دَعُونا نَعُود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً ونتذكر معاً كيف كان العمل قبل تفشي جائحة كوفيد-19؟ بالنسبة للكثيرين، لم تشكل الجائحة العالمية منعطفاً غيَّر طريقة عملنا وتواصلنا فحسب، بل أسهمت – مؤقتاً – في التقليل من آثار البصمة الكربونية للأنشطة البشرية. وعرفت مستويات الانبعاثات خلال فترة ذروة تفشي فيروس كوفيد-19 انخفاضاً تدريجياً كبيراً من 75% إلى 50% ثم 15% سببه تراجع حركة الملاحة الجوية والنقل البري، وهي مستويات عُويِنَت آخر مرة عام 2006.
لقد أكدت دراسة حديثة، خصوصاً بعد عودة الكثيرين إلى مقرات عملهم، ما كان يتوقعه الكثيرون من حيث إن العمل من المنازل يمكن أن يكون له آثار إيجابية على البيئة، غير أن هذا ليس على النحو الذي قد نتخيله. وقد أظهرت الدراسة، التي نُشرت في سبتمبر 2023 في “مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم”، أن “الانتقال من العمل المكتبي إلى العمل المنزلي يمكن أن يسهم في خفض البصمة الكربونية بنسبة تصل إلى 58%” في الولايات المتحدة، غير أن هذا لن يتأتى إلا باتخاذ قرارات صديقة للمناخ تخص طرق استخدامنا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأنماط استهلاكنا للطاقة في العمل والمنزل، ووسائل التنقل التي سنختارها.
وتُشير هذه التطورات إلى مقدمات ما اشتغل عليه الدكتور هاو لي لسنوات، وهي بوادر مستقبل سيَعتمد فيه الجمهور تقنية التواصل عن بعد ثلاثية الأبعاد في تجربة تفاعلية بالكامل ستحدث تغيُراً جذرياً في أنماط الاتصال، والترفيه، والعمل، والتعليم. ويقول هاو لي، الأستاذ المشارك في قسم الرؤية الحاسوبية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي: “إننا نحاول، في الجامعة، تحسين الطريقة التي يتواصل بها الناس؛ وواحدة من الأشياء التي نسعى إلى تحقيقها هي تعويض الانتقال الفعلي إلى مكان ما بالانتقال اللحظي الافتراضي. كما نحاول استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق أشياء لا يمكن القيام بها عملياً في الواقع”.
جدير بالذكر أن الدكتور هاو لي، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة “بينسكرين” الناشئة التي تُطور تقنيات الصور الرمزية الافتراضية بالذكاء الاصطناعي، قد أمضى أكثر من 17 عاماً في بحث التقاطُعات بين رسومات الحاسوب، والرؤية الحاسوبية، والذكاء الاصطناعي مع تركيز خاص على استخدام الشبكات العصبية، والتعلم العميق، والتكنولوجيات المدفوعة بالبيانات بهدف تطوير قدرات المعالجة الهندسية الديناميكية، وإنشاء الصور الرمزية الافتراضية، والتقاط تعابير الوجه، ورقمنة الأشكال ثلاثية الأبعاد بالذكاء الاصطناعي.
ويطبع المسار المهني للدكتور هاو لي التركيز على البحث الأكاديمي وتطوير المنتجات، وتضم قائمة عملائه شركات “إنداستريال لايت آند ماجيك“ و”لوكاس فيلم المحدودة” و”ديزني للأبحاث – زيوريخ”، و”كولوس في آر/فيسبوك” و”نيتفليكس”. كما أن بحوث الدكتور أسهمت في تحسين قدرات العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان على مستوى العالم، وساعدت أيضاً في تطوير “الأنيموجي” المستخدمة في هاتف” أيفون إكس” من شركة “أبل”.
وعلاقةً بتكنولوجيات التواصل عن بعد ثلاثي الأبعاد يطرح هاو لي عدة تساؤلات، ويقول: “كيف يمكننا تطوير التقنيات اللازمة لرقمنة الإنسان؟ وكيف يمكننا التقاط بيئات كاملة، بحيث يمكن للأشخاص أن يكونوا في مكان ما، وزيارة مكانٍ آخر ليروا كيف يبدو؟ كما تساءل الأكاديمي عن الكيفية التي يمكن بها تطوير هذه التقنيات بطريقة لا تجعلها متاحة فقط للخبراء وإنما كذلك للجمهور؟”.
