اجتمع في أبوظبي خلال هذا الشهر نخبةٌ من العلماء الذين قَدِمُوا إليها من جميع أنحاء العالم للمشاركة في ورشة العمل الثانية التي نظمتها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي حول موضوع “التعلم التعاوني”، وذلك ضمن فعاليات سلسلة “رُوّاد الذكاء الاصطناعي“. وشكلت أعمال الورشة على امتداد ثلاثة أيام فرصة للباحثين ناقشوا فيها آخرَ مستجدات “التعلم التعاوني والموحد” آخذين بعين الاعتبار أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وتناولت العروض التي تم تقديمها الكيفية التي يمكن من خلالها الاستفادة من مبادئ التعلم التعاوني في مجالات عدة من بينها الطب، والبيولوجيا، والبيئة، والمساعدات الإنسانية.
يشار إلى أن “التعلم التعاوني والموحد” هما نهجين تدريبيين غير منفصلين طورهما العلماء لتدريب خوارزميات تعلم الآلة اعتماداً على البيانات من الأجهزة أو المستخدمين. ويحاول خبراء هذا المجال دائماً العمل على تطوير طرق لتغذية نماذج الذكاء الاصطناعي ببيانات أكثر وبجودة أفضل، مع مراعاة القيود المتصلة بهذه البيانات مثل الخصوصية وأمن المعلومات.
أحد الأمثلة التوضيحية عن “التعلم الموحد” التي ألقي عليها الضوء خلال أعمال ورشة العمل، المثال الذي ساقه الباحث لدى جوجل بيتر كيروز، وهو “جي بورد” (Gboard)، وهو تطبيق للوحة مفاتيح افتراضية للهواتف المحمولة طورته شركة جوجل.
ويُمَكِّن استخدام “جي بورد” نموذج تعلم الآلة الموجود على هاتف المستخدم من تعلم عاداته في الكتابة والتنبؤ بالكلمة التالية التي سيكتبها أو تصحيح الأخطاء الإملائية المتكررة؛ وبدلاً من إرسال هذه البيانات إلى خوادم جوجل، يقوم “جي بورد ” بإرسال معلومات عن كيفية تغير النموذج الموجود على هذا الجهاز بناءً على المعلومات التي تمت تغذيته بها. ثم تتلقى خوادم جوجل هذه التحديثات من المستخدمين وتُجمعها لتحسين النموذج الأساسي الذي يعاد إرساله في إصدار مُحسَّنٍ إلى المستخدمين ويُمكِّنهم من الاستفادة من حزمة التحسينات المجمعة دون المساس بخصوصية بيانات كل واحد منهم.
جدير بالذكر، أن هناك العديد من الاستعمالات الأخرى الممكنة لاستخدام مبادئ “التعلم التعاوني والموحد” خارج نطاق لوحات المفاتيح الذكية، خاصة في المجالات التي تكون فيها الخصوصية وأمن المعلومات ضروريَينِ، مثل الرعاية الصحية وعلوم الحياة.
النماذج البيولوجية الكبيرة
كما ناقش، خلال فعاليات الورشة نفسها، رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والبروفيسور الجامعي إريك زينغ كيف يمكن لتحليل كميات هائلة من البيانات البيولوجية ضمن “النماذج البيولوجية الكبيرة” – كما يسميها – أن يزود الباحثين بفهم أدق وأعمق عن علوم الأحياء بالطريقة نفسها التي أحدثت “النماذج اللغوية الكبيرة” القائمة على المحولات ثورة في معالجة اللغات الطبيعية.
وأوضح البروفيسور في معرض مداخلته القيمةِ، أهمية “النماذج البيولوجية الكبيرة” من منطلق ما تمكنت الدراسات الحديثة في هذه العلوم من تحقيقه من تطورات تقنية متواصلة ومتسارعة أتاحت كميات متزايدة من المعلومات الدقيقة والمفصلة؛ فعلى سبيل المثال، شهدت العقود الأخيرة ظهور تقنيات تساعد في تحديد تسلسل الحمض النووي، وتوفر بالتالي فهماً دقيقاً عن الشفرة الجينية الأساسية للأنظمة البيولوجية، وتقنيات متقدمة أخرى تساعد العلماء على فهم الاختلافات الجينية في أنواع مختلفة من الخلايا.
وأبرز زينغ، في سياق متصل، ضرورة تسريع عملية تحليل هذه الكميات الهائلة من البيانات البيولوجية ضمن نماذج ذكاء اصطناعي كبيرة من أجل تحقيق الاستفادة منها.
وفي ظل التطورات التقنية الهائلة وتزايد حجم البيانات ونوعيتها بمرور الوقت، فإن بقاء دراسات علوم البيولوجيا لا يجب – يضيف البروفيسور – أن يظل حبيس أقسام تخصصية مثل البيولوجيا الجزيئية، وبيولوجيا الخلية، والطب في وقت نتوفر فيه على قدرة تجميع كل هذه البيانات من مختلف هذه التخصصات وجعلها في نموذج سيمنحنا فرصة الابتعاد عن النهج الاختزالي والتحول نحو نهج يعتمد بشكل أكبر على البيانات.
