هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في خفض الارتفاع الخطير لدرجات الحرارة في مدننا؟

Wednesday, November 29, 2023

حذر السيد أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، خلال الندوة الصحفية عن المناخ التي عقدها نهاية يوليو 2023، تزامناً مع حرائق اليونان وكندا التي التهمت مساحات كبيرة من الغابات، من أن البشرية قد أصبحت على ’ صفيح ساخن‘، قائلاً: “إن التغير المناخي أصبح واقعاً.. وهو مُرعب.. وما نعيشه الآن هو مجرد بداية.. انتهى عصر الاحتباس الحراري العالمي.. وبدأ عصر الغليان العالمي.. الهواء غير صالح للتنفس.. والحرارة لا تطاق.”

رغم أن بقاعاً من كوكب الأرض تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية (7.2 فهرنهايت) بمعدل يفوق المتوسط، إلا أن آثار التغيرات المناخية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط – المنطقة التي ترتفع فيها درجات الحرارة بمعدل ضعف المتوسط العالمي – تطرح بعضاً من أخطر التهديدات على الصحة العامة.

وحسب ما جاء في تقرير معهد ماكس بلانك للكيمياء ومعهد قبرص الصادر قُبيل انعقاد مؤتمر الأطراف ’كوب 27‘: “فإن الظواهر الجوية القاسية غير المسبوقة وذات التداعيات المدمرة على المجتمع، بما فيها موجات الحَرِّ، والجفاف والعواصف الترابية، والأمطار الغزيرة، ستصبح عمَّا قريب واقعاً معاشاً ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية وطموحة وعابرة للحدود للحد من آثار التغيرات المناخية”.

التعاون بين آي بي إم وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

د. فهد خان

%first-paragraph%

وفي سياق متصل، ذكر معالي الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف ’كوب 28‘، ورئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي: 'إن الطريقة الوحيدة لتحقيق الحياد المناخي، تَكمُنُ في توظيف التقنيات والابتكارات الثورية التي تعيد جذرياً صياغة طرق وأساليب إنتاجنا واستهلاكنا للطاقة - وتسخير البيانات الضخمة للمساعدة في دفع عملية صنع القرارات وحل المشكلات بفعالية أكثر'.

ومن جانبه، أضاف أرفيند كريشنا، رئيس مجلس إدارة شركة آي بي إم ورئيسها التنفيذي قائلاً: “إن التعاون بين آي بي إم وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، سيعزز من قدرات الذكاء الاصطناعي لمعالجة بعض القضايا الأكثر إلحاحاً في عصرنا بما فيها تحقيق استراتيجيات الاستدامة والحياد المناخي”.

تأثير الجزر الحرارية الحضرية

إحدى الطرق التي يأمل من خلالها “مركز التميز للذكاء الاصطناعي” تحفيز عملية اتخاذ إجراءات تكون مؤثرة تمر أولا، وقبل كل شيء، بالمراقبة الفعالة للتغيرات المناخية، ووضع نماذج لها، ومرئيات يمكن لصناع القرار اعتماد بياناتها الدقيقة والاستفادة منها في عملية تسريع صنع القرار، خاصة في الحالات التي يتعلق فيها الأمر بتأثير الجزر الحرارية الحضرية التي تعد شكلا من أشكال التغيرات المناخية الخطيرة.

خريطة أبوظبي توضح درجات حرارة سطح الأرض

ويقود هذه الجهود البحثية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كل من الدكتور فهد خان، نائب رئيس وأستاذ في قسم الرؤية الحاسوبية، وزميله الدكتور سلمان خان، أستاذ مشارك في قسم الرؤية الحاسوبية، ومن شركة آي بي إم الدكتور ليفينتي كلاين، عضو فريق البحث في قسم الذكاء الاصطناعي.

وعن هذه الجهود البحثية، أوضح الدكتور فهد خان بالقول: “هدفنا هو تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تأسيسية ذات طابع عام صالحة للعالم برمته. كما نسعى إلى تطوير حلول تتلاءم مع احتياجات الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط حيث تأثيرات التغيرات المناخية ملحوظة بشكل خاص”.

د. سلمان خان

وباعتبارها من أشكال التغيرات المناخية المحدودة مكانياً، فإن ظاهرة 'الجزر الحرارية الحضرية' تحدث في المناطق التي تم تطويرها بشكل كبير حيث المواد غير المنفذة كالخرسانة والأسفلت تمتص ما يتراوح بين 80 و95% من الإشعاع الكهرومغناطيسي للشمس قبل عكسه مجدداً نحو الغلاف الجوي، مما يزيد ارتفاع درجة حرارة الأسطح، والهواء، ويفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. وتحتفظ، نتيجة لهذه الظاهرة، الأسطح في المدن مثل الطرقات والأسطح عموماً بسخونتها لفترة أطول، مما يؤدي إلى زيادة الحاجة إلى أجهزة تكييف الهواء التي تستنزف الطاقة في ساعات الذروة لفترة طويلة حتى بعد انخفاض درجات الحرارة في المناطق الريفية.

ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الوفيات

لم يفرض ارتفاع درجات الحرارة في المدن ضغطاً إضافياً على شبكات توزيع الكهرباء، بل تبين أيضاً وبشكل متزايد أنه مميت؛ ففي يوليو 2022، على سبيل المثال، أودى ارتفاع درجات الحرارة بحياة 11,637 شخص في أوروبا خلال أسبوع واحد. كما أشارت تقارير أخرى أن متوسط الوفيات السنوي المرتبط بارتفاع درجات الحرارة في الولايات المتحدة قد ارتفع بنسبة 95% بين عامي 2010 و2022. وتوقعت التقارير ذاتها أن عدد سكان المدن سيتضاعف بحلول عام 2050، وسيشكل هؤلاء في هذا التاريخ نسبة 70% من سكان العالم.

