موازاةً مع التطورات المتواصلة والمتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، ترى الدكتورة إكاترينا كوشمار – الأستاذة المساعدة في قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي – أن الوقت قد حان لاستخدام هذه التكنولوجيا بما يجعلها مؤثرة وذات تأثير يستشعره المجتمع.
وتعتقد الدكتورة أن تحقيق هذا المُبتغى قد أصبح، في الآونة الأخيرة، أمراً ممكناً إذا ما أخذنَا في عين الاعتبار التطورات والتقدم الذي أحرزته النماذج اللغوية الكبيرة وقُدراتها القوية التي تؤشر على بداية عهد جديد يدفعنا إلى التفكير في الكيفية التي تمكننا من الاستفادة منها وجعل تطبيقاتها تحدث الفارق الملموس.
وإحداث الفارق هو بالضبط ما تسعى الدكتورة إلى تحقيقه من خلال ’نظام التدريس الذكي‘ الذي تعمل على تطويره بالتعاون مع كوشال كومار موريا – طالب باحث ما بعد الدكتوراه في الجامعة نفسها – يذكر أن ’نظام التدريس الذكي‘ قد فاز مؤخراً بـ ”جائزة جوجل للأبحاث الأكاديمية“ في فئة ’جعل التعليم منصفاً ومتاحاً وفعّالاً بالذكاء الاصطناعي‘.
يهدف المشروع البحثي تحت عنوان 2σ-ITS: A Pedagogical Intelligent Tutoring System Grounded in Learning Science Principles إلى تطوير نموذج ذكاء اصطناعي تأسيسي يمكنه توفير تجربة تعليمية متميزة للمتعلمين تأخذ في عين الاعتبار احتياجات كل متعلم على حدة، إلى جانب مساعدة المعلمين على تعليم الطلاب الذين قد يجدون صعوبة في الوصول إلى الخدمات التعليمية.
ويشكل الفوز بـ ”جائزة جوجل للأبحاث الأكاديمية“ بالنسبة للدكتورة مؤشراً على أن المرحلة التالية لتطور التعليم المدعوم بالذكاء الاصطناعي أصبحت ناضجة للمضي قدماً في تنفيذها – وعن هذا الفوز تقول كوشمار:
”الفوز بهذه الجائزة يشكل اعترافاً بأهمية وقيمة ما قدمناه.. زد على هذا أن الجائزة في نسختها لهذا العام ركزت – تحديداً – على تكريم المشاركات التي حاولت الإجابة على سؤال كيفية جعل التعليم في متناول الجميع باستخدام مثل هذه النماذج.. وفوزنا ضمن هذه الفئة هو إنجاز واعتراف بقيمة عملنا.. ما يعني أن مشاركتنا البحثية لا تحظى فقط باهتمامنا نحن كباحثين، بل كذلك تحظى باهتمام كبرى شركات التكنولوجيا العالمية.. ما يشير إلى ضرورة تعزيز عملنا البحثي في هذا الاتجاه.. “.
تُوفر جائزة جوجل فرصاً للتمويل والتعاون بين الباحثين، وتسهم في خلق وتعزيز بيئة تدعم الجهود البحثية التي لها تطبيقات عملية. وفضلا عن تخصيصها لجوائز تكرم الجهود البحثية في مجال التعليم، تُمنح الجائزة أيضاً لخمس فئات أخرى تخص:
يذكر أن كوتشمار وموريا كانا الفريق البحثي الوحيد من الشرق الأوسط الذي فاز بجائزة جوجل التي تمثل تكريماً لجهودهما ودليلاً على ما يطمحان إلى تحقيقه بما يتماشى مع جهود كوتشمار البحثية التي تركز فيها على تطوير نماذج لمعالجة اللغة الطبيعية خاصة بالتعليم – وعن اهتماماتها البحثية تحدثنا الدكتورة وتقول:
”سبق لي العمل على أدوات لمساعدة المتحدثين غير الناطقين باللغة الإنجليزية على تعلم اللغة، والكتابة، والقراءة بشكل أكثر كفاءة وفعالية. كما عملت على أنظمة تدريس ذكية خاصة بـ STEM لتعلم الآلة وعلوم البيانات والرياضيات.. ونعلم – في هذا السياق – أن نماذج اللغة الكبيرة يمكنها دعم هذه الأنظمة الذكية، غير أنها ما تزال تفتقر إلى العديد من القدرات التي تجعلها قادرة على التدريس كالمعلمين“.
وتكمن هنا أهمية النموذج الجديد الذي طورته الدكتورة بالتعاون مع طالب ما بعد الدكتوراه – موريا، والذي يتفوق على نماذج مثل نموذج شات جي بي تي – وعن قوة النموذج الجديد توضح الدكتورة:
”إذا طلبت من شات جي بي تي، على سبيل المثال، مساعدتك في حل مسألة رياضية وكان حلها خاطئ، فمن المحتمل أن يصحح لك خطأك وسيتوقف الأمر عند هذا الحد، غير أن التعليم الجيد – تضيف الدكتورة – يتعلق بتوجيه الطالب، وشرح الخطأ وأسبابه، وتزويد الطالب بالمهارات اللازمة حتى لا يكرر الخطأ نفسه مرة أخرى“.
”وهذا مثال على جانب يظهر من خلاله بوضوح الضعف الذي يعتري مثل هذه النماذج، حتى لو أنها غنية بالمعلومات ويمكنها توليد نصوص مكتوبة بكل سهولة.. والواقع هو أن هذه النماذج تنطوي على إمكانيات كبيرة، غير أنها ما تزال بحاجة إلى الكثير من العمل وهذا هو محور جهودنا البحثية“.
