الأولمبياد الدولي للذكاء الاصطناعي هو مسابقة جديدة يشارك فيها طلاب المدارس الثانوية من مختلف أنحاء العالم للتنافس في ابتكار أفضل الأنظمة في مجالات معالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية وعلم الروبوتات. فهو أشبه ما يكون بدورة الألعاب الأولمبية، ولكن في مجال الذكاء الاصطناعي.
استوحي هذا الأولمبياد من أشهر المسابقات العلمية الدولية مثل الأولمبياد الدولي للرياضيات والأولمبياد الدولي للمعلوماتية، ويهدف إلى اكتشاف نجوم المستقبل في مجال الذكاء الاصطناعي وتكريمهم. وفي عام 2026، ستستضيف جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي هذا الحدث للمرة الأولى في أبوظبي.
فبعد أن رعت الجامعة نسختي 2024 و2025 من الأولمبياد، رسّخت علاقتها الوثيقة بهذه المسابقة العالمية. كما أن اثنين من أعضاء هيئة التدريس فيها، وهما الدكتورة يوفا كمينتشيدجيفا، الأستاذة المساعدة في قسم معالجة اللغة الطبيعية، والدكتور ماكسيم بانوف، الأستاذ المساعد في قسم تعلّم الآلة، يشغلان عضوية اللجنة العلمية الدولية للأولمبياد، وكان لهما دور محوري في استضافة نسخة عام 2026 في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أُقيمت نسخة عام 2025 من الأولمبياد الدولي للذكاء الاصطناعي في بكين خلال شهر أغسطس، وشهدت ثلاث مسابقات متزامنة، وهي المسابقة الفردية، وتحدي الفرق، ومبادرة تمكين المواهب العالمية في الذكاء الاصطناعي. قد خُصصت الميداليات للمسابقة الفردية فقط، فيما مُنحت جوائز منفصلة لكلٍّ من تحدي الفرق والمبادرة. ووفقاً للوائح الرسمية، يجب ألا يتجاوز عمر المشاركين عشرين عاماً في اليوم الأول من المسابقة الفردية، وأن يكونوا مسجلين في مدرسة ثانوية في البلد الذي يمثلونه.
استمرت فعاليات الأولمبياد على مدى أسبوع، وتطلبت جهداً كبيراً من المشاركين. وقبل انطلاق المنافسة الفعلية، بدأ الطلبة بجولة تمهيدية من بلدانهم تضمنت ثلاث مسائل خُصصت للتدريب فقط دون احتساب نقاطها. وفي بكين، بدأت الفعاليات بجلسة تدريبية مدتها ساعة ونصف، تلتها المسابقة الفردية على مدى يومين، بواقع ست ساعات في كل يوم. وقد توسّع اليوم الأول في المسائل التي طُرحت في الجولة التمهيدية، بينما تضمن اليوم الثاني مسائل جديدة بالكامل. وبحسب الدكتورة يوفا كمينتشيدجيفا والدكتور ماكسيم بانوف، صُمم اليوم الثاني بحيث يكون أصعب من خلال تقليل الحد المسموح للاستعانة بأنظمة الذكاء الاصطناعي وطرح مجالات غير مألوفة تتطلب قدرة أكبر على التعميم وإظهار مستوى أعلى من الكفاءة.
كان من أبرز التحديات في تنظيم نسخة هذا العام توحيد الرؤى بين اللجنة العلمية الدولية واللجنة العلمية في الدولة المستضيفة، حيث تتولى اللجنة العلمية الدولية مهام الإشراف وتقديم التوصيات والإرشاد، بينما تقع على عاتق الدولة المستضيفة مسؤولية تنفيذ الحدث ميدانياً، من إعداد الأجهزة والبنية التحتية السحابية إلى تجهيز منصة المسابقة. ونظراً لحداثة الأولمبياد الدولي للذكاء الاصطناعي الذي لا يتجاوز عمره عامين، لا توجد حتى الآن معايير ثابتة تحدد آليات التنفيذ الدقيقة. كما تختلف التحديات من دولة إلى أخرى بحسب إمكاناتها وظروفها. وأكّدت الدكتورة كمينتشيدجيفا والدكتور بانوف أنهما تعلّما هذا العام الكثير حول سبل التعاون مع الدول المستضيفة بكفاءة أكبر، وأن عملية التنظيم تتطلب تبادلاً مستمراً للملاحظات في كل مرحلة لضمان أن تكون جميع التجهيزات في أفضل حال عند انطلاق المنافسة فعلياً.
