كلمة رئيس الجامعة التي ألقاها يوم 6 يونيو 2024 في مركز أبوظبي للطاقة، أبوظبي
صاحب السمو، أصحاب السعادة،
الضيوف الكرام، أعضاء الهيئة التدريسية،
الموظفون الأعزاء،
طلاب دفعة عام 2024 الاستثنائية،
أود بدايةً تهنئة طُلابنا على استكمالهم لمسيرة رحلتهم الدراسية الرائعة والجريئة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.. والتمكن من تحقيق أهدافهم والارتقاء إلى مستويات جديدة.. أعزائي الخريجين، إن تخرجكم اليوم يأتي في مرحلة مهمة تعيد فيها تكنولوجيا جديدة رسم معالم حياتنا، بل وحتى ملامح الحضارة – ويتعلق الأمر هنا بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
ففيما مضى ساعدتنا العديد من الاختراعات العظيمة – مثل المجهر، والكهرباء، والإنترنت – في تحقيق إنجازات فاقت قدرات الإنسان أو تجاوزت بكثير نطاق إمكانات البشرية مجتمعة، غير أنني أعتقد أن ما يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي هو أكثر بكثير.. والابتكار الوحيد المشابه لهذه التكنولوجيا في تاريخ البشرية الذي يمكنني التفكير فيه هو آلة الطباعة، لأنها تجاوزت مجرد القيام بالأشياء بشكل أفضل وأسرع إلى تغيير طريقة تفكير الناس، بل وحتى معنى الحياة.
حملت الآلة الطابعة معها ’عصر التنوير‘، وفتحت لنا أبواب المعرفة ومعها قدرة وصول الجميع إلى الكتب دون تمييز طبقي، غير أن أثرها الإيجابي [الآلة الطابعة[ لم يكن ليتحقق دون الكثير من الإصلاحات الصعبة، بل وحتى إراقة الدماء في بعض الأحيان.
ما أود أن أقوله هو أن الذكاء الاصطناعي بدوره يَعِد بالعبور بنا إلى ’عصر التّمكِين‘. وسيكون كل واحد منا قادراً على النهل من مَعِين شتى المعارف التي أنتجها الإنسان عبر التاريخ.. وسنكون قادرين على بناء أشياء جديدة باستخدام هذه المعارف اعتماداً على تكنولوجيا التوليد الآلي للكتابة، والبرمجة، والصوت، والصورة، وغيرها من التقنيات.. إنها [تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي [حقاً قوة هائلة لا تخلو، بطبيعة الحال، من مخاطر؛ والسؤال هو: هل يستطيع الأنسان توظيف هذه القوة الجديدة بأمان على غرار المحرك البخاري والكهرباء والطاقة النووية؟
أنتم، أعزائي خريجو الجامعة الأولى والوحيدة في العالم المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، من يجب عليه الإجابة على هذا السؤال.. إنكم أنتم من سيساعد مجتمعاتنا على جعل عالمنا مكاناً أفضل للعيش فيه؛ ولذا، اسمحوا لي أن أسدي لكم بعض النصائح ستساعدكم على الإجابة على هذه التساؤلات..
تقريب الذكاء الاصطناعي من الناس
أول ما أنصحكم به هو ضرورة العمل بجد لتقريب الذكاء الاصطناعي من الناس ومن حياتهم اليومية.. فالذكاء الاصطناعي يجب أن يستخدمه عدد متزايد من الناس.. وكلما زاد عدد مستخدميه، أصبح فهمنا له كتكنولوجيا أفضل وأعمق.
وبالقدر نفسه من الجد، يجب عليكم أيضاً تقريب الناس من الذكاء الاصطناعي حتى يتمكن بدوره من الحصول على فرصة لفهمهم، ومعرفة مخاوفهم واحتياجاتهم، والإجابة على تساؤلاتهم بشكل أفضل، وبالتالي يصبح تركيزه أكثر على الأسئلة الأهم والأكبر ويستجيب لاحتياجاتهم بشكل أفضل.
