تتعامل مرافق فرز المواد حول العالم يومياً مع كميات هائلة من البلاستيك والورق المقوّى والمعادن وغيرها من المواد القابلة لإعادة التدوير. ويتطلّب ذلك فرز جميع هذه المواد قبل إعادة تدويرها، وهي مهمة ليست بالسهلة. فالسيور الناقلة تكون مكتظّة، والعناصر تتداخل فوق بعضها، كما أن الأجسام الشفافة أو العاكسة كثيراً ما تفلت من ملاحظة العاملين الذين يقومون بعملية الفرز. والنتيجة هي ضياع مواد قابلة لإعادة التدوير، وتعرّض العاملين لظروف عمل خطرة.
ورغم أن الباحثين طوّروا أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التعرّف على أنواع مختلفة من النفايات، فإن معظم الجهود الأكاديمية تعتمد على مجموعات بيانات نظيفة ومبسّطة. وهذا يعني أن النماذج المدرَّبة على هذه البيانات تُظهر أداءً جيداً في البيئات المنضبطة، لكنها لا تعمل بالفعالية نفسها عند تشغيلها في عمليات فرز حقيقية. وهناك أيضاً تحدٍّ آخر، وهو أن تدريب هذه النماذج يحتاج إلى آلاف الصور المصنفة يدوياً. وتوليد هذه البيانات يستغرق وقتاً طويلاً، ويكلّف الكثير، ويتطلّب خبرة متخصصة للتمييز بين المواد المختلفة.
يشرح الدكتور محمد حارس خان، الأستاذ المساعد في قسم الرؤية الحاسوبية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، هذا التحدّي قائلاً: “غالباً ما تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي بكفاءة على مجموعات البيانات المنظّمة، لكنها تفشل عند مواجهة التعقيدات الموجودة في مرافق إعادة التدوير الحقيقية”.
وتحت إشراف الدكتور خان، سعى حسن عابد، خريج الماجستير حديثاً من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع خان محمد من جامعة سونغ كيون كوان، إلى إيجاد حل لهذه التحديات. وقد شمل بحث الفريق تقييم أحدث نماذج الكشف متعددة الوسائط (اللغوية البصرية) باستخدام لقطات حقيقية من مرافق صناعية لمعالجة النفايات، ورفع مستوى الأداء الأساسي عبر تحسين النماذج، وابتكار طريقة للتعلم من البيانات غير المصنفة بشكل شبه خاضع للإشراف.
وسيقدّم الفريق نتائج أبحاثه في المؤتمر البريطاني للرؤية الآلية في دورته السادسة والثلاثين المقرر عقده في مدينة شيفيلد بالمملكة المتحدة.
بشكل عام، كانت نتائج البحث لافتة، حيث أدى تحسين نماذج الكشف الحديثة إلى مضاعفة مستوى أدائها على مجموعات البيانات الأكاديمية أكثر من مرّتين. كما تفوقت طريقة التعلم شبه الخاضع للإشراف على النماذج الأساسية الخاضعة للإشراف الكامل، ما يفتح الطريق أمام أبحاث مفتوحة تُنافس النظم التجارية وتقلّل الحاجة إلى عمليات التصنيف اليدوي المكلِفة.
اعتمدت الأبحاث السابقة المرتبطة بهذه المهمة غالباً على شبكات عصبية ترشيحية مُدرَّبة على عناصر معزولة موضوعة على خلفيات نظيفة. ولتحسين مستوى الأداء الأساسي، عمل الباحثون على تحسين نماذج حديثة لكشف الأجسام بالاعتماد على صور حقيقية للنفايات الصناعية. ويقول عابد موضحاً النهج الذي اتبعه الفريق: “نركّز في عملنا على تعقيد الواقع الصناعي. فمن خلال استخدام لقطات حقيقية من السيور الناقلة، نُخضع النماذج للبيئات الفوضوية نفسها التي تُتخذ فيها قرارات إعادة التدوير على أرض الواقع”.
وقد حسَّن الباحثون أداء نماذج الكشف في تدفّقات صناعية مزدحمة، ودمجوا هذا الأسلوب مع منظومة تعلّم شبه خاضع للإشراف. وكانت النتيجة نماذج أكثر قدرة على التعامل مع الفوضى، وأكثر تكيفاً مع الفئات النادرة من العناصر، وأقل اعتماداً على عمليات التصنيف اليدوي.
من خلال تحسين النماذج المتقدمة مباشرة على مجموعة بيانات حقيقية للنفايات الصناعية، تمكّن الباحثون من مضاعفة الأداء مقارنةً بأفضل معيار أكاديمي سابق، حيث ارتفع متوسط الدقة، وهو المؤشر المستخدم لتقييم مهام كشف الأجسام، من نحو 24 إلى أكثر من 51.

