نحو ذكاء اصطناعي توليدي موثوق

Thursday, March 23, 2023

لا شك في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو حديث الساعة. ولا بد أنكم سمعتكم به، لا بل من الأرجح أنكم استخدمتموه بالفعل. وربما أنكم تصادفونه في حياتكم اليومية. على سبيل المثال، بدأت شركة جوجل بإكمال رسائلكم الإلكترونية وطلبات البحث تلقائياً، وقد تكون أنظمة ذكاء اصطناعي توليدية مثل Dall-E2، هي التي ابتكرت منشورات الميم التي أعجبتكم أو شاركتموها مؤخراً.

غير أنكم لربما سمعتم أيضاً بأن هذه الأنظمة التوليدية تعيبها شوائب أساسية تحول دون قدرتها على تسليم نتائج حقيقية. فإذا طرحنا سؤالاً على حاسوب تم تدريبه على شبكة الإنترنت الكاملة (مثل ChatGPT4)، سنحصل بالتأكيد على تمثيل دقيق لما يتوفر حول هذا الموضوع على الإنترنت، لكن قد لا تكون هذه الإجابة بالضرورة ما كنّا نبحث عنه وقد لا تمثّل “الحقيقة” كما نعرفها.

المشكلة هي أن تقنية تعلم الآلة تركز بشكلٍ أساسي على التنبؤ، فيما أن ما نحتاج إليه هو الحقيقة.

كون زانغ
أستاذ مشارك في قسم تعلّم الآلة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
وبالطبع يطرح ذلك مشكلة في حياتنا اليومية إذ نسعى إلى تخطي التحديات باستخدام التقنيات المتقدمة. غير أن هذه المشكلة تصبح أكثر إلحاحاً في بعض المجالات، مثلاً بالنسبة للباحثين الذين يحاولون دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الطب. هذا لأن استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الطب يجب أن يأخذ في الاعتبار أهمية وخطورة هذه التطبيقات، إذ تعتمد البحوث في مجالات الطب الأحيائي وتطوير الأدوية والطب المخصص ومستقبل الصحة العامة وغيرها الكثير على موثوقية المعلومات المولّدة ودقتها.

التنبؤ والحقيقة

تكمن المشكلة الأساسية بحسب الباحثين في مجال تعلم الآلة في أننا لا نستطيع أن نعرف بيقين وثقة لماذا تتوصل العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي التنبؤية المتوفرة اليوم إلى النتائج التي تتوصل إليها. على سبيل المثال، إذا طلبنا من النظام تقديم معلومات أساسية حول أنماط الطقس في إندونيسيا أو طلبنا منه ابتكار صورة لقصر بأسلوب هندسي ألماني مبني على كوكب المريخ، لا يمكننا أن نعرف بالتأكيد ما هي الأسباب التي تؤدي إلى النتيجة التي يولدها النظام – فهو بمثابة صندوق أسود نوعاً ما.

ويقول كون زانغ، وهو أستاذ مشارك في قسم تعلم الآلة، في هذا الصدد: “المشكلة هي أن تقنية تعلم الآلة تركز بشكلٍ أساسي على التنبؤ، فيما أن ما نحتاج إليه هو الحقيقة. وعند تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الطب مثلاً، لا تقتصر الحاجة على التنبؤ فحسب. لا بل يجب أن يكون النظام قادراً على التكيف بشكلٍ أكبر جداً وأن يتوصل إلى العلاقات الحقيقية التي تجمع بين مختلف الجينات من أجل تقديم معلومات دقيقة ومفيدة.”

يشغل زانغ منصب مدير مركز الذكاء الاصطناعي التكاملي، ويركز بالتعاون مع زملائه على تغيير هذا الواقع. وهو خبير في مجال السببية، ولاسيما العلاقات السببية التي تكمن وراء البيانات. وقد نشر مع مؤلفين آخرين ورقة بحثية بعنوان: “التقدير القابل للتوسيع لشبكات ماركوف غير المُعامِلية مع بيانات من أنواع مختلفة” تم قبولها في المؤتمر الدولي حول تمثيلات التعلم لعام 2023، حيث سيعرض هو وزملاؤه النتائج التي توصلوا إليها في هذا الشأن.

وبحسب زانغ، إذا أردنا أن نبتكر أنظمة توليدية دقيقة وقوية بما يكفي لمعالجة مجموعات البيانات الكبيرة والمعقدة وغير المتجانسة، علينا أولاً أن نفهم العلاقات السببية بين كل جزء من المعلومات. ومن ثم علينا أن نوسع النظام ليعالج الأشياء التي يتم قياسها، وعددها بالملايين، بطريقة دقيقة وموثوقة. ومتى حققنا ذلك، يمكننا أن نبدأ بالتفكير في استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم مجالات بحوث جديدة وتطوير أدوية جديدة أو معالجة مريض.

ويقول: “إذا اعتبرنا أن المتغيرات تربطها ببعضها علاقات خطية، وهو ما يظنه عدد كبير من الباحثين، قد يؤدي هذا التفكير إلى انحراف النتائج التي يتم التوصل إليها، وهي نتائج لها تأثير على مشاكل حقيقية. ولكن إذا استخدمنا النماذج المرنة، يؤدي ذلك إلى خفض كفاءة عملية التعلم. لهذا السبب، غالباً ما نقول إن التحليل السببي غير قابل للتوسيع. ومن خلال هذا البحث، أظن أننا نساهم بشدة في تمكين توسيع التحليل السببي، وبالتالي تحليل ملايين العلاقات المعقدة.”

التحليل السببي واسع النطاق

يشكل توسيع نطاق فهم العلاقات السببية تحدياً قائماً منذ زمن طويل في مجالات متعددة في قطاعَي العلوم وتعلم الآلة، ويعود ذلك بالأساس بحسب زانغ إلى أنه توجب على الباحثين افتراض ارتباطات بسيطة نسبياً بين المتغيرات، غالباً ما تكون على شكل علاقات خطية يؤدي فيها تحوّل في إحدى المتغيرات إلى تحوّل مباشر ويمكن التنبؤ به في متغير آخر.

لكننا نعلم جميعاً أن الحياة لا يمكن حصرها في مثل هذه الترتيبات البسيطة أو المتغيرات المنفصلة. بعبارات أخرى، إن الفروقات الدقيقة في الجينات والتفاعلات فيما بينها، والتي تؤثر في التعبير الجيني، لا تشبه مفتاح إنارة بسيط بل تشبه إحدى لوحات جاكسون بولوك المعقّدة والمتداخلة.

ويحرص زانغ على التأكيد بأن هذه التفاعلات أساسية في الطبيعة. ولكنها تكتسب بُعداً عميقاً جداً بالنسبة للجهات المهتمة في استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي. وستكون الأنظمة التي تستطيع توضيح العلاقات المعقّدة التي تربط بين ملايين المتغيرات كافية للتعامل مع المرض، وربما قد تضطلع بدور أساسي في تطوير الطب المخصص لكل مريض.

وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر الدولي الحادي عشر حول تمثيلات التعلم لعام 2023 قد قبل حتى الآن 22 ورقة بحثية من تأليف باحثين في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Tuesday, November 26, 2024

النماذج اللغوية الكبيرة وفهم انفعالات الإنسان وعواطفه

فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....

  1. التعاطف ,
  2. انفعالات الإنسان ,
  3. معالجة اللغة الطبيعية ,
  4. EMNLP ,
  5. النماذج اللغوية الكبيرة ,
  6. البحوث ,
اقرأ المزيد