يُعدّ تخطيط صدى القلب من أكثر اختبارات صحة القلب شيوعاً، حيث يعتمد عليه أطباء القلب منذ عقود من الزمن ويجرونه بشكل متكرر لتقييم وظائف القلب دون تدخل جراحي. ولكن على الرغم من سهولة إجراء هذا التخطيط، فإن تحليل نتائجه يستغرق وقتاً طويلاً، والوقت ثمين في المستشفيات والعيادات المزدحمة في جميع أنحاء العالم.
نجح مؤخراً علماء في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في تطوير نهج جديد يقوم على التعلم العميق ويسمح بتقدير القياسات المهمة من تخطيط صدى القلب بسرعة ودقة. وقد رُشح البحث الذي قاده فاديلا آدمسياه ماني، الباحث المساعد في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، لجائزة أفضل ورقة بحثية ولجائزة أفضل ورقة بحثية لعالم شاب في المؤتمر الدولي السابع والعشرين لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب الذي عُقِد في أكتوبر في مراكش بالمغرب.
يرسل جهاز تخطيط صدى القلب موجات فوق صوتية عبر الصدر، وتُحوَّل هذه الموجات إلى صور تسمح للطبيب بمشاهدة حجم القلب وبنيته ونبضه بشكل مباشر. وأحد القياسات الرئيسية في تخطيط صدى القلب هو الكسر القذفي للبطين الأيسر، الذي يشير إلى قدرة القلب على ضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم.
لحساب الكسر القذفي، يقيس الأطباء حجم البطين الأيسر عند امتلائه بالدم وعند انقباضه، ثم يطبقون صيغة حسابية تحدد كمية الدم التي تُضخ مع كل نبضة. هذا القياس يعطي الأطباء فكرة عامة عن صحة القلب، ويمكن استخدامه أيضاً لمعرفة احتمال إصابة المريض بقصور القلب.
على الرغم من مهارة أطباء القلب في قياس الكسر القذفي، إلا أن هذه التحليلات تستغرق وقتاً. وهذه مشكلة يسعى ماني وزملاؤه إلى حلها، حيث يقول: “إذا تمكنا من حل هذا النوع من المشاكل باستخدام تعلم الآلة، فيمكننا مساعدة الأطباء في عملهم وتحسين الرعاية المقدمة للمرضى. هذه الأنظمة قد تكون مفيدة بشكل خاص في أماكن مثل بلدي إندونيسيا، حيث يضطر المرضى في كثير من الأحيان إلى الانتظار فترة طويلة لتلقي الرعاية.”
صمم الباحثون سابقاً أنظمة تقدّر الكسر القذفي بناءً على تخطيط صدى القلب، ولكن ماني وزملاءه وجدوا مجالاً للتحسين. على سبيل المثال، كان هناك نهج سابق يقوم على التعلم العميق ويسمح بتحديد حالات ضعف الكسر القذفي، ولكن طريقة وصول النظام لهذه النتائج تحد من أدائه وإمكانية تطبيقه على مجموعات بيانات أخرى.
عند تصميم تطبيق لتعلم الآلة، تُترجم البيانات التي يجري تحليلها إلى تمثيلات تُرسم فيما يسمى بفضاء التمثيل، وهو فضاء افتراضي متعدد الأبعاد تتجمع فيه نقاط البيانات المتشابهة قريباً من بعضها، بينما تتباعد النقاط المختلفة. وهذا هو الهدف.
ولكن نماذج تخطيط صدى القلب السابقة لم تكن تنظم البيانات بهذه الطريقة. يوضح ماني ذلك قائلاً: “كانت التمثيلات مشتتة، وكنا نفترض أن هذا الأمر ناجم عن نظرة النماذج أثناء التدريب إلى خصائص ليس لها علاقة بالوضع الصحي للمريض. فربما كانت النماذج تنظر إلى المعلومات الديموغرافية للمرضى وأنواع الأجهزة المستخدمة لتخطيط صدى القلب، ما قد يؤدي إلى تحيزات في النتائج”.
لحل هذه المشكلة، عمد ماني وزملاؤه إلى تقليل اعتماد نموذجهم على الخصائص التي ليس لها علاقة بالوضع الصحي للمريض. كما استخدموا أسلوباً يُسمى بالتعلم التبايني يُنشئ علاقات بين أزواج من البيانات بشكل يؤدي إلى تعزيز الارتباط بين التمثيلات المتشابهة وإضعاف الارتباط بين التمثيلات المختلفة. في هذه الحالة، تم تجميع مخططات صدى القلب التي تمثل حالات كسر قذفي متشابهة، مما أدى إلى تعزيز الارتباط بينها.
