الإبداع الموسيقي والتكنولوجيا في خدمة تطور الذكاء الاصطناعي وتعزيز تقدمه - MBZUAI MBZUAI

الإبداع الموسيقي والتكنولوجيا في خدمة تطور الذكاء الاصطناعي وتعزيز تقدمه

Friday, July 25, 2025

من عازف محترف إلى عَالِم في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن دراسة الفطر [العفن] الغروي إلى تطوير روبوتات تعليم الموسيقى، ومن الإبداع الحوسبي إلى استكشاف ميتافيزيقا تطور اللغة، رحلة البروفيسور غس شِيَا الأكاديمية لم تكن تقليدية بكل المقاييس.

بفضل تكوينه العلمي كعالم حاسوب وعازف موسيقي كلاسيكي ومفكر متعدد التخصصات، تمكن شِيَا من الجمع بين مواهبه وشغفه بالاستكشاف قَادَهُ إلى ابتكار أدوات بالتكنولوجيا اللمسية لتعليم الموسيقى للمبتدئين، والأخذ بيد طلابه نحو ريادة الأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بل وحتى التعاون مع كائنات حية لإنتاج إبداعات فنية وموسيقية رقمية.

واليوم، بصفته أستاذاً مشاركاً في قسم تعلم الآلة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، يسعى شِيَا إلى زرع روح الفضول والحماس نفسه في الجيل الصاعد من المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال مشاركته الفعلية ضمن الهيئة التدريسية التي سيتتلمذ على يدها الدفعة الأولى من طلبة البكالوريوس الذين سيلتحقون بالجامعة في الفصل الخريفي.

وعن هذه التجربة – يقول شِيَا: “إنني متحمس جداً للعمل بالمنهج الجديد الذي عملت على إعداده بالتعاون مع مجموعة من زملائي الأساتذة في الجامعة. كما أنني مسرور بمشاركتي إلى جانب البروفيسور مونوجيت تشودري – أستاذ معالجة اللغة الطبيعية – في تدريس مقدمة في الذكاء الاصطناعي، وأعتقد أن تجربة الطلبة ستكون مختلفة تماما عما اعتادوا عليه”.

ويتابع قائلاً: “هدفنا هو ليس فقط نقل المعرفة، بل تجاوز ذلك إلى ما هو أعمق وما هو جوهري.. إننا نريد أن نصل بالطلبة إلى مستوى فهم صميم الذكاء وأن نلهمهم لبناء تكنولوجيا ذكاء اصطناعي على هذا الأساس.. والأهم من هذا وذاك، نريدهم أن يستمتعوا بالدراسة.. وكلي أمل في أن نكون قادرين على زرع بذرة صغيرة في نفوسهم تنمو لتصبح شيئاً عظيماً.. وأعتقد أننا سنستمتع كثيراً بهذه التجربة”.

سيدفع البروفيسور شِيَا، بلا شك، وما يجسده بتجربته الغنية بفضول طلبة البكالوريوس المعرفي إلى حدود جديدة تسهم في تطوير الجامعة والانتقال بها من مؤسسة جامعية بحثية مكرسة للدراسات العليا إلى مركز تعليمي وأكاديمي يقدم خدماته لطلبة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، والباحثين بعد الدكتوراه، وقادة القطاعين العام والخاص من خلال برامج الجامعة التنفيذية.

يشار إلى أن أكثر من 100 طالب وطالبة من الإمارات ومن حول العالم سيلتحقون بالجامعة لمتابعة دراستهم في “برنامج بكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي”، وهو أول برنامج من نوعه مصمم للطامحين في ريادة عالم التكنولوجيا والابتكار والدفع بحدود المعرفة والتطور التقني إلى آفاق جديدة.

شِيَا: قصة نجاح على أنغام الموسيقى

استكمل البروفيسور شِيَا دراسته الجامعية في “جامعة بكين”، حيث تخَرّج في علوم المعلومات مع تخصص فرعي في علم النفس. كما أنه، آنذاك، كان يدير أيضاً “معهد الموسيقى الصينية” بالجامعة نفسها بصفته رئيس له، وذلك بعد أن درس طريقة عزف الناي الصيني (دي) على يد أستاذه ويليانغ زانغ في “كونسرفتوار الصين للموسيقى”.

وللمزاوجة بين حبه للموسيقى واهتماماته البحثية، اختار شِيَا دراسة موسيقى الحاسوب التي قادته – فيما بعد – إلى الاهتمام بمجال تعلم الآلة في “جامعة كارنيجي ميلون” – الولايات المتحدة الأمريكية. وقد قضى شِيَا ست سنوات في الجامعة ذاتها، حيث أكمل أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في موضوع [learning-based automatic accompaniment and improvisation systems].