أداء نماذج كشف الأجسام بعد تحسينها باستخدام لقطات حقيقية للنفايات الصناعية. حقق النموذج القديم “TridentNet” متوسط دقّة بلغ 24.2 فقط، بينما أسهم تحسين النماذج الحديثة في رفع مستوى أدائها الأساسي، حيث وصل أفضلها إلى 51.6.
تعالج طريقة التعلّم شبه الخاضع للإشراف أحد أكبر التحديات في كشف النفايات، وهو الحاجة إلى كميات كبيرة من البيانات المصنفة يدوياً. فتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي يتطلب عادةً آلاف الصور المصنفة يدوياً، وهي عملية تستغرق أسابيع وتتطلب جهداً كبيراً من الخبراء.
ومن خلال طريقة التعلّم شبه الخاضع للإشراف، تقوم عدة نماذج ذكاء اصطناعي بتعليم بعضها البعض، حيث يتم تصنيف المقاطع غير المصنفة، ثم تنقيح هذه التصنيفات لتصبح شروحاً آلية عالية الجودة، مما يسمح للنظام بإنتاج كميات كبيرة من بيانات التدريب دون الاعتماد الكامل على الجهد البشري.

منهجية التصنيف الآلي، حيث تُدمج تنبؤات عدة نماذج ذكاء اصطناعي وتُنقَّح للحصول على شروحات عالية الجودة، مما يتيح تدريباً شبه خاضع للإشراف بالاعتماد على لقطات حقيقية من سير ناقل النفايات.
كان من اللافت أن النماذج التي دُرِّبت باستخدام هذا المزيج من البيانات المصنفة بشرياً والبيانات المصنفة بواسطة الذكاء الاصطناعي تفوقت باستمرار على أفضل النماذج الأساسية المعتمدة على البيانات البشرية بالكامل. وهذا يُبيّن أن الذكاء الاصطناعي قادر على الإسهام في توسيع بيانات تدريبه، مما يخفض التكاليف ويُسرّع التقدم نحو أنظمة إعادة تدوير أكثر ذكاءً ومتاحة على نطاق أوسع.
وشمل إسهام الفريق أيضاً نشر 33,075 تصنيفاً آلياً عالي الجودة مستخلصاً من لقطات حقيقية لسير ناقل النفايات الصناعي. ومن خلال إتاحة هذه الموارد للجميع، يأمل الفريق في تسريع الابتكار خارج المنصات التجارية المغلقة، وتمكين الباحثين والشركات الناشئة والبلديات حول العالم من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً لإعادة التدوير.
يقول عابد في هذا السياق: “تُظهر طريقتنا أننا لا نحتاج دائماً إلى كميات ضخمة من البيانات المصنفة بشرياً لتحقيق تقدم في هذا المجال. فمع وجود تصميم سليم، يمكن لطرق التعلم شبه الخاضع للإشراف أن تقترب كثيراً من أداء الأنظمة التجارية مع إبقاء الأبحاث مفتوحة ونتائجها متاحة للجميع”.
يؤكد الباحثون أن أهمية بحثهم تكمن في أنه لا يقتصر على وضع معايير جديدة، حيث تظهر النتائج بوضوح كيف يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تسهم في جعل عمليات إعادة التدوير أكثر ذكاءً وقابلية للتوسّع. ومع أن معدلات إعادة التدوير عالمياً ما تزال دون 20%، فإن مثل هذه التطورات قد تساعد المنشآت على استعادة مواد قيّمة بكفاءة أعلى، وتقليل النفايات التي تُرسل إلى المكبّات، وتحسين معايير السلامة للعاملين.
وبالنظر إلى المستقبل، يرى الفريق مجالات عديدة يجب العمل عليها. على سبيل المثال، ما تزال المواد البلاستيكية الشفافة والمعادن العاكسة والفئات النادرة من المواد التي يصعب كشفها بشكل موثوق، حتى باستخدام أحدث النماذج. كما أن التغيّر المستمر في طبيعة النفايات الصناعية يمثل تحدياً إضافياً مع ظهور أنواع جديدة من التغليف والمواد كل يوم.
وقد نشر الفريق التعليمات البرمجية والشروحات الخاصة بالدراسة، داعياً المجتمع العلمي حول العالم إلى مواصلة العمل الذي بدأه ودفع حدود الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي الموجَّه لإعادة التدوير والاستدامة.
اختيار ورقتان بحثيتان من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ضمن "اختيارات كبار رؤساء المجالات" في مؤتمر.....
تُظهر الشركة الناشئة التي يقودها طلاب جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي الوكيل.....
اقرأ المزيدطوّر باحثو جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالشراكة مع آخرين، GEOBench-VLM، وهو معيار يختبر قدرات الذكاء.....
اقرأ المزيد