عندما تجتاح عاصفة من الغبار الصحراوي المدن في شبه الجزيرة العربية، فإن المعرفة المسبقة بقدومها ضرورية لتجنب خروج الأطفال ومرضى الجهاز التنفسي من منازلهم. ولكن البيانات التاريخية التي تعتمد عليها معظم نماذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمستويات التلوث تحتوي على أمثلة محدودة جداً من هذه الظواهر الجوية الاستثنائية، ما يجعل الخوارزميات تتجاهلها، كما يوضح سلمان خان، الأستاذ المساعد في قسم الرؤية الحاسوبية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، حيث يقول: “هذه الارتفاعات الكبيرة في مستويات التلوث نادرة الحدوث، لكنها تؤدي إلى حالات وفاة. ودوال الخسارة التقليدية تجعل النماذج تتجاهلها”.
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء والرمال التي يقل حجمها عن سُمك الشعرة البشرية تتسبب في وفاة نحو 6.7 مليون شخص سنوياً. ومع ذلك، ما زالت أنظمة الإنذار المبكر تعتمد بشكل كبير على أجهزة محاكاة فيزيائية تستغرق ساعات على حواسيب عالية الأداء، أو على أساليب إحصائية تفترض استمرارية القياسات السابقة. وكلاهما لا يصلح للتنبؤ بالعواصف الرملية المفاجئة.
وقد عمل فريق خان في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع فيشال نيدونغادي، الباحث المساعد في الجامعة نفسها سابقاً (وهو الآن طالب دكتوراة في جامعة ومركز أبحاث فاخينينغن في هولندا)، على دمج مجموعتين من البيانات (الأرصاد الجوية والكيمياء) في شبكة عصبية واحدة.
وكانت نتيجة ذلك “AirCast”، وهو نموذج يتعامل مع خريطة عالمية تضم أكثر من 20 متغيراً (مثل درجة الحرارة والرياح والأوزون وأول أكسيد الكربون وغيرها) كما لو كانت مجموعة صور ضخمة. وقد فاز هذا العمل مؤخراً بجائزة أفضل ورقة بحثية في ورشة العمل “TerraBytes” التي عُقدت ضمن فعاليات المؤتمر الدولي لتعلم الآلة في فانكوفر. يمكن الاطلاع على الورقة البحثية هنا، وعلى التعليمات البرمجية هنا.
يشرح نيدونغادي طريقة عمل النموذج “AirCast”، الذي يضم محول رؤية يُرمّز تلك “البكسلات”، بينما يقدم مُفكّك ترميز مزدوج توقعات الطقس ومستويات التلوث لليوم التالي في خطوة واحدة. وبما أن هذه القنوات مجتمعة قد تُغرق ذاكرة وحدة معالجة الرسوميات، أضاف الفريق طبقة لتجميع المتغيرات تعمل على ضغط كل خلية شبكية في مُتجه مضغوط قبل تمريره إلى المحوّل، في عملية أشبه بضغط صور “JPEG” لكن لبيانات المناخ. وهذا ساعد على خفض تكلفة التدريب إلى أربع وحدات معالجة رسوميات “A100” ولمدة أربع ساعات فقط. ويمكن للخادم المحلي في أي مدينة تنفيذ التنبؤات يومياً.
أما العنصر السري فيكمن فيما يسميه فريق البحث متوسط الخطأ المطلق غير المتوازن. فبدلاً من معاملة جميع الأخطاء بالتساوي، يركز النموذج على الأخطاء في الأيام ذات التلوث العالي أكثر من تركيزه على الأخطاء في الأيام ذات الهواء النظيف، مستفيداً من طريقة معالجة البيانات غير المتوازنة في مجال الرؤية الحاسوبية. وفي الاختبارات، أسهم هذا التعديل وحده في خفض الجذر التربيعي لمتوسط الخطأ بنسبة 4% في حالة الجسيمات الدقيقة التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون.
ولكن هل يقدم النموذج “AirCast” تنبؤات دقيقة فعلاً؟ في الواقع، على مستوى التوقعات لمدة 24 ساعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة تشهد مستويات مرتفعة من الغبار، خفّض النموذج “AirCast” نسبة الخطأ في توقع انتشار الجسيمات الدقيقة التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون بمقدار 33% مقارنةً بأسلوب الاستمرارية، وتفوّق بشكل واضح على النموذج الفيزيائي المستخدم في خدمة كوبرنيكوس لرصد الغلاف الجوي (CAMS)، والذي صُمِّم لتقديم توقعات دقيقة على المستوى العالمي وليس بالضرورة على المستوى الإقليمي.