كما تتوقع، في هذا السياق، “Cool Cities Network” – المؤسسة التي تهدف إلى الحد من مخاطر موجات الحرارة وتأثير الجزر الحرارية الحضرية وما يمكن للمدن أن تحققه من وراء ذلك من مكاسب على مستويات الاقتصاد والطاقة والصحة والبيئة والمجتمع – أن عدد المدن المعرضة لدرجات الحرارة القصوى سيتضاعف بثلاث مرات تقريباً خلال العقود المقبلة، وأكثر من 970 مدينة ستشهد ارتفاعاً متوسطاً لدرجات الحرارة في الصيف يصل إلى 35 درجة مئوية (95 درجة فهرنهايت) بحلول عام 2050.

ولمواجهة مخاطر الجزر الحرارية الحضرية والتخفيف من أثرها، اعتمدت الجهات المسؤولة في المدن استراتيجيات متنوعة من بينها – على الأخص – زيادة “بياض” الأسطح والطرق لزيادة معدل الأشعة الشمسية التي يمكن أن تعكسها. كما أن زيادة المسطحات الخضراء يمكنها أيضاً أن تخفف من أثر الجزر الحرارية، حيث توفر النباتات الظل وتعكس الضوء وتخفض درجات الحرارة من خلال عملية تبريد تبخيرية طبيعية تعرف بـ “النتح”؛ ومع هذا، أظهرت الدراسات، بالنسبة لتأثير المسطحات الخضراء في المدن، أنه متغير للغاية ويتوقف على موقع المدينة الجغرافي وكثافتها وتصميمها وأنماط استخدامات الأراضي فيها.

النمذجة باستخدام بيانات الأقمار الصناعية

ودعماً منهما لجهود التصدي للآثار الجزر الحرارية، يعتمد فريق البحث من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وآي بي إم لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تأسيسية على تحليل بيانات الأقمار الصناعية الحرارية عالية الدقة، لن تكون قادرة فقط على تحديد ورسم خرائط لنباتات معينة، ولكن أيضًا رسم خرائط ونمذجة تأثير الجزر الحرارية لمكان معين في وقت معين، وحتى حساب معدلات الكربون لأنواع معينة من الأشجار والنباتات وكيف تتغير على مدار السنة.

ويوضح الدكتور سلمان خان كيف سيحقق فريق العمل أهدافه البحثية قائلا: “إننا نعتمد على استخدام البيانات المفتوحة المصدر المتاحة للجمهور، إضافة إلى جمع بيانات أخرى عالية الجودة خاصة بدولة الإمارات، ستمكننا من تحديد طبيعة استخدامات الأراضي على أساس كل مبنى على حدة”.

يشار هنا أنه، وبخلاف نماذج الذكاء الاصطناعي المصممة والمدربة على القيام بمهمة محددة، مثل إنتاج نص أو إنشاء صور أو كود، فإن نماذج الذكاء الاصطناعي التأسيسية هي أنظمة مرنة مدربة على بيانات كبيرة من الإنترنت لأداء مجموعة متنوعة ولا نهائية من المهام.

'هدفنا هو تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تأسيسية ذات طابع عام صالحة للعالم برمته. كما نسعى إلى تطوير حلول تتلاءم مع احتياجات الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط حيث تأثيرات التغيرات المناخية ملحوظة بشكل خاص'.

البروفيسور فهد خان
نائب رئيس وأستاذ في قسم الرؤية الحاسوبية، جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

ومن جانبه يوضح، في ذات السياق، د. ليفينتي كلاين من شركة آي بي إم، أن ما يحاول الفريق البحثي تحقيقه بالغُ التعقيد، مشيراً إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي التأسيسية بحاجة إلى استخدام البيانات الدقيقة من المصدر للتعلم؛ وهذا يعني تطوير نموذج قادر على معرفة أنواع الأشجار وتحديدها من حيث ارتفاعها، وسرعة نموها، وطول عمرها، لأن مثل هذه التفاصيل مهمة بالنسبة للمسؤولين عن إدارة المدن وخصوصاً عند قيامهم بوضع استراتيجيات زراعية مستقبلية، هدفها التخفيف من معدل موت الأشجار على نطاق واسع بسبب الجفاف أو الأمراض أو لحساب فعاليتها لمكافحة الجزر الحرارية والتقليل من معدلات الانبعاثات.

ويتابع د. كلاين قائلاً: “هدفنا دعم تحقيق خفض معدلات الانبعاثات، وإذا تمكنا من استخدام الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الاصطناعية لقياس نمو وتطور الغطاء النباتي للمدينة وحساب كمية الكربون التي يتم احتجازها [كل عام]، فإن ذلك سيسهم أيضاً في التقليل من الانبعاثات”.

تسخير البيانات الضخمة للمساعدة في عملية صنع القرار بشكل أكثر فعالية وكفاءة لحل المشكلات المناخية يشكل الهدف الأول لجهود الشراكة البحثية بين الجامعة وآي بي إم. وتشير – في هذا الصدد – الدراسات إلى الحاجة لطرق متطورة لفهم الطبيعة والأنظمة الحية وقياس دورها وقيمتها، والذكاء الاصطناعي يتوفر على الشروط الضرورية لتحقيق هذا المسعى.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Tuesday, November 26, 2024

النماذج اللغوية الكبيرة وفهم انفعالات الإنسان وعواطفه

فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....

  1. التعاطف ,
  2. انفعالات الإنسان ,
  3. معالجة اللغة الطبيعية ,
  4. EMNLP ,
  5. النماذج اللغوية الكبيرة ,
  6. البحوث ,
اقرأ المزيد