تذليل العقبات في وجه توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية

Monday, May 26, 2025

قد تؤدي أخطاء التشخيص الناتجة عن ضعف قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على التعميم إلى آثار صحية خطيرة على صحة المرضى، ما يجعل أبحاث أُميمة رحمن في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بالغة الأهمية لضمان الاستخدام الآمن والأخلاقي للذكاء الاصطناعي في المجال الطبي.

من أبرز التحديات التي تعيق اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية هو التفاوت في أداء هذه الأنظمة بين المستشفيات والعيادات المختلفة. فالنظام المدرب على تحليل الصور الطبية في مستشفى معين قد يفشل في أداء المهمة نفسها عند نقله إلى مستشفى آخر بسبب اختلاف المعدات وجودة الصور.

أمضت أُميمة رحمن، طالبة الدكتوراة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، السنوات الأربع الماضية وهي تعمل على سد هذه الفجوة بين الأبحاث المتقدمة والحلول الفعالة التي يمكن تطبيقها في جميع مؤسسات الرعاية الصحية. وهي تقول إن الحل يكمن في بناء نماذج ذكاء اصطناعي يمكنها تعلّم السمات المشتركة في الصور من المصادر المختلفة، ما يجعلها قادرة على العمل بكفاءة وموثوقية في المستشفيات المتقدمة والعيادات ذات الموارد المحدودة على حد سواء.

تستعد الباحثة الهندية البالغة من العمر 29 عاماً للحصول على درجة الدكتوراة في الرؤية الحاسوبية من الجامعة هذا الشهر. وقد تركز بحثها لنيل هذه الدرجة على التكيف مع البيئات المختلفة والتعميم في التعلم العميق، لا سيما في مجال التصوير الطبي. التحدي الأساسي الذي يعالجه هذا البحث هو كيفية بناء نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على تقديم أداء جيد بصرف النظر عن تباين توزيع البيانات من المستشفيات وأجهزة التصوير والمصادر المختلفة، ويشار إلى ذلك بمصطلح “التعميم خارج التوزيع”. ويكتسب هذا النهج أهمية خاصة في البلدان النامية والمؤسسات الطبية محدودة الموارد التي ما زالت تعتمد على أجهزة تصوير قديمة.

تقول أميمة في سياق حديثها عن أهمية بحثها: “لا تقتصر مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية على انخفاض الأداء، بل تشمل أيضاً مخاطر على صحة المرضى، ما يجعل التعميم ضرورة وليس ترفاً. هذا النوع من البحوث يمكن أن يؤدي دوراً مهماً كأداة فحص في الأماكن التي لا تتوفر فيها أحدث الأجهزة، كما يمكنه طمأنة المرضى الأصحاء وتقليل حالات القلق والذعر”.

وتضيف قائلة: “غالباً ما يرتبط استخدام الذكاء الاصطناعي بصورة نمطية سلبية، حيث يُنظر إليه على أنه سيحل مكان البشر ويقطع أرزاقهم. لكن في مجال الرعاية الصحية، أقول بكل ثقة إنه ليس المقصود أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء، ولا ينبغي له ذلك. فنحن نهدف لتطوير منهجيات ذكاء اصطناعي تساعد الأطباء، وتُعزز عملية اتخاذ القرار، وترتقي بجودة الرعاية الصحية. ومن خلال بناء نظم أكثر موثوقية وشفافية وكفاءة، نطمح إلى جعل الرعاية الصحية أكثر شمولاً وعدالة، وتحقيق تأثير إيجابي على مستوى العالم”.

معالجة إحدى أبرز الإشكاليات في نماذج الرعاية الصحية

تقول أميمة إن شغفها بتطوير حلول ذكاء اصطناعي موثوقة وأخلاقية وقابلة للتوسّع في قطاع الرعاية الصحية كان دافعها الرئيسي في رحلتها البحثية، التي تميزت بعمق فكري وثراء معرفي. وقد ركزت هذه الرحلة على واحد من أكثر التحديات إلحاحاً في مجال الذكاء الاصطناعي للأغراض الطبية، وهو ضمان قدرة النماذج المدربة في بيئة معينة على العمل بكفاءة في بيئات مختلفة.

وهي توضح ذلك بقولها: “لنتخيل عالماً يُدرّب فيه نموذج ذكاء اصطناعي على اكتشاف السرطان من صور طبية بدقة شبه مثالية، لكنه يفشل فجأة عند استخدامه في مستشفى آخر. ما سبب ذلك؟ السبب هو أن أي تغيير بسيط في بروتوكول التصوير يجعل النموذج المُدرب على بيانات من مؤسسة أخرى غير قادر على الأداء. وفي مجال التصوير الطبي، حيث يتوقف على هذا الأداء حياة المريض أو موته، هذه ليست مجرد مشكلة أكاديمية، بل مسألة تتعلق بسلامة المرضى والعدالة في تقديم الرعاية الصحية”.

