نشر هذا المقال لأول مرة في مجلة “وايرد الشرق الأوسط” بتاريخ 3 نوفمبر 2021
يتناول الجدل الدائر حقيقة ما إذا كانت الآلات ستتمتع بالقدرة على الإجابة على أهم الأسئلة الوجودية في الحياة – أو حتى مجرّد إدراك مقدار الألم الذي تسببه إصابة أصابع القدم.
ربما لا تبدو الأسطر أعلاه عميقة بما يكفي لترسي أسساً ترتكز عليها ثورة جديدة في الفكر الفلسفي، وهي بكل تأكيد لا تحمل الوزن الفكري لعبارات مثل “الحياة من دون ابتلاء لا تستحق العيش” (سقراط) أو “الوجود يسبق الجوهر” (جان بول سارتر). وبهدف إيجاد مكافئ حقيقي لهذه العبارات، لا بد من العودة إلى المرة الأولى التي سأل فيها رجل الكهف عن سبب شعوره بالألم عند ارتطام الصخور برأسه – في محاولة مبكرة وأساسية لخوض بحار علم الوجود سعياً لفهم طبيعة الوجود.
وحتى أن معضلة رجل الكهف القديمة هذه قد تبدو مثقلة بالتعقيد الفلسفي عند مقارنتها بعبارات مثل (ding-a-dong, sweet song). لكن الأغنية التي أفرزت هذه السطور – أغنية “سينث بوب” (synth-pop) الفائزة بمسابقة “يوروفيجن” لأغنية الذكاء الاصطناعي عام 2020 بعنوان (Beautiful the World)، قد تمثل شيئاً أكبر بكثير من هذا المزيج من المشاعر المبتورة إلى حد ما. ويعزى هذا إلى حقيقة مفادها أن الجزء الأكبر من ألحان وكلمات هذه الأغنية هو من تأليف الذكاء الاصطناعي.
وفي معظم الأحيان، لا يصلح العمل الذي يقوم بع علماء البيانات لتصدر عناوين الأخبار الرنانة. لكن في ربيع العام الماضي، أصبح الفريق المسؤول عن إنجاز أغنية Beautiful the World والذي يضم مجموعة من الباحثين من جامعة “نيو ساوث ويلز” الأسترالية، يمثل استثناءً لهذه القاعدة. ولا تعد كلمات الأغنية تقدماً ملموساً في نماذج اللغة الحاسوبية؛ لكن الحدث الأبرز تمثل بفوزها بالجائزة الأولى في النسخة الافتتاحية من مسابقة “يوروفيجن” لأغنية الذكاء الاصطناعي.
وبقدر ما يمكن لهذا أن يكون مثيراً للإعجاب، إلا أنه لا يقدم أي توضيحات بشأن كيفية انتقالنا من كلمات سطحية مثل (ding-a-dong) إلى فلسفة ديكارت. وتحققت هذه القفزة النوعية بعد فترة وجيزة من فوز الأغنية بمسابقة “يوروفيجن”، عندما قام مشروع آخر تصدر عناوين الأخبار أيضاً من جامعة “نيو ساوث ويلز” بطرح بعض من الأسئلة الأكثر إلحاحاً في الحياة على نموذج لغوي قائم على الذكاء الاصطناعي (بما يشمل سؤال: “ما هو معنى الحياة؟”). وفي دراسة استطلاعية لاحقة، زعم المشاركون تفضيلهم للعديد من الإجابات المولدة بواسطة الآلة على تلك التي قدمتها شخصيات مثل الدالاي لاما وإسحاق نيوتن و(على نحو مفاجئ) إيلون ماسك. ومن الناحية التكنولوجية، لم تكن هذه التجربة مختلفة إلى حد كبير عن اقتحام الجامعة لمشهد موسيقى البوب – ويتمثل الجانب الذي أضفى طابعاً من الحماسة عليها بفكرة أن الحاسوب قد يكون قادراً على بلوغ مرحلة التفوق الفكري على الفلاسفة البشر.
