معالجة اللغات الطبيعية في مقدمة اهتمامات جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

Friday, August 26, 2022
WIREDME

نُشر المقال الأصلي على موقع “وايرد الشرق الأوسط “Wired Middle East” بتاريخ 24 أغسطس 2022

بفضل الانتشار الواسع للمساعدين الافتراضيين مثل “مساعد جوجل” و”سيري” و”ألكسا”، بات الكثيرون منا مطّلعين إلى حد ما على مفهوم معالجة اللغات الطبيعية، الذي أصبحت بفضله أدواتنا الجديدة، كثيرة الموارد، قادرة على فهم طلباتنا.

غير أن هذا المزيج من علم اللغويات وعلم الحاسوب  والذكاء الاصطناعي لا يستوجب فهماً كبيراً للّغة في الوقت الحالي، وهذا ما ذكره أحد الخبراء الرائدين في هذا المجال، البروفيسور تيموثي بالدوين.

إذ يتساءل بالدوين: “هل تفهم خدمة “ترجمة جوجل” النصوص التي تترجمها؟ بالطبع لا. فهي ببساطة تملك وسائل قوية جداً لتحديد أنماط التكافؤ الدلالي، للّغتين العربية والإنجليزية مثلاً، بما يخولها العمل ببراعة على جمع معلومات كافية لإنتاج الترجمة”.

ولكن في المستقبل القريب، يعتقد بالدوين أن تقنية الذكاء الاصطناعي قد تصبح متقدمة لدرجة أن الآلات لن تكتفي بفهم الفوارق الدقيقة حتى في أكثر اللغات إبهاماً وفي أقدم اللهجات، بل سيكون بوسعها التعرف إلى المزاح أيضاً.


يُذكر أن بالدوين هو العميد المشارك للشؤون الأكاديمية والطلابية ومدير قسم معالجة اللغات الطبيعية الجديد بالإنابة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر بأبوظبي. ومن المعروف أن الإمارات العربية المتحدة تبنت مفهوم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير. فعلاوة على إطلاق أول جامعة للدراسات العليا مخصصة للذكاء الاصطناعي في العالم، كانت الإمارات أول دولة تعيّن وزير دولة للذكاء الاصطناعي، وهي الآن تنتهج بحماسةٍ استراتيجية تهدف إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في كل المجالات، من الحوكمة والبنية التحتية إلى التجارب الحياتية اليومية لمواطنيها.

وما يثير حماسة بالدوين هو النطاق الواسع من الفرص المتاحة للمساهمة في رسم معالم هذا المستقبل المعزز بالذكاء الاصطناعي. فبعد 17 عاماً أمضاها في جامعة ملبورن، تتركز أبحاثه الأساسية حالياً على التعلم العميق والإنصاف الخوارزمي والعلوم الاجتماعية الحاسوبية وتحليلات وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى حد قوله، “إن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي هي جزء من خطة طموحة للغاية وضعتها حكومة الإمارات العربية المتحدة لتنمية قطاع الذكاء الاصطناعي المحلي في خلال فترة زمنية قصيرة. وهي تهدف لأن تصبح واحدة من أفضل الجامعات في مجال معالجة اللغات الطبيعية في غضون سنة إلى سنة ونصف”.

يتمحور أحد المجالات الرئيسية التي يعمل عليها بالدوين وفريقه حول تطبيق تقنية معالجة اللغات الطبيعية على اللغة العربية. ويلفت بالدوين إلى أن هذا المسعى ينطوي على تعقيدات كثيرة ومتنوعة، ويعود ذلك جزئياً إلى أن اللغة العربية ليست لغة موحدة. فبالإضافة إلى اللغة العربية الفصحى الحديثة، يتحدث أهل مصر والمغرب مثلاً بلهجات عربية مختلفة. وأخيراً، تكثر على وسائل التواصل الاجتماعي اللغات الخاصة المختلطة التي تتأرجح ما بين العربية والإنجليزية. إذ يعتبر بالدوين أن التحدي “يكمن في وضع نماذج قوية بما يكفي لتسهيل فهم الآلة للّغة، على أن تكون مشابهة لما يكتبه الشباب الإماراتي فعلياً في تغريداتهم”.

يقول بالدوين إن طلابه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لا يستفيدون فقط من المنشآت عالمية المستوى ومن المقدرات الفكرية للأكاديميين المحاضرين، بل أيضاً من منهج دراسي يركز على حل مشكلات العالم الحقيقي. ويكمل قائلًا: “تعمل جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مع القطاع المحلي لضمان حصول طلابنا على التأهيل والتدريب الداخلي المناسبين ليكونوا قادرين على المساهمة في تسريع التطور في مجال الذكاء الاصطناعي، ليس من خلال الأبحاث وحدها، إنما أيضاً من خلال إنتاج الذكاء الاصطناعي وتعزيز اقتصاده في الإمارات العربية المتحدة”.