انطلاقاً من خلفية أكاديمية في مجال الرؤية الحاسوبية، اعتمدت أميمة نهجاً متعدد التخصصات يجمع بين تعلم الآلة والبيانات الصحية، ما أتاح لها معالجة هذه المشكلة في أطروحتها للدكتوراه التي حملت عنوان: “تعزيز التعميم خارج التوزيع في التصوير الطبي”.

وتشرح أميمة الأمر ببساطة بقولها إن نماذج التعلم العميق تتعلّم أنماطاً من الصور، لكن عندما تتغير هذه الأنماط بسبب اختلاف ظروف التصوير، فإن أداء النموذج يتراجع. ويسعى بحثها إلى ضمان أن تتعلم النماذج فقط السمات غير المرتبطة بمصدر البيانات، أي السمات الثابتة بغض النظر عن تغير المستشفى أو جهاز التصوير، وذلك لجعل الذكاء الاصطناعي أكثر ثباتاً وموثوقية في المؤسسات المختلفة.

وتضيف أن الصور الطبية، مثل صور الرنين المغناطيسي وصور الأشعة السينية، غالباً ما تختلف بسبب اختلاف أجهزة التصوير أو البروتوكولات أو حتى اختلاف المرضى، ما يجعل من الصعب على نظم الذكاء الاصطناعي أن تعمّم أداءها. ولمعالجة ذلك، طوّرت أميمة طرقاً تعتمد على الحد الأدنى من البيانات المصنفة وتقوم بفصل السمات التشخيصية الأساسية (مثل وجود ورم) عن السمات العارضة المرتبطة بالمجال (مثل نوع جهاز التصوير)، مما يعزز من قدرة النماذج على التكيف عند تغير توزيع البيانات.

وقد طبّقت هذا المفهوم أيضاً على النماذج اللغوية البصرية، وأظهرت أن فصل المعلومات الطبية المفيدة في الصور والنصوص يعزز الأداء في حالة عدم وجود تدريب مسبق ويقلل من التحيّز في مجموعة البيانات.

كما تضمنت أطروحتها طريقة أطلقت عليها اسم “كشف الأمراض المختلفة ضمن العضو الواحد”، وهي تتيح للنموذج الذي تم تدريبه على تشخيص مرض معين كشف أمراض أخرى لم يُدرب عليها في نفس العضو. وتكتسب هذه الاستراتيجية أهمية خاصة في التعامل مع الأمراض النادرة أو المستجدة، مثل المراحل الأولى من جائحة كوفيد-19، وهو أحد المشاريع البارزة التي عملت عليها أميمة. وقد نشرت دراسات بحثية أخرى تناولت فيها جوانب مختلفة من هذا المفهوم.

رحلة بحثية ثرية

تؤكد أُميمة رحمن أن تجربتها في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كانت ثرية وحافلة بالتحديات والإنجازات، حيث تقول: “كان التعمق في دراسة هذه المشكلة في سياق الرعاية الصحية أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لي. في البداية، كنت أعمل على مشاريعي البحثية بشكل فردي، وكان ذلك صعباً. لكن بعد إنجاز أول مشروع، بدأت الأمور تتضح شيئاً فشيئاً. لم توفر لي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي الموارد فحسب، بل منحتني أيضاً فرصة للتطور على الصعيدين الفكري والمهني، بل والشخصي أيضاً”.

كما تشير إلى أن المخاوف المتعلقة بالخصوصية في البيانات الطبية زادت من تعقيد أبحاثها، ما دفعها إلى التركيز على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر مرونة ووعياً بالخصوصية، وقادرة على التشخيص الدقيق في بيئات الرعاية الصحية المتنوعة، ولا سيما ذات الموارد المحدودة. وتقول موضحةً: “هناك قيود تعيق الوصول إلى بيانات سريرية واسعة النطاق ومصنفة بشكل جيد، خصوصاً عندما تتضمن معلومات صحية محمية. وإذا تمكنّا من تطوير نماذج قادرة على التعميم الجيد حتى عند تدريبها على مجموعات بيانات عامة أو محدودة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على دقة التنبؤ عند اختبارها على بيانات طبية خاصة، نكون قد قطعنا خطوة مهمة نحو توظيف الذكاء الاصطناعي على أرض الواقع. وهذا ما يجعل من التعميم خارج التوزيع مشكلة ذات تأثير بالغ”.

عرضت أميمة بحثها في مستشفى جامعة جنيف في سويسرا، وتمكنت هناك من الالتقاء بالفريق المسؤول عن مجموعة البيانات الحقيقية “Shifts 2.0” التي اعتمدت عليها في أبحاثها. وقد أتاح لها هذا اللقاء التفاعل مع خبراء في التعلم العميق والذكاء الاصطناعي، إلى جانب أطباء متخصصين قدّموا رؤى طبية قيّمة أكدت على أهمية أبحاثها للتطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.

