يُعرف جيفري هينتون في أوساط العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي بأنه “الأب الروحي للذكاء الاصطناعي”، وقد حصل مؤخراً على جائزة نوبل في الفيزياء تقديراً لمساهماته في تطوير التعلم العميق والشبكات العصبية التي تدعم كثيراً من تطبيقات الذكاء الاصطناعي المنتشرة على نطاق واسع اليوم، ومن بينها النماذج اللغوية الكبيرة مثل “تشات جي بي تي”.
ولكن هينتون لا يحظى بنفس القدر من الاحترام في مجال طب الأشعة، وربما يكون أكثر ما يُعرف به في هذا المجال هو تنبؤه في عام 2016 بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستحل محل أطباء الأشعة، حيث قال في مؤتمر في تورنتو إنه “يجب التوقف عن تدريب أطباء الأشعة”.
صحيح أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الطب زاد بعد أن أطلق هينتون تصريحه هذا قبل ثماني سنوات، ولكننا لم نصل حتى الآن إلى مرحلة يمكن فيها الاستغناء عن أطباء الأشعة نتيجة لتطور الشبكات العصبية الاصطناعية. بل إن هناك في الواقع نقصاً في أعداد أطباء الأشعة في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ما يزيد من الطلب عليهم. ويعتقد بعض الأطباء أن تصريحات هينتون ربما ساهمت في ابتعاد طلاب كليات الطب عن هذا التخصص.
يرى محمد رضوان، وهو طالب دكتوراة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أن تقديم أفضل رعاية للمرضى في المستقبل لن يتحقق من خلال الاستغناء عن الأطباء واستخدام الذكاء الاصطناعي كبديل لهم، بل من خلال تطوير تكنولوجيا تعزز التعاون بين الطبيب والآلة، حيث يقول: “بدلاً من النظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره منافساً للطبيب، نريد أن تتوفر لدى الطبيب أدوات تساعده على أداء عمله بشكل أفضل”.
وقد طور رضوان وزملاؤه من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مؤخراً نظاماً جديداً مبتكراً أسموه “التنبؤ بمشاركة البشر” (Human-in-the-Loop for Prognosis (HuLP)) لمساعدة الأطباء على تقييم مدى تقدم السرطان لدى المرضى، حيث يوفر النموذج للمستخدمين معلومات حول كيفية وضع تنبؤاته ويسمح لهم بالتدخل وتصحيحها إذا كانت غير دقيقة. ويوضح رضوان الهدف من ذلك بقوله: “نأمل أن نتمكن من تعزيز التعاون بين الطبيب والذكاء الاصطناعي”.
عرض الفريق عمله في المؤتمر الدولي السابع والعشرين لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب الذي عقد في شهر أكتوبر بمدينة مراكش في المغرب.
التنبؤ بمآل المرض
في حالة التشخيص، يكون التركيز على الوضع الحالي للمرض. أما في حالة التنبؤ، فيكون التركيز على مآل المرض في المستقبل. والتنبؤ الدقيق يساعد الأطباء على إعطاء الأولوية في تقديم الرعاية للمرضى ذوي الحالات الأخطر. كما أنه يساعد المرضى على اتخاذ القرارات بشأن العلاج الذي يريدونه، حيث يتعين عليهم في كثير من الأحيان التفكير في الآثار الجانبية للعديد من علاجات السرطان.
وكما في جميع حالات التنبؤ بالمستقبل، فإن وضع تنبؤ دقيق لمآل المرض يمثل تحدياً كبيراً، لأن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على مساره. فالأطباء اليوم يراجعون أحدث الأدبيات العلمية، ويحللون بيانات المرضى (بما في ذلك التاريخ الطبي وصور الأورام) ويستخدمون أدوات إحصائية تعالج البيانات لمساعدتهم على وضع توقعات.
ولكن هذا النهج يتطلب من الأطباء جمع كمية هائلة من المعلومات ويستغرق وقتاً طويلاً. في المقابل، يوضح رضوان أن نماذج الذكاء الاصطناعي تتميز بقدرتها على استيعاب قدر كبير من المعلومات. علاوة على ذلك، لا تتوفر للأطباء في بعض مناطق العالم إمكانية الوصول إلى أحدث الأدبيات الطبية والموارد الأخرى. ونماذج الذكاء الاصطناعي التنبُئي يمكن أن تساعد الأطباء في المستشفيات الكبيرة والعيادات النائية على حد سواء.
