نضع في حياتنا اليومية العديد من الفرضيات حول السبب والنتيجة من دون عناء التفكير أو بذل الكثير من الجهد، فالتغيّب عن الاجتماع مثلاً سيُغضب المدير، كما أن تزويد السيارة بالوقود سيتيح العودة إلى المنزل.
يمكننا في هذه الحالات البسيطة فهم العلاقة السببية بسهولة، أي العلاقة بين السبب والنتيجة، ولكن فهم هذه العلاقة لا يكون بذات السهولة في الحالات شديدة التعقيد، كتطوير أدوية جديدة مثلاً.
يتعمق الدكتور كون زانغ، الأستاذ المشارك في قسم تعلّم الآلة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، في دور تعلّم الآلة وقدرته على توضيح العلاقة السببية في العديد من المساعي الرامية إلى تحسين صحة الإنسان. ويشغل زانغ منصب نائب رئيس قسم تعلّم الآلة ومدير إدارة مركز الذكاء الاصطناعي التكاملي في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
فقد بحث في قدرة تعلّم الآلة على تحديد العلاقات السببية في البيانات لسنوات عديدة، إلا أن حياته المهنية بدأت بشكل مختلف. حيث ركّز في بداية دراسته مع العديد من علماء الحاسوب الآخرين على استخدام تعلّم الآلة التقليدي لفهم 'كيفية' حدوث الأشياء. ومع ذلك، تسعى دراسة السببية إلى تحديد 'سبب' حدوث الأشياء، فلطالما كانت الأفضلية في الأبحاث العلمية على مدى قرون لدراسة 'كيفية' حدوثها على معرفة 'السبب'.
يوضح الدكتور زانغ هذه النقطة قائلاً: 'خلال الثورة العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، تحوّل التركيز من تحديد سبب حدوث الأشياء إلى تحديد كيفة حدوثها نظراً إلى إمكانية القيام بذلك عبر الأدلة التجريبية. وبطبيعة الحال، أدى هذا النهج في بناء المعرفة العلمية إلى تحولات هائلة في فهم البشرية للعالم في القرون الخمسة الماضية. أمّا اليوم، فنمتلك كماً أكبر بكثير من البيانات ونفهم الطرق بشكل أفضل، لذا أرى أنّ الوقت قد حان لجعل السببية أكثر شفافية لزيادة المعرفة البشرية حول العالم والطبيعة.'
من المعروف أن تطوير دواء جديد يتطلب الكثير من الوقت والمال، حيث تبلغ تكلفته نحو ملياري دولار بحسب بعض التقديرات. ويعود ارتفاع التكلفة إلى الدراسات العلمية العديدة التي يجب إجراؤها لتحديد ما إذا كان الدواء ساماً أو ما إذا كان تأثيره أفضل من الأدوية الحالية. إذ يقوم العلماء باختبار الأدوية على الخلايا والحيوانات في المختبرات قبل تجربتها على البشر. وعلى الرغم من جدوى زراعة الخلايا والدراسات على الحيوانات وما توفره من معلومات قيّمة حول التأثير المحتمل للأدوية الجديدة على البشر، إلا أن هذه الأساليب ليست مثالية، فقد يكون الدواء الذي ثبت أنه آمن وفعّال في الدراسات قبل السريرية على الحيوانات مضراً للإنسان.
لذا، يعمل زانغ حالياً على الجمع بين خبرته في تعلّم الآلة السببي وتقنية وتقنية “الأعضاء على رقاقة”. فهذه التقنية هي عبارة عن رقائق بلاستيكية صغيرة تحتوي على قنوات مبطنة بالخلايا. يمكن للعلماء نمذجة الطريقة التي يتصرف بها العضو على هذه الشرائح، ثم يمررون الدواء عبر الشريحة، ويجمعون البيانات حول كيفية تأثير الدواء في الخلايا، ويحللون البيانات باستخدام تعلّم الآلة، ليتوصلوا في النهاية إلى استنتاجات حول الطرق التي يؤثر بها الدواء في البيولوجيا البشرية. وتهدف هذه التجربة إلى تسريع عملية تطوير الأدوية وجعلها أكثر أماناً أيضاً.
