في الوقت الذي تنطلق فيه فعاليات “أسبوع أبوظبي العالمي للصحة” تحت شعار ” نحو حياة مديدة: مفهوم جديد للصحة والعافية”، تفتح التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي آفاقَ ترسم معالم مستقبل الرعاية الصحية وفق مفهوم جديد.
وترسخ، في هذا سياق، جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مكانتها من خلال جهودها البحثية الريادية في تطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي مبتكرة تسهم بها في الارتقاء بجودة حياة الأفراد في كل مراحلها – بدءاً من فحوصات ما قبل الولادة، والتشخيص عن بُعد، وصولاً إلى الجراحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ووضع الخطط العلاجية الشخصية. ولعل كل هذه الابتكارات تمهد الطريق لمنظومة رعاية صحية يكون الوصول إليها سهل وميسر، وحيث الوقاية خير من العلاج والإنسان هو المحور الأساسي.
أما أبرز المجالات التي ترسم من خلالها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ملامح مستقبل الرعاية الصحية، فهي:
طوّر فريق من الباحثين في مختبر تحليل الصور الطبية الحيوية (بيوميديا) في الجامعة نموذجاً جديداً يحمل اسم “فيتـال كليب” (FetalCLIP)، وهو نموذج ذكاء اصطناعي متخصص في تحليل الصور بالأشعة فوق الصوتية للأجنّة بدقة عالية. ويعتمد هذا النموذج على أكبر مجموعة بيانات من نوعها تضم أكثر من 210 آلاف صورة بالأشعة فوق الصوتية مع أوصاف تفصيلية لها، مما يتيح تفسير الصور المعقدة بسرعة وموثوقية. كما يتميّز النموذج بقدرته على الكشف المبكر عن العيوب الخلقية، مثل مشاكل القلب بدقة تفوق الوسائل التقليدية، ويوفر قياسات دقيقة لمتابعة نمو الجنين وتطوره. ويأتي هذا الابتكار في إطار الجهود التي يبذلها مختبر “بيوميديا” بهدف تطوير حلول ذكاء اصطناعي متقدمة في قطاع الرعاية الصحية، حيث يُسهم النموذج بشكل مباشر في تحسين صحة الأمهات والأجنّة حول العالم.
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجالات عدّة في قطاع الرعاية الصحية، أبرزها طريقة فهم علماء الأحياء لسلوك الجينات والتنبؤ بالنشاط الجيني. فقد نجح فريق من العلماء من الجامعة في تطوير نموذج رائد أطلقوا عليه اسم “المحوّل العام للتعبير الجيني” (General Expression Transformer)، وهو بمثابة جهاز محاكاة حيوي يتميّز بقدرته على توقع التفاعلات الجينات في ظروف مختلفة ومحاكاة العمليات الحيوية قبل اللجوء إلى التجارب المخبرية؛ ومن شأنه هذا النموذج – بالتالي – أن يعزز من كفاءة البحوث الحيوية ومن دقتها وسرعتها وأمانها. ويأتي هذا النموذج في إطار مشروع بحثي أوسع يحمل اسم “الكائن الرقمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي” الذي يهدف إلى محاكاة الأنظمة الحيوية والتنبؤ بها عبر مستويات متعددة، مثل الكيمياء الحيوية، وعلم الأحياء الجزيئي، وعلم الأحياء الخلوي، وشبكات الأنسجة والأعضاء، وشبكات المرضى، وشبكات مسببات الأمراض. ومتوقع أن تُحدث هذه التقنية نقلةً نوعية في قطاع الرعاية الصحية، لاسيما في اكتشاف الأدوية، والطب الشخصي، وتطوير العلاجات المبتكرة، وفهم الطفرات الجينية بشكل أعمق.
يشهد مجال التشخيص الطبي تطوراً ملحوظاً بفضل نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة الوسائط، حيث ظهرت أدوات ذكية قادرة على تشخيص الأمراض بسرعة ودقة، وتقديم توقعات مرضية وخطط علاجية دقيقة؛ ومن أبرز هذه النماذج نظام “MedPromptX” الذي يعد ثمرة للتعاون بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة كارلتون الكندية. وقد صُمم هذا النموذج لتحليل الصور بالأشعة السينية للصدر وبيانات المرضى الأخرى بهدف مساعدة الأطباء في تشخيص أمراض وإصابات الرئة. كما يبرز نموذج “SurvRNC” الذي طوره باحثون من الجامعة للتنبؤ بالمدة التي من المتوقع أن يعيشها المرضى بعد تشخيصهم بسرطان الرأس والرقبة بناءً على سجلاتهم الصحية. ويعتمد هذا النموذج أبحاث تهدف إلى توظيف التعلّم العميق في تشخيص السرطان والتنبؤ به، سعياً للحد من الوفيات الناجمة عنه، والتي تتوقع منظمة الصحة العالمية أن تصل إلى 15.3 مليون حالة سنوياً بحلول العام 2040.
