توقع إنتاج المحاصيل في ظل التغيرات المناخية والأحوال الجوية الاستثنائية

Thursday, January 23, 2025
A farmer holds some of the strawberries they have picked from their farm.

طوال مسيرته المهنية، عَمِل فخري كرَاي، أستاذ تعلم الآلة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، على تطوير آليات ونظم ذكية يمكن أن تفيد المجتمع. وتغطي إسهامات البروفيسور مجالات وتكنولوجيات متنوعة بما فيها قطاعات النقل والتصنيع والرعاية الصحية والزراعة.

قبل التحاقه بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، شغل البروفيسور منصب كرسي أبحاث لوبلُوز (Loblaws) في الذكاء الاصطناعي بجامعة واترلو – كندا. كما أنه كان من بين أحد المديرين المشاركين – المؤسسين لمعهد الذكاء الاصطناعي بالجامعة نفسها قبل انتقاله إلى أبوظبي. ويذكر أن المشروعات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة بهدف تعزيز الاستدامة، تحظى باهتمام خاص لدى البروفيسور فخري.

وعلاقة باهتماماته البحثية، تعتبر الدراسة الحديثة التي شارك في إعدادها بالتعاون مع زملاء من جامعة واترلو من بين آخر إنتاجاته التي ركزت على البحث في الطريقة التي يمكن من خلالها الاستفادة من البيانات المؤرشفة الخاصة بالمناخ والزراعة لتوقع مستويات إنتاجية المحاصيل. وقد ركز البحث بشكل خاص على العلاقة بين درجات الحرارة المفرطة وتأثيرها على إنتاج الفراولة في منطقة بكاليفورنيا تُعد من أكثر المناطق إنتاجا لهذه الفاكهة في العالم.

وتأتي هذه الدراسة البحثية في سياق يرتبط بما يعرفه العالم من تغيرات وظواهر مناخية استثنائية منها، مثلا، ما تسببت فيه الأحوال الجوية الباردة والممطرة سنة 2023 وبشكل غير مسبوق في كاليفورنيا من خسائر قدرت بـ 100 مليون دولار للقطاع المنتج للفراولة؛ ولم يكن ما حدث في كاليفورنيا حدثا منفرداً، بل كانت له نظائر أخرى في عدة مناطق من العالم أدت إلى خسائر تجاوزت 600 مليون دولار عالميا. وقد تكون، من هذا المنطلق، التوقعات الدقيقة حول المحاصيل مفيدة للمستهلكين والمزارعين وقطاع الزراعة بشكل عام.

ويرى البروفيسور فخري وزملاؤه، في هذا الصدد، أن ما توصلوا إليه من نتائج يمكنها أن تساعد وتمكن العلماء من تشكيل فهم أفضل لنقاط الضعف في النظم الزراعية في عصر التغيرات المناخية التي تميزها ظواهر جوية يمكن وصفها بالشاذة في جميع أنحاء العالم.

العوامل المتحكمة في الأسعار

تتأثر الأسعار التي يدفعها المستهلكون للحصول على الفواكه والخضروات بعدة عوامل متداخلة ومعقدة منها الظروف المتحكمة في السوق. كما أن تجار التجزئة غالباً ما يتفاوضون على الأسعار لشراء المحاصيل من المنتجين قبل حتى زراعتها بوقت طويل. ويعتمد هذا السعر المتفاوض عليه على الأسعار السابقة وتوقعات الموسم الزراعي القادم المتعلقة بكمية المحاصيل التي سيزرعها المزارعون وتوقعات الطقس – بالطبع، في بعض الأحيان، تكون هذه التوقعات خاطئة.

كما أنه في حالة ما إذا تبين أن إنتاج المحصول في الموسم الزراعي كان أقل بكثير من المتوقع، فحينها يحتاج تجار التجزئة – لتغطية تكاليفهم الخاصة – إلى الزيادة في السعر الذي يدفعه المستهلكون. كما أوضح البروفيسور فخري أنه “كان من الصعب على مهنيي القطاع، في السنوات الأخيرة، التنبؤ بدقة بسعر المحاصيل قبل زراعة البذور. وقد أثر ذلك على سلسلة التوريد بأكملها، من المزارعين إلى تجار التجزئة ثم المستهلكين إلى درجة خرجت أحياناً معها الأسعار عن السيطرة.”