ولم يكن باحثو الجامعة، بأي شكل من الأشكال، أول من حاول طرق هذا الباب. ففي أواخر ثمانينات القرن الماضي، كرس الفيلسوف الأمريكي جون بولوك نفسه لتطوير شكل من أشكال العقل أو الفكر الاصطناعي (artilect) يحمل اسم “أوسكار”. وفي غضون ذات الوقت تقريباً، بدأت شركة “آي بي إم” باستخدام الشعار الإعلاني “أنا أفكر إذاً أنا آي بي إم” (I think, therefore IBM). وفي الآونة الأخيرة، استخدمت شبكات عصبية اصطناعية عملاقة لمحاكاة وظائف الدماغ البشري. ثم ظهرت مشاريع مثل Philosopher AI، الذي يستخدم النموذج اللغوي GPT-3 للإجابة على (أو تجنب) أسئلة المستخدمين. ويمكن إقناع “سيري” و”أليكسا” حتى بخوض نقاش فكري بدائي.
ويعترف توبي والش، أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة “نيو ساوث ويلز”، بأن أنظمة كهذه تعتبر مضللة إلى حد كبير؛ بمعنى أنها تحاكي عملية الاستقصاء الفلسفي بدلاً من القيام بها. والسؤال الآن هو هل سيتمكن الباحثون من الانتقال من هذه المرحلة نحو شيء أكثر أهمية؟ أما بالنسبة للإجابة، يمكن لنا أن نستخدم أسلوب “أليكسا” ونقول: أنا آسفة، لا أعرف ذلك.
وقال والش: “حققت دراستنا خطوة صغيرة نحو الأمام. وبدلاً من الطرائف التي تسمعونها عند طرح سؤال على “سيري” أو AI Philosopher – الذي يقدم أجوبة معدة مسبقاً ومبرمجة يدوياً – أظهرنا ما يمكن فعله عند معالجة جميع المستندات النصية التي يمكن العثور عليها على شبكة الإنترنت باستخدام شبكة عصبية عملاقة تشتمل على مليارات المعلمات. وكنا قادرين على تحقيق إنجاز أكبر من مجرد إنشاء جمل معقولة، لكن هذه العملية لا تزال محدودة للغاية”. ومع ذلك، يأمل والش أن يساعد هذا النهج على النهوض بمجال فلسفة الذكاء الاصطناعي بالنظر إلى حقيقة أن “اللغة هي أساس الفكر”.
ويتبنى إريك زينغ، رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجهة نظر أكثر تشككاً؛ حيث يصف العمل الجاري إنجازه باستخدام النماذج اللغوية الحالية بأنه يشبه “إرسال بطة بعد غمر قدميها بالحبر للتجول فوق قطعة من الورق وتسمية الناتج بعمل فني تجريدي”. وأضاف زينغ: “يمكن للمرء أن يجمع بين السمات والأفكار المختلفة لجميع هؤلاء المشاهير وإنتاج أفكار تبدو عميقة للوهلة الأولى. لكن فيما يتعلق بإدراك تلك الآلة للمواضيع أو الأفكار التي تتحدث عنها أو ما إذا كانت فلسفتها ذات مغزىً أم لا، لا أعتقد أن هذا الأمر قابل للتحقيق”.
وتعتبر اللغة مجرد واحد من المواضيع التي تمثل مسرحاً للنقاشات المستمرة حول مسألة متى – وهل – سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً على تقديم أفكار ذات مغزىً بشأن مواضيع مثل الموت ووجود الكون وماذا يعني أن تكون إنساناً. ومن بين الأشخاص الذين يؤمنون بقدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق ذلك، يبرز الفيلسوف جون سيرل الذي يعتقد أن المزيج المؤلف من الحاسوب الصحيح والمدخلات المناسبة سوف “يمتلك عقلاً تماماً كما هو الحال مع البشر”.
ومن ناحيته، يتبنى عالم البيانات والكاتب الإيراني هادي آقازاده وجهة نظر تفاؤلية مشابهة. ويقول: “أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجد حلولاً للقضايا الفلسفية. ويمتلك البشر رغبة متأصلة في بناء أشياء متفوقة بطريقة ما – أشياء أكثر سرعة وقوة وذكاء منا. وربما ستساعدنا التكنولوجيا في التغلب على محدودية عقولنا والإجابة على هذه الأسئلة. وهو شيء يمكننا ويجب أن نفعله”.
