يحرص حسن إقبال، خريج برنامج الماجستير في معالجة اللغة الطبيعية، حرصاً كبيراً على الدقة في مخرجات النماذج اللغوية الكبيرة، ما دفعه لتطوير مجموعة أدوات للتحقق من صحة المعلومات أصبحت محور بحوثه الأكاديمية.
عندما التحق حسن إقبال بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في عام 2023، حاملاً في جعبته درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة الهندسة والتكنولوجيا في لاهور وخبرة عملية اكتسبها في شركة باكستانية متخصصة في تطوير البرمجيات والاستشارات، كان يخطط في البداية لمتابعة دراسته العليا في مجال الرؤية الحاسوبية، وهو أحد المجالات البحثية الرئيسية في الجامعة، لكن شغفه بالدقة والحقائق قاده نحو مسار مختلف تماما، حيث اتجه إلى أبحاث معالجة اللغة الطبيعية متخصصاً في التحقق من المعلومات وتقييم دقة النماذج اللغوية الكبيرة تحت إشراف البروفيسور بريسلاف ناكوف – رئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية بالجامعة.
ويقول إقبال، وهو واحد من خمسة وعشرين طالباً تخرجوا من برنامج الماجستير في قسم معالجة اللغة الطبيعية في دفعة 2025، في سياق حديثه عن سبب انجذابه لهذا المجال قائلا: “إن التحقق من صحة المعلومات عملية تقوم على أساس موضوعي.. وإذا كانت لدينا إجابة صحيحة، فلا يمكننا القول إنها خاطئة، والعكس بالعكس.. صحة الإجابة أو خطؤها أمر ثابت ولا يقبل التغيير.. وهذا الجانب الموضوعي هو الذي جذبني.. هناك مجالات أخرى في معالجة اللغة الطبيعية تحتمل حكماً ذاتياً، مثل تلخيص النصوص أو كشف النصوص المنتجة آلياً.. أما في مجال التحقق من صحة المعلومات، فالحقائق ثابتة.. وهذا بالضبط ما دفعني نحو مجال التحقق من صحة المعلومات في قسم معالجة اللغة الطبيعية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”.
ويمضي قائلاً: “بدأتُ بالتعاون مع آخرين يعملون في المجال نفسه، مثل الدكتورة يوكسيا وانغ، التي كانت تقود أبحاث تطوير أدوات التحقق من صحة المعلومات. وفي نهاية المطاف، توليتُ قيادة البحث الخاص بتطوير نظام OpenFactCheck الذي اشتهر على نطاق واسع في الجامعة”.
تجدر الإشارة هنا إلى أن OpenFactCheck نظام موحد مكوّن من ثلاث أدوات هي ResponseEvaluator و LLMEvaluator و CheckerEvaluator. وهذا النظام هو الأساس الذي قامت عليه أطروحة إقبال، وعنوانها “نظام آلي موحد للتحقق من صحة المعلومات وتقييم الحقائق في النماذج اللغوية الكبيرة”.
يتحدث إقبال عن نظام OpenFactCheck قائلاً: “نريد تحليل المعلومات التي تقدمها لنا النماذج اللغوية الكبيرة، والتحقق مما إذا كانت صحيحة أم لا، وما إذا كان النموذج يختلق المعلومات أم لا. وهناك ثلاث أدوات رئيسية تساعدنا في ذلك: الأولى هي ResponseEvaluator، وهي أداة تقييم آلي يمكن للمستخدمين تخصيصها للتحقق من صحة الإجابات؛ والثانية هي LLMEvaluator التي تقيّم مدى دقة المعلومات التي يقدمها النموذج عبر عدة مجموعات بيانات معيارية؛ أما الأداة الثالثة فهي CheckerEvaluator التي تقيّم جودة أدوات التحقق من صحة المعلومات التي نستخدمها. إنه نظام طموح، وقد نُشرت دراسة بحثية عنه في ’مؤتمر الأساليب التجريبية في معالجة اللغة الطبيعية عام 2024‘”.
