من النموذج الأولي إلى التطبيق العملي: تطوير الذكاء الاصطناعي لضمان توفير الرعاية الصحية للجميع - MBZUAI MBZUAI

من النموذج الأولي إلى التطبيق العملي: تطوير الذكاء الاصطناعي لضمان توفير الرعاية الصحية للجميع

الاثنين، 15 سبتمبر 2025

كان الدكتور محمد يعقوب، الأستاذ المساعد في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، يرى دائماً أن البحث العلمي لا يكتسب قيمته الحقيقية إلا عندما يلامس حياة الناس، وهي قناعة رافقته على مدى رحلته من مختبرات أكسفورد إلى ريادة الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي.

فقد قضى الدكتور يعقوب عقداً من الزمن في جامعة أكسفورد، وسنوات من العمل في القطاع الصناعي، تضمنت شغله لمنصب نائب رئيس قسم الهندسة في شركة “إنتلجنت ألتراساوند”. وهو يقود اليوم مختبر تحليل الصور الطبية الحيوية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. أي أنه عايش جميع مراحل الابتكار، بدءاً من الاكتشاف، مروراً بالتحويل، ووصولاً إلى التطبيق الفعلي. واليوم، أصبحت رسالته واضحة، وهي تسخير الذكاء الاصطناعي لتطوير الرعاية الصحية وضمان توفرها واستدامتها في مختلف أنحاء العالم.

يقول يعقوب: “أهتم بالبحث العلمي، ولكنني أهتم أكثر بتحويل هذا البحث إلى واقع. فنشر الأوراق البحثية أمر جيد، ولكن الباحث يجب أن يسأل دائماً: كيف سيستفيد المريض من هذا العمل؟”.

الصناعة جسر نحو الأثر الحقيقي

بدأ الدكتور يعقوب مسيرته العلمية بدراسة الدكتوراه في جامعة أكسفورد، حيث ركّز على صحة الجنين. ورغم أن هدفه على المدى الطويل كان مواصلة العمل الأكاديمي، إلا أنه اتخذ قراراً واعياً بالانتقال إلى القطاع الصناعي بعد الدكتوراه. وهو يوضح أسباب ذلك القرار بقوله: “أردت أن آخذ أبحاثي في أكسفورد وأرى قيمتها في العالم الحقيقي”.

وخلال عمله على فحوص الكشف عن تشوهات الجنين خلال الحمل، طوّر نموذجاً أولياً تحوّل إلى نظام “SanNav” القائم على الذكاء الاصطناعي، ثم إلى شركة مرخّصة، ثم إلى منتج حاصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، قبل أن يُضمَّ إلى مجموعة منتجات شركة “جي إي للرعاية الصحية”. وهو اليوم يساعد ملايين النساء كل عام.

كانت هذه التجربة مفصلية في مسيرة الدكتور يعقوب، الذي يتحدث عنها قائلاً: “كانت الصناعة بالنسبة لي مرحلة انتقالية، لكنها منحتني مهارات ورؤية لم يكن بالإمكان اكتسابها من خلال العمل الأكاديمي وحده”.

وهو يؤكد أن استخدام نظام “SanNav” خلال حمل زوجته أعطى الأمر بُعداً شخصياً عميقاً بالنسبة له وأسهم في ترسيخ إيمانه بطبيعة العمل الذي كرّس نفسه من أجله، حيث يقول: “عندما شاهدتُ صورة ابني على الشاشة، ورأيت الذكاء الاصطناعي يوجّه اختصاصية التصوير، لم يعد الأمر يتعلق بأوراق بحثية أو موافقات من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. كان الأمر يتعلق بأسرتي. في تلك اللحظة أدركت أن هذا العمل يمكن أن يغيّر حياة الناس”.

تحدٍّ جديد

بعدما قضى الدكتور يعقوب أكثر من 13 عاماً في المملكة المتحدة، سنحت له فرصة جريئة في أبوظبي، وتحديداً في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، التي توفر بيئة يستطيع من خلالها الإسهام في صياغة نموذج جديد للبحث والتعليم في مجال الذكاء الاصطناعي. وهو يتحدث عن ذلك قائلاً: “كانت فكرة جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي فقط أمراً لا يمكن مقاومته. ففي ذلك الوقت، لم يكن هناك أي جهة أسست جامعة تُعنى بالكامل بالذكاء الاصطناعي. كانت هناك طبعاً أقسام للذكاء الاصطناعي، لكن وجود مؤسسة أكاديمية كاملة تركز حصرياً على هذا المجال كان أمراً غير مسبوق. شعرتُ بحماس شديد ورغبة في العمل في هذه الجامعة”.