ولكن بعد ذلك، وكما يذكرنا زينغ، لا يزال هنالك طريق طويل يتعين على الذكاء الاصطناعي أن يقطعه قبل أن يكون قادراً على مساعدتنا في أشياء كثيرة تتعدى محدودية قدراتنا على معالجة البيانات. ويقول زينغ أنه في الوقت الراهن “تتجسّد القدرة البشرية في عمق التفكير”.
ويميل الأشخاص من غير الخبراء إلى المبالغة في قدرات الذكاء الاصطناعي. ويعزى هذا الأمر بصورة جزئية إلى وجود عدد كبير من الآلات الأكثر ذكاء في أفلام وقصص الخيال العلمي – الروبوتات الأخلاقية في رواية “أنا روبوت” (I, Robot) للكاتب الروسي إسحاق أسيموف، أو المساعدة الافتراضية اللعوب في فيلم “هير” (Her). كما ينبغي أن تتحمل وسائل الإعلام، التي تعشق قصص نهوض الروبوتات، بعضاً من اللوم. وفي الحقيقة، تعتبر الآلات رائعة في أداء مهام محددة كالتعرف على الوجوه أو معالجة الأرقام أو لعب الشطرنج أو كتابة مقطوعات سوناتا بأسلوب ويليام شكسبير. لكن التفكير هو الشيء الذي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به – على الأقل ليس بطريقة فهمنا لهذه الكلمة.
لذلك، يتصارع العلماء في المختبرات حول العالم مع النظم المعمارية الإدراكية والشبكات العصبية والرقاقات العصبية المشبكية، ويمتلك جميعهم طموحاً كبيراً لتحقيق قفزة نوعية ترتقي بمستوى الذكاء الاصطناعي المحدود حالياً إلى حالة من الذكاء العام الشبيه بالذكاء البشري. وفي هذه المرحلة، ومن الناحية النظرية، سيتمكن الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى ذات مجموعة الحيل الإدراكية التي نستخدمها – أشياء مثل الفطرة السليمة والخيال والتجريد والارتباط الحر وفهم الأسباب والنتائج. وفي الوقت الراهن، يقول والش متحدثاً عن الذكاء العام أنه “من السهل أن يتفوق طفل بعمر الثالثة على الآلات”.
ويشير عنوان كتاب والش “2062: العالم الذي صنعه الذكاء الاصطناعي” (2062: The World that AI Made) إلى دراسة استطلاعية قام بإجرائها واستقصت آراء مئات الخبراء حول الموعد المحتمل الذي ستتمكن بحلوله الآلات من مجاراة أو حتى التفوق على الذكاء البشري (وكان عام 2062 يمثل متوسط الإجابات المقدمة). وقال والش: “لا ينبغي أن نشعر بالدهشة إن استغرق الأمر كل هذا الوقت الطويل؛ إذ يعتبر الدماغ البشري أكثر الأشياء تعقيداً في الكون الذي نعرفه، وقد احتاج لملايين السنين حتى يتطور إلى حالته الراهنة. ولكن من المفترض أن يتحقق هذا الأمر في غضون قرن من الزمن”.
وخلال مناقشة القيود التي يعاني منها الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، يتذكر السيد زينغ كلمة ألقاها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد في عام 2002 قسّم فيها المعرفة إلى ثلاث فئات: المعارف المعروفة والمجاهل المعروفة والمجاهل غير المعروفة (وقال إن الفئة الأخيرة تجسّد أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة). وقال زينغ: “في ذلك التصريح، أشار رامسفيلد إلى عبقرية الذكاء البشري. وسيكون من الصعب للغاية أن تقوم آلة ما بتحديد ما لا تعرفه وأن تطرح هذا السؤال بنفسها وتعزز معرفتها”.