أثر التغيرات المناخية على الأسعار

على مر السنين، طور العلماء عدة طرق ومقاربات لنمذجة العلاقة بين المناخ وإنتاج المحاصيل؛ وتميل هذه الأساليب أو الطرق إلى العمل بشكل جيد ومناسب لمحاصيل معينة تزرع في مناطق محددة، غير أنها تبقى أقل دقة عندما يتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار التقلبات أو التغيرات الاستثنائية في الطقس، والتي تزداد حدتها ووتيرتها مع التغير المناخي الذي يشهده العالم.

وبالنظر لما يعرفه المناخ من تغيرات على مستوى العالم، يشرح البروفيسور فخري أن هناك حاجة لنماذج جديدة “تأخذ في الاعتبار جوانب عدم اليقين والتباين في البيانات، وتوفر إطار عمل أكثر دقة لتقييم المخاطر”. ويسعى البروفيسور وزملاؤه من خلال الدراسة البحثية التي قاموا بإعدادها إلى تحسين ما يُعرف بـ “توقع القيمة المتطرفة”، من خلال بناء نموذج إحصائي يمكن أن يحلل العلاقة بين مستويات عدم اليقين والظواهر الجوية غير الاعتيادية ومردودية المحاصيل الزراعية.

وتعد فاكهة الفراولة نوعية جيدة من المحاصيل التي يمكن أن تستفيد من هذا التحليل حيث إنها حساسة لتغيرات درجات الحرارة التي تؤثر على طريقة معالجتها للمغذيات وإجراء عملية التمثيل الضوئي. كما أن درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى إبطاء نموها وتقليل جودة الثمار التي تنتجها.

البيانات المناسبة للتحليل

قام البروفيسور فخري وفريقه بتحليل البيانات التي تم جمعها بين عامي 2011 و2019 من قبل المزارعين في وادي سانتا ماريا، وهي منطقة زراعية رئيسية تقع على بعد حوالي 150 ميلاً شمال لوس أنجلوس وتنتج 80% من الفراولة المزروعة في الولايات المتحدة. كما حلل الباحثون بيانات درجات الحرارة لهذه الفترة التي جمعتها ولاية كاليفورنيا. ويوضح فخري أنه وفريقه اعتمدوا على مجموعة من الجهات لتزويدهم بهذه البيانات، وأن بدون إحداها ربما لم يكن بإمكانهم الحصول على بيانات كافية تمكننا من التوصل إلى مثل هذا النوع من التوقعات.

يستخدم المزارعون في المنطقة تقنية تسمى الري بالتنقيط لري محاصيلهم، وهذه التقنية مستخدمة على نطاق واسع وإلى حد كبير في جميع أنحاء المنطقة، لذلك لم يأخذ الباحثون في الاعتبار معدلات هطول الأمطار في نموذجهم. كما أن الدراسات السابقة أظهرت أيضا أن العلاقة بين إنتاج المحاصيل وهطول الأمطار أقل قوة من العلاقة بين الإنتاج ودرجات الحرارة.

استخدم البروفيسور فخري وزملاؤه ما يُعرف بالتحليل الاحتمالي متعدد المتغيرات للبيانات، وهي طريقة تستخدم للتنبؤ بالنتائج عندما تكون هناك متغيرات متعددة وهناك عدم يقين حول كيفية تأثير هذه المتغيرات على بعضها البعض. كما استخدم فريق العمل البحثي تقنية إحصائية تسمى “vine copula”، وهي مفيدة في إظهار التبعيات بين المتغيرات (في هذه الحالة، كانت المتغيرات هي الحد الأقصى الشهري لإنتاج الفراولة، والحد الأدنى الشهري لإنتاج الفراولة، والتغيرات الشهرية في درجات الحرارة). تأتي هذه التقنية باسمها هذا لأنها “تقرن” بين التوزيعات المشتركة متعددة المتغيرات وتوزيعات المتغيرات الفردية – غالبًا ما تم استخدام هذه التقنية في مجالات أخرى، بما فيها التمويل والاقتصاد.

