لم يكن شغف نعمان سعيد، أول الحاصلين على الدكتوراه من الجامعة والأول على دفعة 2024، بالذكاء الاصطناعي محض صدفة، بل كان اهتماماً شخصياً لفترة طويلة تَحَوَّلَ لديه إلى رغبة قوية للاستزادة من هذا العلم خَاصَة بعدما شارك عام 2011 في برنامج د. أندرو نج – أحد الرواد المتخصصين في مجال تعلم الآلة – الذي مكنه مبكراً من فهم قدرات هذه التقنية وما يمكنها أن تقدمه من خدمات للإنسانية.
ويتذكر سعيد تجربته في برنامج د. أندرو نج الدراسي قائلاً: “ما استأثر باهتمامي حينئذ هو تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أتيحت لي فرصة التعامل معها وتجربتها عن قرب. كما شدت الاستخدامات المتنوعة لهذه التكنولوجيا انتباهي وأسهمت – إلى حد كبير – في تشكيل نظرتي المستقبلية عن مساري الأكاديمي والمهني، خاصة بعد تجربتي العمل في قطاعات تعتمد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل قطاع الطيران وقطاعات تصنيعية عدة”.
الواضح أن رغبة سعيد في إحداث الفارق في حياة الناس اعتماداً على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قادته إلى التفكير في إعداد رسالة دكتوراه. سعيد، الذي يتمتع بالخبرة المهنية والنظرية في مجال الهندسة الكهربائية، أراد أن يتعمق أكثر في تخصص تعلم الآلة، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كانت وجهته واختياره البديهي.
“قرار متابعة دراستي في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كان قراراً منطقياً، لأنها الجامعة الوحيدة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. ورغم أنها حديثة العهد بالتأسيس، فإن خبرة الهيئة التدريسية فيها إلى جانب قيمة ما تنشره وتجربتها الميدانية كان أمراً لا غبار عليه”.
نعمان سعيد
مقاربة جديدة لكشف الأورام السرطانية
بدأ سعيد رحلة إعداد رسالته للدكتوراه عام 2021 في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بعد انضمامه إلى “مجموعة بيوفارما” متعددة التخصصات، وهي مجموعة بحثية متخصصة في الرعاية الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تابعة للجامعة. ضمت المجموع حوالي 20 طالب ماجستير زاد عددهم إلى 30 تحت إشراف د. محمد يعقوب، الأستاذ المشارك في قسم الرؤية الحاسوبية في الجامعة نفسها.
اهتمام سعيد بمجال الرعاية الصحية المدعومِ بالذكاء الاصطناعي قاده إلى تركيز اهتمامه البحثي على دراسة سرطانات الرأس والرقبة، سابع أكثر الأنواع انتشاراً في العالم. ويعود سبب حرص سعيد على إجراء بحوث ذات قيمة مضافة في هذا المجال بالأساس إلى الحاجة الماسة لتوفير خدمات وحلول أفضل للأشخاص الذين يعانون من هذه السرطانات التي أُصيب بها حوالي 1.1 مليون شخص خلال عام 2021.
ويساعد التشخيص المبكر والعلاج الفعال لحالات الإصابة بهذا النوع من السرطانات في خفض معدلات الوفيات بنسبة تصل إلى 70%، مما يعني أن أي إجراء أو تقنية يمكنها تحسين عمليات وإجراءات تشخيص المرض وتوقع مسار تطوره تعني الفرق بين الحياة والموت للأشخاص المصابين.
“اختِيَاري تركيز عَمَلِي – يقول سعيد – البحثي على دراسة سرطانات الرأس والرقبة سببه التحديات الفريدة التي تطرحها؛ فهذا النوع يمكنه الظهور في أماكن مختلفة من الرأس والرقبة. كما يطرح صعوبة في الكشف المبكر عليه بسبب اختلاف الأعراض. ولا يقف تحدي هذا النوع من السرطانات عند عملية الكشف عنه فحسب، بل أيضا في تحديد مكانها بدقة، وهذا ما نهدف إلى إيجاد حل له إليه اعتماداً على نماذج الذكاء الاصطناعي التي نطورها”.
وبالنظر إلى ارتفاع تكلفة العلاج والموارد المحدودة في بعض البلدان، يتابع سعيد موضحاً أن “تعزيز الاستفادة من قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي في تشخيص مرضى السرطان وتوقع مسار تطور مرضهم من شأنه أن يسهم كذلك في تخفيف العبء على منظومات الرعاية الصحية بشكل كبير، إضافة إلى مساعدة الأفراد الذين يتم تشخيصهم”.
يذكر أن جهود نعمان سعيد البحثية في هذا المجال تُركز على بحث كيفية استخدام نماذج التعلم العميق لتشخيص الأورام السرطانية والتنبؤ بمعدل بقاء المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بأشكال معينة من السرطان على قيد الحياة.
تطوير النموذج وتدريبه
قام سعيد بتطوير نموذج ذكاء اصطناعي متعدد الوسائط قادر على قراءة صور التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) والتصوير المقطعي المحوسب (CT) وتفسيرها (وهو ما يمثل تحدياً في مجال الرؤية الحاسوبية). كما قام الباحث بمقارنة تفسيرات النموذج مع ملاحظات الأطباء المختصين الصحيحة التي تدخل ضمن نطاق معالجة اللغة الطبيعية. وللوصول إلى تشخيص معين وتوقع مسار تطور المرض، أخذ أيضاً سعيد عند تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي في الاعتبار متغيرات عدة بما فيها: عمر المريض، وجنسه، ووزنه، وحجم الوَرم، والعلاجات السابقة التي تم الخضوع لها، وما إذا كان المريض يشرب الكحول أو يدخن أم لا.
