الصورة من تصوير نيكولو كارانتي، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعي CC BY-SA 3.0، من ويكيميديا كومنز.
ألقى البروفيسور مايكل سبنس، الاقتصادي الشهير الحائز على جائزة نوبل، مؤخراً محاضرة افتراضية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي حول موضوع الإنتاجية الكلية للذكاء الاصطناعي والكيفية التي سيعيد بها هذا الأخير تشكيل الإنتاجية ونمو الاقتصادات العالمية.
يذكر أن سبنس قد فاز بميدالية جون بيتس كلارك عام 1981، وتقاسم الفوز بجائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية عام 2001 مع كل من جورج آكرلوف وجوزيف ستيغليتز عن عملهم الرائد حول موضوع عدم تماثل المعلومات وإشارات السوق [Information Asymmetry and Market Signaling]، وهو الموضوع الذي يشكل حجر الزاوية بالنسبة لنظرية العقود.
ساهم البروفيسور سبنس أيضاً – بصفته واحداً من بين أبرز المفكرين الاقتصاديين في العالم – في تعزيز النقاش حول النمو والاقتصاد العالمي والتكنولوجيا المدعومة بالمعلومات الضخمة من خلال المناصب المرموقة التي شغلها في جامعات رائدة حول العالم وعمله في مؤسسات دولية ومشاركته الفعالة في منتديات السياسات.
البروفيسور سبنس – الذي يشغل حالياً منصب أستاذ الاقتصاد والأعمال في كلية ستيرن بجامعة نيويورك ومنصب العميد الفخري لكلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة ستانفورد – تحدث معنا حول الآثار الأوسع للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد ومستقبل السياسات الرقمية العالمية – وفيما يلي نص الحوار:
بالتأكيد هناك فجوات معلوماتية وعدم تماثل في المعلومات في عالم الذكاء الاصطناعي بين جميع الأطراف الفاعلة فيه، خاصة فيما يتعلق بالنماذج اللغوية الكبيرة؛ فعلى سبيل المثال، من الصعب معرفة ما إذا كان النص مكتوباً بواسطة شخص أم بواسطة الذكاء الاصطناعي دون تصريح واضح بذلك. كما أن النماذج اللغوية الكبيرة تجعل من السهل بمكان خداع الناس لأنها تزيل الأخطاء التي يرتكبها المحتالون مثل الأخطاء اللغوية.
ومع ذلك، فإن الإنترنت – وخاصة الآن مع قوة الذكاء الاصطناعي – يغلق الفجوات المعلوماتية من خلال تقليل الوقت والتكلفة والصعوبة في اكتساب المعرفة والخبرة؛ الأمر الذي قد يكون له – أي تقليل عناصر الندرة الأساسية في الاقتصاد – آثار عميقة على المدى الطويل.
بالتأكيد سيبحث هؤلاء عن إشارات لا يمكن تقليدها بسهولة تعكس موثوقية نظم الذكاء الاصطناعي من قبيل توفر هذه النظم على طرق موثوقة تمكن المستخدمين من التحقق من صحة ما يقرؤونه أو ما يستمعون إليه. كما ستكون هناك حاجة إلى قوانين فعالة تجعل من الترويج للمعلومات المضللة أمراً مكلفاً وصعباً وذلك على غرار قوانين الإفصاح المالي التي تلزم الشركات بتقديم بيانات دقيقة تحت طائلة الغرامات والعقوبات.
تركّز نظرية العقود على آلية صياغة الحوافز بطريقة تضمن السلوك المرغوب عندما لا يمتلك الأطراف المستوى نفسه من المعلومات. ويبرز، في سياق تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، سؤال: ما أنواع الحوافز أو العقود التي يجب صياغتها لضمان تطوير آمن ومسؤول لهذه التقنيات؟
يشير الخبراء إلى أن هذا المجال ما يزال بحاجة إلى مزيد من البحث؛ فجوهر نظرية العقود هو استخدام آليات الحوافز لكشف المعلومات الكامنة لدى الأطراف من خلال قراراتهم، وينطبق الأمر نفسه على تطوير الذكاء الاصطناعي الآمن، إذ تمتلك المختبرات معلومات خاصة عن المخاطر المحتملة لنماذجها – فكيف يمكننا تصميم حوافز تدفع هذه الجهات إلى الإفصاح عن تلك المخاطر بكل شفافية؟
مثال توضيحي: أدوات التوظيف المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تثير مخاوف من التحيّز، الذي قد يؤدي إلى استبعاد مواهب استثنائية يكتشفها التقييم البشري بينما يغفلها النظام الآلي. يجب، في هذه الحالة، أن ينصب التركيز على جودة التقييم لا على خفض التكلفة.
هناك جانبين رئيسيين يلفتان الانتباه – الأول هو التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المحتمل على الاقتصادات العالمية، سواء من حيث الإنتاجية والنمو أو من حيث الشمولية وتقليص الفجوات أو زيادتها، إضافة إلى تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية.
أما الجانب الثاني فهو التحول العميق في بنية الاقتصاد العالمي التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، نحو نموذج جديد أكثر تعقيداً وأقل تكاملاً، يخضع لتأثيرات متزايدة مرتبطة بالأمن القومي والاقتصادي. فبينما كان النموذج السابق يركز على الكفاءة والميزة النسبية، فإن البنية الجديدة تضع المخاطر والمرونة في صدارة الاهتمامات، وتعيد تقييم المقايضات بين الكفاءة والأمن بشكل مختلف تماماً.
