باحثون يطورون خوارزمية لتحديد العلاقات السببية بين المتغيرات القابلة للقياس وغير القابلة للقياس المباشر

Monday, May 13, 2024

يُعد تطوير نماذجَ ذكاءٍ اصطناعي تَكون قادرةً على تحليل حُزمِ بيانات ضخمة وتحديد العلاقات السببية بينها أو تحديد الكيفية التي يؤدي بها فعل ما إلى فعلٍ آخر، من بين أحد التطبيقات الممكنة وذات الفائدة الكبيرة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ويمكن لهذه النماذج أن تكون ذات فائدة كبيرة في الطب مثلاً، حيث يمكنها أن تَمد الخبراء والمتخصصين بفهم حول العلاقات التفاعلية المعقدة بين جسم أو بيولوجيا الإنسان وبيئته. ففهم العلاقة السببية في حالة الأمراض، مثلاً، قد يساعد في تطوير أدوية لعلاج مرض ما أو تغيير نمط حياة شخص ما بهدف وقايته من الإصابة بمرض معين أو تأخير ظهوره أعراضه.

تحديد العلاقة السببية في الأنظمة المعقدة مثل جسم الإنسان يعد أمراً صعباً، ومن الطرق التي قد تساعد في ذلك إجراء تجربة عشوائية متحكم فيها، حيث يتدخل العلماء في متغير واحد لمعرفة ما إذا كان المتغير المستهدف يتغير. كما أن الكشف عن العلاقة الحقيقية بين المتغيرات في سلسلة سببية معينة يتطلب تحديد العلاقات الأساسية بينها واستبعاد العوامل غير ذات الصلة، وكلا الأمرين صعب ويستغرق وقتاً طويلا. كما أن بعض تجارب التدخل البيولوجي قد تنطوي على إشكاليات أخلاقية.

إن مجال دراسة العلاقات السببية بين الأشياء له تاريخ طويل في تخصصات مثل الإحصاء والذكاء الاصطناعي وحتى الفلسفة. وقد طور العلماء الذين كرسوا جهدهم لدراسة هذه العلاقات أساليب تُعرف بطرق “اكتشاف السببية”، والتي تهدف إلى الكشف عن العلاقات السببية من خلال البيانات القابلة للملاحظة فقط (دون الحاجة إلى تدخل خارجي). وتنتج هذه الطرق ما يُعرف بـ “مخططات العلاقات السببية”، التي توضح كيف تؤثر المتغيرات على بعضها البعض.

ورغم الجهود التي يبذلها العلماء في سبيل تحديد هذه العلاقات يظل هناك تحدٍ رئيس ألا وهو أن المتغيرات التي يمكن قياسها مباشرة أو ما يسمى بالمتغيرات القابلة للقياس لا تعكس دائماً الصورة الكاملة. كما أن هناك متغيرات كامنة لا يمكن قياسها مباشرة، ولكنها تؤثر على العلاقات السببية.

وبهدف معالجة هذا الخلل في عملية كشف العلاقات السببية، قام فريق من الباحثين من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ومؤسسات أخرى مؤخراً بإعداد دراسة تقترح خوارزمية جديدة يمكنها الكشف عن “المتغيرات غير القابلة للقياس مباشرة” وتحديد العلاقات السببية بينها وبين “المتغيرات القابلة للقياس مباشرة”، وذلك من خلال الاعتماد على البيانات القابلة للقياس وحدها (دون تدخل).

يذكر أن الدراسة تم تقديمها خلال فعاليات المؤتمر الدولي الثاني عشر حول تمثيلات التعلّم في نسخته لعام 2024 التي عُقِدت في فيينا خلال الفترة من 7 إلى 11 مايو.

توجد طرق لتحديد العلاقة السببية بين البيانات، ولكنها غالبا ما تكون غير فعالة في وجود متغيرات غير قابلة للقياس مباشرة. وهناك أيضاً طرق أخرى يمكنها التعامل مع هذا النوع من المتغيرات، ولكنها تقوم على افتراض أن المتغيرات القابل للقياس لا تؤثر مباشرة على نظيرتها غير القابلة للقياس مباشرة في مخطط العلاقات السببية. والخوارزمية المقترحة في هذه الدراسة يمكن أن تعالج هاتين الحالتين إضافة إلى حالات أخرى.

ويقول، في هذا الصدد، سونغ ياو جين – طالب الماجستير في السنة الثانية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والمؤلف الرئيسي للدراسة متحدثاً عن هدف دراسته: “هدفنا هو توفير نهج يمكنه الكشف عن العلاقات السببية في الحالات التي تتفاعل فيها عشوائياً المتغيرات القابلة للقياس مباشرة مع المتغيرات غير القابلة للقياس مباشرة، أي في الحالات التي يمكن أن يحدث فيها تأثير متبادل بين هذين النوعين من المتغيرات.

يشار إلى أن الدراسة شارك أيضاً في إعدادها كل من: فنغ شيه من جامعة بكين للتكنولوجيا والأعمال؛ وبيوي هوانغ من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو؛ وشينشواي دونغ من جامعة كارنيجي ميلون؛ وغوانغي تشن وتشينغ مينغ تشن وكون زانغ من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.

أحد أسباب اهتمام الباحثين بدراسة العلاقات السببية، بخلاف الآثار النظرية الأوسع، هو استخدامها في التعلم غير الخاضع للإشراف، حيث يتم توفير مجموعة كبيرة من البيانات لآلة وتحاول هذه الآلة تحديد الأنماط فيها دون وجود تصنيفات أو أشكال مساعدة أخرى من البشر. ويمكن استخدام التعلم غير الخاضع للإشراف لتحليل البيانات الطبية أو البيولوجية، وربما يساعد في تحديد العلاقات السببية في مجموعات أو حزم البيانات الكبيرة أو المعقدة جداً بشكل لا يستطيع معه البشر تحليلها.

ويشكل هذا تطبيق واعد، لأنه في حالة البيانات الصحية يمكن أن تؤدي التدخلات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي إلى تغيير إيجابي بالنسبة للمرضى. ويوضح جين هذه النقطة قائلاً: “إذا عرفنا العلاقة السببية بين المتغيرات، فيمكننا إجراء تغيير في السبب”.

في الدراسة، قام الباحثون باختبار الخوارزمية التي طوروها على حزم بيانات اصطناعية وأخرى حقيقية. وقد أكد الفريق البحثي عقب هذه الاختبارات أن الخوارزمية “تعمل جيداً مع جميع البُنَى” في مجموعة البيانات الاصطناعية، “وهذا يثبت قدرتها على التعامل مع البنى السببية العامة”. وفي مجموعة البيانات الواقعية، يكتشف النظام العلاقات السببية بشكل متوافق مع المعرفة التخصصية.

وعن الخطوة التالية ضمن هذا المجهود البحثي، ذكر جين أن أحد الاتجاهات المحتملة هو توسيع هذا النهج ليشمل تحديد العلاقات غير الخطية، حيث إن هذه الدراسة تشمل العلاقات الخطية فقط. ومن الاتجاهات الأخرى تطبيق الخوارزمية على بيانات من مجالات مختلفة واكتشاف الأنماط المفيدة غير المعروفة.