لم يقتصر نشر أبحاث إقبال حول نظام OpenFactCheck على “مؤتمر الأساليب التجريبية في معالجة اللغة الطبيعية”، الذي نشر له دراستين بحثيتين، بل قُبلت أبحاثه أيضاً في “المؤتمر السنوي لفرع جمعية اللغويات الحاسوبية” في أمريكا الشمالية 2025، وفي “المؤتمر الدولي للغويات الحاسوبية 2025” الذي استضافته أبوظبي، وهي أول مرة ينعقد فيها هذا المؤتمر في الشرق الأوسط.
وقد تولت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تنظيم هذا المؤتمر، وكان لإقبال مساهمة فعالة فيه يشير إليها بقوله: “كنتُ رئيساً للجنة الإعلام في المؤتمر، وكنتُ سعيداً جداً بذلك.. ومن المؤكد أن استضافة أبوظبي لهذا المؤتمر إنجاز مهم تحقق بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها الإمارة في مجال الذكاء الاصطناعي.. وأنا فخور بمساهمتي في ذلك”.
تلقى إقبال عرضاً لمتابعة دراسة الدكتوراه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، حيث سيواصل أبحاثه في مجال التحقق من صحة المعلومات ساعياً لاستكشاف عدد من الجوانب الرئيسية فيه، من بينها التحقق الزمني، والتحقق المكاني، والتحقق القائم على الذاكرة، والتحقق بلغات متعددة.
وهو يقول في هذا الصدد: “أنا متحمس لمتابعة عملي مع الدكتور ناكوف والسعي لتحسين مجال التحقق من صحة المعلومات قدر الإمكان. يمكننا العمل على حل مشاكل مثل التكلفة ورداءة الأدلة الواردة من بعض مناطق العالم التي ينخفض فيها استخدام الإنترنت أو التي تكون لغتها محدودة الموارد”.
ويواصل كلامه قائلاً: “التحقق الزمني يعني التأكد من صحة المعلومات مع تغير الزمن.. والتحقق المكاني يعني التأكد من صحة المعلومات مع تغير المكان.. أما التحقق بالاعتماد على الذاكرة، فهو يركز على إنشاء ذاكرة عامة يُستفاد منها في عملية التحقق من صحة المعلومات من خلال استرجاع بيانات معززة من مصادر متعددة. وقد شرعت في العمل على التحقق من صحة المعلومات بلغات متعددة، حيث بدأتُ باللغة الأُردية، وستتبعها الصينية والعربية وغيرها من اللغات ذات الموارد المحدودة”.
يؤكد إقبال أن سر نجاح تجربته في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يكمن في ثقافة لم يعهدها في جامعات أخرى، وهي ثقافة التعاون والعمل الجماعي، حيث يقول: “أول شيء أحببته عندما قدمت إلى هنا هو جو التعاون. كانت لدينا جلسة دورية لتبادل الأفكار يجمع فيها المشرفون الطلاب لمناقشة كل شيء. وقد ساعدنا ذلك كثيراً على فهم الصورة الكبرى ورؤية الأمور من زوايا جديدة”.
ويضيف قائلاً: “علاوة على ذلك، من الرائع أن يعمل المرء مع أساتذة متميزين ومستعدين دائماً للمساعدة والدكتور بريسلاف ناكوف اسم كبير جداً في مجال معالجة اللغة الطبيعية، وأفتخر بأنني تعلمت منه”.
بعيداً عن الدراسة وضغوطها، يشير إقبال إلى إنه تعرّف على أصدقاء رائعين في الجامعة، وهم يمارسون معاً أنشطة ترفيهية متنوعة: “أحب ممارسة ألعاب الطاولة مع أصدقائي. وأستمتع بالألعاب التعاونية مع زوجتي، وبمشاهدة الأفلام والمسلسلات الكرتونية. ضغوط الدراسة هنا قد تكون كبيرة جداً أحياناً، ومن المهم أن يجد المرء وسيلة للاسترخاء”.
على الرغم من إدراك إقبال لأهمية فترات الراحة، فهو يقول إن لديه حلماً يطمح إلى تحقيقه على المدى الطويل: “أريد، في الحقيقة، أن أصبح يوماً أستاذاً في هذا المجال.. هذا هو حلمي.. أريد أن أدرّس، وأنا لا أضيّع أي فرصة لتعليم.. هدفي النهائي هو أن أصبح أستاذاً في مجال معالجة اللغة الطبيعية.. أمامي طريق طويل، لكنني سأبذل قصارى جهدي لتحقيق ما أصبو إليه”.