ويتابع زينغ حديثه مشيراً إلى أن أحد أبرز أوجه القصور الأخرى التي يعاني منها الشكل الحالي للذكاء الاصطناعي يتمثل بعدم قدرته على الانخراط في أنشطة التفكير المغاير للواقع. وقال زينغ: “يمكن أن نطرح على أنفسنا سؤالاً من قبيل ماذا لو لم يتعرض جون كينيدي للاغتيال. ويمكن للبشر التعامل مع هذا النوع من الفرضيات بكل سهولة، ولكن هذه القدرة غير موجودة لدى الذكاء الاصطناعي حالياً”. ومن الواضح تماماً أنه في ظل غياب هذه القدرة – أي القدرة على الجنوح بالخيال من الوقائع إلى الافتراضات – لن تبلغ الآلات أبداً مرحلة الفكر الفلسفي الحقيقي.
ولا يعني هذا الأمر أن زينغ فقد الأمل، وقال: “لا يعتبر افتراض أن الذكاء الاصطناعي قادر على الانتقال من التفكير الواقعي إلى أشكال أكثر تعقيداً بمثابة أمر بعيد المنال أو صعب التحقيق. ففي حال استوعبت الآلات الكم الهائل من البيانات التي تجمعها ضمن تمثيلاتها الداخلية، يمكن أن نحصل على نتيجة مثيرة للاهتمام. وأتخيل وجود إمكانية لاستخلاص بعض المعلومات المتعمقة عبر تدريب الذكاء الاصطناعي على إنشاء نوع ما من منظومات الاستكشاف التنبؤي أو استكشاف الأنماط. ونحن نعمل بشكل تدريجي نحو بلوغ مرحلة أكثر تقدماً على صعيد قدرات التفكير”.
وحتى إن لم ننجح في الوصول إلى هذا التفكير المتقدم، هناك خطة بديلة. ففي عام 1950، ابتكر عالم الحاسوب الإنجليزي آلان تورينج اختباره الشهير (أو لعبة التقليد) الذي كان يهدف إلى خداع الناس نحو الاعتقاد بأن الآلات تتمتع بذكاء شبيه بالذكاء البشري – وسيكون هذا الأمر، بحسب تورينج، كافياً حتى في ظل غياب الشيء الحقيقي. وقال والش: “من منظور هندسي، تتحتم عليّ الموافقة على هذه الفكرة. فإن قام شيء ما بمحاكاة سلوكيات طيور البط يمكن لنا أن نعتبره منها”.
لكن من جانبه، لا يبدي آقازاده ذات الدرجة من الثقة، حيث يقول: “لا يكفي أن يكون لدينا آلة تتظاهر بأنها إنسان؛ إذ يتعين علينا العثور على طرق لإنشاء أنواع جديدة من العقول وأخرى للنظر في ماهية الأشياء. وفي حال تمكنا من ذلك، سيتغير تعريفنا للإنسانية دون شك”.
لذلك، نحن متفقون على مسألة أنه من خلال توسيع آفاق الذكاء الاصطناعي – باستخدام مزيج من تكنولوجيا التعلم العميق والشبكات العصبية المعقدة والمدخلات المنسقة بعناية والنماذج اللغوية المتطورة – سنتمكن في نهاية المطاف من طلب مساعدة هذه الآلات في بحثنا الأبدي عن المعنى.
ولكن….
هناك في الواقع قطعة أخرى من هذه الأحجية – كرة متغيرة الشكل وغير مرئية من المادة المفاهيمية نطلق عليها اسم الوعي. وهو الشيء الذي يسرق النوم من أعين باحثي الذكاء الاصطناعي ليلاً. ويقول والش: “إنه لأمر رائع بحق: يفتح المرء عينيه في الصباح وفجأة يصبح واعياً. وتجسّد هذه المسألة تجربة أن تكون على قيد الحياة والمعنى العميق لكونك حياً، ولكن ليس لدينا أدنى فكرة عن ماهيته. بالرغم من إدراكنا لحقيقة أنه يكمن في مكان ما في الدماغ، لكن إن سألنا عالم أعصاب عن موقعه لن يقدم لنا أي جواب شافٍ”.
