عندما يتحدث اكبولجون سوبيروف، خريج جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، عن أبحاثه في مجال تسخير الذكاء الاصطناعي للكشف عن أمراض القلب والأوعية الدموية، فإنه لا يبدأ بالجانب النظري، بل يبدأ من العائلة قائلاً: “توفي جدي وعمي بنوبات قلبية. أما عمي الآخر، فقد تعرّض أيضاً لنوبة قلبية جعلته لا يقوى على المشي اليوم دون الاستعانة بعكاز. فهذه الأبحاث جاءت نتيجة لألم شخصي عميق”.
والآن، بينما يستعد سوبيروف للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة أكسفورد، يساهم في تطوير جيل جديد من أدوات التشخيص القادرة على اكتشاف أمراض القلب وعلاجها قبل أن تتسبب في أضرار خطيرة للمريض. وكما يستمد دافعه من تجربة عائلته، فإنه يجعلها أيضاً أساساً لعمله، حيث يقول متحدثاً عن بداياته: “كنت أعلم منذ صغري أنني سأتجه إلى مجال التكنولوجيا. فوالدتي درست الرياضيات التطبيقية وتخصصت في الهندسة الحاسوبية، وأنا سرت على خطاها. كنت أعلم حتى قبل دخولي مرحلة البكالوريوس أنني أريد التخصص في تكنولوجيا المعلومات”.
واليوم، بعد رحلة تعليمية امتدت من مسقط رأسه في أنديجان بأوزبكستان، إلى طشقند، ثم إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبوظبي في عامها الأول، وصولاً إلى جامعة أكسفورد العريقة، يتخصص في التكنولوجيا ويعمل على أبحاث رائدة لتحسين الرعاية الصحية للجميع.
التحق سوبيروف بكلية سومرفيل في جامعة أكسفورد مطلع عام 2024، حيث يعمل على تسخير الذكاء الاصطناعي في طب القلب والأوعية الدموية بهدف جعل التشخيص والعلاج أكثر دقة وأقل تدخلاً. وترتكز أبحاثه على رصد المؤشرات الحيوية في الصور الطبية التي يمكن أن تكشف عن العوامل البيولوجية الأساسية التي تؤدي إلى تطور المرض.
وهو يشرح ذلك قائلاً: “المؤشرات الحيوية هي في جوهرها إشارات بيولوجية تبيّن الوضع الصحي الحالي للفرد، ويمكن من خلالها تمكين الطب الدقيق أو الطب الشخصي. أما المؤشرات الحيوية في الصور الطبية فهي النسخة المصورة من هذه الإشارات. على سبيل المثال، يمكن التقاط صورة مقطعية لمنطقة معينة في جسم الإنسان، وتحليل المعلومات الموجودة فيها، ثم معرفة ما إذا كان الدواء المُوجَّه يؤثر في الحالة البيولوجية للمرض، وكيفية تأثير جرعات مختلفة منه عليها، وما قد تكون عليه النتائج طويلة المدى مثل فرص الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية”.
الجانب المبتكر في عمل سوبيروف هو الدمج بين بيانات النسخ الجيني، أي المعلومات عن الجينات النشطة في الجسم، وبين بيانات الصور الطبية، وذلك بهدف التنبؤ بكيفية استجابة كل مريض لدواء محدد باستخدام الصور فقط.
يقول سوبيروف، الذي يشغل أيضاً منصب مدير التكنولوجيا في جمعية أكسفورد للتكنولوجيا الحيوية، موضحاً طبيعة أبحاثه وأهميتها: “ما نحاول فعله من الناحية التقنية هو فهم الرابط بين المعلومات المستخلصة من الصور الطبية والمعلومات الخاصة بالنسخ الجيني أو بيانات الحمض النووي الريبوزي. وعند إيجاد هذا الرابط وفهم العلاقة بينهما، يمكننا استخدام المعلومات المستمدة من الصور الطبية لتمثيل بيانات الحمض النووي الريبوزي. تكمن أهمية ذلك في أن شركات الأدوية التي تطوّر أدوية موجّهة يمكنها اختبار فعالية هذه الأدوية باستخدام التكنولوجيا التي نطوّرها دون الحاجة إلى تجارب سريرية فعلية، خاصة عندما تستهدف أمراضاً جينية محددة. كما سيتمكّن الأطباء من تشخيص الأمراض والتنبؤ بتطورها مستقبلاً بدقة أكبر بناءً على حالة كل مريض وعلى نوع الدواء المستخدم”.