تتجلى واحدة من أبرز التحديات التي يواجهها السكان في العديد من مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا في إمكانية الوصول إلى خدمات صحية ذات جودة عالية عن بُعد، لاسيما باللغة العربية – ومن أجل إيجاد حل لهذه المشكلة، يعمل فريق من الباحثين من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على تطوير المُساعد الصحي الافتراضي المتقدم “الطبيب العربي الذكي” (AI Arabic Doctor). ويشكل هذا التطبيق – الذي تم تطويره باستخدام نموذج “باي ميديكس 2” (BiMediX2) – خير دليل على كيفية تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة المجتمعات النائية. وجدير بالذكر أن التطبيق حصد جائزة “لاما” للابتكارات المؤثرة التي تقدمها شركة “ميتا”، وذلك تقديراً لدوره المحوري في إتاحة الخدمات الصحية في المنطقة.
كما يتميّز هذا النموذج متعدد الوسائط بقدرات تفاعلية فريدة تتيح التواصل مع المستخدمين عبر المدخلات النصية المكتوبة والمدخلات الصوتية، مع فهم دقيق للاستفسارات الطبية وردود دقيقة باللغتين العربية والإنجليزية، فضلاً عن كفاءته في تحليل وتفسير الصور التشخيصية المختلفة مثل الأشعة السينية، والرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي. يُظهر هذا النموذج كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفيد ليس فقط المجتمعات النائية، بل أيضا المستخدمين غير القادرين على القراءة أو الكتابة، حيث تم دمج هذه الخدمة مع روبوتات للدردشة الآلية على منصة “تيليجرام”.
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً في مفهوم الرعاية الصحية المنزلية، حيث أتاح للأشخاص اتباع أنماط حياة صحية والالتزام بالخطط العلاجية من منازلهم. وقد أطلق، في هذا الصدد، “مركز حضانة وريادة الأعمال” التابع للجامعة مبادرتين رائدتين في إطار عمله على تحويل الأبحاث الأكاديمية إلى مشاريع ريادية تترك أثراً ملموساً في المجتمع. فقد جمعت شركة “نوتريجينكس” (Nutrigenics) الناشئة بين الذكاء الاصطناعي وعلم التغذية لتوفّر حلاً متكاملاً لإدارة النظام الغذائي يعتمد على البيانات الدقيقة، حيث تتيح التتبع الفوري للوجبات وتقدّم توصيات غذائية مخصصة وبيئة تفاعلية بين المستخدم وأخصائي التغذية. أما التطبيق الذي أطلقته شركة “ليمب” (Limb) فهو يبرز كحلٍ مبتكر ينقل جلسات العلاج الطبيعي من المستشفيات إلى المنازل مستخدماً تقنيات الرؤية الحاسوبية المتطورة والنمذجة ثلاثية الأبعاد لضمان الدقة في أداء التمارين، كما يتيح لأخصائيي العلاج الطبيعي متابعة التزام المرضى ببرامج إعادة التأهيل عن بُعد. وتسلط، من هذا المنطلق، جهود هاتين الشركتين الناشئتين الضوء على إمكانيات الذكاء الاصطناعي في أن يصبح مساعداً للإنسان في حياته اليومية، إن على صعيد الحفاظ على صحته أو على نمط حياته، ليلبي احتياجات كل فرد على حدة، ويحد من الحاجة إلى الزيارات الروتينية للمستشفيات، والعيادات، والمراكز الطبية.
من خلال وضع الخرائط الدقيقة والمفصلة للارتباطات بين بيولوجيا الإنسان وأساليب حياته وأنماطها، جامعة محمد بن زايد.....
نظم قسم الحوسبة الحيوية في الجامعة ورشة عمل سعت إلى تطوير المهارات العملية للمشاركين وتعزيز حضور ودور.....
دعوني هنا أقول – بل وأؤكد – أن البشرية لم تشهد منذ فجر الثورة الصناعية ولا منذ.....