ويؤكد يعقوب أن عمله في الجامعة لم يكن مجرد وظيفة أكاديمية، بل كان بمثابة فرصة للعب دور تأسيسي في بناء مؤسسة ذات طموح عالمي. فوجود جامعة مخصصة للذكاء الاصطناعي وحده يعني أن التعاون لا يقتصر على قسم واحد، بل يمتد عبر مختلف التخصصات. كما أن اهتمام الجامعة بتحويل البحث العلمي إلى تطبيقات عملية وبناء شراكات مع القطاع الصناعي ينسجم تماماً مع فلسفته القائمة على نقل الابتكار من الفكرة إلى العيادة. ويضيف قائلاً: “لم يكن الأمر مجرد عمل في جامعة، بل كان مشاركة في فريق تأسيسي، والمساهمة في تشكيل الهوية الأساسية لمؤسسة يمكنها تغيير كيفية إجراء أبحاث الذكاء الاصطناعي، ليس في هذه المنطقة فقط، بل على مستوى العالم”.

وجد يعقوب في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي المنصة المثالية لدمج خبرته الأكاديمية مع تجربته الصناعية وتدريب الجيل المقبل من قادة الذكاء الاصطناعي، وضمان أن يكون البحث العلمي المنتج في الجامعة مصمماً منذ البداية لإحداث أثر واقعي في العالم الحقيقي.

دروس مستفادة من الصناعة: فلسفة الانتقال من البحث النظري إلى التطبيق العملي

لم تُشكّل السنوات التي قضاها الدكتور يعقوب في القطاع الصناعي خبرته التقنية فحسب، بل أسهمت أيضاً في صياغة فلسفته البحثية. فخلال عمله مع مستشفيات كبرى مثل مستشفيات جامعة أكسفورد ومستشفى باث الملكي ومستشفى سانت جورج، لمس بنفسه الفارق بين اختبار نماذج الذكاء الاصطناعي في بيئة مخبرية مضبوطة وبين تطبيقها فعلياً مع المرضى على أسرّتهم.

يقول يعقوب في هذا الشأن: “كل طالب يأتي إلى مختبري يسمع الرسالة نفسها: لا تتوقف عند النشر العلمي، بل فكّر أبعد من ذلك، وفي كيفية وصول عملك إلى سرير المريض”.

تُجسّد هذه الفلسفة هوية مختبر تحليل الصور الطبية الحيوية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، حيث يدرّب يعقوب الجيل المقبل من علماء الذكاء الاصطناعي على صياغة الخوارزميات وعلى فهم الرحلة الكاملة من النموذج الأولي إلى التطبيق العملي. ومع توسّع أبحاثه لتشمل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، صار المختبر يغطي نطاقاً واسعاً من المجالات تشمل صحة الجنين، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والأورام، والأمراض التنكسية العصبية. والقاسم المشترك بينها جميعاً هو التركيز على الكشف المبكر.

يضرب يعقوب مثالاً على ذلك من مجال صحة الجنين قائلاً: “يُولد ستة ملايين طفل سنوياً بمرض خلقي، ويبقى نصفهم دون تشخيص. هذا الرقم لم يتغير كثيراً خلال 15 عاماً. لا بدّ أن نحقق نتائج أفضل”.

المؤتمر الدولي لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب في أبوظبي: إنجاز عالمي للمرة الأولى

إلى جانب ما يقدّمه مختبر تحليل الصور الطبية الحيوية من أبحاث رائدة، يساهم الدكتور يعقوب في تسليط الضوء على جودة البحث الطبي في المنطقة بطريقة أخرى. ففي عام 2026، ستستضيف أبوظبي المؤتمر الدولي لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب للمرة الأولى في تاريخه الممتد 29 عاماً. ويُعدّ هذا المؤتمر الحدث الأبرز عالمياً في مجالات التصوير الطبي والتدخلات الطبية المدعومة بالحاسوب، حيث يجمع أكثر من 3,000 باحث وقائد من قطاع الصناعة.

ونظراً للدور الرئيسي الذي لعبه يعقوب في استضافة المؤتمر في دولة الإمارات العربية المتحدة، سيتولى منصب الرئيس العام لنسخة عام 2026. وهو يقول في هذا الصدد: “الأمر لا يتعلق باستضافة مؤتمر فقط، بل بإظهار مدى التقدم الذي حققته هذه المنطقة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتشجيع المواهب العالمية على النظر إلى أبوظبي كوجهة للعمل والتعاون والابتكار”.

سيجري رسمياً نقل مسؤوليات الاستضافة إلى يعقوب وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وأبوظبي مع اختتام مؤتمر عام 2025، المقرر عقده في دايجون بكوريا الجنوبية خلال الفترة من 23 إلى 27 سبتمبر.

أما موضوع مؤتمر هذا العام، “من الفكرة إلى التطبيق السريري”، فهو يلامس جوهر مسيرة يعقوب المهنية، الذي يسهم، من خلال عضويته في اللجنة المنظمة، في تقريب المسافات بين الباحثين والصناعة.