يجري سوبيروف أبحاثه ضمن شراكة أكاديمية صناعية، وذلك بفضل منحة الزمالة الصناعية التي حصل عليها من شركة “كاريستو دياجنوستيكس”، وهي شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي الطبي تأسست انطلاقاً من المختبر نفسه الذي يعمل فيه في أكسفورد. وتمتد هذه الزمالة طوال سنوات الدكتوراه، حيث تغطي رسومه الدراسية وتوفر له راتباً شهرياً يمكّنه من التركيز الكامل على أبحاثه. وهو يشرح دور كل طرف في هذه الشراكة قائلاً: “يُجرى البحث في المختبر داخل الجامعة، ثم تُطبقه شركة “كاريستو” على أرض الواقع – أي أننا نطوّر الملكية الفكرية في المختبر، ثم تنتقل لاحقاً إلى مرحلة التسويق التجاري”.
هذا المزيج من الأبحاث المتقدمة والتطبيق العملي لا يعكس فقط النموذج الذي تتبعه جامعة أكسفورد في توجيه الأبحاث العلمية نحو إحداث تأثير عملي، بل يجسّد أيضاً مسعى سوبيروف في تحويل تجربته الشخصية إلى ابتكار طبي.
تتجاوز آثار أبحاث سوبيروف حدود الابتكار داخل المختبر. فأمراض القلب والأوعية الدموية تُعرف غالباً باسم “القاتل الصامت” لأنها تتطور بهدوء على مدى سنوات طويلة قبل أن تظهر في صورة نوبة قلبية أو سكتة دماغية. وفي كثير من الأحيان، لا تتمكن أدوات التشخيص الحالية من الكشف عن المشكلة إلا بعد تفاقم المرض.
ومن خلال تطوير نماذج تربط بين المؤشرات الحيوية في الصور الطبية والنشاط الجيني، يعمل سوبيروف وزملاؤه على إيجاد طريقة تسمح باكتشاف أمراض القلب والأوعية الدموية قبل ظهور أعراضها بعشر سنوات كاملة. وهو يشرح أهمية ذلك قائلاً: “تخيل أن يتمكن الطبيب من قراءة فحص روتيني يُظهر ما إذا كانت الشرايين مسدودة اليوم ويتيح أيضاً التنبؤ بما إذا كان الشخص معرضاً لخطر الإصابة بنوبة قلبية بعد عشر سنوات؛ هذا يمنح الأطباء فرصة للتدخل المبكر، سواء عبر تغيير نمط الحياة أو من خلال علاجات موجّهة، وقد يعني منع حدوث المرض من الأساس”.
وإذا جرى تطبيق هذا النوع من التشخيص المبكر على نطاق واسع، فيمكن أن يسهم في إنقاذ حياة ملايين البشر حول العالم، إلى جانب تقليل العبء الاقتصادي الضخم الذي تفرضه أمراض القلب والأوعية الدموية على أنظمة الرعاية الصحية.
تبلور مسار سوبيروف إلى جامعة أكسفورد في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بأبوظبي، ليس فقط بفضل تفوقه الأكاديمي، بل أيضاً بفضل إشراف الدكتور محمد يعقوب، الأستاذ المساعد في قسم الرؤية الحاسوبية.
وهو يتحدث عن تلك المرحلة قائلاً: “في نهاية دراستي لمرحلة الماجستير في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، سنحت لي فرصة ثمينة لزيارة أكسفورد كباحث زائر. وكان ذلك بفضل الدكتور يعقوب، الذي بدأ المشروع هناك وساعدني في جميع مراحل عملية الانتقال، من الأوراق المطلوبة إلى كل التفاصيل الأخرى”.
ويقول مواصلاً كلامه: “الدكتور يعقوب خريج جامعة أكسفورد، وما زال على صلة وثيقة بها، لذلك كان ملمّاً بالكثير من التفاصيل عن المدينة. وقد قدّم لي نصائح عديدة عمّا يمكن فعله فيها، ما جعل الأمور أسهل بكثير. قضيت نحو ثلاثة أشهر في أكسفورد خلال صيف 2022 قبل أن أعود إلى أبوظبي. لكنني واصلت العمل مع فريق أكسفورد عبر الإنترنت بينما كنت أنهي مشروع الماجستير، وهو ما قادني لاحقاً للحصول على مقعد في الجامعة”.