تنافس جميع الطلبة على أجهزة محلية متطابقة من حيث المواصفات والموارد الحاسوبية، حيث زُوّد كل جهاز بوحدة معالجة رسوميات لا تقل الذاكرة فيها عن 24 غيغابايت. وتم تسليم المهام واستلام الحلول ومراجعة الدرجات الأولية عبر منصة “Bohrium”، وهي عبارة عن نظام “Jupyter” قائم على الإنترنت من شركة “DP Technology” ومزوّدة محلياً ببرنامجي “VS Code” و”PyCharm”. ولم تكن منصتا “TensorFlow” و”Keras” متاحتين خلال المنافسة، بينما توفرت منصة “PyTorch” ومنصة “scikit-learn” وغيرهما من الأدوات ذات الصلة. كما تم حجب الاتصال بالإنترنت باستثناء قائمة مواقع محدودة شملت وثائق لكل من “PyTorch” و”scikit-learn” و”Hugging Face” و”NumPy” و”Python” و”PyPI”، إلى جانب موقع للترجمة. وقد أُتيح للطلبة استخدام مساعد مدمج في النظام يعتمد على النموذج “GPT-4oi” ومزوّد بحد أقصى لعدد العناصر اللغوية المسموح بها في كل سؤال.
يؤكد الدكتور بانوف أن هذه القيود أسهمت في تحديد طبيعة المسائل المطروحة في الأولمبياد، قائلاً: “في البداية، كانت الدولة المضيفة مستعدة لتوفير وحدات معالجة رسوميات صغيرة وقديمة، ولكن بعد اعتراض فريق اللجنة العلمية الدولية، تم تعزيز القدرة الحاسوبية، ما أتاح تقديم مهام أكثر تنوعاً وتشويقاً، مع تجنّب اللجوء إلى التدريب المكثّف للنماذج اللغوية الضخمة. كان الهدف اختبار الإبداع والفهم العميق، وليس معرفة من يستطيع تشغيل أكبر نموذج تحويلي”.
وتشير الدكتورة كمينتشيدجيفا إلى أن المساعد الذكي كان مخصصاً للبحث في الوثائق وتصحيح الأخطاء وتقديم الشروحات، وليس لتنفيذ المهام بالكامل، مضيفة: “ضبطنا النموذج على وضعية “GPT-4o-mini” لتجنّب محاولة المشاركين أن يطلبوا منه حل المهمة بكاملها”.
تمّ تقييم كل مهمة من مهام المسابقة من أصل 100 نقطة وفق آلية التطبيع، بحيث تُحوَّل النتيجة الأصلية (مثل دقّة النموذج أو المساحة تحت المنحنى) إلى نطاق بين الحد الأدنى، وهو مستوى الأداء الأساسي، والحد الأقصى، وهو حل اللجنة العلمية مضروباً بـ 0.9 أو أفضل نتيجة مقدّمة من أحد المتسابقين، أيهما أعلى. هذه الطريقة تضمن إمكانية المقارنة بين المهام، ومكافأة التحسّن عن الأداء الأساسي، مع تجنّب أي تشويه في النتائج عند اختلاف نطاق المقاييس المستخدمة.
خلال المسابقة، كان كل مشارك يرى فقط درجاته الأولية لكل مهمة فرعية، إضافةً إلى أفضل نتيجة أولية حققها المتسابقون الآخرون. كما وُضعت لوحة ترتيب المتسابقين في الخارج ليُشاهدها الجمهور فقط، بينما حُجبت عن المتسابقين داخل القاعة للحد من ظاهرة فرط التخصيص وتجنّب التأثير على معنويات الطلبة أثناء المنافسة. تقول الدكتورة كمينتشيدجيفا في هذا الصدد: “هذه الطريقة منحت الطلاب فكرة عن الحد الأعلى الممكن دون تثبيط عزيمتهم بعرض الترتيب بشكل مباشر”.
خصّص المنظمون جلسة ترجمة للفرق غير الناطقة بالإنجليزية مدتها ثلاث ساعات قبل كل يوم من أيام المسابقة. وعمل قادة الفرق على أجهزة حاسوب محمولة وفّرها المنظمون تسمح باستخدام موقع إلكتروني للترجمة، في حين أُتيحت ترجمات مسبقة عبر “GPT-4” للغات غير المدعومة. ولتفادي أي مشاكل تتعلق بتسريب المعلومات، كان على قادة الفرق توقيع اتفاقية عدم إفصاح، كما خضعوا لعزل تام دون هواتف أو أجهزة شخصية منذ بدء جلسة الترجمة وحتى انطلاق المسابقة. وفي وقت لاحق نُشرت جميع الترجمات علناً لضمان الشفافية والتحقق من عدم وجود تلميحات أو معلومات غير متكافئة بين الفرق.
