على مدى الـعشرة آلاف سنة الماضية، اختَفَى ثلث غابات الأرض ونصف هذه المساحةِ تبدَّدَ خلال القرن الماضي لوحده. ولمواجهة هذا الوضع، يسعى الباحثون إلى مراقبة الغابات للحد من فقدان التنوع البيولوجي، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، والحد من الاضطرابات التي تؤثر على النظم البيئية والمناخ. وتعتبر صور الأقمار الاصطناعية واحدة من الطرق التي يمكن أن تساعد في تتبع حالة الغابات، غير أن الاعتماد عليها لوحدها لا يوفر تلك الرؤية المفصلة ومتعددة المستويات اللازمة لتقييم التغيرات والتخفيف من أثرها.
وتبرز هنا أهمية دور GeoChat+، النموذج اللغوي-البصري (VLM) الرائد الذي يقوم بـما يسمى ’التحليل الزمني متعدد المستويات بتقنية الاستشعار عن بُعد‘ للصور . ويمكن لهذا النموذج أن يتتبع مناطق الغابات المعرضة للاجتثاث، ويقيّم تأثير ذلك على جودة التربة وجودة الهواء أو التعرية. كما يمكن لهذا النموذج توفير تقرير مفصل يسلط الضوء على المناطق التي تظهر مستويات مخاطر عالية، ويوصي بأماكن يمكن أن تكون جهود إعادة التشجير فيها أكثر فعالية. وسيساعد النموذج أيضاً الباحثين على تحليل البيانات الماضية والتنبؤ بالمستقبل بدقة أكبر.
خبرة الاستشعار عن بُعد
يذكر أن الدكتور سلمان خان وفريق عمله في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، يعملون في الوقت الحالي على تطوير نموذجGeoChat+ بالتعاون مع إدارة البحوث لدى آي بي إم، وسيعرضون ما أحرزوه من تقدم في إنجاز هذا المشروع خلال فعاليات معرض جيتكس المزمع إقامته في أكتوبر 2024. ويعتبر إصدار GeoChat السابق، أول نموذج كبير مدعوم بالتقنية اللغوية-البصرية تم تصميمه خصيصاً لمواجهة التحديات التي يطرحها الاستشعار عن بُعد.
وجدير بالذكر أن نموذج GeoChat هو أداة تجمع بين صور الأقمار الاصطناعية والتقنيات اللغوية المتقدمة، مما يمكنه من فهم ووصف ما تحتويه الصور بطرق غير مسبوقة. كما أنه أداة تتفوق في التعامل مع صور الاستشعار عن بُعد عالية الدقة التي توظفها في الإجابة على الأسئلة المتعلقة بمواقع محددة، سواء تعلقت بمراقبة التغيرات البيئية أو بوضع خطط للاستجابات الفعالة للكوارث. ويقدم GeoChat أيضاً وسيلة لفهم البيانات البصرية المعقدة من خلال دمج الصور والنصوص.
لقد حقق نموذج GeoChat بالفعل نتائج جيدة في مهام متعددة مثل توصيف الصور والمناطق، والإجابة على الأسئلة البصرية، وتصنيف المشاهد، واكتشاف الأجسام. ويسعى فريق العمل أمام النجاحات التي يحققها البرنامج إلى بلوغ مستويات جديدة من التطور من خلال توسيع نطاق هذه القدرات مع GeoChat+، وإضافة 11 مهمة جديدة تهدف إلى معالجة قضايا بيئية وجغرافية ملحة تشمل ما يلي:
التحليل الزمني متعدد المستويات
مقارنة مع النموذج الحالي لـ GeoChat الذي يوفر للمستخدم إجابات اعتماداً على صورة RGB واحدة فقط، فإن نموذج GeoChat+ سيعتمد على بيانات متعددة مصدرها ما تلتقطه أقمار اصطناعية متنوعة في أوقات مختلفة ستساعده على الإجابة على مجموعة أوسع من الاستفسارات. ويقول أكشاي دوداني، الخبير الباحث في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أن: “نموذج GeoChat+، بفضل بيانات الصور متعددة الأنماط، سيكون قادراً على مقارنة التغيرات التي شهدها الموقع نفسه خلال سنوات عديدة أو تحليل البيئة نفسها لاكتشاف التغيرات”.
