هل ستجازف بركوب طائرة ربانها الوحيد هو الذكاء الاصطناعي؟

Tuesday, February 01, 2022

نُشر هذا المقال لأول مرة في مجلة “وايرد الشرق الأوسط” بتاريخ 20 يناير 2022

 يناقش مارتن تاكاك، الأستاذ المساعد في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، الجوانب الإيجابية والسلبية للطائرات ذاتية القيادة.

في حال كنتم قد أجريتم بحثاً في “أخبار جوجل” عن “الطائرات ذاتية القيادة” في نوفمبر الماضي، فإن أولى النتائج التي ستظهر أمامكم هي عنوان “الخطوط الجوية الإثيوبية تعتزم استخدام روبوت تعقيم الطائرات راي”. إلا أننا لم نبلغ تلك المرحلة بعد. فبالرغم من وجود طائرات ذاتية التحليق إلى حد ما، لكن حتى أنظمة الطيار الآلي الأكثر تقدماً تحتاج إلى مدخلات من نظرائهم البشر الذين يتم استدعاؤهم أيضاً للتعامل مع حالات الطوارئ. ويعتبر هذا السبب لوحده كافياً للاعتقاد بأنه من المرجح أن ننتظر عقوداً طويلة قبل أن نستغني بالكامل عمّا يمكن أن نطلق عليه اسم أنظمة السلامة البيولوجية، أي البشر.

ويمتلك الدكتور مارتن تاكاش، الباحث والأستاذ المساعد في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إيماناً كافياً بالذكاء الاصطناعي لدرجة أنه يبدي استعداده للصعود على متن طائرة بدون طيار دون أي تردد. ويؤكد الدكتور تاكاش ذلك بقوله: “يمكن لنظام قائم على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي محاكاة ملايين أميال الطيران وفق آلاف السيناريوهات المختلفة، أي أكثر بكثير من حدود إمكانيات الطيار البشري. وحتى في حالات الأزمات الافتراضية مستحيلة الحدوث، يمكننا معاينة كافة تلك الفروقات والاختلافات المتعددة. ولا يمكن مقارنة هذا الأمر مع المسار التقليدي المتمثل بإكمال الطيار لعدد معين من الساعات في مدرسة الطيران ليصبح بعدها مستعداً للتحليق بالطائرة. ومن هذا المنطلق، أعتقد أن الطيار البشري يمكن أن يوفر مستويات أمان أدنى بالمقارنة مع الذكاء الاصطناعي”.

ومع ذلك، يشير الدكتور تاكاش إلى حقيقة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي على تنوعها لا تتمتع بقدرات متساوية أو متكافئة، حيث يوضح: “يتمحور الأمر حول كيفية تدريب هذه الأنظمة وكيفية تعلمها. ويتمثل النوع الأساسي بالتعلم الخاضع للإشراف، وفيه نقدم لنظام الذكاء الاصطناعي صورة لكلب أو إنسان ونسأله، ما هذا؟ وفي حال كانت الإجابة خاطئة، نقوم بتصويبها ونمضي قدماً في عملية التعلم”.

ويعتبر هذا النهج مناسباً في حال كنا نطلب من الذكاء الاصطناعي التمييز بين الكلب والإنسان، وهو أمر من غير المرجح أن يتسبب بوقوع حادث خطير أو مميت، ولكن قد يكون من الصعب المضي قدماً في حال كنا قد تسببنا للتو باصطدام طائرة بحافة جبل ما. وقال الدكتور تاكاش: “نعم، ينبغي أن تتعلم الآلة عدم ارتكاب هذه الأخطاء ضمن بيئة آمنة، وهي تقوم بذلك عبر استخدام خوارزمية معينة، مما يسهم في تقليص الأخطاء المحتملة إلى حدودها الدنيا”.