يُذكر أن أحد المجالات الجوهرية لاستخدام تقنية معالجة اللغات الطبيعية هو مساعدة الأطباء على اتخاذ القرارات السريرية السليمة، حيث تُستخدم التقنية بشكل متزايد لجمع البيانات وتفسيرها، وذلك من أجل مساعدة الأطباء على التوصل إلى أفضل علاج للمرضى. ويقول بالدوين بهذا الخصوص: “بعد التشخيص الأولي، يجب على الطبيب اتخاذ القرار الأمثل بناءً على الحالة الخاصة بالمريض. ومن شأن الذكاء الاصطناعي أن يعاين أحدث التجارب السريرية والمؤلفات الطبية ويستخلص منها ما يمكن للطبيب تطبيقه بشكل أسرع. ويمكن لتعلم الآلة معالجة التفاصيل الخاصة بالمريض وآخر التقدمات المحرزة في المجال المعني، وغير ذلك من المعايير، ومن ثم توفير الخيارات المناسبة للخطط العلاجية الأولية. كما يمكنه تحديد المخاطر المحتملة بناءً على الملاحظات السريرية للمريض”.

مع ذلك، ليس الطب هو المجال الوحيد الذي يلاحَظ فيه التأثير المتزايد لتقنية معالجة اللغات الطبيعية. إذ يشير البروفيسور إلى أن التطبيقات التقنية القائمة على اللغة تزدهر في كل المجالات، من روبوتات الدردشة المبهجة على مواقع التجارة الإلكترونية والمصارف، إلى المساعدين الافتراضيين الودودين على الهواتف الذكية. ويقول: “من الصعب اليوم تخيّل العديد من الأدوات التي نستخدمها يومياً من دون تقنية معالجة اللغات الطبيعية”.

ولا بد ن الإشارة إلى أن بالدوين قدّم ثلاثة أبحاث علمية مختلفة توضح نطاق عمله الأكاديمي على هذه التقنية، فضلاً عن حجم التحديات المقبلة، في المؤتمر الأخير لجمعية اللغويات الحاسوبية للعام 2022 الذي انعقد في دبلن، وهو أحد أكبر مؤتمرات الذكاء الاصطناعي لهذا العام.

يحمل بحثه الأول عنوان “المريض ميت أكثر مما هو حيّ: استكشاف الحالة الراهنة لتلخيص مستندات متعددة من المؤلفات الطبية الحيوية”، وهو في هذا البحث يكشف الدرب الطويل الذي لا يزال علينا قطعه قبل أن نتمكن من تحديد الروابط المهمة والإشارات التحذيرية والفرص المتعلقة بتحسين الرعاية الصحية من خلال تقنية التلخيص التلقائي.

على النحو نفسه، يوضح البحث الثاني، الذي أعدّه بالدوين مع 11 مؤلفاً مشاركاً من جميع أنحاء العالم، صعوبة تطوير تقنيات اللغة لأكثر من 700 لغة محلية في إندونيسيا، حيث لا تتوفر البيانات المسمّاة.

وكذلك، يبيّن بحثه الثالث، الذي أنجزه مع مؤلفين مشاركين من جامعة ملبورن، أن اللغة المرجعية عنصرٌ أساسي في ترجمة النصوص الإجرائية، مثل الوصفات وبراءات الاختراع الكيميائية، والنصوص حول عمليات منظمة لتسيير العمل.

وعلى حد قول بالدوين: “من السهل نسبياً تلقين طفل في الخامسة من عمره كيفية تحضير شطيرة بزبدة الفول السوداني، لأنه يفهم ضمنياً كيفية استخدام السكين ويدرك أين يجب دهن الزبدة. لكنه من الأصعب إلى حد ما إخبار الحاسوب بكيفية القيام بذلك بسبب كمية المعرفة الضمنية الموجودة في النص الإجرائي”.

لقد وجدنا أن مصطلحات “الربط” ضرورية لفهم اللغة الإجرائية، وهي أمور نعتبرها من المسلّمات، مثل تغيّر حالة الخبز من رغيف إلى شريحة ومن ثم إلى شطيرة”.

باختصار، يعتقد البروفيسور تيموثي بالدوين أنه يمكننا تزويد الآلة بكمية لا حدود لها من المعلومات الخاصة بالسياق، عندما يتعلق الأمر باللغة البشرية. وهنا يسأل ممازحاً: “كيف يمكننا وصف الدجاجة للحاسوب؟ هل تمشي؟ هل تضع البيض؟ إذا كانت في الفرن، هل تبقى دجاجة أيضاً؟ في النهاية، لا يمكننا أن نرفع سقف ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعله من أجلنا إلا من خلال تزويده بقدر هائل من المعلومات السياقية”.

أخبار ذات صلة