نهج مبتكر يمكّن الروبوتات من تعلم المهارات الحركية

Monday, July 14, 2025

يمثل نجاح النماذج اللغوية الكبيرة الحالية مثل “تشات جي بي تي” ثمرة لتراكم المعرفة والبيانات المستمدة من الإنترنت على مدى عقود من الزمن، مما وفّر لهذه النماذج مخزوناً هائلاً من البيانات التي تتيح لها تعلم الأنماط اللغوية المعقدة وتوليد إجابات متسقة ومقنعة.

ولكن بينما قطع الذكاء الاصطناعي أشواطاً كبيرة في مجالات توليد اللغة، وبشكل متزايد في توليد الصور، ظلّت الآلات متأخرة في نواحٍ كثيرة. ففي ظل غياب قواعد بيانات شاملة لمهارات الإنسان الحركية يمكن التعلم منها، تواجه الروبوتات صعوبات عملية في تعلم المهارات الحركية الأساسية التي يتقنها معظم البشر في مراحل الطفولة المبكرة، مثل تدوير مقبض الباب أو شد برغي.

في هذا السياق، طوّر سامي حدادين، نائب رئيس الأبحاث وأستاذ علم الروبوتات في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إطاراً جديداً يهدف إلى سد هذه الفجوة من خلال إكساب الروبوتات القدرة على التعلم من خلال التجربة والممارسة العملية، وبالتالي جعلها شريكة فعلية في مجالات الصناعة والعمل اليدوي والحياة اليومية.

يُعرف هذا النهج باسم المهارات اللمسية الحركية، وقد طوّره حدادين بالتعاون مع طالبَيْ الدكتوراة لارس يوهانسمير وسامويل شنايدر، بالإضافة إلى إتيان بوردت من “إمبريال كوليدج لندن”، ويانان لي من جامعة ساسيكس. وقد نُشر بحثهم مؤخراً في مجلة “Nature Machine Intelligence”.

يتحدث حدادين عن أهمية هذا العمل قائلاً: “هذه خطوة مهمة نحو منح الروبوتات القدرة على تعلم المهارات الحركية بسرعة دون استهلاك الكثير من الطاقة والقدرة الحاسوبية، وإتقان هذه المهارات بكفاءة تضاهي مهارات العاملين في القطاعات المختلفة”. ويضيف موضحاً أن الرؤية الأشمل هي إنشاء منصة مهارات روبوتية قابلة للتوسع لتكون بمثابة عامل صيانة آلي قادر على تنفيذ أعمال الصيانة المنزلية والمهام الصناعية وغيرها.

ويمضي قائلاً: “مع مرور الوقت، يمكن أن يتطور هذا الأساس ليدعم مهاماً أكثر تقدماً مثل مهام المساعدين في مجال الرعاية الطبية أو إعادة التأهيل. كما يمكن أن يسهم ذلك في حل مشكلة نقص اليد العاملة في الحرف والصناعات التحويلية، خاصة في المناطق التي تشهد تراجعاً في أعداد العمالة الماهرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية”.

إعطاء الأولوية للجانب العملي

يقول حدادين إن أبحاث الروبوتات الحالية تركز في الغالب على أداء حركات بهلوانية متقدمة قد تبدو مذهلة، لكنها لا تحل المشكلات الأساسية المتعلقة بمهارات الحركة الميكانيكية التي تتطلبها العديد من الوظائف البشرية، مثل الإمساك بالأدوات واستخدامها، أو التكيف مع التغيرات غير المتوقعة في البيئة المحيطة. وهنا يأتي دور إطار المهارات الحركية الذي يتيح للروبوتات التعلم والفهم والاستجابة الفورية للتفاعلات المادية استناداً إلى معرفة موثقة بالمهارات البشرية.

ويضيف قائلاً: “هناك الكثير من المهارات الجسدية التي لا يمكن تعلمها من خلال المراقبة وحدها. فمشاهدة شخص يعزف على الغيتار لا تعني تعلم العزف عليه. عليك أن تمارس بنفسك لتفهم. كان التحدي بالنسبة لنا هو كيفية تطبيق هذا النمط من التعلم البشري على الآلات. فالتفاعل البشري الحقيقي يتطلب تحكماً دقيقاً وقدرة على التكيف وملاحظة البيئة المحيطة والاستجابة لها. ولتحقيق ذلك، اعتمدنا على معارف متراكمة عبر قرون من التدريب المهني، أي المهارات اليدوية التي تم توثيقها وتحسينها بمرور الوقت ضمن مناهج قياسية، خصوصاً في السياقات الصناعية مثل الهندسة الألمانية”.