ومن هنا بالضبط يبرز دور التعلم المعزز. ويشير الدكتور تاكاش إلى استخدام الخوارزميات التي تدرّب الآلات على العمل بهدف تعزيز الأثر الإيجابي، بقوله: “مع التعلم المعزز، نريد من الذكاء الاصطناعي اتخاذ سلسلة من القرارات وتحسين الإجراءات المطبقة للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. وكما هو الحال مع أي مجال جديد، دائماً ما يتمحور الأمر حول إجراء الاختبارات؛ ففي حال تحطمت الطائرة أثناء محاكاتنا لرحلة جوية افتراضية، يتعلم الذكاء الاصطناعي من هذه التجربة ثم يعدّل سلوكه لضمان عدم حدوث هذا الأمر مرة أخرى. أما على الجانب البشري، فنحن غالباً ما نرتكب ذات الأخطاء الغبية مرة تلو الأخرى. ويتمثل الهدف من مساعي استخدام الذكاء الاصطناعي بالحد من هذه الأخطاء والتخلص منها”.

وبطبيعة الحال، أثبت الذكاء الاصطناعي بالفعل امتلاكه لقدرات متفوقة في عدد من وظائف الطيران الأقل خطورة. ولا يقتصر استخدام الآلات على تنظيف الطائرات، فهي تساعد في تخطيط المسارات وتوفير الوقود وتعزيز الأمان وإصلاح وصيانة الطائرة وتنظيم جداول عمل الطاقم وتتبع الأمتعة وتوضيح الجوانب المبهمة في عملية قطع التذاكر. وفي الواقع، نحن نشهد المؤشرات الأولى لعصر الطائرات ذاتية القيادة بالكامل، بالرغم من أنها لم تبلغ مستوى ونطاق الاستخدام المطلوب لإحداث تأثير ملموس في قطاع الطيران المدني.

في عام 2019، تمكنت شركة “بوينج” من إكمال رحلة تجريبية ناجحة لمركبة طائرة صغيرة وذاتية القيادة مخصصة لنقل الركاب – وهو مجال تسعى لاستكشافه شركة “إي هانج” الصينية أيضاً. وبعد مرور عام، سيّرت “بوينج” سلسلة من الرحلات التجريبية بهدف تسليط الضوء على قدرة الطائرات العسكرية على التحليق بصورة متناغمة عبر استخدام الأوامر الآلية على متن الطائرة ومشاركة البيانات. وفي خريف العام الماضي، أعلنت شركة “ريلايبل روبوتكس” الناشئة التي تتخذ من وادي السيليكون مقراً لها عن جمعها لمبلغ 100 مليون دولار تعتزم استثماره في تطوير طائرات ذاتية القيادة لشحن البضائع.

وفي ذات الوقت، تزعم شركات مثل “ديدالين” السويسرية المتخصصة في تطوير البرمجيات – والتي تستخدم تعلّم الآلة والشبكات العصبية لتطوير أنظمة الملاحة البصرية – أنها تبشر ببداية عصر الطائرات التجارية بدون طيار. وربما يتمثل التقدم الأبرز على الإطلاق الذي تم إحرازه في هذا الإطار بذلك الذي شهدناه عام 2020، حين استعرضت “إيرباص” تقنيتها الرائدة المتمثلة بنظام الإقلاع والهبوط لمركبات التاكسي ذاتية القيادة، والذي يستند إلى برمجيات متقدمة للتعرف على الصور.

وبالرغم من ذلك، لا تزال فرص انتقال الناس نحو استخدام الطائرات ذاتية القيادة ضئيلة للغاية – وكان الرئيس التنفيذي السابق لشركة “جوجل” إريك شميدت قد تكهّن ذات مرة أننا قد ننتظر 50 عاماً أو أكثر قبل أن يتحقق هذا السيناريو، وقد يحمل هذا التصريح بعض التشاؤم بالنظر إلى حقيقة أن الظهور الأول لتكنولوجيا الطيار الآلي يعود إلى أكثر من 100 عام.

إن قلتم لي قبل عشر سنوات من الآن أنني سأركب سيارة أجرة تقود نفسها بصورة ذاتية كنت سأنفجر ضاحكاً.

