على مدى عقود، صُنّفت الروبوتات وفقاً لشكلها والتكنولوجيا التي تشغلها، أي وفقاً للغرض الذي يوحي به شكلها، والمهام المحدودة التي صُمِّمت لتنفيذها.
ولكن ماذا لو طبقنا معياراً آخر لتصنيف الروبوتات لا يستند إلى مظهرها أو الغرض منها، بل إلى قدراتها؟ ونحن لا نقصد هنا القدرات الظاهرة أو الواضحة فحسب، بل القدرات الخفية أو البعيدة عن وظيفتها الرئيسية.
هذا هو بالضبط ما يفعله البروفيسور سامي حدادين، نائب رئيس الأبحاث في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالاشتراك مع طلاب الدكتوراة في جامعة ميونيخ التقنية، من خلال مشروع شجرة الروبوتات، وهو إطار مُبتكر يعيد النظر كلياً في كيفية فهم الروبوتات ومقارنتها وتطويرها، وقد تترتب عليه آثار بالغة الأهمية.
يشبّه حدادين مشروع شجرة الروبوتات بمشروع “شجرة الحياة” الطموح للعالم تشارلز داروين (الذي يوضح العلاقة بين أنواع الكائنات الحية عبر تاريخ تطورها)، مؤكداً أنه: “أول محاولة منهجية لإنشاء إطار عمل يصنّف أي روبوت أو آلة أو نظام مزود بالذكاء الاصطناعي بناءً على شكله وقدراته، وليس وفقاً لأهداف وصفية. فبدلاً من الحديث عن تطوير تكنولوجيا جديدة ومحاولة تحديد كيفية الاستفادة منها، تقدّم شجرة الروبوتات فهماً أساسياً وشاملاً للإمكانات الفعلية للنظام وقدراته المنشودة، بينما يحدَّد شكله الخارجي التكنولوجيا المادية التي يستند إليها. وهذا يمثل تحولاً جذرياً في فهم ماهيّة الآلة الذكية، خاصة إذا تذكرنا أن الذكاء الاصطناعي والتحكم الحركي يسمحان للروبوتات بالتطور عبر البرمجة فقط”.
قدّم حدادين عمله في ورقة بحثية بعنوان “تصنيف الروبوتات في شجرة الحياة تبعاً لملاءمة أدائها” أعدها بالاشتراك مع روبين كيرشنر، وكوبرا كاراكان، وأليساندرو ميلوني، ونُشرت في عدد مارس 2025 من المجلة الأكاديمية المرموقة “Nature Machine Intelligence”، حيث كانت موضوع غلاف المجلة.
تبيّن هذه الورقة البحثية، التي يُعَدّ البروفيسور حدادين وروبن كيرشنر مؤلفاها الرئيسيان، تفاصيل الإطار الجديد الذي يتّبع إجراءات منظمة وقابلة للتكرار مع استخدام قاعدة بيانات العمليات وتعريفات المقاييس لتحديد مقاييس الملاءمة القائمة على العمليات، إلى جانب درجة الملاءمة النهائية (أي مدى قدرة الروبوت على إنجاز مهمة معينة بكفاءة وفعالية)، وفئة التصنيف في شجرة الروبوتات.
يقول كيرشنر موضحاً هذا المفهوم الأساسي في قطاع الصناعة: “تتضمن قاعدة بيانات العمليات في فئة الروبوتات الصناعية أقساماً مفصّلة مثل “المناولة”، التي تشمل فئات فرعية مثل “تبديل الأدوات” و”توجيه الآلات” و”الالتقاط والوضع”، إضافةً إلى “التجميع والتفكيك” الذي يغطي مهاماً مثل “توصيل الأسلاك” و”الرفع” و”استخدام المفك”. علاوة على ذلك، يصنف قسم تعريفات المقاييس مؤشرات الأداء الرئيسية، مثل “استشعار القوة” و”قابلية المناورة اليدوية” و”السلامة البشرية”، مع وجود مقاييس محددة مثل “قوة التوجيه” و”الحد الأدنى لقوة الحركة” و”جهد المناورة” لإعطاء أفكار أساسية عن القدرات الرئيسية للروبوت”.