يوضح الدكتور يعقوب هذه النقطة قائلاً: “هناك فجوة بين البحث العلمي والتطبيق العملي في الصناعة. فغالباً ما يفتقر الباحثون إلى الوقت أو المهارات لدفع الأفكار قدماً، بينما ترغب الصناعة في التحرك بسرعة، لكنها قد لا تملك دائماً العمق البحثي المطلوب. وهنا يأتي دور المؤتمر الدولي لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب والمؤتمرات المشابهة له في سد هذه الفجوة”.

وباعتباره قاد سابقاً أداة ذكاء اصطناعي في رحلتها من ولادة الفكرة إلى الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، فإن رؤيته تستند إلى خبرة عملية. فهو يدرك ما تتضمنه هذه الرحلة من عقبات، مثل صعوبة الحصول على البيانات، وضعف مشاركة الكوادر الطبية، وتعقيد اللوائح، ويدرك أيضاً كيف يمكن تجاوزها من خلال الإصرار والتعاون.

توفير الرعاية الصحية للجميع: العدالة والاستدامة في قلب التحوّل

يرى الدكتور يعقوب أن الاختبار الحقيقي للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية يكمن في قدرته على الوصول إلى الأشخاص الأشد حاجة له. وهو يولّي اهتماماً خاصاً لمفهوم التصوير بالموجات فوق الصوتية في نقطة الرعاية، وذلك من خلال أجهزة محمولة يمكن توصيلها بالهاتف الذكي، ما يجعل التصوير متاحاً في القرى والمناطق البعيدة عن المستشفيات. لكنه يؤكد أن الأمر لا يقتصر على توفير الأجهزة، مضيفاً: “التحدي الحقيقي هو قراءة الصور. فقد تتمكن ممرضة في عيادة ريفية من التقاط الصور، لكن من سيقوم بقراءتها؟ هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي لتقديم الإرشاد، واقتراح الخطوات التالية، وإتاحة الخبرة الطبية للجميع”.

كما يشير إلى أن هذا التركيز على الإتاحة يرتبط أيضاً بمسألة استدامة أنظمة الرعاية الصحية، محذراً من أن الرعاية الصحية كما نعرفها اليوم غير مستدامة، وقد أظهرت جائحة كوفيد ذلك بوضوح. فالمستشفيات لا تستطيع استيعاب كل المرضى. والرعاية الموزعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي هي الطريق الوحيد للمضي قدماً.

يتطلع الدكتور يعقوب إلى المستقبل، ويرى في الذكاء الاصطناعي عامل توازن في مجال الرعاية الصحية. وهو يسعى على المدى الطويل إلى جعل الرعاية الصحية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مستدامة وميسورة ومتاحة للجميع، ليس في المستشفيات المتقدمة فحسب، بل أيضاً في بقية مناطق العالم التي تعاني من ضعف خدمات الرعاية الصحية. ويختم كلامه قائلاً: “لا يمكن أن نقبل عالماً يظل فيه مليارات البشر محرومين من خدمات الرعاية الصحية الأساسية. والذكاء الاصطناعي يمنحنا فرصة لتغيير هذا الواقع، وعلينا أن نغتنمها”.

أخبار ذات صلة

thumbnail
الجمعة، 07 نوفمبر 2025

جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي و «GenBio AI» تفوزان بجائزة الإمارات للذكاء الاصطناعي 2025

تم تقديم الجائزة إلى البروفيسور لي سونغ، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في GenBio AI وأستاذ تعلم.....

  1. research ,
  2. innovation ,
  3. large language models ,
  4. llm ,
  5. award ,
  6. biology ,
  7. foundation models ,
  8. genbio ,
اقرأ المزيد
thumbnail
الأربعاء، 24 سبتمبر 2025

نهج جديد لتحسين قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل الصور الطبية

طوّر باحثون من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ومؤسسات أخرى نظامًا قادر على تحسين أداء النماذج.....

  1. النماذج البصرية-اللغوية ,
  2. MICCAI ,
  3. vision-language models ,
  4. التصوير الطبي ,
  5. medical images ,
  6. RAG ,
  7. التوليد المعزز بالاسترجاع ,
اقرأ المزيد
thumbnail
الجمعة، 12 سبتمبر 2025

هشام شولاكال يفوز بجائزة التدريس الأولى في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

هشام شولاكال، الأستاذ المساعد في قسم الرؤية الحاسوبية، يحصل على جائزة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.....

  1. الرؤية الحاسوبية ,
  2. تكريم ,
  3. هيئة تدريسية ,
  4. تميز ,
  5. تدريس ,
  6. مركز التعلّم والتعليم ,
اقرأ المزيد