فتزويد الروبوتات بالمعلومات اللازمة يساعدها على فهم الأساس النظري للمهام المختلفة، لكن التعلم الحقيقي لا يحدث إلا من خلال الممارسة العملية. وإطار العمل الذي طوره الفريق يعالج هذا الجانب من خلال جعل ملاحظة التأثير في البيئة المحيطة، من خلال عناصر القوة والطاقة والحركة، جزءاً من عملية التعلم، حيث تتعلم الروبوتات من خلال التفاعل المباشر، كأن تقوم مثلاً بتعديل قوة المصافحة بناءً على ما تلاحظه. هذا النهج يماثل الطريقة التي يتعلم بها البشر غالباً من خلال التجربة أثناء التفاعل المباشر.

وقد أظهرت الاختبارات المكثفة التي أُجريت على 28 مهمة صناعية مختلفة، من بينها إدخال القوابس والقطع الدقيق للمواد، نسبة نجاح تقارب 100%.

هناك مكوّن رئيسي آخر في هذا البحث، وهو خوارزمية تُدعى “GGTwReP” ويقول عنها حدادين إنها تتفوق بشكل كبير على أنظمة التعلم التعزيزي العميق التقليدية. فخلافاً للخوارزميات التي تعتمد على وحدات معالجة رسومات قوية وأوقات تدريب طويلة، تعمل خوارزمية “GGTwReP” على وحدات المعالجة المركزية العادية، وتُدرّب في غضون دقائق، وتستهلك قدراً أقل بكثير من الطاقة.

وقد أثبتت الاختبارات أن هذه الخوارزمية أسرع وأكثر موثوقية وتتميز بكفاءة طاقة أعلى بما يصل إلى ألف مرة مقارنة بطرق التعلم التعزيزي الشائعة، بما في ذلك أحدث الخوارزميات المتطورة. وهذا لا يجعلها أكثر كفاءة فحسب، بل ويزيد من قابلية استخدامها في التطبيقات العملية التي تخضع لقيود استهلاك الطاقة والبنية التحتية الحاسوبية.

دور داعم وليس بديل

إلى جانب تعلم المهارات الحركية، يرى حدادين أن الإطار الجديد يمكن أن يسهم أيضاً في الحفاظ على المهارات المهنية البشرية ونشرها في وقت تواجه فيه العديد من المهن نقصاً في العمالة وتراجعاً في مستواها جيلاً بعد جيل، حيث يقول: “العديد من المهارات آخذة في الاندثار مع تقاعد العمال كبار السن وعزوف الأجيال الشابة عن تعلمها. ومن خلال توثيق كيفية تنفيذ العمال المهرة لهذه المهام وتحويلها إلى أنظمة روبوتية، يمكننا المحافظة على هذه المعرفة ونقلها للآخرين”.

ويشير حدادين إلى أن لهذا الإطار أهمية خاصة في مجالات مثل صيانة الآلات الصناعية، وأعمال الإصلاح المنزلية، والمساعدة الطبية، حيث يمكن للروبوتات في نهاية المطاف مساعدة العاملين أو تنفيذ المهام في المجالات التي تواجه نقصاً في عدد العمال البشر، مؤكداً أن الهدف هو أن يكون دور الروبوتات داعماً للبشر وليس بديلاً عنهم: “حتى لو أردنا استبدال العامل البشري، فالأمر يتطلب أكثر من مجرد صنع روبوت قادر على الحركة، حيث يستلزم إنشاء بنية تحتية كاملة من حوله، وتوفير الطاقة والصيانة والتدريب. وحتى في هذه الحالة، فإن أداء الروبوت في معظم الحالات العملية لا يقترب من مستوى أداء العامل البشري الماهر. نحن ننظر إلى الروبوتات كآلات مساعدة للبشر وليست بديلة عنهم، فهي تمكنّهم من زيادة إنتاجيتهم، ويمكن أن تنفذ المهام الخطرة أو المتكررة أو غير المرغوبة”.

وقد بدأ استخدام إطار المهارات الحركية بالفعل بشكل تجريبي في بيئات صناعية في أوروبا والصين، وهناك خطط لمواصلة تطويره وتوسيع نطاق المهام التي يمكنه دعمها، وتقييم موثوقيته على المدى الطويل في البيئات الإنتاجية. وإذا جرى اعتماد هذا النهج على نطاق واسع، فقد يؤدي إلى ظهور فئة جديدة من الروبوتات التي يمكنها العمل جنباً إلى جنب مع البشر في البيئات اليومية استناداً إلى الخبرات العملية التي تقوم عليها المهارة البشرية.

ويختم حدادين كلامه بالقول: “لا يقتصر هدفنا على تعليم الروبوتات كيفية تنفيذ المهام، بل تمكينها من اكتساب المهارات عبر الممارسة الفعلية”.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Wednesday, July 02, 2025

نهج جديد يُجسّد الذكاء الاصطناعي في العالم المادي ويُمكّن الروبوتات من تعلّم المهارات المعقّدة بسرعة

نائب رئيس الجامعة للأبحاث البروفيسور سامي حدادين يشارك في ورقة بحثية نشرته في دورية "نيتشر لذكاء الآلة".....

  1. artificial intelligence ,
  2. ai framework ,
  3. MBZUAI ,
  4. robotics ,
اقرأ المزيد