أفق جديد لتشخيص التلعثم في الدول النامية بالذكاء الاصطناعي

Tuesday, July 22, 2025

يُعد التلعثم حالة شائعة نسبياً، ولكنه يبقى دون تشخيص ودون علاج في الكثير من الدول النامية. هذا الأمر دفع هاواو تويين، طالبة الدكتوراة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إلى التركيز في مشروعها البحثي على توظيف الذكاء الاصطناعي في تشخيص حالات التلعثم وتقييمها وتصحيحها، رغم أنها لم تكن خلال سنوات نشأتها تعتبر التلعثم شكلاً من أشكال الإعاقة، حيث تقول: “كُنت في صِغري أعرف شخصاً يتلعثم. ولكننا في ثقافتي لا نعتبر التلعثم أمراً يستدعي العلاج. بعض الأطفال قد يتلعثمون، ونرى أن ذلك أمر طبيعي”.

تهدف تويين في بحثها إلى التوعية بأهمية علاج اضطرابات النطق، خاصةً في المناطق التي تندر فيها خدمات علاج أمراض النطق والكلام.

تسخير الذكاء الاصطناعي لخير البشرية: من الفكرة إلى التطبيق

اكتشفت تويين وجود فرصة لإجراء بحوث حول تسخير الذكاء الاصطناعي في معالجة التلعثم أثناء دراستها الماجستير في قسم تعلم الآلة بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. وأدركت منذ البداية أن هذا المجال يمكن أن يحقق أثراً حقيقياً وملموساً.

دخلت تويين الآن العام الثاني من دراسة الدكتوراة في مجال معالجة اللغات الطبيعية، وهي تتعاون مع مركز “سبيش كير” في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومع مشرفتها الأكاديمية الدكتورة حنان الدرمكي، مديرة مركز التعلّم والتعليم والأستاذة المساعدة في قسم معالجة اللغات الطبيعية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. ويعمل الفريق معاً على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي تساعد في تشخيص اضطرابات النطق وعلاجها بشكل أسرع وأسهل، وفي مقدمتها التلعثم.

فهم التلعثم وآثاره

التلعثم، بحسب تعريف الجمعية الوطنية الأمريكية للتلعثم، هو “نمط في الكلام يتضمن انقطاعات لا إرادية، أو يتسم بعدم الطلاقة في انسياب الكلام”. ويعاني حوالي 1% من سكان العالم من هذه المشكلة. وترتفع هذه النسبة إلى حوالي 5% بين الأطفال بين عمر السنتين والخمس سنوات، ولكن الكثيرين منهم يتخلصون منها مع نموهم الطبيعي.

وتؤكد جيسي أندرسون، المحاضِرة في جامعة تشارلز ستورت وأخصائية علاج أمراض النطق والكلام، أن عدم تشخيص التلعثم وعلاجه يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياة الإنسان، ولهذا فهي تؤيد الاستعانة بالتكنولوجيا المناسبة في هذا المجال حيث تقول: “معظم الأطفال يتخلصون من التلعثم مع نموهم الطبيعي وتطور قدراتهم، تبعاً لنوع التلعثم وسببه. ولكن استمراره هذه الحالة قد يؤثر تأثيراً كبيراً على جوانب مختلفة من حياة الفرد، بما في ذلك تعليمه وتطوره المهني وعلاقاته الاجتماعية. فقد يواجه مشاكل في التواصل وتكوين العلاقات، وقد يتراجع تقديره لذاته أو ينعزل عن محيطه الاجتماعي”.

عوائق التشخيص: توفر البيانات وتعقيدها

تركّز تويين حالياً على مرحلة جمع البيانات، التي تصفها بأنها تحدٍّ كبير. وتضيف قائلةً: “نجمع البيانات من جميع أنحاء العالم. الحصول على البيانات الطبية أمر مكلف، كما أنها تفتقر إلى التصنيف الصحيح. فنحن بحاجة لملاحظات دقيقة من الأطباء أنفسهم لبناء نظام ذكاء اصطناعي فعال”.

وتوضح أندرسون أن التلعثم يتخذ أشكالاً متعددة، منها التوقف المفاجئ والتكرار وإطالة الصوت. ويتعين على أخصائي علاج النطق ملاحظة المرضى على مدار فترة زمنية باستخدام التسجيلات الصوتية والمرئية لتقييم الأنماط، مضيفة: “التشخيص يتطلب تقييم الكلام المسموع وعوامل إضافية مثل العوامل الوراثية، والمشاكل العصبية كالسكتة الدماغية وتشنج عضلات الوجه أو حركتها، والأسباب النفسية مثل الصدمات”.

المشاركة في المؤتمر الدولي لعلوم الكلام وتقنياته 2025

ستعرض تويين وفريقها أحدث أبحاثهم بعنوان “استخدام الملاحظات الطبية في التقييم الآلي لحدة التلعثم” في المؤتمر الدولي لعلوم الكلام وتقنياته (Interspeech) 2025، الذي سيُعقد في مدينة روتردام الهولندية خلال الفترة من 17 إلى 21 أغسطس. وتسلط ورقتهم البحثية الضوء على أهمية البيانات النظيفة والمصنفة بدقة لبناء نماذج ذكاء اصطناعي فعّالة.

