج حتى الآن ما يقرب من 240 قائداً من كبار المسؤولين.....
اقرأ المزيد