تحسين عملية تشخيص الأمراض العصبية التنكسية

تشير التقديرات إلى أن نسبة حالات الإصابة بالخرف التي لا تُشخص تبلغ 75 ٪، ومن هنا رأت سلمى حسن أن هناك فرصة لتسخير الذكاء الاصطناعي للمساعدة على الكشف المبكر عن المرض والتنبؤ بمآله

Monday, June 16, 2025

تقول سلمى حسن، خريجة قسم تعلم الآلة بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، في سياق حديثها عن رسالة الماجستير التي أعدّتها حول التعلم البياني متعدد الوسائط للتشخيص التفريقي المبكر للخرف والتنبؤ بمآله: “لطالما شعرت باهتمام كبير بالمشاكل التي لم تنل ما تستحقه من البحث رغم آثارها العميقة على حياة الإنسان، ومنها الأمراض العصبية التنكسية مثل الخرف والزهايمر التي قد يكون لها آثار مدمرة، ولكننا غالباً ما نغفل عن كشفها بشكل مبكر والتنبؤ بمآلها. والأرقام صادمة، حيث تشير التقديرات إلى أن هناك حالة إصابة جديدة بالخرف كل ثلاث ثوانٍ، ولكن نسبة 75٪ من هذه الحالات لا يتم تشخيصها، ناهيك عن علاجها الأمر الذي يشكل معضلة عالمية كبيرة أرى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في حلها”.

تسعى سلمى، الحاصلة على درجة الماجستير في تعلم الآلة من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، في أبحاثها إلى تحسين دقة التشخيص وتحديد المؤشرات المبكرة للإصابة، وذلك عن طريق الاستفادة من الارتباطات والعلاقات بين أنواع مختلفة من البيانات، بما فيها صور الدماغ والبيانات الوراثية والسجلات السريرية ونمذجة كيفية تفاعل السمات البيولوجية والبنيوية المختلفة.

تواصل سلمى كلامها قائلة: “ركزتُ على مجالين رئيسين: الأول هو التشخيص التفريقي الذي لا يكتفي فقط بتحديد ما إذا كان المريض مصاباً بالخرف أم لا، بل يهدف إلى تحديد فئة الخرف أو نوعه – أي نوع المشكلة المرتبطة بالخرف.. وهذا أمر صعب جداً ولكنه بالغ الأهمية، وتعلم الآلة يمكن أن يساعد في ذلك.. أما المجال الآخر فهو التنبؤ بمآل المرض، أي النظر فيما ستؤول إليه حالة المريض.. ركّزتُ على المرضى الذين لا تظهر عليهم أية أعراض، ثم حاولت تحديد الوقت الذي يُتوقَع فيه أن تتطور حالتهم إلى خرف كامل، إلى جانب التنبؤ بالتدهور المعرفي لديهم.. وهذا يساعد في تطوير أداة شاملة لإدارة مرض الخرف”.

شغف بتحقيق أثر إيجابي

التحقت سلمى، وهي من أصل مصري، بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في عام 2023 بعد تخرجها مبكراً من الجامعة الأمريكية في الشارقة وحصولها على درجة البكالوريوس في هندسة الحاسوب. وكان اهتمامها وتميّزها في مجال الذكاء الاصطناعي قد بدأ أثناء دراستها في المرحلة الجامعية الأولى، حيث درست مساقات اختيارية في تعلم الآلة والتعلم العميق، ثم نفذت مشروع تخرج طورت فيه نظاماً يجمع بين تكنولوجيا الربط بين الدماغ والحاسوب وتكنولوجيا الواقع الافتراضي للمساعدة في إعادة تأهيل المرضى المصابين بضعف في الأطراف العلوية.

لكن التخرج المبكر لم يكن نهاية المطاف، بل عملت سلمى خلال فترة تدريبها العملي على تحليل البيانات والخوارزميات، وبدأت تخطط لخطواتها التالية.

تتحدث سلمى عن الوجهة الوحيدة التي كانت تسعى للوصول إليها قائلة: “كانت لدي رغبة واضحة للاستمرار في مجال الرعاية الصحية، وأفضل مكان يمكنني فيه ذلك هو جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.. تواصلت مع الدكتور محمد يعقوب، حتى قبل بدء الدراسة، لأنني قرأت الكثير عنه وعن أبحاثه وعن مختبر تحليل الصور الطبية (BioMedIA) الذي أنشأه في الجامعة والمكرّس لتسخير الذكاء الاصطناعي في مواجهة التحديات الصحية”.

وهكذا عقدت سلمى عزمها على التركيز في أبحاثها على مجال علوم الأعصاب، وبدأت تفكر في تضييق نطاق البحث الذي ستجريه تحت إشراف الدكتور يعقوب.

وعن هذه التجربة البحثية تقول: “يمثل علم الأعصاب بالنسبة لي لغزاً مثيراً ومعقداً يستحق البحث لفهم كيفية عمل الدماغ، وإجراء دراسات يكون لها تأثير إيجابي ملموس في حياة مرضى حقيقيين.. عندما بدأت دراستي في الجامعة، منحنا الدكتور يعقوب حرية كاملة في اختيار الموضوعات التي نرغب في العمل عليها والتجريب باستخدام البيانات المتاحة. كما طلب منا التفكير في الجانب التقني والتأثير الصحي، أي الأثر الذي نريد تحقيقه على أرض الواقع، ومن ثم تحديد التقنيات والأدوات والنماذج التي يمكن أن تساعدنا في حل المشكلة.. أعطانا حرية مطلقة للبحث، ووقتاً كافياً للقيام بالتجارب الضرورية، فبدأت بعلم الأعصاب، ثم ركزت بحثي على الخرف والزهايمر، وأصبح هذا موضوع رسالتي للماجستير”.