ويتابع والش: “تطرح فكرة الوعي بحد ذاتها مجموعة من الأسئلة تعتبر الإجابة عليها أمراً مستحيلاً، على الأقل في الوقت الراهن. هل يمكن أن يتمتع المرء بالذكاء دون وعي أو العكس؟ وفي الحقيقة، نحن لا نمتلك أدنى فكرة عن ذلك. ويمكن أن ينتهي بنا المطاف مع آلات ذكية لا تتمتع بالوعي – وهو أمر يجسّد بطريقة ما نوع الذكاء الذي يتمتع بها الموتى الأحياء في أفلام الخيال العلمي. لكن هناك أيضاً حجة مفادها أن المرء لا يمكن أن يتمتع بذكاء حقيقي دون وجود شكل من أشكال التفكّر الذاتي”.
وإليكم ما نعتقد أننا نعرفه عن الوعي: هو يشمل الوعي الذاتي والإدراك الحسي ونوعاً من التواصل بين الذاكرة والعاطفة. كما أنه يرتبط بالعديد من الأسماء المجردة – التفاني والازدراء والتعاطف والكبرياء والامتنان والخزي. وتعتبر الرغبة العارمة بتناول شطيرة شاورما الدجاج تعبيراً عن الوعي، وكذلك الأمر بالنسبة للنفور من موسيقى كيتي بيري. والسؤال هنا: كيف نحشد جميع هذه الجوانب ضمن آلة؟ والسؤال الأصعب: كيف نفسّر مدى الألم الذي تسببه إصابات أصابع القدم؟
ويجسّد الألم، الذي يعتبر بمثابة واحد من أبرز المحفزات، مسألة ذات أهمية خاصة وموضع اهتمام رئيسي بالنسبة لأشخاص مثل والش، حيث قال: “تدور الكثير من جوانب الفلسفة حول محاولة استكشاف الوجود، وتمثل المعاناة جزءاً من ذلك. ويمكن ألا تصبح الآلات على قيد الحياة بالطريقة التي نفهم بها تلك الكلمة – وهي بكل تأكيد ليست كذلك اليوم – لذلك تبقى مسألة ما إذا كانت ستتمكن من فهم الأسئلة المتعلقة بالأخلاقيات مثلاً غير واضحة البتة. وربما سيتعين علينا منح الروبوتات القدرة على الشعور بالمعاناة، وهو أمر سيؤدي إلى نشوء مجموعته الخاصة من المشاكل الأخلاقية الخطيرة”.
وبدوره، يبدي زينغ المزيد من الاهتمام بهذا الموضوع. ويقول زينغ: “تجسّد كيفية جعل الذكاء الاصطناعي يشعر بالمعاناة سؤالاً مهماً. ولا تمتلك الآلة أي بنية بيولوجية، لذلك يتساءل الناس عن إمكانية أن تراودها أي مشاعر”.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك من يقول بأن البشر ليسوا أكثر من مجرد آلات بحد ذاتهم، وإن كانت هذه الآلات مصنوعة من مواد أكثر تعقيداً وغموضاً. ويحاول زينغ مجاراة هذه الفكرة بقوله: “عندما تتعطل محطة للطاقة النووية، لا نعتبر هذا الحدث مرتبطاً بالعاطفة بل نقول أنه عطل ميكانيكي. ولكن يمكن للمرء أن يخوض جدالاً مبنياً على فكرة أن الصدمة العاطفية تعتبر بمثابة شكل من أشكال الانهيار. ويحدث هذا الأمر عندما يعمل أحد أجزاء الدماغ بصورة خاطئة”.
وبمناسبة الحديث عن حدوث الأخطاء؛ في عام 2016، كانت شبكة الإنترنت تعج بقصص عن روبوتات الدردشة التي تستخدم لغة بذيئة وعنصرية عند تفاعلها مع البشر – وهو ما يمكن اعتباره، بحسب زينغ، نوعاً من الانهيار العاطفي الاصطناعي. وقال زينغ: “هل حدث هذا الأمر بسبب فشل برمجي أم لأن الآلة كانت تعيش أوقاتاً عصيبة. وأود بهذه المناسبة أن أحذر من التعامل مع الذكاء الاصطناعي كشخص، أو وصف سلوكه باستخدام معايير بشرية، لكن بجميع هذه الأحوال تبقى هذه الأسئلة مثيرة للاهتمام”.