ويشير كيرشنر إلى أنه من خلال تطبيق هذه الإجراءات، يصبح بإمكاننا تحديد وفهم قدرة الروبوت على أداء حركات وتفاعلات محددة مع محيطه والبشر، إلى جانب معرفة التصاميم الأكثر ملاءمة لمواقف معينة، مضيفاً أن: “الركيزة الأساسية لهذا المسعى الطموح هي وضع دليل شامل للروبوتات الحالية والمستقبلية يغطي جميع قدراتها”.
يشكل وضع الأسس لهذا المرجع الشامل إنجازاً بحدّ ذاته. لكن شجرة الروبوتات لا تقتصر على توفير إطار فعّال لتصنيف الروبوتات، بل تحقق أكثر من ذلك بكثير. فإلى جانب مساعدة الباحثين والمطورين على فهم تصاميم الروبوتات الأكثر ملاءمةً لحالات معينة، وبالتالي توجيههم لإجراء تحسينات مستقبلية، تتيح هذه الطريقة إمكانية الكشف عن القدرات “الخفية” لدى الروبوتات، ما يتيح لنا فهماً أفضل لما تستطيع إنجازه فعلياً، وكيفية توسيع نطاق أدائها.
يوضح حدادين هذه النقطة قائلاً: “الأمر يشبه امتلاك حاسوب. فنحن لا نرى البرمجيات التي فيه، ونستخدمه لأمور محددة، لكننا لا نعرف بالضرورة ما يمكن أن يفعله لو أضفنا إليه برامج مختلفة، ناهيك عن تزويده بخوارزمية ذكاء اصطناعي تتغير وتتعلم باستمرار”.
ويضيف مثالاً آخر: “إذا نظرتُ إلى شخص خلال حديثي معه عبر الإنترنت، فأنا لا أرى سوى قدرته على الحديث وطرح أسئلة حول موضوع معيّن. لا يمكنني معرفة ما إذا كان رياضياً، أو قادراً على عزف الموسيقى أو تأليفها أو كتابة الشعر. كما أنني لا أعرف قدراته ومهاراته الأخرى”.
يؤكد حدادين أن الأمر لا يقتصر على الكشف عن الإمكانات الكاملة للروبوت. فمع ظهور الذكاء الاصطناعي، صار بإمكان الروبوتات أن تتطوّر وتتغير، ما يعني أن قدراتها قد تتغير مع مرور الوقت. وبما أن شجرة الروبوتات نفسها مورد متطور، فقد تصبح أداة أساسية لرصد هذه التغيرات ومساعدتنا على فهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز أداء الروبوتات من خلال تزويدها بقدرات جديدة.
ويواصل حدادين كلامه قائلاً: “إذا نظرنا إلى مثال البشر مرّة أخرى، نجد أنه عند ولادة طفل جديد، يمكننا رؤية جسمه، ولكننا لا نستطيع معرفة القدرات التي سيمتلكها في المستقبل، لأن ذلك يعتمد على التعلّم، وهو النسخة البشرية من البرمجة. والتعلم عملية مستمرة. فنحن نتعلم طوال حياتنا، مما يؤدي إلى تغير مهاراتنا وقدراتنا. مع ظهور الذكاء الاصطناعي، يحدث هذا التغير للآلات أيضاً. فهي لا تُبرمج مرة واحدة لأداء مهمة محدّدة إلى الأبد، بل أصبحت الآن تتطوّر وتتغيّر. وقد تكون للآلة ذاتها قدرات مختلفة تماماً وفقاً لبرنامج الذكاء الاصطناعي الذي يوجّهها. هذا التطور الجديد يؤدي فعلياً إلى إيجاد ما يمكن اعتباره “أجناساً” أو حتى “فصائل” جديدة من الروبوتات بسبب اختلاف البرمجيات وحدها”.