على سبيل المثال، في يوم 29 أكتوبر 2017، غطّت عاصفة رملية هائلة سماء المملكة العربية السعودية. وقد أخفقت خدمة كوبرنيكوس لرصد الغلاف الجوي في توقع الزيادة في الجسيمات العالقة بما يصل إلى 30 ميكروغرام/م³، بينما لم يتجاوز خطأ النموذج “AirCast” 10 ميكروغرام/م³، ما يعني أنه كان سيعطي الجهات الصحية صورة أوضح بكثير عما كان سيحدث.
الأمر المثير للدهشة هو أن أكبر مكاسب الدقة جاءت من البيانات المقاسة بالقرب من سطح الأرض، مثل درجة الحرارة على ارتفاع مترين، وسرعة الرياح على ارتفاع عشرة أمتار، ونسبة الرطوبة السطحية. ويشرح نيدونغادي سبب ذلك قائلاً: “القراءات على ارتفاعات عالية مفيدة لقطاع الطيران، لكن الأهم هو معرفة نسب التلوث في الهواء القريب من رئات البشر”.
هناك العديد من التطبيقات الممكنة للنموذج “AirCast”، من لوحات التحكم في أبوظبي إلى الصحة العامة. وفيما يلي بعض الأمثلة:
يقول خان إنه يتطلع إلى تطوير واجهة برمجية تسمح لتطبيقات مثل “Uber” أو “Apple Weather” بالحصول على مؤشرات دقيقة لجودة الهواء على المستوى المحل، مضيفاً: “إذا أتاحت المدن بيانات أجهزة الاستشعار لديها، فيمكننا تحسين ضبط النموذج “AirCast” باستخدام القياسات الميدانية للمناطق المحلية خلال أيام”.
يقدم النموذج “AirCast” توقعات دقيقة لمدة 24 ساعة، أما بعد ذلك، فإن تغيّر بيانات الانبعاثات والعوامل الجوية غير المستقرة يزيد من نسبة الخطأ في هذه التوقعات. ولزيادة هذه المدة إلى 72 ساعة، سيتطلب الأمر توفير سلاسل أطول من البيانات التاريخية وتحديث بيانات الإنتاج الصناعي بشكل آني. كما أن بيانات السماكة البصرية للهباء الجوي التي تسجلها الأقمار الصناعية وبيانات أجهزة الاستشعار المجتمعية المتصلة بالإنترنت يمكن أن تساعد في ذلك، لكن بشرط قدرة النموذج على استبعاد البيانات غير المهمة.
من الناحية الجغرافية، ما زال النظام يواجه صعوبة في شرق آسيا وأمريكا الشمالية، حيث تختلف مصادر التلوث. وقد ساعد ضبط النموذج باستخدام بيانات محلية في تقليص جزء من الفجوة، لكن تحقيق قدرة تعميم عالمية حقيقية ما زال “أفقاً بحثياً مفتوحاً” على حد تعبير خان.
ويتوقع نيدونغادي أنه: “بحلول عام 2030، ستكون تنبؤات جودة الهواء جيدة بشكل يسمح للمدن بمنع الأحداث الاستثنائية، وليس فقط الاستجابة لها”. تخيلوا قواعد مرور آلية تعيد توجيه شاحنات الديزل عندما يطلق النموذج “AirCast” إنذاراً أحمر، أو مبانٍ ذكية تغلق فتحات التهوية قبل دقائق من وصول سحابة غبارية. إذا تحققت هذه الرؤى، فقد يتمكن الجيل القادم من التنفس بسهولة أكبر، ليس فقط في أبوظبي، بل في أي مكان توجد فيه جسيمات دقيقة عالقة في الهواء.
ترحب أول جامعة في العالم مكرَّسة للذكاء الاصطناعي بالطلاب المتميزين من مختلف أنحاء العالم للانضمام إلى برامجها.....
رضا إمام يفوز بجائزة أفضل ورقة بحثية في "مؤتمر فهم وتحليل الصور الطبية"، وذلك عن دراسته حول.....
اقرأ المزيد"ConceptAligne": نظام جديد قد يساعد فنافي الفن الرقمي على تنفيذ التعديلات الفنية بدقة أكبر.