تقول تويين في سياق حديثها عما أنجزه الفريق حتى الآن: “أخذنا بيانات موجودة من بودكاست ووضعنا لها أوصافاً صحيحة. بعض التسجيلات لا تتجاوز بضع ثوانٍ، وهي مدة غير كافية لكي يتمكن الإنسان من تقييم نوع التلعثم، لكن عند دمجها مع بيانات أخرى، قد يتمكن النموذج من التعميم”.

وعند جمع كمية كافية من البيانات، سيتم تدريب نموذج باللغة الإنجليزية وإعادة تدريبه دورياً لاكتشاف الأنواع المختلفة من التلعثم ودرجة حدته. وستكون الخطوة التالية اختبار مدى كفاءة أداء النموذج في مختلف اللهجات الإنجليزية، مع السعي على المدى الطويل لشمول لغات أخرى، ولا سيما اللغة العربية.

اللغة العربية ورد الجميل

على الرغم من أن تويين لا تتكلم اللغة العربية، فقد شرعت في معالجة اللغة العربية بالذكاء الاصطناعي أثناء دراسة الماجستير من خلال ورقة بحثية مشتركة بعنوان “ArTST: محوِّل للنصوص والكلام باللغة العربية“. وقد فازت هذه الورقة بجائزة أفضل ورقة بحثية في مؤتمر معالجة اللغة العربية بالذكاء الاصطناعي 2023. وبعد عامين، قُبِلت ورقة بحثية مكملة بعنوان “تغطية اللهجات والتعميم في التعرف على الكلام باللغة العربية” في مؤتمر جمعية اللغويات الحاسوبية الذي عُقد في فيينا خلال الفترة من 27 يوليو إلى 1 أغسطس، وهو أهم مؤتمر في مجال معالجة اللغات الطبيعية. ويمثل هذا البحث ثمرة تعاون كبير مع الدكتورة حنان الدرمكي وطالب الدكتوراة أميربك جانيبيكوف. وتدعم أحدث النماذج التي طورها الفريق مجموعة متنوعة من اللهجات العربية وحالات التناوب اللغوي مع لغات أجنبية، وهي متاحة على منصتي “GitHub” و”Hugging Face“.

تقول تويين إن الدكتورة الدرمكي، وهي أول عضو إماراتي في الهيئة التدريسية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، كانت مصدر إلهامها وقدوتها في العمل، حيث سبق لها العمل معها كباحثة مساعدة في مختبر النطق خلال الصيف الماضي. وتضيف قائلة: “العمل على تطوير تكنولوجيا كلام تدعم اللغة العربية ولهجاتها المتنوعة هو طريقتي لرد الجميل لدولة الإمارات العربية المتحدة”.

دافع أكاديمي وهدف عالمي

تشير تويين إلى أنها أول مهندسة في عائلتها، وهي حتى الآن تواجه صعوبة في شرح طبيعة عملها لوالديها، مضيفة: “أريد أن تفهم عائلتي الفوائد التي سيحققها عملي للمجتمع”. فهي تسعى إلى إجراء بحوث لا يقتصر أثرها على إثراء الفهم الأكاديمي فحسب، بل ويمكن نشرها للجمهور بشكل عام بطريقة يستفيد منها. وهذا هو ما يحفزها على مواصلة العمل، حيث تتخيل نفسها تعمل مستقبلاً في مجال البحوث الأكاديمية أو الصناعية.

تُبرز رحلة تويين في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي طبيعة المناهج الدراسية والبحوث فيها التي تجمع بين مختلف تخصصات الذكاء الاصطناعي، حيث درست في البداية تعلم الآلة تحت إشراف متخصصين في الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية، قبل أن تبدأ التحضير للدكتوراة في معالجة اللغات الطبيعية. ومنذ تخرج أول دفعة من طلاب الجامعة في عام 2022، تُعد تويين واحدة من 69 خريجاً اختاروا البقاء ومواصلة دراسة الدكتوراة في الجامعة نفسها.

كما أصبحت تويين عضواً في المجلس الاستشاري لخريجي الجامعة، حيث تكرس خبراتها في توجيه الطلاب الآخرين، وتخبرهم عن مبدئها في الحياة الذي يدفعها دائماً لاكتساب المزيد من المعرفة والمهارات: “خير لك أن تمتلك شيئاً ولا تحتاجه من أن تحتاجه ولا تجده”.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Friday, July 25, 2025

الإبداع الموسيقي والتكنولوجيا في خدمة تطور الذكاء الاصطناعي وتعزيز تقدمه

بفضل نهجه غير التقليدي ونظرته غير الاعتيادية للذكاء، يفتح البروفيسور شِيَا أفقاً جديداً أمام تطوير الذكاء الاصطناعي.....

  1. الموسيقى ,
  2. هيئة تدريسية ,
  3. الإبداع ,
  4. الباكلوريوس ,
  5. الذكاء ,
  6. الروبوتات ,
  7. تعلّم الآلة ,
اقرأ المزيد