إماراتيان يُعيدان صياغةَ معنى السلامة المرورية بالذكاء الاصطناعي

عبدالله وعبدالرحمن المرزوقي ليسا مجرد توأم يشتركان في المظهر فحسب، بل هما أخوان يتقاسمان شغف بناء نظم ذكية تكون قادرة على الإسهام في خلق مجتمع أكثر أماناً وتقدماً في الإمارات.

Friday, July 11, 2025

عندما يدخل عبدالله وعبدالرحمن المرزوقي أي مكان، يصعب على المرء ألا ينظر مرتين إليهما لأنهما متشابهان لدرجة أن العين البشرية تكاد لا تميزهما، بل وحتى التكنولوجيا المتطورة تفشل أحياناً برامجها الخاصة بالتعرف على الوجوه في التفريق بينهما.

التشابه بين الشقيقين لا يتوقف عند هذا الحد فحسب، بل يتجاوزه إلى التشابه في مسارهما المشترك الذي جمع بينهما منذ المراحل الأولى لرحلتهما الدراسية في الفصول المدرسية ثم مرحلة دراستهما الأكاديمية والجامعية وعملهما معا جنباً إلى جنب في المختبرات وصولاً إلى تخرجهما ضمن دفعة خريجي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لعام 2025.

حصل الأَخَوان معاً على درجة الماجستير في تعلم الآلة وكلاهما اختار التركيز على السلامة المرورية مدفوعين بالرغبة المشتركة في حل مشكلات ملموسة اعتماداً على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ورغم التقارب بينهما فيما يخص مجال تخصصهما – إلا أن لكل منهما مساره البحثي الخاص الذي يتميز ويتفرد به.

ركز من جانبه عبدالله في أطروحته بعنوان “نظام ذكاء اصطناعي فاعل متعدد الوسائط لمراقبة سلامة الطرق السريعة” على أمان الطرق السريعة، حيث طور نظامين ذكيين: أحدهما لوصف حالة الطرق وظروف القيادة، والآخر يولد تقارير تلقائية عن الحوادث؛ أما عبدالرحمن، فقد وجه انتباهه إلى داخل السيارة من خلال أطروحته تحت عنوان: “إطار نظام ذكاء اصطناعي فاعل للسلامة داخل المركبات”، حيث اعتمد على استخدام مستشعرات تساعد في الكشف عن مدى إرهاق/تعب السائق، واستخدام الهاتف، وارتداء حزام الأمان، وحتى تشتت الانتباه بسبب الأطفال.

وعن بحثيهما يشرح عبدالرحمن الفرق قائلًا: “ركز عبدالله في بحثه على تطوير نظام يراقب البيئة الخارجية بما في ذلك — حالة الطريق، والأحوال الجوية، وحالات وقوع الحوادث، فيما ركزت في بحثي على تطوير نظام لمتابعة ومراقبة عوامل السلامة داخل المركبات التي قد تكون سببا لتلك الحوادث من الأساس – ومعا بحثينا يكملان بعضهما البعض”.

سيارة واحدة.. رؤيتان مختلفتان

في عالمٍ يتسارع فيه الابتكار والتطور، يبرز عبدالله وعبدالرحمن كنجمين صاعدين في سماء التكنولوجيا، يجمعهما شغفٌ مشترك بتحويل الذكاء الاصطناعي إلى حلولٍ عملية تُنقذ الأرواح. أنظمتهما المبنية على نماذج لغوية كبيرة متعددة الوسائط (MLLMs) ونظم الذكاء الاصطناعي الفاعلة، ليست مجرد أدوات تقنية، بل نظم ذكية تعمل كفريقٍ من الأنظمة المستقلة، كلٌ واحد منها مختص بمهمة محددة، ويتعاونون معاً لتحقيق هدف تعزيز السلامة على الطرقات – شيء مشابه لـ J.A.R.V.I.S.  من فيلم “Iron Man” لكن هذه لحماية السائقين والركاب.

تم تطوير هذين النظامين الذكيين وضبطهما بدقة اعتمادا على استخدام هندسة الأوامر وأساليب أخرى للضبط بما يجعلهما قادرين على تقييم المواقف داخل وخارج المركبات كالإنسان.

ما يميز نظام عبدالله الأول عن الأنظمة التقليدية هو دمجه لنموذج رؤية حاسوبية لتحليل الصور والأشياء مع نماذج لغوية كبيرة متعددة الوسائط، مما يتيح فهماً أعمق لما يجري حول المركبة – وعن هذا النظام الذي يقول عبدالله بأن الاستخدام الرئيس له سيكون ضمن شبكة الأنظمة المتقدمة المساعدة للسائق (ADAS) والخاصة بتنبيه السائقين إلى المخاطر المحتملة في الوقت الفعلي مما قد يسهم في إنقاد الأرواح.