ويتمثل أحد الأسئلة المهمة الأخرى بكيفية اكتساب روبوتات المحادثة لمثل هذه السلوكيات المشينة – والإجابة هنا؛ بالتأكيد: لقد تعلمتها من شبكة الإنترنت. وفي الواقع، قد تشير هذه النقطة إلى حل محتمل لأزمة الذكاء الاصطناعي الوجودية – والتي تتمثل بفشلها في تحقيق الوجود على أرض الواقع. وليس من المبالغة أن نتخيّل أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي وهو يتجول في عالم افتراضي، حيث يتلاشى جزء غامض من شبكته العصبية عندما يواجه مشاعر الكبرياء أو التحامل أو حتى عندما يصطدم إصبع قدمه الرقمي بجسم ما. ولا يجسّد هذا الأمر ما نصنفه نحن البشر كتجربة، ولكن من قال أن الآلات الذكية يجب أن تكون مثلنا؟
وكما تبيّن لنا، يجزم كل من زينغ ووالش أن فرص عمل عقل الآلة على نحو مطابق لعقولنا تعتبر ضئيلة إلى حد كبير، حيث يقول زينغ: “لا أعتقد أن الآلة التي تتفوق على الذكاء البشري أو تكافئه يجب أن تتصرف بطريقة بشرية. لقد صممنا الطائرة تحاكي أشكال الطيور، لكن الطائرات لا تتصرف بذات الطريقة، فهي لا ترفرف بأجنحتها. وسيحقق الذكاء الاصطناعي أهدافه، لكن بطرق مختلفة للغاية على الأرجح”.
ويثير هذا النمط من التفكير قلق آقازاده، حيث قال: “إن لم نزرع المشاعر الإنسانية في الآلات، وإن كان تفكيرها يقتصر على الجانب المنطقي، ستفتقر هذه الآلات إلى الأخلاقيات والكياسة. لذلك، قد يكون الحل الأمثل للزيادة السكانية بالنسبة للآلة هو أن تقتل نصف سكان الأرض، وقد يحمل هذا الأمر جانباً منطقياً، لكننا كبشر لا يمكننا قبول ذلك. ويجسّد هذا الأمر خطراً حقيقياً، لذلك نحتاج إلى منح الذكاء الاصطناعي المشاعر والقيم التي نراعيها ونهتم بها”.
ويبدي والش مخاوف أقل حدة في هذا الصدد، حيث قال: “تستخدم الآلات في الوقت الراهن لإنجاز المهام الكريهة والمملة والصعبة والخطيرة. وقد تجسّد مسألة عدم وصولها إلى حالة الوعي نوعاً من أنواع الحظ الجيد بالنسبة لنا، لذلك لن نضطر للشعور بالقلق حيال مطالبتها بأداء مهام عادية أو بسيطة”. وذهب والش إلى حدود تذكر التذمر المستمر لشخصية مارفن الروبوت العنيد والمصاب بجنون العظمة (Marvin the Paranoid Android) في سلسلة روايات الخيال العلمي الشهيرة “دليل المسافر إلى المجرة” (Hitchhiker’s Guide to the Galaxy) للكاتب دوجلاس آدامز. وقال والش: “ما لا نريده هو وجود آلة تقول أشياء مثل: ها أنا ذا أمامكم، لدي دماغ بحجم كوكب، وكل ما تريدون مني فعله هو فتح الأبواب”.
البروفيسور إريك زينغ يناقش – في حوار أجراه مؤخراً – ريادة الجامعة الأخلاقية، والتعاون الدولي، والشفافية في.....
اقرأ المزيدكلمة البروفيسور إريك زينغ رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي ألقاها خلال فعاليات حفل تخرج.....
وقّعت دائرة الصحة أبوظبي مذكّرة تفاهم مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي و"كور42" التابعة لشركة جي42.....