إن رؤية زينغ، التي يَعتبر أنها قابلة للتحقق، في الوقت الذي لا تقدم فيه بالضرورة تفسيرات للظواهر البيولوجية الأساسية، من شأنها أن تؤدي إلى ما يسميه بـ “الفهم التجريبي القابل للتنفيذ”. ويتابع قائلا: “لدينا فرصة لتطوير نموذج جديد لعلوم الحياة وفق مقاربة شاملة نقوم فيها بتجميع كل هذه البيانات ودمجها في نموذج واحد واستخدامها لحل ليس فقط قضية واحدة وإنما مجموعة كبيرة من القضايا المتعددة والمتنوعة”.
التسجيل الكامل لمداخلة البروفيسور زينغ باللغة الإنجليزية:
التعلم التعاوني
يتطلب التعلم التعاوني بالضرورة شكلاً من الأشكال الأساسية للتعاون، غير أن ليس كل من شارك في هذه العملية التعلمية التعاونية سيساهم ببيانات تكون قيمتها على المستوى نفسه، كما لن يحصل كل مشارك على الفائدة نفسها من استخدام المنظومة.
ناقش، في هذا الإطار، مايكل آي جوردان، الأستاذ البارز في جامعة كاليفورنيا – بيركلي، التحدي المتمثل في إدارة عدم تماثل المعلومات وتجانسها في منظومة لامركزية وكيف يمكن تحفيز الناس للإسهام في بناء منظومة تعاونية.
التسجيل الكامل لمداخلة البروفيسور جوردان باللغة الإنجليزية:
ومن الأمثلة الواقعية عن بيئات البيانات غير المتماثلة و/أو المتجانسة هي التجارب السريرية، حيث ترغب جهة تنظيمية، على سبيل المثال، “إدارة الغذاء والدواء الأمريكية” في الموافقة على الأدوية واعتماد استخدامها من طرف المرضى غير أن لديها معلومات محدودة حول سلامة الدواء أو فعاليته، بالإضافة إلى الفرق الكبير بين ما ستجنيه “إدارة الغذاء والدواء الأمريكية” وما سيحققه مطور الأدوية من مكاسب يتسم بعدم التناسب حيث إن المطور سيحصل على مكافأة ضخمة، حتى وإن لو لم يعمل الدواء كما ينبغي، في حين أن المخاطر التي قد تلحق بسمعة “إدارة الغذاء والدواء الأمريكية” بسبب دواء ضار بدأ تسويقه له فاتورة باهظة الثمن.
ولمعالجة هذه المشكلة، يقترح جوردان وزملاؤه نهجاً يسمى بـ “العقود الإحصائية”، التي تعتمد على تعلم الآلة كوسيلة لتوفير التعويض الأنسب لمطوري الأدوية، ومواءمة المكاسب التي سيجنيها كل طرف. ولتوضيح هذا النهج يقول جوردان: “لقد عملنا على هذا الأمر من خلال العديد من الأوراق البحثية وقمنا بإنشاء حوافز لتوفير البيانات لدفع الأطراف المعنية إلى التعاون فيما بينها لبناء نموذج إحصائي أفضل”.
ومن جانبه، ناقش صامويل هورفاث، الأستاذ المساعد في قسم تعلم الآلة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، قضية عدم تجانس البيانات في التعلم الموحد واقترح مفهوماً يسمى “التخصيص الزائد” (overpersonalization) الذي يساعد على التغلب على التحديات المتعلقة بالاختلافات في البيانات التي يقدمها المشاركون في منظومة موحدة. وتبين دراسة حديثة عن هذه المقاربة أن المنهج المقترح يساعد، فعلاً، في تحسين متانة منظومة التعلم الموحد.
التسجيل الكامل لمداخلة د. هورفاث باللغة الإنجليزية:
تكلفة الخصوصية
تحدث برانييث فيباكوما، طالب الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، عن كيفية الحفاظ على الخصوصية في منظومات التعلم التعاونية من خلال خصخصة عمليات التضمين، وهي الطريقة التي يتم بها تحويل البيانات إلى تمثيلات يمكن للآلات معالجتها ومقارنتها بسهولة.
أحد الأسئلة التي أثارها فيباكوما تتعلق بقيمة وتكلفة خصخصة البيانات وكيف يمكن دمج هذه القدرة في تصميم المنظومة حيث تساءل عن معنى سهولة أو صعوبة خصخصة سجل ما وكيف يمكن التقييم وصرف المدفوعات وفقاً لذلك؟”
أسئلة مهمة، يفكر العلماء فيها وفي كيفية مشاركة هذه الكميات الهائلة من البيانات التي يتم إنشاؤها في كل ثانية ومعالجتها وتحقيق المكاسب المالية منها مع الحفاظ على خصوصية الأشخاص الذين تصفهم هذه البيانات أو تعود إليهم.
مداخلات جميع المشاركين خلال اليوم الأول والثاني متاحة على قناة الجامعة في اليوتوب هنا
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....