يشهد العالم أكثر من 130 مليون حالة ولادة سنوياً، منها للأسف نحو 8 ملايين طفل لديهم تشوهات خِلقية. ونصف هذه الحالات لا تُكتشف قبل الولادة بسبب محدودية التكنولوجيا المتاحة اليوم، بحسب الدكتور محمد يعقوب، الأستاذ المساعد في قسم الرؤية الحاسوبية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، الذي يؤكد أن الابتكارات الحديثة، وفي مقدمتها حلول الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تُحدث تحسناً كبيراً في النتائج الصحية لملايين الأطفال كل عام.
في إطار السعي لتحسين القدرة على تشخيص الأمراض قبل الولادة، طوّر الدكتور يعقوب وزملاؤه من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ومستشفى الكورنيش في أبوظبي نموذجاً تأسيسياً جديداً اسمه “FetalCLIP” يمكن أن يساعد في تشخيص حالات مثل عيوب القلب الخِلقية قبل الولادة. ويُعد هذا النموذج أول نموذج تأسيسي صُمّم خصيصاً لتحليل صور الأجنّة بالموجات فوق الصوتية، وقد تفوّق على نماذج تأسيسية أخرى في عدة مهام لتحليل صور الموجات فوق الصوتية.
شارك في إعداد الدراسة كل من فاديلا ماني، ونعمان سعيد، وتوصيفة سليم، وزيد فاروق، وحسين العسماوي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إلى جانب ورنر ديهل، وأميرة محمد، وغاريث وورينغ، وسودابي فالابي، وليان بريكر من مستشفى الكورنيش.
تشكل هذه الدراسة البحثية جزءاً من مبادرة أوسع يعمل عليها الدكتور يعقوب وفريقه لتحسين صحة الأجنّة والأمهات، وشملت التعاون مع باحثين من شركة أبوظبي للخدمات الصحية (صحة) ومؤسسات أخرى لتطوير طرق جديدة لتعلّم الآلة بهدف تحليل صور الأجنّة بالموجات فوق الصوتية.
يقول الدكتور يعقوب مؤكداً على أهمية السياسات التي اعتمدتها إمارة أبوظبي بخصوص استخدام البيانات الطبية في بحوث الذكاء الاصطناعي ودورها في تسهيل هذه الدراسة: “يمثل الحصول على البيانات الطبية أحد أبرز التحديات التي يواجهها الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية. وقد طورت أبوظبي نظاماً يتيح للباحثين مثلي الحصول على هذه البيانات لتدريب النماذج مع الحفاظ على الخصوصية، مما يوفر فوائد كبيرة للمرضى”.
تُعدّ الموجات فوق الصوتية الوسيلة الأكثر شيوعاً لمتابعة نموّ الجنين، حيث تتميّز بتكلفتها المنخفضة وفعاليتها العالية في تزويد الأطباء بمعلومات حول صحة الجنين وتطوره داخل الرحم. ولكن صور الأجنّة الملتقطة بواسطة هذه الموجات معقّدة وقد يصعب تحليلها حتى بالنسبة لأمهر الأطباء.
يوضح الدكتور يعقوب هذه النقطة بقوله إنه في المراحل المبكرة من الحمل “لا يزيد حجم قلب الجنين عن بضع سنتيميترات، وينبض نحو 160 مرة في الدقيقة”، مضيفاً إن جودة الصور تتباين بدرجة كبيرة تبعاً لظروف التصوير، ما يجعل تفسيرها أمراً صعباً.