بالإضافة إلى التحليل متعدد المتغيرات، أجرى الباحثون تحليلات أحادية المتغير ركزت فقط على توزيعات المتغيرات الفردية التي كانت تميل في تقديراتها إلى التقليل من احتمالية الأحداث التي قد تؤدي إلى ضياع المحاصيل وتجاهلت “العلاقة المعقدة بين التغيرات في درجات الحرارة وإنتاج المحاصيل”، وهذا بحسب ما توصل إليه الباحثون في الدراسة التي أنجزوها.

من ناحية أخرى، مكن تحليل “copula” متعدد المتغيرات من توفير تقييم أكثر دقة للاحتمالات الشَّرطِيَّة للمتغيرات وأظهر “هيكل الاعتماد المشترك بين المتغيرات”. وجد الباحثون أن التغير في درجة الحرارة بأكثر من 3 درجات فهرنهايت من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض في الإنتاج.

وفي الوقت الذي تُوفر فيه النتائج التي خلص إليها الفريق البحثي فهماً دقيقاً للعلاقة بين درجات الحرارة غير الاعتيادية وإنتاج الفراولة، لاحظ الباحثون أن أي نوع من الإسقاط للنتائج المتوصل إليها على مناطق أو محاصيل أخرى يجب أن يكون إسقاطاً حذراً. كما أوضح الفريق أنه يخطط لدراسة بيانات مماثلة على مدى زمني أطول، مما قد يوفر فهما أكثر عن كيفية تغير درجات الحرارة الاستثنائية وتأثيرها بمرور الوقت.

تحدي عالمي.. حل عالمي

قد يساعد الفهم الأفضل لطريقة تأثير درجات الحرارة وتغيراتها الاستثنائية على إنتاج المحاصيل، المزارعين وقطاع الزراعة عموما على الاستعداد للتكيف مع عالم يصبح المناخ فيه أكثر تقلباً، وهذا مع العلم أن حل المشكلات التي يطرحها تغير المناخ تعد من التحديات الكبرى التي يواجهها العالم بأسره.

ويعتقد البروفيسور فخري أنه في الوقت الذي يمكن فيه للعلماء تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تساعد في التقليل من آثار تغير المناخ، فإن الحلول الشاملة ستتطلب تعاون الحكومات والشركات والمجتمع ككل. ويوضح قائلا أن: “العالم يعيش تحت ضغط هائل اليوم، والتغيرات في الطقس ستؤثر على الجميع”.

وحتى إذا لم يكن بالإمكان عكس أو وقف ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يلاحظ البروفيسور فخري أن بعض أكثر الآثار الكارثية لتغير المناخ يمكن تخفيفها إذا تمكنا من تخفيف حدة الظواهر الجوية غير الاعتيادية والاستثنائية التي أصبحت شائعة جداً في السنوات الأخيرة.

للمزيد من المعلومات حول هذه الدراسة أو الأعمال ذات الصلة، يرجى التواصل مع البروفيسور فخري كراي.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Wednesday, December 25, 2024

مبادئ تعلم الآلة 101

خوارزميات تعَلُمِ الآلة – نُظم قادرة على اتخاذ القرارات أو تقديم التوقعات من خلال تحليل مجموعات ضخمة.....

  1. التنبؤ ,
  2. التعلم العميق ,
  3. الخوارزميات ,
  4. البحوث ,
  5. تعلّم الآلة ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Monday, December 16, 2024

مجموعة بيانات جديدة لتحسين أداء النماذج اللغوية الكبيرة متعددة الوسائط

فريق باحثي يطور مجموعات بيانات لتحسين أداء النماذج اللغوية الكبيرة متعددة الوسائط في تحليل صفحات الإنترنت وإنشاء.....

  1. neurips ,
  2. كود ,
  3. ضبط التعليمات ,
  4. متعدد الوسائط ,
  5. مجموعة البيانات ,
  6. النماذج اللغوية الكبيرة ,
  7. المؤتمرات ,
  8. تعلّم الآلة ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Thursday, December 12, 2024

طريقة جديدة لحل المشاكل المعقدة باستخدام النماذج اللغوية الكبيرة

استراتيجية جديدة لإعطاء الأوامر تسمى "الاستكشاف الموجه ذاتياً"، تساعد في تحسين أداء النماذج اللغوية الكبيرة بشكل كبير.

  1. إعطاء الأوامر ,
  2. المعالجة ,
  3. حل المشكلات ,
  4. النماذج اللغوية الكبيرة ,
  5. neurips ,
  6. تعلّم الآلة ,
اقرأ المزيد