ومتوقع لنموذج GeoChat+ إحداث ثورة في تحليل البيانات الجغرافية من خلال دمج مجموعة متنوعة من مصادر بيانات الأقمار الاصطناعية والصور. وستستفيد المنصة من بيانات أنظمة مراقبة الأرض الشهيرة مثلSentinel-1 وSentinel-2، بالإضافة إلى Landsat وصور عالية الدقة من WorldView وGoogle Earth، ومجموعة PlanetScope للأقمار الاصطناعية والقمرينGF-2 وGaofen-3، والتصوير الراداري التركيبي المتقدم من 6 SOPT و7 SOPT، وكل هذه المصادر ستمكن النموذج من توفير فهم دقيق ومتعدد المستويات للخبراء.
وفي خطوة تعزز من قدرات GeoChat+، ستشمل منصتة أيضاً تقنية التصوير بـ LIDAR لتحليل الطبوغرافيا بدقة وتقنية NAIP للتصوير الجوي، فضلاً عن بيانات صور الأشعة تحت الحمراء القريبة (NIR) والتصوير الراداري التركيبي (SAR). وستوفر مجموعة البيانات الشاملة هذه صورا ثنائية الزمن لمراقبة التغيرات على مر الزمن، مما يمكّن المستخدمين من تحليل المناظر الطبيعية، والنمو الحضري، والتحولات البيئية، وغيرها من التحولات بدقة غير مسبوقة.
وبفضل مجموعة البيانات المتنوعة هذه، يَعِدُ نموذج GeoChat+ بإتاحة رؤية جغرافية شاملة ومتكاملة لمجموعة واسعة من التطبيقات، بدءا من مراقبة البيئة ووصولاً إلى الاستجابة للكوارث والتخطيط الحضري.
بيانات التدريب
أحد أكبر التحديات التي يواجهها مشروع GeoChat+ هو حاجته الكبيرة للبيانات، وهذا ما أوضحه أكشاي دوداني قائلا: “التحدي الرئيس الذي نواجهه هو إعداد ملايين من التعليمات الثنائية، والتي يتطلب تجهيزها وقت طويلاً وجهداً كبيراً سواء يدويا أو آليا.” ويضيف دوداني: “لا توجد مجموعة بيانات كبيرة جاهزة للتدريب الدقيق من هذا النوع، ولذا – بدعم من إدارة البحوث التابعة لشركة آي بي إم، علينا أن نقوم ببنائها من الصفر.”
وقد قام الفريق بإعداد ثنائيات من أسئلة وأجوبة تتكون من حوالي 20 مليون زوج تتعلق بيانات الأقمار الاصطناعية لتدريبGeoChat+ . كما سيقوم الفريق، بعد الانتهاء من تدريب النموذج، بتقييمه باستخدام حوالي 30 حزمة من حزم بيانات مختلفة، ومقارنة أدائه بالطرق المستخدمة حاليا.
كجزء من التعاون الأكاديمي، يهدف الفريق في النهاية إلى جعل GeoChat+ متاحاً للباحثين، مما سيمكنهم من التعامل مع صور الاستشعار عن بُعد بفعالية أكبر. كما يوضح سلمان خان شارحاً: “لدى GeoChat+ القدرة على إحداث ثورة في طريقة تحليل بيانات الاستشعار عن بُعد، مما يجعل استخدامه متاحا أكثر ويمكن الاستفادة منه في مجالات متعددة مثل مراقبة البيئة، وإدارة الكوارث، والزراعة، والتخطيط الحضري.”