في تحدي الفرق، كان يحقّ لقادة الفرق فقط تقديم الاعتراضات الرسمية، التي سُمح بتقديمها خلال ساعة واحدة بعد انتهاء كل جولة من جولات المسابقة. وتولت لجنة التحكيم الدولية مراجعة الحالات ورفع قراراتها إلى الجمعية العمومية. وبحسب اللوائح فإن أي حالات غشّ (مثل العبث بالنظام، أو التواصل غير المصرّح به، أو استخدام أجهزة محظورة) تؤدي إلى الإقصاء الفوري. وقد اكتشفت اللجنة حادثة تواصل بين متسابقين أثناء استراحة قصيرة، فتمّت معاقبتهما. يقول الدكتور بانوف: “لم يكن يُسمح بإدخال الهواتف أو السماعات أو أي أجهزة إلكترونية إلى قاعة المسابقة”.
وقد قلب تحدي الفرق المفهوم التقليدي للمنافسة، حيث عمل أعضاء الفريق الواحد معاً في مقاعد مشتركة ضمن بيئة تعاون مفتوح، مع تحديد الأدوات وإمكانية الوصول إلى الإنترنت بحسب متطلبات كل مهمة. وتمحور موضوع هذا العام حول التحكم في روبوت شبيه بالبشر ضمن بيئة محاكاة، ما تطلّب تقسيماً للمهام والعمل بالتوازي بشكل أشبه بعمليات بناء الأنظمة. ومن أجل توسيع نطاق المشاركة وجعل المسابقة أكثر شمولاً للدول ذات الخبرة المحدودة في علوم الحاسوب، قدّمت اللجنة العلمية الدولية هذا العام مسابقة موازية مبسّطة تحت اسم مبادرة تمكين المواهب العالمية في الذكاء الاصطناعي، حيث أعطي المشاركون فيها مسائل أسهل وتلميحات إضافية. وتُعلق الدكتورة كمينتشيدجيفا على ذلك قائلة: تُعدّ مبادرة تمكين المواهب العالمية في الذكاء الاصطناعي بوابة انطلاق للمشاركين من الدول التي لم تأخذ مكانها بعد على خريطة الذكاء الاصطناعي. ولحسن الحظ، شارك هذا العام 16 متسابقاً من أربع دول، ونأمل في زيادة هذا العدد في العام المقبل”.
وتعترف الدكتورة كمينتشيدجيفا والدكتور بانوف بأن التعامل مع البنية التحتية خلال المنافسة كان صعباً في بعض الأوقات. ففي اليوم الأول، واجهت منصة “Bohrium” بعض المشكلات التقنية التي أدّت إلى تأخير في تنفيذ المهام واضطرّت اللجنة إلى تمديد الوقت، إلا أن اليوم الثاني جرى بسلاسة بعد إجراء الإصلاحات اللازمة. وأوضحا أن مثل هذه التحديات التقنية خارج نطاق السيطرة الكاملة، لكن المتابعة الدقيقة وتخصيص فترات احتياطية للطوارئ يساعدان في الحدّ من آثارها.
جرى تصميم المسابقة بحيث تركّز على الأفكار والابتكار في النمذجة والتكرار المنهجي من خلال الجمع بين أجهزة متماثلة في المواصفات، وبيئة برمجية محدودة الأدوات، ومساعد ذكاء اصطناعي بقدرات مقيدة، إضافة إلى تطبيع النتائج بعد المسابقة. وقد ساعد هذا النهج في الحد من الاعتماد المفرط على النماذج اللغوية الضخمة، الذي يمكن أن يفقد المنافسة معناها، مع تجنب وجود فجوة في الموارد بين الفرق المشاركة.
ومن المقرر أن تستضيف جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي النسخة الثالثة من الأولمبياد الدولي للذكاء الاصطناعي في أبوظبي في مطلع أغسطس 2026. وتعمل اللجنة حالياً على إعداد جدول زمني أقل كثافة، مع اختبار المهام ومراجعتها في وقت مبكر، إلى جانب تشديد سياسات الشبكات، مثل منع الاتصال بالإنترنت تماماً باستثناء المساعد الذكي. كما ستقود الجامعة مراجعة شاملة للقدرات الحاسوبية لضمان أعلى درجات الكفاءة في النسخة المقبلة.
اقرأ المزيد
تم تقديم الجائزة إلى البروفيسور لي سونغ، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في GenBio AI وأستاذ تعلم.....
مركز حضانة وريادة الأعمال في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يطلق "يوم بِلد إت للعروض التجريبية".....