ولتحقيق هذا الهدف وتعزيز قدرات هذه النماذج، لا تبني كوتشمار وموريا نموذجهما على بيانات ومهام محددة من مجال التعليم [المقصود هنا البيانات العامة التي يتم تدريب النماذج اللغوية الكبيرة عليها عادةً]، بل أيضا يعتمدان بجانبها على استخدام مجموعة معينة من القيم – وتوضح الدكتورة هذا قائلة:
”النماذج بحاجة لتتماشى مع القيم الإنسانية — وفي هذه الحالة، مع القيم التربوية، وهذا أمر لم يتم القيام به من قبل، لذا في بحثنا عملنا على تحديد بعض الخصائص التي يجب أن يتماشى معها النموذج لضمان أنه يتفاعل مثل المعلم. كما أننا بحاجة إلى السماح للنموذج بتتبع الكيفية التي يتحدث بها المعلمون والكيفية التي يتصرفون بها في مواقف مختلفة“.
ويضيف موريا أن البيانات التي يقومان باستخدامها ستكون مبنية على ’مبادئ علم التربية‘ التي ”تشكل – يقول – نتاجاً لتجربة طويلة قوامها عقود من العمل الذي فهم من خلاله الكادر التربوي محددات العملية التعليمية البناءة والفعالة – فعلى سبيل المثال، إذا قدمت درس برمجة بلغة بايثون بأسلوب يغلب عليه الأسلوب العملي، فقد تكون مخرجاته التعلمية غير مجدية، في حين إذا قدمت الدرس نفسه اعتماداً على أسلوب تفاعلي/تواصلي، فقد تكون مخرجات الدرس التعلمية جيدة؛ ولذا فإن فلترة البيانات واستخدامها بشكل فعال لتوجيه العملية التعليمية هو ما نركز عليه“.
تُقرّ د. كوتشمار بوجود قدر لا يستهان به من القلق يحوم حول دور الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، سواء من جانب الطلاب أو المعلمين أو حتى أولياء الأمور. كما تؤكد أن ”هناك أسئلة كثيرة تظل مفتوحة حول سبل جعل هذه التكنولوجيا تعمل لصالح المجتمع“، ومن بين هذه الأسئلة– سؤال: هل سيأتي يوم يحل فيه الذكاء الاصطناعي محل المعلمين؟
موريا يؤكد، في هذا الصدد، أننا ”تماماً كما حدث مع الآلات الحاسبة والحواسيب في الماضي، فإننا أمام تحول نحو نظم تعليمية في طريقها إلى أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من النظام التعليمي، وتكون أداة تدعم وتساعد المعلمين ولا لتحل محلهم أو تعوضهم“.
ويبقى، مع هذا، السؤال مطروحاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد – فعلا – في تحسين التعليم دون أن يفقد الكادر التربوي جوهره؟ الجواب بالنسبة لـ كوتشمار وموريا يكمن في القدرة على تصميم تجارب تعلمية فردية/خاصة بكل متعلم؛ فبدلاً من أن يكون التعلم عملية موحدة للجميع، يهدف ’نظام التدريس الذكي‘ الذي طوره الباحثان إلى تقديم تجارب تعلم فردية – وعن هذه المقاربة توضح كوتشمار:
”إذا كنت تدير فصلاً دراسياً كبيراً ولا يمكنك تخصيص الوقت الكافي لتصحيح المفاهيم الخاطئة لكل طالب، فيمكنك مثلاً تقديم جهاز لوحي مخصص لكل طالب“؛ مضيفة أن: ”الفكرة هنا هي أن كل طالب سيحصل على تجربة تعليمية فردية خاصة به، تماماً كما يحدث مع تطبيقات مثل تطبيق ’سيري‘ في هاتفك، التي تعرف ما تعرفه وما لا تعرفه، وتقدم لك الإجابات بشكل يتناسب مع احتياجاتك“.
المبدأ الأساسي هنا هو أن جميع الطلاب يجب أن يحصلوا على المستوى نفسه من الخبرة والمعرفة في المادة الدراسية، لكن الطريق إلى ذلك قد يختلف من شخص لآخر. وتفتح هذه الطريقة المبتكرة آفاقاً جديدة في التعليم، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من الأدوات التي تدعم المعلم ولا تستبدله، مما يعزز العلاقة بين التكنولوجيا والإنسان في الفصول الدراسية.
بفضل التمويل والدعم الذي حصلا عليه من جائزة جوجل، يواصل كل من كوتشمار وموريا تطوير أبحاثهما، ويأملان أن يرى نموذجهما التأسيسي النور ويُستخدم ”في الحياة الواقعية لمساعدة المستخدمين على التعلم بشكل أفضل وأسرع وأكثر كفاءة وفعالية“.
كما سيركز الباحثان خطواتهما القادمة في بناء نموذج لغوي مُعد خصيصاً للتكامل مع الأنظمة التعليمية – وعن هذه الخطوات التالية تقول كوتشمار: ”نحن بصدد دراسة الكيفية المثلى لجعل استخدام هذا النموذج غير عام، بل متخصص في نقل المعرفة التعليمية بفعالية“.
وتضيف: ”هناك العديد من الأسئلة المفتوحة ونحن ما زلنا في مرحلة مبكرة من المشروع، ولكن هناك أمل كبير لأن لدينا هذه التقنية القوية والواعدة.. الآن نحن بحاجة للتفكير بشكل دقيق حول كيفية جعلها تعمل في جميع السياقات العملية. وسنركز على هذا الجانب وغيره من الجوانب الأخرى، وسنبني النماذج الأولية ونواصل التقدم، بحيث نتمكن في النهاية من رؤية هذه التكنولوجيا تقدم فائدة حقيقية للمجتمع“.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....