لنتخيّل قرية بعيدة في المستقبل. يعاني أحد سكانها وجعاً في المعدة لكن الذهاب إلى أقرب مستشفى يستلزمه ساعات أو حتى أياماً متعددة.
لذلك، يعرض عليه أحد جيرانه، الذي لا يتمتع بأي تدريب طبي رسمي، بفحص معدته باستخدام جهاز علاج غير توغلي من أجل تحليل منطقة الجسم التي تسبب الألم. ويقدم هذا الجهاز من خلال مسح بسيط معلومات تشير إلى أن ما يعاني منه الرجل هو عسر الهضم وليس التھاب الزائدة، وبالتالي لا حاجة للتوجه إلى المستشفى وخوض تلك الرحلة الطويلة.
بحسب محمد يعقوب، الأستاذ المشارك في قسم الرؤية الحاسوبية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، “هذه إحدى الابتكارات العملية التي يُحتمل أن يطرحها الذكاء الاصطناعي في المستقبل.”
غير أن سنوات عدة تفصلنا عن إمكانية تطوير مثل هذا الجهاز الذي يصفه الأستاذ يعقوب، الذي يعمل مع فريقه اليوم على تطوير تطبيقات مباشرة أكثر للذكاء الاصطناعي.
عمل يعقوب في المجالَين الأكاديمي والصناعي، لكن اهتماماته البحثية انصبت دائماً على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لحل المشاكل التي يصادفها قطاع الرعاية الصحية.
ويقول: “نرى الذكاء الاصطناعي يساهم في معالجة مشاكل متعددة وأرغب في أن يحوّل الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية إلى خدمة مستدامة وميسورة التكلفة ويسهل الوصول إليها.”
يدير يعقوب مختبر الذكاء الاصطناعي للعلوم الطبية الحيوية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، حيث يتعاون مع زملائه على استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير حلول في مجالات عدة، منها طب القلب وطب الرئة وطب الأورام. وغالباً ما يتعاون المختبر مع المستشفيات والمختبرات الأكاديمية الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، جمع يعقوب في خلال دراساته الجامعية بين الذكاء الاصطناعي من جهة وتحليل الصور التي تُعنى بصحة الجنين من جهة أخرى. واستخدم التصوير بالموجات فوق الصوتية لتحليل العلاقات التي تربط بين “الخصائص المادية” لدى الجنين، مثل نمو العظام، وكيفية تأثر هذه الخصائص بعوامل متعلقة بالأم مثل التدخين وممارسة التمارين الرياضية والتغذية.
وتوصل بحثه إلى معلومات تشير إلى ارتباط نمو عظام الجنين، ولاسيما عظم الفخذ، بمستويات الفيتامين (د) لدى الأم. والجدير بالذكر أن التحليل البشري لم يكن ليتوصل إلى هذه العلاقة على الأرجح من خلال التصوير بالموجات فوق الصوتية وحده.
ويفسّر يعقوب: “باستطاعة الطبيب أن يحلل بضعة آلاف المسوحات في خلال حياته. أما الذكاء الاصطناعي، فهو بمثابة الجمع بين عقول عدة أطباء لامعين في مكان واحد وتمكينهم من الوصول إلى صورة معينة في الوقت نفسه، ما يحسّن في الغالب نتائج التحليل مقارنة مع اطلاع شخص واحد على الصورة. وهو بالتالي أداة داعمة تساهم في تحسين الممارسات السريرية واستراتيجيات صنع القرار.”
يسخّر يعقوب اليوم خبرته في تحليل الصور في مجال سرطان الرأس والعنق، الذي يصيب حوالي 900 ألف شخص ويؤدي إلى 400 حالة وفاة حول العالم كل سنة، بحسب المرصد العالمي للسرطان ومنظمة الصحة العالمية.
ويستخدم الأطباء أدوات التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، والتصوير المقطعي المحوسب، من أجل تصوير الأورام في سياق معالجة سرطان الرأس والعنق. ويحلل الأطباء هذه الصور بالإضافة إلى بيانات المرضى مثل العمر والجنس والإثنية. ومن ثم يجمع الأطباء بين المسوحات ومعلومات المرضى لتقييم السرطان الذي يعاني منه المريض. ولهذه التقييمات أهمية كبيرة لأنها تحدد نوع الرعاية التي سيحصل عليها المريض، كما تسمح التقييمات الدقيقة للأطباء بتطوير خطة علاج مناسبة يمكنها ربما إنقاذ حياة المريض.
نجح يعقوب وزملاؤه مؤخراً في تطوير “طريقة تعلم عميق” تحاكي طريقة إجراء طبيب الأورام لتحاليل معلومات المرضى وصور التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والتصوير المقطعي المحوسب، والتي تُعرف مجتمعة باسم “البيانات متعددة الصيغ، علماً أن هذه المهمة تطرح صعوبات بالنسبة للكثير من الأنظمة. ويستخدم النموذج الذي طوره يعقوب “شبكة متعددة الصيغ تقوم على المحوّلات” لأن المحوّلات تستطيع معالجة أنواع مختلفة من المعلومات، أي الصور ومعلومات المرضى في هذه الحالة، والجمع بينها.
ويشكل استخدام المحوّلات في تحليل الصور تطبيقاً جديداً. إذ سبق لعلماء الحاسوب أن طوروا نماذج لمعالجة معلومات سرطان الرأس والعنق، إلا أن هذه النُهج استخدمت عادةً أنظمة منفصلة لتحليل الصور وبيانات المرضى. أما النهج الذي اعتمده يعقوب، فيعالج البيانات متعددة الصيغ في الوقت نفسه.
درّب الباحثون نموذجهم على مجموعات بيانات مترسّخة، وحقق هذا النموذج أداءً أفضل من معظم الطرق المتقدمة المتوفرة في المجال. وتم تقديم البحث إلى المؤتمر الدولي حول حوسبة الصور الطبية والتدخل بمساعدة الحاسوب، الذي عُقد في سنغافورة في سبتمبر. ويبني هذا البحث على نتائج البحوث السابقة التي أجراها مختبر يعقوب حول هذا الموضوع.
وأشار يعقوب إلى أنه بالرغم من التقدم المُحرز في مجال تحليل التصوير الطبي، لا نزال نواجه تحديات كبيرة لا تتعلق بعلوم الحاسوب، بل بإمكانية الوصول إلى المعلومات. ويقول: “في مجال الرعاية الصحية، من الأساسي أن يتمكن الباحثون من الوصول إلى البيانات الطبية”، مضيفاً أنه يتوجب على المؤسسات أن تدرس أفضل طريقة للتعاون مع الباحثين من أجل مشاركة البيانات مخفية الهوية بطريقة مسؤولة.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....