أعزائي الخريجين، باعتباركم متخصصين في الذكاء الاصطناعي، فأنتم قادة هذه القوة التكنولوجية الجُدد وعليكم تدريب المزيد من القادة في المستقبل، وسيكون من بينكم أيضاً من سيطورون الجيل القادم من التقنيات الأقوى والأفضل.. أنتم، أعزائي، تتحملوا مسؤولية تقريب الذكاء الاصطناعي من الناس، وتقريب الناس من الذكاء الاصطناعي، وجعلهم يفهمون بعضهم البعض..
فهم الحياة والواقع
نصيحتي الثانية التي أنصحكم بها هي النزول من ذلك البرج العاجي، والتحرر من فقاعات وسائل التواصل الاجتماعي تلك، والتواضع من أجل: فهم الحياة والواقع.
يجب عليكم المسير على الدرب وتوظيف معرفتكم من خلال سواءً مشاريعكم الخاصة أو العمل ضمن فرق أو قيادة فرق لترجمة ما تعلمتموه إلى واقع ملموس؛ فأنتم، أعزائي، لن يكون بوسعكم فهم الحياة حقاً دون تجربتها، وما معنى منتج دون صنعه، وما القصد بالحاجة دون فهمها.. وأقول هذا لأن الخوارزمية لا تعدو أن تكون أفضل من تجريد على مخطط.. ولن تحقق [هذه الخوارزمية] المطلوب منها دون الخضوع للتجربة الحقيقية والتشغيل في الظروف الواقعية..
يجب عليكم، في المعركة، الاستعداد لحفر الخنادق والمواجهة والفوز.. ولا تركنوا للبقاء داخل المكاتب أو الاختباء وراء قناع أو اسم مستخدم على منصات التواصل الاجتماعي أو فريق ينوب عنكم.. ولا تعتمدوا على المعلومات المستهلكة أو الإشاعات عند اتخاذ قراراتكم الحاسمة وأي قرار آخر، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتطوير منتجات الذكاء الاصطناعي.. يتعين عليكم، أعزائي، الحرص على التطوير المسؤول لحلول الذكاء الاصطناعي للعالم الحقيقي بناءً على تجربتكم في الحياة..
وتذكروا أن العلوم والتكنولوجيا ليست وحدها مصدراً للأفكار الجيدة، بل يمكن للإنسانية والمجتمعات أن يكونا أيضاً مصدراً لها وترتبط بمفاهيم مثل: المساواة، والعدالة وحتى السلام، غير أن هذه الأفكار لن تتجاوز حدود كونها كذلك ما لم نفهم أثرها الحقيقي في الحياة..
فعند مواجهة تحيزات الذكاء الاصطناعي، لا تستخدموا تحيزاً لمواجهة تحيزات أخرى.. أنتم بحاجة إلى فهم قضايا التحيز بشكل كلي، وليس فهمها فقط من زاوية واحدة.. وعدم تجاهل المنطق السليم والحقائق، وإلا عِوَض إيجاد الحلول لهذه التحيزات، ستجدون أنفسكم أمام وضع تتفاقم فيه أكثر.
ضعوا لأنفسكم أهدافاً بعيدة المدى
ثالث نصيحة أسديها لكم هي وضع أهداف طويلة المدى لأنفسكم والسعي دائماً إلى تحقيق الأفضل واحتضان التغيير وعدم التخوف من اللامألوف لأننا في عصر التحول.. فلنتبنى التغيير، والمعرفة، والتحول المفاهيمي وإعادة التفكير في مفاهيم أساسية مثل: ماهية المعرفة والمهارة والمنطق السليم والكفاءة والاستحقاق وماهية الأهداف. كما أننا أيضا في عصر إعادة تعريف المقصود بالكبير أو الصغير والبسيط أو المعقد.
ولتحقيق الأفضل، أدعوكم إلى النظر إلى احتياجاتكم المادية اللحظية والتفكير فيها لأنها – في كثير من الأحيان – يمكنها أن تصرف انتباهكم عن تطلعاتكم الحقيقية وطموحاتكم الطويلة الأمد.. ولذا يجب عليكم أن تكونوا قادرين على التمييز بين ما تحتاجونه للبقاء وما تحتاجونه للنماء والازدهار… والعمل على بناء حياة تحققون فيها التوازن بين النجاح المادي والرضا الشخصي.