الدكتور مارتن تاكاش
أستاذ مشارك في قسم تعلم الآلة بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
وأضاف الدكتور تاكاش: “نستخدم هذه التكنولوجيا على أرض الواقع بشكل فعلي، كما هو الحال في الطائرات القادرة على الهبوط بصورة ذاتية وما إلى ذلك”. وفي إشارة إلى عملية التشغيل التجريبي لمشروع سيارات الأجرة ذاتية القيادة التي أجريت مؤخراً في أبوظبي وشهدت تواجد فني متخصص بمجال السلامة في مقعد الراكب، قال الدكتور تاكاش: “إن قلتم لي قبل عشر سنوات من الآن أنني سأركب سيارة أجرة تقود نفسها بصورة ذاتية كنت سأنفجر ضاحكاً. وبطريقة ما، قد يكون تشغيل طائرة بدون طيار أسهل من السيارة التي يتحتم عليها التعامل مع الكثير من الأجسام القريبة. وبطبيعة الحال، قد يكون هذا الأمر أسهل بكثير في السماء المفتوحة”.

ولكن ما مدى صحة ذلك؟

عندما تم تذكيره بحادثة عام 2009 الشهيرة التي تمكن خلالها طيار الخطوط الجوية الأمريكية تشيسلي “سولي” سولنبيرجر من الهبوط بطائرته في نهر هدسون بمدينة نيويورك بعد اصطدامها بسرب من طيور الإوز – وهو قرار يحتاج إلى الكثير من الخبرة والحدس والمهارة والشجاعة – أشار الدكتور تاكاش إلى وجود خوارزميات لهذا النوع من الحوادث أيضاً، وقال: “مع التعلم بالتقليد، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم تكرار سلوك الطيار – ويعني ذلك بطبيعة الحال ما يقوم به الطيار لا ما يفكر به. لذلك، قد نتمكن من الوصول إلى شكل مشابه لهذه العقلية التي أظهرها سولي مع الآلة”.

وحتى لو تمكنت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من تجاوز تحديات الطيران الذاتي، لا يزال علينا العثور على إجابة للسؤال الوحيد المتبقي: لماذا؟ بالنسبة لشركات الخطوط الجوية، فإن الإجابة سهلة للغاية: التكلفة والكفاءة. ومن الممكن أن يحقق الركاب فوائد ملموسة من هذه الوفورات، لكن لا تزال هنالك مشكلة تتمثل بإمكانية حدوث خطأ ما مثل توقف نظام تحديد المواقع العالمي عن العمل أو الثغرات البرمجية أو اختراق أنظمة التحكم. ويؤكد الدكتور تاكاش بقوله: “تتعرض أنظمة تعلّم الآلة للهجمات ومحاولات القرصنة كما هو الحال مع جميع الأنظمة الأخرى. لذلك، تجسّد الجوانب المرتبطة بالسلامة والأمن مصدراً للقلق بكل تأكيد. ولكن مرة أخرى، سيمضي البشر ساعات طويلة للحيلولة دون حدوث ذلك وجعل أنظمة الأمن الخاصة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أكثر قوة”.

وكشف الدكتور تاكاش أن زوجته كانت تجبره أحياناً على مشاهدة برامج وثائقية تتناول حوادث تحطم الطائرات على أمل أن يدفعه هذا الأمر لتقليص عدد الرحلات الجوية التي يستقلها، وقال: “لا أزال أستقل الرحلات الجوية بنفس التواتر، لكنني بتّ أشعر بخوف أكبر الآن. ويتمثل الأمر المخيف إلى حد كبير بعدد الحوادث التي تعزى أسبابها إلى خطأ بشري؛ إذ تتناهى إلى مسامعنا كل تلك الأمثلة عن طيارين يقومون بأشياء لن تقوم بها الآلة مطلقاً مثل النوم أثناء الرحلات الجوية أو تناولهم للأدوية من أجل البقاء مستيقظين. وعندما تحدث حالة طارئة، قد يصاب الطيار بالذعر إلى حد ما، وربما لن يكون قادراً على الاستجابة بسرعة؛ في حين لن يشعر الذكاء الاصطناعي بالخوف مطلقاً”.