كانت بداية رحلة شِيَا مع البحث العلمي وحب الاستطلاع والمعرفة من “جامعة كارنيجي ميلون” التي زرعت فيه بدرة حب الاكتشاف التي بدوره يأمل في أن يزرعها في هذا الجيل الجديد من الطلبة. يذكر أن اهتمامات البروفيسور شِيَا البحثية التي تتقاطع فيها الموسيقى مع الذكاء الاصطناعي قادته إلى “كلية دارتموث” في الولايات المتحدة، حيث عمل على مشروعين محوريين شكلا مسيرته المهنية.

وعن مساره في هذه الأخيرة – يقول: “تتوفر ’كلية دارتموث‘ على واحد من أقدم مراكز الموسيقى الرقمية، وهي كلية متعددة التخصصات. وقد مكنني مروري فيها خلال فترة ما بعد الدكتوراه من دراسة توجهات بحثية مثيرة للاهتمام”.

“المشروع الأول – يقول البروفيسور – كان عن التوجيه بالتغذية اللمسية الراجعة لتعلم الموسيقى الذي أتت فكرته من سؤال طرحه صديق لي لم يسبق له أن عزف على آلة وطلب إلي ابتكار شيء يساعده على عزف شيء بسيط.. كانت هذه بداية التحدي التي قادتني مع فريقي إلى تعلم كيف يمكنني اعتمادا – مثلاً – على روبوتات الموسيقى وأجهزة التغذية اللمسية الراجعة والطباعة ثلاثية الأبعاد، مساعدة المبتدئين على تعلم كيفية العزف على آلة موسيقية”.

ويضيف: “تمكنا في النهاية من تصميم ناي لمسي – ناي مزود بحلقات للأصابع توجه أصابع المستخدم لتساعده على بناء ذاكرة عضلية.. كان هذا أول ابتكار مدعوم بالذكاء الاصطناعي لتعليم الموسيقى”.

أما المشروع الثاني – كما يصفه شِيَا، فقد كان “أكثر إثارة للدهشة”، حيث اعتمد فيه البروفيسور على استخدام الفطر [العفن] الغروي لإنتاج الموسيقى.

ويوضح قائلاً: “رغم أن الفطر [العفن] الغروي هو كائن أحادي الخلية متعدد النُوى، إلا أنه عبقري يمكنه الوصول إلى هدفه حتى في متاهة وله ذاكرة بسيطة.. هذه الحقيقة دفعتنا إلى التساؤل عما إذا كان بإمكاننا فهم آليات ذكاء هذا الكائن الأساسية باعتباره نموذجاً حاسوبياً لتوليد الموسيقى.. لقد منحني هذا المنظور رؤية كلية عن أساس الذكاء من منظور الذكاء الاصطناعي الخوارزمي والنظم الحية التي تعالج المعلومات دون الحاجة إلى دماغ”.

يَعمل شِيَا حالياً في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، في مجال يعرف باسم “التوافق الوظيفي ونشوء اللغة وتطورها”، حيث يبحث في كيفية استماع الآلات للموسيقى دون إشراف بشري وكيفية استخلاصها للنوتات والنظريات الموسيقية.

وعن عمله هذا يقول: “واقع الحال أن الآلات اليوم أصبحت قادرة على فهم المفاهيم الرياضية، والأعداد الطبيعية، والجمع فيما يعرف بقدرات الذكاء الاصطناعي الأولية.. وما أسعى إليه مع فريق عملي هو الدفع بهذه القدرات إلى مستويات جديدة من خلال محاولة فهم كيفية تطوير الآلات للغة رمزية اعتماداً على مدخلات حسية فقط.. وكيف يمكنها تطوير لغة رمزية وبنيتها.. وبالنسبة لي وفريقي، يشكل هذا العمل أكثر المجالات البحثية الميتافيزيقية والفلسفية التي أخذناها على عاتقنا بالبحث والدراسة”.

نمذجة الإبداع

التفكير بهذه الطريقة المختلفة المبتكرة وغير التقليدية هو ما يميز نظرة البروفيسور شِيَا إلى الذكاء الاصطناعي، والذي يرى في الفن والإبداع مكونان أساسيان مطلوبان للدفع بتطوير هذه التقنية إلى أفق أوسع.

وعن رؤيته هذه يقول: “يجب علينا، إذا أردنا تطوير ذكاء اصطناعي حقيقي، فهم آليات وميكانيزمات الذكاء في حد ذاته.. وأعتقد أن إحدى السبل إلى ذلك هو الانفتاح على مدخلات من مجالات مختلفة ومتنوعة”.