ويَسُوق د. هاو لي، في هذا الصدد، نموذج الإصدار الأخير من “Google Universal Translator” الذي يمكنه إعادة دبلجة فيلم بترجمة تعكس أسلوب النص الأصلي وطابعه بتزامن وتطابق كاملين مع حركة الشفاه. وتشكل هذه التقنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثالاً سيحدث تحولاً لن يقتصر فقط على كيفية مشاهدتنا للأفلام واستمتاع بها، بل وحتى الطريقة التي سنتعلم بها في المستقبل.
ويشرح الدكتور هذا التطور موضحاً أن: “الأمر لا يقتصر على معالجة اللغة الطبيعية بما يمكننا من الترجمة من لغة إلى أخرى، بل كذلك إننا نعمل على تطوير مرئيات تُمكننا من إعداد مواد لدورات تدريبية عبر الإنترنت يكون فيها المدرب قادراً على التحدث بأي لغة بضغطة زر واحدة؛ والسؤال هنا هو كيف يمكننا تحقيق هذا، ليس فقط في الوقت الفعلي، ولكن أيضاً بتقنية الحضور عن بعد ثلاثية الأبعاد؟”.
ويتابع هاو لي قائلاً: “فبدلاً من محاولة المؤرخين أو علماء الآثار وصف كيف كانت الأمور تبدو في الماضي، يمكننا الآن استخدام البيانات لإعادة بناء هذا الماضي والعودة إليه وتجربته والتفاعل معه بدلاً من مجرد رؤيته”. الكلمة المفتاحية هنا – في تقدير هاو لي – هي الانتقال اللحظي الافتراضي، حيث إن الأمر لا يتعلق فقط بالتفاعل بين الأشخاص، وإنما أيضاً بالوجود في مكان آخر.
في جولة في مختبر الميتافيرس بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، حيث يتولى د. هاو لي منصب المدير ويشرف على فريق دولي مكون من تسعة طلاب دكتوراه، يعرض الدكتور أحدث بحوث المختبر، والتي تتضمن استخدام الشبكات العصبية العميقة لتوليد بيئات ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي باستخدام مقطع فيديو تم تصويره بهاتف محمول فقط.
وتعتمد هذه التقنية استخدام عملية معروفة تسمى تحديد البنية انطلاقاً من الحركة، والتي تمكن الذكاء الاصطناعي من فهم موقع الكاميرا بالنسبة للبيئة التي تقوم بإنشائها جنباً إلى جنب مع الشبكات العصبية العميقة القادرة على استنتاج الشكل الذي من المحتمل أن تبدو عليه البيئة عندما تكون الصور المصدر غير مكتملة أو غير متاحة، وبالتالي التمييز بين الحقيقي والمتخيل يصبح شبه منعدم بشكل فعال.
ويتابع د. هاو لي شرحه قائلا: “إننا نطور تقنية الحضور أو المشاركة عن بعد التي تسمح للأشخاص بالتواصل، بشكل تفاعلي، من أي مكان داخل بيئة متحركة ثلاثية الأبعاد”؛ وهذه التقنية – يقول الدكتور – أن لها تطبيقات محتملة كثيرة، لأنها تتيح الذهاب إلى أي مكان يرغب المستخدم في الانتقال إليه. كما أن نشر استخدام هذه التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد التفاعلية بالكامل يَعد بتطورات مثيرة للاهتمام عند الحديث عن التعليم والتدريب واختبار النماذج الأولية.
“الواضح أن لهذه التكنولوجيا فوائد ملموسة وفورية بالنسبة لعالم ألعاب الحاسوب. كما يمكنها أن تسمح لك بزيارة متحف، على سبيل المثال، أو زيارة شقة تريد رؤيتها قبل استئجارها.. إننا نتحدث هنا عن تكنولوجيا لديها القدرة على جعل تطوير المحتوى التفاعلي والنشط متاحاً للجميع”.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....