أما النظام الثاني الذي طوره عبدالرحمن، فهو بمثابة شاهدٍ عِيَان رقمي يوثّق ما يحدث في الطريق بدقة، حيث يرصد النظام – باستخدام كاميرا القيادة وبيانات المستشعرات – الحوادث تلقائياً (بسبب – مثلا – تفعيل الوسائد الهوائية). كما أنه [النظام] قادر على إنشاء تقارير متكاملة بمساعدة خمسة نظم ذكاء اصطناعي فاعلة متخصصة في متابعة كل التفاصيل المحيطة بالمركبة انطلاقا من حالة الطقس إلى استخدام أحزمة الأمان.

وعن هذا الجانب الأخير يوضح عبدالله: ” كانت إعداد تقارير الحوادث، في الماضي، يدوياً ويستغرق وقتاً طويلاً، غير أن الأمر مع النظام الذي قمت بتطويره سيمكن من تبسيط هذه العملية ويجعلها فورية، وسيسهم في تسريع اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها”.

بالنسبة لـ عبدالرحمن، تصبح السيارة نفسها مساعداً ذكياً، إذ تعمل نظم الذكاء الاصطناعي التي طورها معاً لتقييم عوامل المخاطر داخل المركبة — سواء أكان السائق يشعر بالنعاس أو يجري مكالمة هاتفية أو وجود طفل في المقعد الخلفي دون حزام أمان؟ النتيجة النهائية هي تقرير أمان مخصص يبقي السائقين مطلعين ويقظين.

ويؤكد كل من الأخوين أن: “مزايا النظامين ملموسة وعملية”، ويعددان فوائدهما بما فيها تقليل الحوادث، وتسريع معالجة مطالبات الـتأمين، وتحسين استجابة أطقم الطوارئ، وزيادة التزام السائقين والركاب بقواعد السلامة – ويضيف عبدالله أن السائق، في النهاية، هو من سيحصد الفوائد الأكبر، لأننا نصمم هذه الأنظمة لتكون جزءاً من منظومة السلامة المرورية.

وقف وراء هذا الإنجاز البحثي البروفيسور فخري كراي – أستاذ تعلم الآلة المعروف عالمياً بأبحاثه في المدن الذكية والأنظمة الذكية الذي كان له دورٌ محوري في توجيه عبدالله وعبدالرحمن، مقدماً لهما الدعم والتوجيه والكثير من الأسئلة التحفيزية – يقول عبدالله: “لقد ساعدنا الأستاذ فخري على اجتياز التحديات البحثية المعقدة. كما كان دائماً متاحاً لتقديم النصيحة لنا، ويدفعنا لتحسين عملنا ويزرع فينا الثقة لنطمح إلى الأفضل”.

وبدوره البروفيسور فخري يشيد بهما وبأخلاقهما العالية وتفانيهما – ويقول: ” نزاهتهما، وإحساسهما بالمسؤولية تجاه دراستهما والمجتمع تميزهما وهما قدوة بإيجابيتهما وأخلاقهما العالية التي تميزهما وتجعلهما طالبين استثنائيين”.

تحفيز متبادل لتحقيق النجاح

رغم أن لكل منهما نطاقه البحثي الذي يركز عليه، إلا أنه لا يمكن إغفال تأثير أحدهما على الآخر طوال مسيرتهما الأكاديمية – فمنذ مراحل تعليمهما الأولى وحتى حصولهما على درجة الماجستير، كان التوأم – تقريبا – دائما في الصف نفسه، يتعاونان في المشاريع ويحفّزان بعضهما لتحقيق التميّز. يذكر أنه عندما تخرجا من الثانوية عام 2019 تصدر عبدالله قائمة المتفوقين في الدولة فيما جاء عبدالرحمن في المركز الثاني وفي اختبار “EmSAT” كان عبدالرحمن الأول وشقيقه في المركز الثاني.

وعن مرحلة دراستهما في الثانوية يتذكر عبدالرحمن أن المرة الوحيد التي افترق فيها الشقيقان كانت في الصف الثامن، عندما قرر والدهما ونائب مدير المدرسة وضعهما في صفين مختلفين، مضيفاً أن التوأم – سواء تعلق الأمر بالدراسة أو الألعاب – فإن اهتماماتهما كانت دائماً متشابهة.

وبدوره عبدالله يتذكر: “كنا دائماً قريبين جداً من بعضنا البعض خلال طفولتنا.. وكنا تقريباً نقوم بكل شيء معاً.. سواء في المدرسة أو في البيت أو عندما كنا نلعب.. ووجود شخص في حياتك يفهمك بعمق يجعل العلاقة قوية.. وعلاقتنا هذه ما زالت ترافقنا إلى اليوم”.