“ولأغراض التشخيص وتشخيص توقع تطور المرض، يجب التأكد – يوضح سعيد – من أنه (أي التشخيص) قابل للتعميم، والتركيز خلال مراحل تدريب النموذج على جعل عمليات التقييم أكثر صرامة وقوة”.
لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي على اكتشاف السرطان اعتماداً على صور التصوير المقطعي، استخدم سعيد مجموعة بيانات من سبعة مراكز متخصصة، معظمها في أوروبا وكندا، وتخص حوالي 700 مريض.
التحديات التي واجهها سعيد خلال تدريب النموذج اعتمادا على مجموعة البيانات التي حصل عليها، ارتبطت بصعوبات كشف الأورام السرطانية المتنقلة (metastasis)، خاصة في المراحل المتأخرة، إذ إن العُقَدَ الليمفاوية السرطانية الصغيرة البعيدة عن الورم الرئيسي يصعب في بعض الأحيان اقتفاء أثرها. كما فرض، فضلا عن هذا، الحجم المحدود لمجموعة البيانات تحديات في تدريب النموذج على سيناريوهات محددة، مما يُبرز أهمية التوفر على حزمة بيانات كبيرة ومتنوعة تساعد، عموما، في تحسين أداء نماذج الذكاء الاصطناعي.
التحدي الآخر الذي واجه سعيد خلال بحثه، تمثل كذلك في الوصول إلى بيانات كافية للتدريب دون المساس بخصوصية المرضى مما قاده إلى الاهتمام بتقنية تُعرف باسم التعلم الموحد، والتي تتيح للذكاء الاصطناعي إمكانية تحليل بيانات المرضى في عين المكان دون الحاجة إلى إرسالها خارج المستشفى. وسيشكل مبحث التعلم المرحلة التالية من الجهود البحثية التي سيركز عليها سعيد.
شكلت أطروحة سعيد لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان “تشخيص السرطان وتشخيص توقع تطورها بالتعلم العميق” أساس الجهود البحثية التي قام بها.
يعتقد سعيد أن تأثير التكنولوجيا التي أسهم في تطويرها يمكن أن يكون عميقا خاصة في بلدان مثل الهند حيث خدمات طب الأورام السرطانية محدودة إضافة إلى نقص الأطباء المتخصصين، خاصة في الأرياف حيث يعيش أكثر من ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 1.43 مليار نسمة.
طموحات مستقبلية
بعد قضائه ثلاث سنوات في الاشتغال على أطروحته للدكتوراه، يواصل سعيد دراساته العليا كخريج ما بعد الدكتوراه حيث يركز اهتمامه على الجوانب البحثية المتصلة بمجاله – وذكر أنه:
يسعى إلى نشر المزيد من البحوث قبل خوض أية تجربة مهنية، مشيراً إلى اهتمامه الخاص بتطبيقات الذكاء الاصطناعي ذات الأثر الملموس على أرض الواقع. وأوضح أيضاً أن عدد الشركات العاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي في أبوظبي، وتعاون الجامعة مع جهات مثل كليفلاند كلينك – أبوظبي، يجعل الأمر مشجعا على البقاء والإسهام بالمزيد من البحوث في مجال الذكاء الاصطناعي.
جدير بالذكر أن سعيد الذي حصل على الدكتوراه فقط خلال ثلاث سنوات، سبق له الإسهام بخمس أوراق بحثية بوصفه باحثاً رئيسياً إلى جانب خمس أوراق أخرى. كما فاز بمسابقة HEKTOR 2021 الدولية – (تجزئة أورام الرأس والرقبة والتنبؤ بالنتائج في الصور المقطعية بالإصدار البوزيتروني والتصوير المقطعي المحوسب) – والتي تم إطلاقها خلال فعاليات المؤتمر الدولي المرموق لحوسبة الصور الطبية والتدخل المدعوم بالحاسوب (MICCAI).
في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
وعن تجربته في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، قال سعيد إنه أعجب بمستوى أعضاء الهيئة التدريسية وبالموارد المتاحة والبيئة الأكاديمية والحياة الاجتماعية. مشيراً إلى إسهام تنوع الطلاب الرائع في خلق تجربة متميزة، وهذا فضلا عن جودة مرافق الجامعة المتنوعة، والمختبرات، وعمليات التسجيل السهلة والسلسة.
وقال سعيد، الذي يحب قضاء وقت فراغه مع زوجته وابنه البالغ من العمر عامين، إنه معجب بنمط الحياة في أبوظبي، وقال: “إن أبوظبي مكان رائع للعيش، وأنا أحب التنوع الثقافي فيها والأمان وسهولة التنقل أيضاً”
مي شعبان، طالبة الدكتوراة في قسم تعلم الآلة بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، تعمل على تطوير.....
محمد رضوان يشرح كيف يساعد نموذجه التنبئي، HuLP، الأطباء في تقييم كيفية تطور الحالات المرضية بالسرطان لدى.....
اقرأ المزيدبعد حصوله على الماجستير في الرؤية الحاسوبية، أحمد شرشر – طالب الدكتوراه – يسعى إلى تمكين الجميع.....