عندما كان أحمد شرشر طالباً جامعياً في بلده مصر، كان متفوقاً في هندسة الحاسوب، غير أن جهوده لتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مؤثر كانت تواجهه بعض التحديات – وعنها يقول شرشر: “لم تكن قدرات الأجهزة قوية، مما فرض قيوداً على ما يمكننا القيام به”، موضحاً أن هذا الواقع شكّل بالنسبة له القوة الدافعة وراء سعيه لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي أصغر من أجل إتاحة هذه التكنولوجيا للجميع.
ويتابع شارحاً: “النماذج المتوفرة اليوم مثل ’تشات جي بي تي‘ هي نماذج جيدة، غير أنها كبيرة جداً.. وبالنسبة لنا في مصر، فإننا لا نتوفر على قدرات لتطوير وتشغيل مثل هذه النماذج.. رغم ما نتوفر عليه من كفاءات متميزة.. قد تجد نفسها غير قادرة على تقديم دراسات يمكن المشاركة بها في مؤتمرات عالمية مؤثرة.. وأعتقد أنه لا يجب مقارنة عمل وكفاءات الأفراد بناء على ما هو متاح لها من إمكانات..”
“ولا يتوقف الأمر على مستوى انعدام التكافؤ من حيث الإمكانات فحسب، بل إنه كذلك يصل إلى مستوى تشغيل هذه التكنولوجيا الذي يحتاج إلى الكثير من الموارد المالية وطاقة هائلة.. وهو أمر غير متاح في بعض الدول.. ولذا فإن هدفي الرئيس يتمثل في إتاحة إمكانات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجياته للجميع من خلال نماذج صغيرة لا تحتاج إلى أجهزة ذات قدرات كبيرة”.
بعدما حصل شرشر على درجة الماجستير في مجال الرؤية الحاسوبية من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، يواصل الآن دراسته في الجامعة نفسها للحصول على درجة الدكتوراه؛ وهو عازم على جعل الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع، حيث يقول: “لم أقرر حتى الآن موضوع أطروحة الدكتوراه، ولكنني أريد تصميم نماذج صغيرة لا تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة بحيث يستطيع الجميع استخدامها بطرق مختلفة في مجالات الرعاية الصحية والبيئة والتعليم وغيرها من المجالات الأخرى”.
بدأت رحلة شرشر نحو إتاحة الذكاء الاصطناعي للجميع أثناء دراسته في مرحلة البكالوريوس، حيث نفذ مشروعاً اسمه “مدرب الكاميرا” يهدف لمساعدة الأفراد على ممارسة الرياضة بأمان وفعالية في المنزل باستخدام الرؤية الحاسوبية. وقد واصل العمل على تطوير هذا المشروع في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
في أُطرُوحَة الماجستير، مضى شرشر خطوة إلى الأمام من خلال تصميم تطبيق يقيّم صحة الرئتين دون الحاجة إلى الأجهزة الطبية المعتادة، وذلك عبر استخدام التعلم العميق والشبكات العصبية النبضية لتحليل البيانات الحرارية وبيانات الألوان في مقاطع الفيديو. ويتجنب هذا النموذج الإزعاج الناشئ عن التفاعل الجسدي المباشر ويسمح بالاختبار والتشخيص عن بعد، ويمكن أن تستفيد منه البلدان النامية غير القادرة على دعم النماذج الكبيرة.
يتحدث شرشر عن مشروعه قائلاً: “بدأتُ على نطاق صغير بمشروع المدرب الرياضي الذي يسمح بتقييم الأداء أثناء ممارسة التمارين الرياضية دون الحاجة إلى أجهزة ذات قدرات كبيرة؛ ثم كانت أطروحتي للماجستير في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي حول تقييم صحة الرئتين وأدائهما عبر الهاتف المتحرك، إما باستخدام كاميرا حرارية أو كاميرا الهاتف نفسه”.
تقوم فكرة التطبيق الذي صممه شرشر تحت إشراف البروفيسور محسن جيزاني والبروفيسور محمد يعقوب على تحميل الشخص مقطع فيديو لنفسه وهو يستنشق نفساً عميقاً ثم يخرج الهواء في مرحلة الزفير، حيث يقيّم التطبيق كمية الهواء في رئتيه، وما إذا كانت هناك أي عوائق أو مشاكل تحتاج إلى علاج.
اختبر شرشر أكثر من 2000 عينة من 60 مشاركاً باستخدام ثلاثة مقاييس، وهي السعة الحيوية القسرية، وحجم الزفير القسري في ثانية واحدة، وتدفق الزفير الأقصى. وقد بلغت دقة قياس السعة الحيوية القسرية وحجم الزفير القسري في ثانية واحدة 99.7% في حالة التصوير بكاميرا الهاتف المتحرك و100% في حالة التصوير بالكاميرا الحرارية، بينما بلغت دقة قياس تدفق الزفير الأقصى 97.14% في حالة استخدام كاميرا الهاتف المتحرك و96% في حالة الكاميرا الحرارية.