وقد أثمر هذا الانسجام نجاحات لافتة، حيث ظفر التوأم بالمركز الأول في مسابقة الإمارات الوطنية للمهارات في مجال الذكاء الاصطناعي عام 2023، والتي يُرجع فيها النجاح كل منهما للآخر لمساعدة بعضهما البعض على الالتزام بالمواعيد النهائية لتسليم البحوث المطلوبة والتغلب على التحديات البحثية.

كما حقق عبدالرحمن مؤخراً إنجازاً آخراً بالفوز بالمركز الأول في فئة البرمجة ضمن “بطولة العالم لهندسة أوامر الذكاء الاصطناعي 2025” خلال “أسبوع دبي الأول للذكاء الاصطناعي”، والتي تصل قيمة جوائزها إلى مليون درهم. وقد تسلّم عبدالرحمن جائزته من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي ونائب رئيس مجلس الوزراء، وذلك عن تطبيقه المبتكر للاستجابة الطارئة بالذكاء الاصطناعي الذي يقدم دعماً فورياً في سيناريوهات أزمات متنوعة ومختلفة من فقدان جواز السفر إلى الحالات الطبية الطارئة.

المنافسة بين الأِخوَة – كما يتصورها البعض – لا مكان لها بين هذين الشقيقين – “نحن – يقول عبدالله – لسنا مجرد أخوين.. بل شركاء في كل شيء.. ندعم بعضنا.. نصقل أفكارنا.. ونلهم بعضنا لنصل إلى أبعد مدى”، ويضيف عبدالرحمن “نحن نحث بعضنا على التفوق والتقدم نحو تحقيق التميز”.

صُنع في الإمارات.. من أجل الإمارات

يحمل الأَخوان عبدالله وعبدالرحمن في قلبيهما شغفاً مشتركاً لرد الجميل إلى وطنهما الإمارات – طموحٌ يشتركان فيه مع 18 مواطناً من خريجي الجامعة لعام 2025.

يذكر أن الطلبة المواطنين شكلوا الجنسية الأكثر تمثيلاً في دفعة هذا العام، والتي شهدت أيضاً تخريج أول طالب إماراتي – سالم المري – حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي تواصل دعم استراتيجية دولة الإمارات لريادة مستقبل الذكاء الاصطناعي.

بعد انتهائهما من مرحلة تعليمهما الجامعي يحلم عبدالله وعبدالرحمن بإدخال ابتكاراتهما في مركبات الجيل الجديد كجزء أساسي من أنظمة السلامة التي تعتمد على المستشعرات المتاحة داخل المركبات وتقنيات الذكاء الاصطناعي الفاعل متعددة الوسائط لرصد التغيرات داخل المركبات وخارجها باستمرار، حيث يمكن لهذه النظم، في مدن ذكية مثل أبوظبي، أن تتكامل مع شبكات المرور الذكية لتعزز سلامة الطرق وكفاءتها عبر التبادل اللحظي للبيانات والإدارة الاستباقية للمخاطر.

وعن هذا الطموح يوضح عبدالرحمن أن: “الذكاء الاصطناعي ليس مجرد بناء نظم أذكى، بل يتعلق بإيجاد مجتمع أكثر ذكاءً – ومشاريعنا تتماشى مع رؤية الإمارات لتطوير مدن ذكية وبنية تحتية متطورة.”

ويتطلع الشقيقان وهما يدخلان مرحلة جديدة من حياتهما إلى استغلال مهاراتهما في حل مشكلات حقيقية – وعن هذه المرحلة يقول عبدالرحمن: “أرغب في أن أكون جزءاً من فريق يدفع بحدود التكنولوجيا، ويبتكر حلولا تُحدث فرقاً ربما يقود إلى مشاريع مبتكرة وغير مسبوقة، وإلى أبحاث يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحقيق رؤية الإمارات للريادة التكنولوجيا في العالم.”

المستقبل الذي ينتظر التوأم هو مستقبل يَعد بالكثير وبغض النظر عن مساراته الممكنة، فإن نصيحة عبدالرحمن للطلاب الإماراتيين الطموحين هي “دعوة للاستعداد للعمل بجد والحفاظ على روح حب الاستطلاع، لإن مجال الذكاء الاصطناعي يتطور باستمرار” فيما عبدالله يدعوهم إلى “الاستعداد لتحدي أنفسهم والخروج من منطقة الراحة واستكشاف أفاق ما يمكنهم تحقيقه”.

أخبار ذات صلة