يمكن لمسيرنا أن يتباطأ أو يحدث أن نتراجع بسبب الافتقار إلى الفهم أو قصر النظر أو أن نكون عرضة لمؤثرات عشوائية.. ولمواجهة هذه التحديات وتعزيز منسوب الثقة والإصرار على تحقيق الأهداف، يجب عليكم مواصلة التعلم، ووضع أهداف لأنفسكم والتركيز على تحقيقها في عملكم وحياتكم.. وبدون أهداف كبيرة وبعيدة بما فيه الكفاية، سيخلق في نفوس الناس ميل إلى الماضي، وهذا يعني أن ما سيطورونه سيكون بغرض خدمة ما هو كائن والقواعد التي عفا عليها الزمن.. ولكن إذا كان أمامكم هدف، فسيكون منارة لكم، وستميلون أكثر إلى ربط النقاط للأمام من خلال الابتكار وتعلم أشياء جديدة لتحقيق أهدافكم.
حافظوا على الشغف
وأخيراً وليس آخراً.. مهما كانت الوجهة التي تمضون إليها.. نصيحتي أن تشدوا الرحال إليها بشغف..
المستقبل أمامكم لن يكون بساطاً ممَهَداً.. والمجتمع المعاصر الذي أنتم جزء منه معقد وتحكمه قواعد وعادات.. وقد تواجهكم فيه تحديات كبيرة أو تجدوا أنفسكم فيه محاصرين داخل مكاتب أو محبَطين بسبب بيروقراطية مؤسساته.. لا تسمحوا لأنفسكم فيه أن تتحولوا إلى أشباه بشر بلا أرواح.. بل كونوا مبدعين وشغوفين.. لأن الشغف هو وقود رحلتكم القادمة التي ستقودكم إلى تحقيق النجاحات..
خريجي جامعتنا الأعزاء.. كل عام في مثل هذا الوقت.. نشعر بمزيج من الفخر والأسى ونحن نودعكم.. غير أنه – في الوقت نفسه – شرف كبير لي ولكل أعضاء الهيئة التدريسية أن نكون جزءاً من هذا الفصل الهام في حياتكم.. الآن أنتم على أعتاب الانطلاق نحو عالم جديد.. مسلحين بالمعرفة التي اكتسبتموها ومستعدون لإطلاق مسيرتكم المهنية.. فما هي الأشياء الأكثر قيمة التي آمل أن تأخذوها معكم من هذه المؤسسة الجامعية التي درستم فيها؟
اكتسبتم، بطبيعة الحال، علماً ومعرفة.. ومنكم من حصل على الماجستير أو الدكتوراه.. وكونتم صداقات قوية.. كل هذه الأمور مهمة.. لكن الأهم منها هو: أنكم تلقيتم تدريبا علميا لممارسة البحث العلمي.. اطلعتم في الجامعة على السرديات العلمية، وطورتم خوارزميات لحل مشكلات لم يتم بعد إيجاد حلول لها.. ولذا يجب عليكم كتابة أوراق بحثية لشرح نتائجكم للآخرين.. يجب عليكم أيضاً تقبل النقد والإجابة على التساؤلات.. وإقناع الآخرين ونشر بحوثكم.. هذه التجربة تجعل منكم شخصية فريدة.. شخصية الباحث العلمي المدرب تدريبا علميا.. لا تأخذوا هذا الأمر كأمر بديهي، ولا تستخفوا به.. إنه جانب مشترك بيننا جميعاً: فنحن علماء مدربون على البحث والاستكشاف..