يمكن لشجرة الروبوتات أن تؤدي دوراً أساسياً في إعادة تصنيف الروبوتات باستمرار مع ظهور قدرات جديدة لديها، بدلاً من حصر فهمنا لها وفقاً لافتراضات قديمة حول تصميمها ووظيفتها. كما أن هذا التحديث المستمر يساعد على توجيه جهود البحث والتطوير، وتسريع وتيرة تطور الروبوتات، وتعزيز إمكاناتها.
لكي تنمو شجرة الروبوتات وتؤتي ثمارها على هذا النحو، يجب بذل جهود عالمية متضافرة، مع إضافة مدخلات ومساهمات من مختلف أنحاء العالم. وليتحقق ذلك، حرص حدادين وزملاؤه الباحثون على جعل الإطار بكامله مفتوح المصدر، مع ضمان تقييم النظم بطريقة موضوعية وقابلة للتكرار، وبالاستناد إلى معايير قابلة للقياس، حيث سيؤدي ذلك إلى إيجاد ما يعتقد حدادين أنه سيكون “الموسوعة الحية” في مجال الروبوتات.
وهو يقر بضخامة هذا الطموح قائلاً: “قد تبدو هذه رؤية كبيرة جداً، ولكنني أعتقد أننا نسير على الطريق الصحيح نحو تحقيقها. ولكي يتحقق ذلك، نحتاج لتحرّك عالمي. لذلك نحرص على نشر المفاهيم والبيانات والإجراءات، وأن يكون كل شيء مفتوح المصدر بشكل كامل دون إخفاء أي شيء. لقد أظهرنا كيف تعمل شجرة الروبوتات مع الأنظمة الأساسية لمناولة الأشياء، لكن من الواضح أنها يجب أن تمتد الآن لتشمل جميع الأنظمة الأخرى، بدءاً من الروبوتات الشبيهة بالبشر والطائرات المُسيَّرة، وصولاً إلى روبوتات الفضاء والمركبات تحت الماء، وغيرها. ولكي ننجح في ذلك، ينبغي أن يكون هذا الإطار مفتوحاً إلى أقصى حد ليصبح موضوعياً وشاملاً قدر الإمكان. وبهذه الطريقة نحصل على مورد شفاف وثابت يقوم على قياس قدرات الروبوتات وإمكاناتها بحيث يمكن مقارنتها على أسس موحدة”.
ويختم حدادين كلامه بالقول: “إنه هدف كبير. لم يصبح مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي مجالاً علمياً مستقلاً بحق إلا منذ فترة قريبة، بعدما هيمن عليه الجانب التكنولوجي أمداً طويلاً. ولكن ليصبح علماً حقيقياً، يجب أن يقوم على أسس البيانات المفتوحة والنتائج الموضوعية وقابلية التكرار. فنحن غالباً ما نتحدث عن أزمة التكرار في العلوم، وأرى أن مشروعات من هذا النوع تُسهم في وضع حد لتلك الأزمة، وهي قضية راهنة في مجالنا”.
هذه المنهجية العلمية، إلى جانب إطار العمل المفتوح المصدر، ونظام التصنيف المدروس، توفر بلا شك تربة خصبة لشجرة الروبوتات لتنمو وتزدهر، وتضفي مزيداً من الوضوح على تعقيدات عالم الروبوتات، وبنيتها الداخلية، ومجموعة قدراتها الواسعة. وبهذا الشكل ستصبح شجرة الروبوتات مورداً أساسياً لفهم الروبوتات اليوم وفي المستقبل المنظور. كما ستصبح على الأرجح محركاً لتطور الروبوتات والذكاء الاصطناعي وتطويرهما وتحسينهما.
بينما تحتفل الإمارات بشهر الابتكار تحت شعار "الإمارات تبتكر 2025"، يحاول تيموثي بالدوين – عميد جامعة محمد.....
برنامج الروبوتات في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يقدم تجسيداً حياً للذكاء الاصطناعي عبر روبوتات قادرة.....
عرفت كفاءة النماذج الكبيرة متعددةِ الوسائط تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث إنها تعززت بقدرات جمعت بين.....