طالما شكّل الدماغ وهيكليته البيولوجية مصدر إلهامٍ لعلماء الحاسوب. فقد ركزوا في عدد من أولى الأبحاث التي أجروها على تطوير آلات تم تصميمها على غرار شبكات الخلايا العصبية في الدماغ والطريقة التي تعالج بها هذه الخلايا المعلومات. وأدى ذلك إلى ظهور ما يُعرف بالشبكات العصبية الاصطناعية، التي تُستخدَم اليوم في التعلّم العميق للعديد من التطبيقات المختلفة، بدءاً من معالجة الفيديو ووصولاً إلى الترجمة وتوليد الصور.
تتكون الشبكات العصبية الاصطناعية بشكل أساسي من العقد، أي “الخلايا العصبية” الموجودة في الشبكة العصبية، بالإضافة إلى الطبقات. فتتلقى العقد المعلومات وتُنتج المخرجات. وتكون العقد منظمة ضمن سلسلة من الطبقات، بما فيها طبقة الإدخال التي تتلقى المعلومات في البداية، وطبقة الإخراج المسؤولة عن توليد استجابة الشبكة، والطبقات المخفية التي تقوم بالجزء الأكبر من عملية المعالجة ويمكن أن يصل عددها إلى الآلاف في أكبر الشبكات العصبية.
فهل هذا التعقيد الذي تتسم به شبكات التعلم العميق هو الذي يسمح لها بنمذجة أنماط معقدة انطلاقاً من كميات كبيرة من البيانات؟
لقد حققت نماذج التعلم العميق نجاحاً ملحوظاً خلال العام الماضي. فمنذ إطلاق نموذج “جي بي تي-4” التابع لشركة “أوبن أيه آي” في شهر مارس، أصبح هذا الروبوت المستخدَم للدردشة حديث الصحافة. فهو يقوم على نماذج التعلم العميق التي تعالج اللغة البشرية بهدف توليد إجاباتٍ رداً على أسئلة المستخدمين، وذلك باستخدام لغة بشرية مفهومة. لكن في حين أن النتائج التي يحققها “تشات جي بي تي” غالباً ما تكون مبهرة، يستهلك تدريبه وتشغيله كمية هائلة من الطاقة.
الدكتور بن غو والدكتور هوان شيونغ هما أستاذان مساعدان في قسم تعلم الآلة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ويعملان على تطوير تقنيات أكثر كفاءة عبر اتباع نهجٍ يُسمى الشبكات العصبية النبضية. فهذه الشبكات شبيهة بالشبكات العصبية الاصطناعية لكنها مصممة ليشبه عملها أكثر فأكثر عمل الشبكات العصبية في الدماغ البشري. وقد يؤدي هذا النهج الذي يتبعه الأستاذان إلى التخفيف من استهلاك الطاقة إلى حد كبير.
في هذا السياق، قال الدكتور بن غو: “أي سؤال يُطرح على تشات جي بي تي يستهلك ما يعادل 3.96 واطاً، أو ثلث سعة البطارية في هاتف “آيفون 13 برو”، وهي كمية كبيرة من الطاقة المستهلكة للإجابة عن سؤالٍ واحد”.
وفي حين أن الدماغ البشري لا يتمتع طبعاً بالقدرة الكافية لاستيعاب الكم الهائل من المعارف التي يمكن أن يغطيها نموذج لغوي كبير مثل “تشات جي بي تي”، أدى التطور على مدى ملايين السنين إلى إنشاء شبكة عصبية بيولوجية ذات كفاءة عالية للغاية في استخدام الطاقة.
فقد أوضح غو أن دماغ الإنسان البالغ يستهلك في يومٍ كاملٍ ما يزيد قليلاً عن ثلث واط من الطاقة، أو نحو 8٪ من الطاقة اللازمة عند طرح سؤالٍ واحدٍ على نموذج لغوي كبير. وقال: “نريد أن نعرف كيف يستهلك الدماغ البشري كمية محدودة من الطاقة مقارنةً بالشبكات العصبية الاصطناعية، وكيف يمكننا بناء شبكات عصبية تحاكي الدماغ البشري وتتمتع بكفاءة أكبر”.
الشبكات العصبية النبضية هي شبكات عصبية تحاول محاكاة سلوك الخلايا العصبية البيولوجية لتشبهها أكثر من الشبكات العصبية الاصطناعية التقليدية، وذلك بهدف زيادة كفاءتها.
لقد برز مفهوم الشبكات العصبية النبضية منذ عقود. إذ اقترح الباحثون هذه الفكرة للمرة الأولى في الخمسينات. وهذه الشبكات شبيهة بالشبكات العصبية الاصطناعية، لكن مع وجود اختلافات رئيسية يشرحها غو قائلاً: “ستجد أن بنية كلٍ من الشبكات العصبية النبضية والشبكات العصبية الاصطناعية متشابهة، لكن المدخلات ودالة التنشيط مختلفة”.
فبدلاً من نقل المعلومات بشكلٍ متواصلٍ، كما هو الحال مع الشبكات العصبية الاصطناعية التقليدية، تستخدم الشبكات العصبية النبضية أحداثاً متقطعة تسمى النبضات، ويتم خلالها إرسال المعلومات من خلية عصبية إلى أخرى. وهذه الطريقة في معالجة المعلومات هي أقرب إلى الطريقة التي يعمل بها الدماغ البشري. فكما يحدث في الدماغ، ثمة ما يُعرف بفترة الجموح، وهي لحظة التوقف عن النشاط بعد أن تطلق العقدة إشارة. وبما أن العقد في الشبكات العصبية النبضية لا تعالج المعلومات بشكلٍ مستمرٍ، ستتمتع إذاً بالقدرة على تحقيق المزيد من الكفاءة في استخدام الطاقة مقارنةً بالشبكات العصبية الاصطناعية التقليدية.
وقال الدكتور هوان شيونغ، الشريك في هذه المبادرة: “نحن نركز حالياً على الدراسة النظرية لفهم البنية والخوارزميات المستخدمة في الشبكات العصبية النبضية، ولاكتشاف بعض الخوارزميات الجديدة التي ستزيد كفاءة الشبكات العصبية النبضية”.
كما يعتقد العلماء أن العديد من التطبيقات يمكن أن تستفيد من تطور الشبكات العصبية النبضية في المستقبل.
فبحسب غو: “قد نتمكن في استخدام هذه الشبكات في طائرة مسيّرة بعيدة المدى للبحث والإنقاذ تعمل بالطاقة الشمسية ولا بد من أن تتمتع بكفاءة عالية في استخدام الطاقة”. كما يمكن تطبيقها في مجال الرعاية الصحية. فبما أن الشبكات العصبية النبضية تعالج المعلومات مثل الدماغ البشري، قد تكون أنسب لتطوير الأعضاء الاصطناعية التي تتطلب استخدام تعلم الآلة.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....