ومعنى هذا أنه حتى وإن اخترتم شق طريقكم خارج مجال العلوم.. فإن التدريب العلمي الذي تلقيتموه في الجامعة يميزكم بميزة فريدة.. فأنتم تقرأون وتفهمُونَ.. تبتكرون.. وتواجهون التحديات.. توضحون أفكاركم حتى يتمكن الآخرون من استيعابها.. تثبتون نتائجكم بطرق مقنعة.. تتقبلون الملاحظات.. وتوظفونها للارتقاء.. تتعاملون مع الانتقادات وتدافعون عن أنفسكم بحكمة.. وكلها سمات مميزة لمنهجية الاستقصاء العلمي التي تحدد مَن نكون أكثر مِن أي ميزة أو مهارة أخرى..
عندما ننظر إلى العالم من حولنا، نكتشف أن قلة قليلة هم الفئة من الناس الذين يعتمدون هذا النهج في عملهم وحياتهم.. إننا، أعزائي الخريجين، نعيش في عالم مليء بالأصوات المتضاربة.. نسمع فيه خطابات التيارات الشعبوية.. والفردانية.. والصوابية السياسية.. والتقدمية.. والتطرف.. وغالباً ما تضع هذه الخطابات جانبا.. العلم والتفكير النقدي.. والنقاشات الحضارية.. والتفكير الموضوعي.. والجدالات العامة.. ومناهج صنع القرارات.. وطرق وضع التشريعات والسياسات.. مما يفسح المجال للأجندات السياسية والاقتصادية وغيرها..
والوضع نفسه.. تعيشه العديد من الأوساط الأكاديمية، حيث تضيق مساحة الخطاب العلمي.. ويُواجه العلماء تحديات.. ويتم تصنيفهم وفق تصنيفات خاطئة.. وأحياناً يُنتقدون لأسباب غير علمية.. لها مثلا علاقة بنشاطهم السياسي أو التجاري.. وهذا أمر محزن.. وأحياناً مثير للاستياء.. لأنني أعتقد أن مجتمعنا – وليس فقط جامعاتنا – تحتاج إلى مساحة حرة للتفكير العلمي.. ويجب أن تحتضن هذه المساحة الحرة وتؤكد قيم الموضوعية.. والعقلانية.. والدقة.. والحياد.. والانفتاح.. والتأمل الذاتي.. والأهم من ذلك.. الاستدلال المبني على الأدلة والمبادئ الأساسية التي يمكن أن تصمد أمام اختبار الزمن..
وفي الختام أدعوكم لاستلهام القوة من فلسفة ما تعلمتموه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.. واحرصوا على روح التفكير العلمي في حياتكم المهنية.. وتمسكوا بمواقفكم بناء على العلم والمنطق.. وتوخوا الأمانة العلمية.. واحرصوا على النزاهة العلمية ودافعوا عنها.. ولتكن بوصلة حُكمكم التي توجّه حياتكم هي: الصدق والاجتهاد والنزاهة التي اكتسبتموها هنا خلال فترة تدريبكم العلمي..
إنني أعتقد موقنا أن العالم سيكون أفضل بمزيد من العلم والبحث العلمي، وشائعات وأخبار المضللة أقل.. وهنا يمكنكم، أعزائي الخريجين، أن تقدموا إسهامات مهمة..
تهانينا مرة أخرى لخريجي دفعة عام 2024.. رحلتكم على وشك البدء.. والمستقبل في انتظاركم.. تذكروا دائماً شعار جامعتنا: “تسخير المعرفة للخدمة”.. لقد اكتسبتم المعرفة من هذه الجامعة لتصبحوا قوة محركة تحقق الإنجازات القوية.. والآن حان الوقت لكم لتواصلوا العمل وخدمة المجتمع وجعل العالم من حولنا مكاناً أفضل.
وشكرا لكم
البروفيسور إريك زينغ يناقش – في حوار أجراه مؤخراً – ريادة الجامعة الأخلاقية، والتعاون الدولي، والشفافية في.....
اقرأ المزيدوقّعت دائرة الصحة أبوظبي مذكّرة تفاهم مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي و"كور42" التابعة لشركة جي42.....
سلّط طلاب وخريجو جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي الضوء على مواهبهم الفريدة وتخصصاتهم التقنية أمام أكثر.....
اقرأ المزيد