أطلق ماني وزملاؤه على نهجهم في التعلم العميق اسم CoReEcho (تخطيط صدى القلب التمثيلي المستمر). ويقوم هذا النهج بمعالجة مقاطع فيديو تخطيط صدى القلب. كانت الطرق السابقة تحلل لقطات فردية مختارة من مقاطع الفيديو، ولكن النتائج لم تكن مثالية كما يقول ماني: “لا تقدم صور تخطيط صدى القلب نتائج واضحة”، مضيفاً أن تحليل مقاطع الفيديو يعطي نتائج أفضل لأن: “إعطاء النموذج لقطات ثابتة فقط يمكن أن يربكه بسبب عدم ظهور بعض أجزاء القلب في اللقطات الفردية”.
يمكن أن تلعب تطبيقات تعلم الآلة دوراً رئيسياً في تقديم الرعاية للمرضى في السنوات القادمة، ولكن غالباً ما يصعب إيجاد البيانات اللازمة لتدريب هذه التطبيقات نتيجة للقيود المفروضة على معلومات المرضى بسبب مخاوف الخصوصية، أو نتيجة لعدم تجميع هذه البيانات في مجموعات بيانات كبيرة. يقول ماني في هذا الصدد: “تمثل محدودية البيانات تحدياً كبيراً في جميع مشاكل التصوير الطبي تقريباً. وعندما نطور تطبيقات لهذا النوع من المهام، نحتاج لتطوير أساليب تعلم عميق تعمل على بيانات محدودة”.
نظراً لأن البيانات المتاحة لتدريب النماذج المستخدمة في الطب محدودة غالباً، يجب على العلماء اختيار بنية مناسبة تسمح بالتعلم من البيانات المحدودة. لذلك يستخدم نهج تخطيط صدى القلب التمثيلي المستمر أداة لاستخراج الخصائص والتعلم العميق تتكون من شبكة عصبية ترشيحية مع محول رؤية، ما يسمح بالاستفادة من نقاط القوة في هاتين البنيتين المختلفتين، حيث تتميز الشبكات العصبية الترشيحية بقدرتها على تحديد العلاقات ضمن البيانات، وهو أمر مهم في تخطيط صدى القلب. كما استفاد ماني وزملاؤه من قدرة هذه الشبكات على تعميم هذه العلاقات المحلية، وهي ظاهرة تُعرف باسم التحيز الاستقرائي وتكون مفيدة في حالة محدودية البيانات. أما المحوِّلات، فتتمتع بالقدرة على فهم العلاقات العامة في البيانات، المعروفة باسم التوابع طويلة المدى، ما يجعلها مناسبة لمعالجة مقاطع الفيديو. تحدد أداة استخراج الخصائص الأجزاء الرئيسية من مخطط صدى القلب، بينما يقوم رأس بيرسيبترون متعدد الطبقات بتقدير الكسر القذفي.
استخدم الباحثون مجموعة بيانات اسمها EchoNet-Dynamic وقسّموها إلى مجموعات فرعية للتدريب والتحقق والاختبار. وبعد تدريب نموذجهم، أجروا مقارنة بين أدائه وأداء أحدث نهج حالي، وهو EchoCoTr الذي طوره أيضاً باحثون من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. أظهرت هذه المقارنة أن النهج الجديد يقدم أداءً أفضل من النهج الحالي بمتوسط خطأ مطلق قدره 3.90 ومعامل تحديد قدره 0.82.
استغرق تدريب النموذج أربع ساعات، وأعطى أثناء اختباره نتائج خلال ست ثوانٍ تقريباً، ما يجعله مناسباً للاستخدام في العيادات التي تتميز بوتيرة عمل سريعة.
يقول ماني إنه وزملاءه يخططون لمواصلة هذا العمل وتعديل نموذجهم حتى يتمكن من معالجة أنواع مختلفة من البيانات، مثل السجلات الصحية الإلكترونية، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو.
وبشكل عام، يؤكد ماني أنه تعلم دروساً مفيدة حول كيفية تصميم نماذج التعلم العميق في المستقبل: “من خلال تصميم نموذج يمكنه تعلم التمثيلات المهمة، يمكننا تحسين أدائه وإمكانية نقله. وإذا كان النموذج يحتوي على تمثيلات مفيدة، فيمكننا تطبيقه على مجموعة بيانات أخرى مأخوذة من مستشفى أصغر مثلاً، حيث يُرجح أن يكون أداؤه عليها جيداً أيضاً”.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....