يؤثّر الجمع بين تعلّم الآلة وتقنية “الأعضاء على رقاقة” في مجال الطب الشخصي أيضاً من خلال دراسة كيفية اختلاف تأثيرات الأمراض والأدوية من شخص لآخر. فعلى الرغم من فعالية الأدوية الحديثة في كثير من الأحيان، إلا أنها تمثل نوعاً من العلاج الموحّد الذي يناسب الجميع، وحتى بوجود بعض العلاجات الأكثر فعالية، قد يُشفى مريض باستخدام دواء معين بينما يشتدّ مرض شخصٍ آخر من نفس الدواء. في هذا الإطار، يتعاون زانغ مع شركة التكنولوجيا الحيوية”كيورس -إيه آي” لفهم كيفية تفاعل الأشخاص مع الأدوية بشكل مختلف وتحديد الأسباب البيولوجية الكامنة وراء هذا التباين.
ويقول زانغ: “تتمتع تقنية الأعضاء على رقاقة بأهمية كبيرة لأنها تحفز التفكير غير التقليدي، إذ يمكننا من حيث المبدأ ملاحظة الوقائع التي تحدث وليس المواقف التي لم تحدث أبداً. لذلك قد يساعدنا هذا النوع من التقنيات في الإجابة عن بعض الأسئلة اللاواقعية، لأنه يمكننا من إجراء تجارب مختلفة على نماذج البيولوجيا البشرية في نفس البيئة”. يساهم هذا النوع من التفكير اللاواقعي بآثاره في تعزيز الطب الشخصي، فهو يوفر للباحثين القدرة على تحديد أفضل استراتيجية لعلاج المريض من خلال نمذجة البيولوجيا الفردية له بمساعدة الشرائح وتعلّم الآلة السببي قبل وصف دواء قد يكون مضراً بصحته.
لا يشكل فهم السببية بالنسبة للدكتور زانغ غايةً بحد ذاتها في مجال دراسة الصحة وعلم الأحياء، إذ يجب أن يقدم تعلّم الآلة أيضاً حلولاً إضافية، إمّا على شكل علاجاتٍ جديدة أو طرق للتدخل في العمليات البيولوجية، إذ يوضح: “من وجهة نظري، نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة وتحسين المجتمعات، وإلا فلا مبرّر لما نقوم به”.
بالتالي، فإننا نتساءل ما إذا كنّا نقف على أعتاب ثورة علمية، نظراً إلى الإمكانات الجديدة في تعلّم الآلة وقدرته على مساعدتنا على فهم السببية بشكل أفضل.
يرى الدكتور زانغ أنه من المحتمل أن نشهد ثورة علمية مماثلة، ويقول: “آمل أن يتمكن زملائي من المساعدة في تحقيق ثورة علمية ثانية، فامتلاك أداة تساعدنا على اكتشاف سبب حدوث الأشياء بالطريقة التي تحدث بها، من شأنه أن يسمح لنا بفهم المزيد حول الكون، وبتسخير الموارد بفعالية أكبر استشراف عواقب العديد من الأشياء المختلفة. وإذا تمكنا من تحقيق ذلك، سنكون قد بدأنا مرحلةً جديدة كلياً”.
الدكتور فخري كراي يسهم في تطوير نموذج إحصائي جديد قد يساعد في تحسين مستويات الاستدامة وجودة النظم.....
خوارزميات تعَلُمِ الآلة – نُظم قادرة على اتخاذ القرارات أو تقديم التوقعات من خلال تحليل مجموعات ضخمة.....
فريق باحثي يطور مجموعات بيانات لتحسين أداء النماذج اللغوية الكبيرة متعددة الوسائط في تحليل صفحات الإنترنت وإنشاء.....