التاريخ يوضح أن الابتكارات الكبرى تبدأ بتأثيرات محدودة في قطاعات معينة، بينما تستغرق التأثيرات الواسعة سنوات طويلة لتظهر، بسبب حاجة الأفراد والمؤسسات لتغيير السلوكيات والتعلم والتجربة. كما أن التطورات العلمية الكبرى غالباً ما تفتح الباب أمام ابتكارات لاحقة تحتاج وقتاً لاعتمادها. انتشار الذكاء الاصطناعي عبر جميع القطاعات لن يكون سريعاً، رغم كونه تقنية عامة يمكن أن تطال كل جوانب الاقتصاد، إذ تختلف سرعة الانتشار بين القطاعات وتتأثر بالسياسات.
لا – قد يحدث بشكل أسرع قليلاً في الاقتصادات المتقدمة مقارنة ببعض الاقتصادات الناشئة، لكن هناك تفاوت. لن أستغرب إذا كان اعتماد الذكاء الاصطناعي وتأثيره أسرع في الصين منه في العديد من الاقتصادات المتقدمة.
كما أنه لا يوجد سبب يدفعني إلى الاعتقاد بأن تأثيرات الذكاء الاصطناعي ستقتصر على الاقتصادات المتقدمة أو ستكون أكبر فيها لأن هذا الأمر سيظل رهينا بمستوى تبتي هذه الاقتصادات لهذه التكنولوجيا ومدى استخدامها لها.
أما فيما يخص تطوير تكنولوجيا ذكاء اصطناعي جديد فالأمر مختلف، لأن تطوير هذه التقنيات يتطلب استثمارات كبيرة وتركيزاً عالياً للمواهب ونسيجاً كبيراً وقوياً من البنى التحتية الحاسوبية المكلفة. وأنا أتوقع، على الأساس، أن تتركز التطورات الكبرى في هذا المجال ضمن الاقتصادات المتقدمة، رغم أن النمو السريع لتطوير الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر مهم ويمكن أن يوسع نطاق التطوير ضمن اقتصادات أخرى.
لكن باختصار، خلال العقد المقبل أو أكثر، من المرجح أن يكون التطوير أكثر تركيزاً على مستوى الدول وطنياً عوض الاكتفاء فقط استجلاب هذه التكنولوجيات المتقدمة واستخدامها.
يُعد هذا سؤالاً بالغ الأهمية وتتعدد حوله الآراء، وفي الواقع فإن القضية معقدة ولها أبعاد كثيرة، ويُعتبر الانتشار الواسع جزءاً من الحل الذي يعني قدرة وصول دول مختلفة إلى هذه التكنولوجيا.
وعلى مستوى الاقتصادات الوطنية، من الضروري تحقيق توازن مدروس بين الأتمتة وتعزيز القدرات البشرية؛ أي بين استبدال الأشخاص في بعض الوظائف والمهام، وبين تزويدهم بأدوات رقمية قوية ترفع إنتاجيتهم وجودة عملهم وأثره، وتجعل العمل أكثر إرضاءً لهم.
كما أننا، إلى جانب هذا، بحاجة أيضاً إلى تعزيز حوافز تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التي تضع دعم الإنسان وتعزيز قيمته المضافة هدفا لها.
القياس يمثل تحدياً كبيراً، والإجابة المختصرة هي نعم؛ فالذكاء الاصطناعي يتمتع بقدرات فائقة في التعرف على الأنماط، ما يتيح قياس الأداء في الوقت الفعلي بدقة أكبر بكثير. ويظهر هذا الأمر من خلال الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في إدارة الأنظمة المعقدة والتنبؤ بها، مثل سلاسل التوريد والشبكات الذكية والطقس.
تلعب المنتديات الدولية، مثل تلك التابعة للأمم المتحدة، دوراً محورياً في تحديد العقبات والمخاطر المرتبطة بانتشار الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على العمل في اتجاه نشر التكنولوجيا المفيدة.
وهناك مجالات تتطلب اتفاقيات دولية – أو معاهدات – لتجنب الاستخدامات الأكثر تدميراً للذكاء الاصطناعي، مثل الأسلحة المستقلة والهجمات السيبرانية.
الجامعات هي الحاضنة الطبيعية للأفكار الجديدة بعيداً عن القيود التجارية، وتلعب دوراً أساسياً في تحديث المجتمعات. وباعتبارها أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، فإن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تتحمل مسؤولية كبيرة في تطوير العلوم والتكنولوجيا والأخلاقيات والسياسات والرؤية المستقبلية المرتبطة بهذه التقنية.
الجواب على تساؤلك – إلى حد ما – هو نعم، حيث إنه من المرجح أن نشهد منح جوائز لعلماء قاموا بأعمال رائدة، وغالباً ما ستكون هذه الأعمال قد استفادت من أنظمة ذكاء اصطناعي قوية، وبالتالي سيكون الاعتراف غير مباشر بالذكاء الاصطناعي ولدوره في تسريع البحث العلمي، حيث ستُمنح الجوائز عن الإنجاز البحثي وليس عن الأداة المستخدمة.
أما منح الجائزة لنموذج ذكاء اصطناعي بحد ذاته، فأراه أمراً بعيد الاحتمال، وإن كان من الممكن أن تُمنح الجائزة لفريق أو فرد ابتكر نموذجاً قوياً أو تطبيقاً مبتكراً بشكل استثنائي.
تهدف هذه المنحة القائمة على الجدارة والمنافسة الأكاديمية والتميز العلمي إلى دعم ما يقارب 350 طالب بكالوريوس.....
استضافت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مؤسسة أبوظبي للموسيقى والفنون، النسخة الرابعة من مبادرتها.....