هذا هو بالضبط نوع التأثير الذي كان شرشر يأمل في تحقيقه، حيث قال متحدثاً عن بحثه قُبيل حفل التخرج في الجامعة لعام 2024: “كنت أريد تطوير نماذج يمكن استخدامها في البلدان النامية التي لا تتوفر فيها وحدات معالجة الرسوميات وما شابه ذلك، بحيث تتمكن هذه البلدان من الاستفادة من التكنولوجيا المتاحة”.
الاستدامة جانب آخر يدفع شرشر إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي صغيرة تكون في متناول الجميع – وعن هذا الجانب يوضح أن: “النماذج الصغيرة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة أثناء التدريب.. ويعد هذا أمرا جيداً للبيئة باعتبار ما لهذه التكنولوجيا من آثار سلبية عليها لا تحتم علينا ضرورة العمل على الحد من أثرها فحسب، بل كذلك ضرورة الحفاظ على بعض الموارد الطبيعية التي لا يمكننا إنتاجها؛ ولذا من الحكمة أن نضحي أحياناً بالقليل من الدقة في الأداء مقابل تحسين كفاءة الطاقة”.
ويؤكد شرشر، في هذا الصدد، أنه يشعر أن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تدعمه في هذا الاتجاه من خلال بحثها باستمرار عن حلول لمشكلة استهلاك الطاقة في مجال الذكاء الاصطناعي – وعن هذه الجهود يقول: “تضم الجامعة عدداً كبيراً من الأساتذة الذين يعملون على نماذج لترشيد الطاقة ويفكرون في الجانب البيئي، بالإضافة إلى الجوانب الأخلاقية: مثل إتاحة نماذج ذكاء اصطناعي جيدة للجميع بشكل عادل.. ومن الرائع – حقاً – أن نرى الجامعة تفكر بهذه الطريقة”.
كما يشير شرشر، في سياق متصل، إلى أن الخبرة الواسعة التي يتمتع بها أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة تشكل مصدر إلهام له في تطلعاته المستقبلية، قائلاً: “عندما أنظر إلى أساتذة الجامعة وأعمالهم وأفكارهم، أرى تنوعاً كبيراً.. وهم يعملون على جميع جوانب الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن يفكر فيها المرء.. والجامعة تغطي جوانب كثيرة وتعمل على تطويرها في الوقت نفسه، ما يجعلها مكاناً رائعاً للتعلم”.
ويختتم شرشر كلامه بالحديث عن تطلعاته المستقبلية قائلاً: “أريد مواصلة العمل في مجال البحوث، ولكن مع التركيز على التكيف، لأن مجال الذكاء الاصطناعي يشهد تطورات متسارعة تتغير معها اهتمامات الأفراد. وصلنا الآن إلى الذروة في مجال النماذج اللغوية الكبيرة، ولكن هذه الذروة قد تنتهي خلال خمس أو عشر سنوات. فمن يعمل في مجال النماذج اللغوية الكبيرة فقط سيصبح عديم الفائدة في المستقبل؛ لذلك أريد توسيع رؤيتي والعمل على أشياء مختلفة”.
ويضيف: “إذا وصلنا إلى مرحلة يصبح فيها الذكاء الاصطناعي جيداً ومتاحاً للجميع.. فأود حينها التعمق أكثر في الذكاء الاصطناعي الخالص أو الذكاء الاصطناعي الواقعي.. وهو شيء لم نصل إليه بعد.. ولكنه سيشكل نقطة تحول عندما يحدث في السنوات القادمة.. لذلك أود العمل على ذلك.. أما الآن.. فأمامي عمل كبير أقوم به حتى أجعل الذكاء الاصطناعي متاحاً لكل من يحتاج إليه.. وهذا ما سأركز عليه لبعض الوقت”.
محمد رضوان يشرح كيف يساعد نموذجه التنبئي، HuLP، الأطباء في تقييم كيفية تطور الحالات المرضية بالسرطان لدى.....
اقرأ المزيدوفاء الغلابي وأومكار ثوكار، طالبا الدكتوراه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، يتجهان نحو إحداث تحول.....
يُشبه الرياضيون غالباً "بالآلات التي تعمل جيداً"، ولكننا في الألعاب الأولمبية والبارالمبية نحتفل بإنجازاتهم البشرية الاستثنائية. على.....
اقرأ المزيد