من المعروف أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في تحليل صور الموجات فوق الصوتية، ولكن أداء النماذج الحالية ما زال دون المستوى الذي يحتاجه الأطباء، وهو أمر يعزوه الدكتور يعقوب بشكل رئيسي إلى ندرة الصور اللازمة لتدريب النماذج على نحوٍ كافٍ، حيث يقول: “تُعدّ بيانات الرعاية الصحية المتاحة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي قليلة بالمقارنة مع مجالات أخرى، كما أن مجموعات البيانات الخاصة بصور الأجنّة بالموجات فوق الصوتية نادرة”، وذلك بسبب القيود المفروضة على مشاركة البيانات لضمان المحافظة على خصوصية المرضى والامتثال للأنظمة. ولكنه يؤكد إمكانية الحفاظ على الخصوصية مع الاستفادة من بيانات حقيقية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
تعاون الدكتور يعقوب وزملاؤه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مع أطباء من مستشفى الكورنيش، المتخصص في رعاية النساء وحديثي الولادة، لإنشاء أكبر مجموعة بيانات من الصور والنصوص في هذا المجال، حيث تضمّ المجموعة أكثر من 200 ألف صورة للأجنّة بالموجات فوق الصوتية مُلتقطة في المستشفى، إضافةً إلى أكثر من ألفي صورة مع شروحها التوضيحية من مرجع تعليمي في تصوير الأجنّة بالموجات فوق الصوتية. كما أن بعض صور المستشفى تتضمن ملاحظات أضافها الأطباء، لكن دون أي معلومات طبية عن الأم أو الجنين، حيث حُذفت البيانات الشخصية من جميع الصور للحفاظ على خصوصية المرضى.
طوّر باحثو الذكاء الاصطناعي نماذج تأسيسية عامة أخرى غالباً ما تكون متعدّدة الوسائط لأنها تُدرَّب على الصور والنصوص وغيرها من أنواع البيانات. وهي تُدعى “نماذج تأسيسية” لأنها تشكّل أساساً لبناء تطبيقات أخرى تستفيد من قدرتها على استخراج معلومات من مجموعات بيانات ضخمة.
أحد هذه النماذج التأسيسية العامة هو نموذج “CLIP” من شركة “أوبن أيه آي”، الذي جرى تدريبه على مجموعة ضخمة وواسعة من الصور والنصوص، لكنه غير مخصص لنوع معين من البيانات. يشير الباحثون في دراستهم إلى أنّ “معظم حلول الذكاء الاصطناعي الخاصة بصور الأجنة بالموجات فوق الصوتية تعتمد على مجموعات بيانات محدودة، ولا تتيح إمكانية التعميم الضرورية للاستخدام السريري الموثوق، خاصة في اكتشاف الحالات الجنينية النادرة”.
يقول الدكتور يعقوب إنه سعى مع فريقه إلى تطوير نموذج تأسيسي متخصص يحدث أثراً حقيقياً في المستشفيات والعيادات ويمكن للمطورين استخدامه لإنشاء تطبيقات تؤدي مهاماً محددة تتعلق بتحليل صور الأجنّة بالموجات فوق الصوتية. لذلك كان هدفهم أن يوفر النموذج إمكانية التعميم، أي أن يُحقق أداءً جيداً في مهام لم يُدرب عليها تحديداً.
تم تطوير النموذج “FetalCLIP” انطلاقاً من “OpenCLIP”، وهو نموذج لغوي بصري عام. هذا النوع من الأنظمة يستخدم طريقة تُدعى التعلّم التبايني تعمل على تعظيم درجة التشابه للبيانات المرتبطة ببعضها.
في حالة “FetalCLIP”، استخدم الباحثون النموذج “GPT-4o” من شركة “أوبن أيه آي” لإنشاء شروح توضيحية قياسية لصور الموجات فوق الصوتية الملتقطة في المستشفى والبالغ عددها 200 ألف صورة، وذلك بالاعتماد على ملاحظات الأطباء، وعمر الحمل، وخصائص أخرى مأخوذة من الصور. كما استخدم الباحثون الألفي صورة المأخوذة من المرجع التعليمي مع شروحها التوضيحية.
واتبع الباحثون طريقة التعلّم التبايني لتدريب النموذج “FetalCLIP” على تعظيم درجة التشابه بين تمثيلات صور الموجات فوق الصوتية وشروحها التوضيحية، مع تقليل درجة التشابه بين تمثيلات الصور والشروح التوضيحية غير المتطابقة. وبهذه الطريقة، تم الربط بين السمات الجسدية للأجنّة والأوصاف الواردة في الشروح التوضيحية.