الطائرات والعقول والتحكم الآلي

من أجل استبدال الطيار بالآلة، سيحتاج المهندسون إلى تقديم كافة أنواع الابتكارات التكنولوجية الكفيلة بمنح الطائرات ذاتية القيادة القدرة على اكتشاف المخاطر وتوقعها وامتلاك الوعي المكاني واتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة في كل مرة.

أجهزة الاستشعار

باعتبار أنها تفتقر لحاستي البصر والسمع بطبيعة الحال، ستحتاج الطائرات ذاتية القيادة إلى وجود أجهزة استشعار مترابطة ومتصلة تشمل أجهزة الاستشعار البصرية والصوتية وتلك العاملة بالأشعة تحت الحمراء والرادار في مواقع استراتيجية في جميع أجزاء الطائرة. ولا ينبغي أن يقتصر دور هذه الأجهزة على اكتشاف التهديدات الداخلية والخارجية وتحديد طبيعتها، بل يجب أن تنقل صورة شاملة عن الوضع الراهن لأنظمة الذكاء الاصطناعي، لتقوم هذه الأنظمة بدورها باتخاذ قرار بشأن المسار المناسب للإجراءات الواجب تطبيقها.

التعلم العميق

لن تكون استجابة أنظمة الذكاء الاصطناعي للسيناريوهات المختلفة أمراً كافياً؛ إذ ينبغي أن تكون قادرة على توقع حدوثها أو حتى امتلاك حدس بشأن وقوعها. وسيتطلب هذا الأمر وجود شبكات عصبية تحاكي عمل الدماغ البشري، ولا تكتفي بدمج التعلم الذاتي والقدرات التنبؤية بل تشمل أيضاً قدرات الانتباه التحفيزي – وهي عملية معرفية إما تجذب البشر أو تبعدهم عن شيء ما أو عن نتيجة محتملة.

الاتصال

ستكون الطائرات بحاجة إلى تلقي التعليمات من مراقبي الحركة الجوية بشأن تجنب عاصفة رعدية أو مسار جوي مزدحم. وفي ذات الوقت، سيتعين على الطائرة أيضاً أن “تتواصل” مع هؤلاء المراقبين وإعلامهم بتعطل جهاز ما على سبيل المثال. ومن المستحسن أيضاً أن تتمتع هذه الطائرات بأحد أشكال التواصل مع الركاب.

الأمان

إلى جانب الضوابط والإجراءات الاحترازية المضادة للقرصنة والهجمات الكهرومغناطيسية، ستعتمد الطائرات على أنظمة المقاييس الحيوية – مثل التعرف على الوجه والتحليل السلوكي – من أجل مراقبة الركاب. وإلى جانب القدرة على توقع حالات الارتطام بالطيور والاستجابة لها بالشكل المناسب، ينبغي أن تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي المتواجدة على متن الطائرة بذات الوظيفة في حوادث الركاب. وقد نشهد أيضاً ابتكار روبوت يقوم بمهمة ضابط أمن الطائرة يوماً ما في المستقبل.

 

أخبار ذات صلة

thumbnail
Thursday, January 23, 2025

توقع إنتاج المحاصيل في ظل التغيرات المناخية والأحوال الجوية الاستثنائية

الدكتور فخري كراي يسهم في تطوير نموذج إحصائي جديد قد يساعد في تحسين مستويات الاستدامة وجودة النظم.....

  1. التوقعات ,
  2. الغداء ,
  3. البيئة ,
  4. المناخ ,
  5. الإحصائيات ,
  6. الاستدامة ,
  7. تعلّم الآلة ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Wednesday, December 25, 2024

مبادئ تعلم الآلة 101

خوارزميات تعَلُمِ الآلة – نُظم قادرة على اتخاذ القرارات أو تقديم التوقعات من خلال تحليل مجموعات ضخمة.....

  1. البحوث ,
  2. التنبؤ ,
  3. التعلم العميق ,
  4. الخوارزميات ,
  5. تعلّم الآلة ,
اقرأ المزيد