وبفضل منحة السفر والمشاريع الخاصة المقدّمة من صندوق هورسمان بكلية سومرفيل، إضافة إلى التمويل الكامل المقدم من شركة “أسترازينيكا” للالتحاق بالمدرسة الصيفية للذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة في جامعة كامبريدج، تمكن سوبيروف من التعمق في أبحاثه، التي تمثل امتداداً طبيعياً لما بدأه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
وكان سوبيروف قد التحق بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كطالب ماجستير في يناير 2021 ضمن أول دفعة من الطلاب استقبلتها الجامعة. وهو يشير إلى أن أعمال الدكتور يعقوب وأبحاثه استحوذت على اهتمامه منذ البداية، حيث يقول: “عندما تحدثت مع الدكتور يعقوب، شعرت بأنني وجدت المسار الذي أبحث عنه. ناقشنا تاريخ عائلتي مع أمراض القلب والأوعية الدموية، واقترح علي مشروعاً محدداً. وأدركتُ فوراً كيف يمكن لهذا المشروع أن يُحدث أثراً في حياة الناس”.
وخلال فترة وجود سوبيروف في الجامعة، أُتيحت له الفرصة لتوسيع نطاق أبحاثه نحو مجالات أخرى مثل علم الأورام، الذي أثبت فيه تميزه أيضاً. وهو يستذكر ذلك قائلاً: “في صيف عام 2021، اقترح الدكتور يعقوب أن أشارك في تحدي “هيكتور”، وهو جزء من المؤتمر الدولي لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب، الذي يُعد أكبر مؤتمر عالمي للتصوير الطبي. يتناول التحدي أورام الرأس والرقبة، وتصنيف الأورام، والتنبؤ بمسار المرض. وقد حقق فريقنا المركز الأول في المنافسة ونشرنا ورقة بحثية بناءً على ذلك”.
ويواصل حديثه عن تجربته الأكاديمية فيقول: “كانت البيئة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مميزة للغاية. استمتعت كثيراً بتلك التجربة وتعلمت منها الكثير، حيث ساعدتني في التطور بشكل كبير وفتحت أمامي العديد من الفرص”.
عاد سوبيروف إلى أكسفورد، وتكيّف سريعاً مع نمط الحياة الأكاديمي الجديد هناك، الذي يصفه بأنه أقل اعتماداً على النشر البحثي وأكثر تركيزاً على التعاون مع منظومة الرعاية الصحية الأوسع، حيث يقول: “هناك اختلاف في طريقة التفكير بين الجامعتين، وقد احتجتُ بعض الوقت لأعتاد عليه. على سبيل المثال، خلال مرحلة الدكتوراه لا توجد لدي أي التزامات لنشر الأبحاث. يمكنني التخرج من دون أي نشر، طالما أن جودة بحثي كافية. مرّ عام ونصف دون أي منشور بحثي، ما جعلني قلقاً جداً، إلى أن تحدثت مع مشرفي البروفيسور شارالامبوس أنطونياديس، الذي أقنعني بأن هذا أمر جيد، لأننا نأخذ وقتنا في تطوير أبحاث كبيرة ستصبح لاحقاً عملاً أكبر يمكن تقديمه كورقة بحثية مهمة. بشكل عام، كانت هناك اختلافات بسيطة بين الجامعتين”.
ويرى سوبيروف أن منظومة التعاون في جامعة أكسفورد تعكس ما تتجه إليه جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في المستقبل، حيث يقول في هذا الشأن: “أكسفورد جامعة عريقة جداً. أما جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، فهي مؤسسة أكاديمية فتية. وقد تطورت منظومة جامعة أكسفورد على مدى فترة طويلة حتى أصبحت شبكة عالمية قوية تضم جامعات ومستشفيات وشركات حول العالم. عندما بدأتُ دراستي في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، كانت في بداية هذه الرحلة. لكنها قطعت شوطاً كبيراً في بناء شراكاتها الأكاديمية والصناعية منذ ذلك الحين. ومن المهم متابعة مسيرة تطورها في هذا الاتجاه”.
ومن المهم أيضاً متابعة مسار نمو سوبيروف نفسه، الذي انطلق من أوزبكستان، وانتقل إلى الإمارات العربية المتحدة ثم إلى المملكة المتحدة، واستطاع الاستفادة من كل تجربة مرّ بها للوصول إلى آفاق أكبر وتحقيق أثر أوسع. ومع تراكم أبحاثه، قد تثمر جهوده المتواصلة لتحسين الرعاية الصحية للجميع عن فوائد ملموسة واسعة النطاق.
يسعى النظام الجديد إلى إنهاء أسلوب التجربة والخطأ في بناء نماذج الذكاء الاصطناعي للتصوير الطبي من خلال.....
فريق من الباحثين في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي سيعرض مبادرته المدعومة بالنماذج اللغوية الكبيرة، «MedAgentSim»،.....
طوّر باحثون من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ومؤسسات أخرى نظامًا قادر على تحسين أداء النماذج.....