إشراك البشر في التنبؤ
استُخدم التعلم العميق سابقاً للتنبؤ بمآل السرطان، ولكن هذه الأنظمة التي توصف بأنها “صندوق أسود” تقدم تنبؤات لا يمكن للبشر تفسيرها، أي أنها لا تبين كيفية وصولها إلى قراراتها. وفي هذا الصدد يشير رضوان إلى أنه في نهج التعلم العميق النموذجي، يتعين على المستخدم أن يقبل التنبؤ كما هو، مؤكداً أننا نحتاج لفهم الأساس الذي بنى عليه النموذج التنبؤ.
في نظام التنبؤ بمشاركة البشر، يجري التنبؤ أولاً بالخصائص التشخيصية للمرضى، بما في ذلك حالة السرطان لديهم وفقاً لنظام تصنيف السرطان على أساس الورم والعقد والانتشار، وهو معيار عالمي لتقييم انتشار المرض. ويستخدم النظام هذه الميزات للتنبؤ بمآل المرض ويمنح الأطباء فرصة للتدخل في التنبؤات وتصحيحها إذا كانت خاطئة، مما يؤدي إلى تحسين التنبؤات.
اختبر رضوان وزملاؤه أداء نظام التنبؤ بمشاركة البشر على مجموعة بيانات لسرطان الرئة اسمها ChAImelon مع مشاركة البشر ودون مشاركتهم. وعندما أتيحت للأطباء فرصة للتعاون مع النموذج، تحسنت قدرته على التنبؤ بشكل دقيق بنسبة 11%.
ردم الفجوات
على الرغم من أن العيادات اليوم تجمع كميات هائلة من البيانات من المرضى، ما زالت هناك معلومات ناقصة من السجلات في كثير من الأحيان، وهذا يشكل تحدياً في وجه تحليلها باستخدام أنظمة تعلم الآلة. أحد الأساليب المستخدمة لردم هذه الفجوات هو الاستبدال التقديري البسيط، حيث تُستخدم طريقة مختارة لتقدير القيم الناقصة في مجموعة البيانات وإضافتها. ولكن الأطباء لا يحلون المشكلة بهذه الطريقة، كما يوضح رضوان.
عندما تكون هناك بيانات مهمة ناقصة من السجل، يلجأ الطبيب عادة إلى صور الأشعة لجمع المزيد من المعلومات حول حالة المريض ويستخدمها لوضع التنبؤ. ونظام التنبؤ بمشاركة البشر يحاكي هذا النهج. فبدلاً من ردم الفجوات في البيانات عبر الاستبدال التقديري البسيط، يستخدم هذا النظام شبكة عصبية لتحليل صور الأشعة وتوليد قيم للمعلومات الناقصة. وبعد اكتمال السجلات، يعالجها لوضع تنبؤ. ويتحدث رضوان عن ذلك قائلاً: “حاولنا محاكاة طريقة عمل الطبيب، ونعتقد أن هذا يمكن أن يعزز الثقة في أدوات الذكاء الاصطناعي ويقلل من مقاومتها في العيادات”.
ذكاء اصطناعي مفيد
يقول رضوان إن الهدف من عمله هو تطوير طرق لاستخدام التكنولوجيا يمكنها تحسين حياة الإنسان. فالتركيز على التفاصيل الفنية للذكاء الاصطناعي قد يجعل من الصعب رؤية تأثيره المباشر على حياة الناس، مؤكداً أن “المشاريع التي تهدف لتحسين حياة الناس أهم بكثير”.
ويختتم رضوان حديثه قائلاً: “يكثر الحديث اليوم عن الذكاء الاصطناعي، ولكن هناك في الوقت ذاته خشية كبيرة منه. بدلاً من القول إن الذكاء الاصطناعي جيد بالمطلق أو سيء بالمطلق، لنحاول فهم سبب مقاومة بعض الناس له وتطوير أنظمة مفيدة للجميع”.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....