شغف منذ الصغر

لم تكن الرعاية الصحية نقطة انطلاق أميمة رحمن، لكن أثناء إعداد أطروحتها في مرحلة الماجستير في علوم الحاسوب والهندسة، بدأت ترى رابطاً بين الرؤية الحاسوبية والرعاية الصحية، وشيئاً فشيئاً نما هذا الرابط حتى أصبح التزاماً شخصياً ومهنياً. وهي تشرح ذلك بقولها: “الأمر ليس مهنياً فقط، بل أصبح شخصياً أيضاً. أطمح إلى أن تكون لي بصمة في مجال توظيف الذكاء الاصطناعي لأغراض الرعاية الصحية. وأرغب تحديداً في المساهمة في تحقيق رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال، التي تهدف إلى تحسين النتائج بالنسبة المرضى، وتبسيط العمليات، وترسيخ مكانتها كدولة رائدة عالمياً في ابتكار تكنولوجيا الرعاية الصحية. أشعر بأنني محظوظة جداً بتخرجي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، لأنني في المكان المناسب في التوقيت المناسب، وأتطلع إلى مواصلة أبحاثي”.

كان لتدريب أميمة في شركة “إنسبشن” دور محوري في مساعدتها على تحديد هذا التوجه، حيث عملت على مشروع لهيئة الصحة بدبي، وأنجزت في الوقت ذاته دراسة بحثية نُشرت لاحقاً في الندوة الدولية حول التصوير الطبي الحيوي لعام 2025، وهي من أبرز الملتقيات في مجال الرعاية الصحية.

لكن وراء هذه الأبحاث قصة أعمق، بدأت بشغف مبكر، ومرت بتحولات ثقافية، وتجلّت في عزيمة واضحة وإصرار كبير. فقد نشأت أميمة رحمن في مدينة كلكتا بالهند، وبرزت لديها منذ الصغر قدرات متميزة في الرياضيات والعلوم. وفي سن الثالثة عشرة، قررت أن تصبح مهندسة. وهي تقول مستذكرة تلك الأيام: “لم أكن أحب التاريخ أو الجغرافيا بقدر ما كنت أعشق العلوم”. وقد نالت تشجيعاً من أساتذتها، وعندما أصبحت في الصف التاسع، اختارت دراسة الهندسة.

ورغم أن أميمة أول شخص في عائلتها يحصل على درجة الدكتوراة، فالتعليم متجذر في العائلة، حيث كان جدّها مدرساً للرياضيات، وشقيقها الأصغر يدرس حالياً في جامعة أكسفورد للحصول على الدكتوراة في مجال الشبكات المتعلقة بتعلم الآلة.

وهي ليست أول فرد في عائلتها يحصل على الدكتوراة فحسب، بل هي أيضاً واحدة من أول دفعة من الطالبات اللواتي ينلن درجة الدكتوراة من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وتشاركها في ذلك ثلاث زميلات من دفعة 2025.

تقول أميمة إن انتقالها بمفردها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة كان خطوة كبيرة بعد إتمام دراستها في المرحلة الجامعية ثم الماجستير في كلكتا، حيث كانت والدتها مترددة في البداية في السماح لها بمغادرة المدينة، مضيفة: “لكنني تمكنت من إقناعها. كان حلم والدي أن يراني أحصل على درجة الدكتوراة. والآن يشعر والداي بالفخر، وسيأتيان إلى أبوظبي لحضور حفل التخرج”.

تعكس قصة أميمة قوة عزمها وتصميمها، حيث خاضت معركة لنيل حقها في الدراسة بالخارج، ودخلت مجالاً جديداً بكل جرأة. وهي تطمح على المدى الطويل في الاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة والعمل في المجال الأكاديمي لتكون مصدر إلهام للفتيات لدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وتقول في هذا الصدد: “أتمنى أن أصبح يوماً أستاذة جامعية. هناك الكثير من النساء اللواتي يعملن في مجال الهندسة الطبية الحيوية، لكن عددهن في الذكاء الاصطناعي ما زال قليلاً. وآمل أن يتغير ذلك”.

تبحث أميمة حالياً عن فرصة لمواصلة بحوثها بعد الدكتوراة في مجال الذكاء الاصطناعي التطبيقي في إحدى المؤسسات البحثية العالمية، مثل جامعة نيويورك أبوظبي، وجامعة ستانفورد، والمعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وهي مهتمة بشكل خاص بمواصلة أبحاثها حول التعميم خارج التوزيع في الذكاء الاصطناعي لأغراض الرعاية الصحية. وعلى الرغم من هذه التطلعات، فهي تأمل بالعودة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على المدى الطويل، نظراً لما تتميز به من بيئة آمنة، ومجتمع بحثي نشط، ودعم كبير للمرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وهي تعبّر عن ذلك كله بقولها: “أشعر أن الإمارات بلدي الثاني الآن”.