قارن الباحثون بين أداء النموذج “FetalCLIP” وأداء عدد من النماذج الأخرى في مهام مختلفة، فتفوّق عليها كلها، بل إنه تجاوز النموذج المتخصص “SonoNet” في إحدى مهام التصنيف.
أشار الباحثون إلى أن النموذج “FetalCLIP” سجل درجة %87.1 على مؤشر الدقة “F1” في مهمة تصنيف لصور أجنة قياسية دون تدريب مسبق، متفوقاً على “SonoNet” بفارق %17.2، وعلى “UniMed‑CLIP” بفارق %37.6، وعلى “BiomedCLIP” بفارق %40.5، وعلى “CLIP” بفارق %60.1.
كما حقق النموذج “FetalCLIP” تحسناً يقارب %7 مقارنة بأقرب نموذج منافس في اكتشاف عيوب القلب الخِلقية، حيث يقول الدكتور يعقوب: “وجدنا أن هذا النموذج التأسيسي قادر على تشخيص أمراض القلب الخِلقية بدقة قريبة من دقة طبيب يتمتع بخبرة كبيرة”.
وبينما تمكّن النموذج “FetalCLIP” من تقدير عمر الحمل بدقة بلغت %83.5، فإن أداءه لم يكن بالدقة نفسها في حالة الصور المأخوذة في مرحلة مبكرة أو متأخرة من الحمل، وهو أمر أرجعه الباحثون إلى أن معظم الصور المستخدمة في تدريب النموذج كانت من الثلث الثاني من الحمل. ومن المرجح أن إضافة مزيد من الصور من الثلثين الأول والثالث من الحمل سيسهم في تحسين الأداء على صور الموجات فوق الصوتية الملتقطة في هاتين المرحلتين. ويؤكد الدكتور يعقوب أن تقدير عمر الجنين بدقة أعلى يعطي الأطباء صورة أوضح عن نمو الجنين.
إحداث أثر ملموس
من خلال تدريب “FetalCLIP” على مجموعة بيانات كبيرة ومتخصّصة، تعلّم هذا النموذج التعرف على أنماط تشريحية دقيقة غالباً ما تغفلها النماذج العامة، وهذا يمكّنه من دعم التطبيقات العملية في المستشفيات والعيادات.
يشير الدكتور يعقوب إلى أن الفضل في تطوير النموذج “FetalCLIP” يرجع لتعاون مستشفى الكورنيش والدعم الذي وفّرته دائرة الصحة في أبوظبي لتعزيز استخدام البيانات السريرية في أبحاث الذكاء الاصطناعي.
يعتزم الفريق إتاحة النموذج “FetalCLIP” للعموم حتى يتمكّن الباحثون والأطباء من تطوير تطبيقات مبتكرة بالاعتماد عليه، حيث يرى الفريق أن هذه التطبيقات قد تكون مفيدة على وجه الخصوص في المناطق النائية التي يقل فيها وجود الكوادر الطبية المتخصّصة.
ويختتم الدكتور يعقوب كلامه بالقول إنه مع توفر أدوات أفضل، قد يتمكن الأطباء من اكتشاف الأمراض في مراحل مبكرة من نمو الجنين واتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين صحته، مؤكداً أنه: “إذا أمكن الكشف والقياس، فسيصبح التدخل ممكناً، مما سيؤدي إلى نتائج صحية أفضل لأطفالنا. وهو أمر يهمّنا جميعاً بكل تأكيد”.
بينما تحتفل الإمارات بشهر الابتكار تحت شعار "الإمارات تبتكر 2025"، يحاول تيموثي بالدوين – عميد جامعة محمد.....
باحثون من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يطورون مجموعة بيانات معيارية جديدة لتقييم أداء النماذج اللغوية.....
طلاب من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يظفرون بجائزة المركز الثاني لأفضل دراسة بحثية طلابية خلال.....