ويتابع شارحاً: “أعتقد أن الفن والإبداع مكونان مهمان من مكونات الذكاء، وذلك لأن البشر لا يسعون فقط لتحسين أدائهم العملي.. بل لديهم إحساس داخلي بالجمال والجماليات التي يمكننا نمذجتها”.

تَرجم البروفيسور شِيَا عملياً نظرته المتفردة هذه من خلال حفل موسيقي مدعوم بالذكاء الاصطناعي فريد من نوعه نظمه فور وصوله إلى الإمارات في “مركز شتاينواي” في دبي.

لا ينحصر تأثير نظرة البروفيسور في هذا الأفق فحسب، بل يمتد ليؤثر في نهج أبحاثِ طَلَبَتِهِ في الجامعة. كما يتبلور من خلال مشاريع تحولت إلى شركات ناشئة مثل “أوديوماتيك” التي تنتج محتوى صوتي مدعوم بالذكاء الاصطناعي.

يقول: “الطالبان اللذان أسسا منصة ’أوديوماتيك‘ – تيمور وأحمد – هما طَالِبَان رائعَان.. أسسا الشركة وطوراها في ’مركز حضانة وريادة الأعمال التابع للجامعة‘”.

“توفر منصة الشركة للمستخدمين خدمات موسيقية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكنها – على سبيل المثال – إضافة خلفية موسيقية لفيديو صامت. وأعتقد أنهم بهذا المشروع يقدمان خدمة للمجتمع.. مشروع آخر يعمل الطالبان عليه هدف كشف وبيان حقوق الملكية الفكرية.. وستساعد هذا المشروع مبدعي الذكاء الاصطناعي والموسيقيين على الحصول على أجور عادلة.. وهذا يعجبني جدًا”.

يسهم البروفيسور شِيَا أيضاً في نقاش عالمي حول عدالة نظم الذكاء الاصطناعي – الخاصة بالإبداع الموسيقي – وقدرتها على تمثيل التنوع الثقافي دون التحيز لثقافة ما على حساب أخرى. ويسلط، في هذا السياق، شيا وزملاؤه في ورقة بحثية حديثة الضوء على التحيزات في نظم توليد الموسيقى بالذكاء الاصطناعي، ووجدوا أن عدداً من مجموعات البيانات الشائعة تميل نحو الموسيقى الكلاسيكية والبوب الغربية مما قد يعزز التجانس في الفنون المولدة آلياً لتميل أكثر لما هو غربي.

تقترح الدراسة إطاراً لمجموعات بيانات أكثر شمولية وتمثيلًا، مما يبرز كيف أن أبحاث شيا دائماً ما توازن بين الابتكار التكنولوجي والأخلاقيات. سيرته الذاتية مثيرة للإعجاب: أكثر من 60 ورقة بحثية محكمة، وأكثر من 2000 استشهاد، ومحاضرات رئيسية في مؤتمرات عالمية.

ما يميز عمل البروفيسور ليس الحجم، بل الروح: إصراره على أن يظل الذكاء الاصطناعي، بكل قوته، متوافقاً مع الإنسانية – معبراً، عادلاً، ومتسع الأفق.. درس سيستفيد منه طلبة الدفعة الأولى في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بشكل كبير.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Wednesday, September 03, 2025

جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تفتح باب القبول لفصل خريف 2026

ترحب أول جامعة في العالم مكرَّسة للذكاء الاصطناعي بالطلاب المتميزين من مختلف أنحاء العالم للانضمام إلى برامجها.....

  1. applications ,
  2. students ,
  3. graduates ,
  4. Ph.D. ,
  5. Undergraduate ,
  6. master's ,
  7. intake ,
  8. post-graduate ,
  9. Bachelor's ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Monday, July 28, 2025

حل جديد لمشكلة الاتجاه المعاكس في النماذج اللغوية الكبيرة

قبل بضع سنوات، اكتشف باحثو الذكاء الاصطناعي ظاهرة مثيرة للاهتمام، وهي أن ترتيب المعلومات في النص يؤثر.....

  1. المحولات ,
  2. تعلّم الآلة ,
  3. النماذج اللغوية الكبيرة ,
  4. معالجة اللغة الطبيعية ,
  5. اللغة ,
  6. ACL ,
  7. الأداء ,
  8. الاتجاه المعاكس ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Tuesday, July 22, 2025

أفق جديد لتشخيص التلعثم في الدول النامية بالذكاء الاصطناعي

طالبة الدكتوراه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، هاواو تويين، تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين الوصول إلى.....

  1. التلعثم ,
  2. النطق ,
  3. ACL ,
  4. اللغة العربية ,
  5. معالجة اللغة الطبيعية ,
  6. تعلّم الآلة ,
اقرأ المزيد