تجربة ثرية

سلمى حسن واحدة من 104 طالباً وطالبة تخرجوا في دفعة 2025، وهي الدفعة الأكبر والأكثر تنوعاً حتى الآن، وتضم أول دفعة من خريجات الدكتوراه 4) طالبات(، وتشكل الطالبات نسبة 30٪ منها. كما تتميز هذه الدفعة بقوة عزيمتها وقدرتها على الابتكار، حيث أجرت أبحاثاً رائدة في ظل تحولات تكنولوجية عالمية متسارعة وحضور متزايد للمنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وعن تجربتها في الجامعة، تستذكر سلمى قائلة: “لم تكن رحلتي الأكاديمية سهلةً على الإطلاق، لكنها بالتأكيد كانت الأكثر تحفيزاً وتأثيراً في حياتي. فالضغط الدراسي الكبير، رغم صعوبته، أصبح عاملًا محفزاً لإظهار أفضل ما لدي”، مضيفة أن “المنهاج كان مكثفا للغاية، مع مشاريع بحثية متتالية ومواعيد تسليم ضيقة. كثيراً ما اضطررنا للسهر حتى ساعات متأخرة في المختبرات، نناقش الأفكار ونحل المشكلات المعقدة. لكن هذا الجو ولّد لدينا شعوراً لا يوصف بالإنجاز مع كل تحدٍ نتخطاه، والأجمل أن هذه التحديات لم تكن مجرد ضغوط دراسية، بل حوّلها الجو التعاوني بين الطلاب والأساتذة إلى فرص حقيقية للنمو؛ ففي خضم هذا الكدّ، نشأت بيننا صداقات متينة”.

وتؤكد سلمى، في سياق متصل، أن الجامعة تشجع الطلاب على تقديم دراسات بحثية للمؤتمرات والمجلات المتخصصة، وهو أمر عملت عليه بجد، حيث قُبِلت لها دراسة بحثية في المؤتمر الدولي لمعالجة الصور التابع لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات. كما قدمت عدة دراسات بحثية للمؤتمر الدولي لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب، إلى جانự دراسة بحثية قيد

مجلة في المراجعة “Nature Scientific Reports”.

وتعبّر سلمى عن فخرها بذلك قائلة: “كان نشر تلك الدراسات البحثية إنجازاً كبيراً؛ فالمؤتمر الدولي لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب يُعد من أبرز المؤتمرات المتخصصة في مجال الطự والذكاء الاصطناعي، ولدي ذكريات جميلة مرتبطة بالعمل على تلك المشاريع”.

في بداية الطريق

تعمل سلمى حالياً مهندسة باحثة في “GenBio”، وهي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي وعلوم الأحياء أسّسها إريك زينغ، رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والأستاذ فيها، بالتعاون مع البروفيسور لي سونغ، الأستاذ في قسم تعلم الآلة. وتهدف الشركة إلى تطوير أول “كائن رقمي مزود بالذكاء الاصطناعي” في العالم، وهو نظام متكامل من النماذج التأسيسية متعددة المستويات يهدف إلى التنبئي بالعمليات الحيوية ومحاكاتها وبرمجتها على جميع المستويات.

ويتماشى هذا العمل تماماً مع طموحاتها البحثية طويلة الأمد، وهو أمر توضحه قائلة: “لقد بدأت في دراسة الجانب الوراثي من الأمراض العصبية التنكسية. وإذا أردنا فعلًا تحسين الكشف المبكر، فيجب النظر إلى البُعد الوراثي في حالة المريض. وشركة ‘GenBio’ تعمل على تطوير نموذج تأسيسي مدرب مسبقاً على عدد كبير من مجموعات البيانات لفهم تسلسل الحمض النووي والبروتينات والأنواع الأخرى من البيانات الحيوية، مثل تحليل البروتينات وعلم الأورام وعلم الأيض وغيرها مما يعني أن هذا البحث مرتبط جداً بمجال اهتمامي”.

تخطط سلمى على المدى الطويل لمواصلة مسيرتها البحثية، وقد تم قبولها لمتابعة دراستها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي؛ ومع أنها قد لا تبدأ الدراسة على الفور، إلا أنها سعيدة جداً بعملها في مؤسسة بحثية مثل “GenBio”، حيث تختم كلامها بالقول: “أشعر أنني في بداية الطريق ومازال أمامي مشوار طويل. وأنا متحمسة لمواصلة هذا العمل في الأعوام المقبلة”.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Wednesday, May 28, 2025

كلمة رئيس الجامعة بمناسبة تخريج دفعة عام 2025

دعوني هنا أقول – بل وأؤكد – أن البشرية لم تشهد منذ فجر الثورة الصناعية ولا منذ.....

  1. commencement 2025 ,
  2. graduation ,
  3. alumni ,
  4. Eric Xing ,
  5. Class of 2025 ,
  6. commencement ,
  7. president ,
  8. address ,
  9. speech ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Wednesday, April 23, 2025

طريقة جديدة لتحديد العلاقات السببية في البيانات البيولوجية متعددة الوسائط

يويون سون، الباحثة ما بعد الدكتوراة، تسعى إلى تحديد كيفية تأثير المتغيرات الكامنة في الأنظمة المعقدة ضمن.....

  1. المتغيرات ,
  2. العلاقات السببية ,
  3. تعلّم الآلة ,
  4. علم الأحياء ,
  5. الوسائط المتعددة ,
  6. ICLR ,
اقرأ المزيد