تنطلق طيور الزرزور، وتلتف، وتغرد، وتحلّق عالياً، وتتسارع معاً في سرب واحد يحسبه الناظر من بعيد مخلوقاً يتشاجر مع نفسه. كل طير يؤدي حركة مختلفة، ولكنها تندمج كلها معاً في انسجام. ومجموعات الأسماك أيضاً تفعل الشيء ذاته، واستعراضاتها المبهرة تشوش وتربك الأسماك المفترسة، وتساعد بنات فصيلتها على الازدهار. فعبر العمل الجماعي، يمكن للمخلوقات أن تنعم بالأمان، واختيار المواقع المثلى لبناء أعشاشها، غير ذلك الكثير.
يمكن للبشر أيضاً القيام بهذا النوع من السلوكيات. ففي الفرق الموسيقية يمكن لأي موسيقي أن يكون تابعاً وقائداً في آن واحد. فكل منهم يتكيف حسب سرعة وشدة ولحن عزف الآخر. ويخلقون معاً تجربة فريدة للمستمعين كلما عزفوا.
يمكن قول الشيء نفسه عن التفاعل بين الإنسان والحاسوب، وهو مجال دراسي يتعمق في التجارب التي تشمل البشر وأجهزة الحاسوب، وهي تجارب مملة تارة وفريدة تارة أخرى. فأجهزة الحاسوب تمتاز بقدرتها على تنفيذ الأوامر وتخزين كم كبير من المعلومات. بينما يمتاز البشر بحدسهم وخروجهم عن المألوف وإبداعهم. لذلك، فسواء كان التفاعل على شكل سؤال عبر محرك البحث جوجل عن عنوان وجهة ما، أو طلب كمية ضخمة من البيانات من حاسوب خارق، فهناك تفرد دائم في التفاعل بين الإنسان والآلة.
لا شك أن التفاعل بين الإنسان والحاسوب يختلف عن نظيره الذي يحدث ما بين البشر أنفسهم، لا سيما عندما يتعلق بالأنشطة المجردة كالموسيقى. وفهم سبب اختلاف هذين النوعين من التفاعلات يعتبر موضوع بحث الدكتور غس شيا، الأستاذ المساعد الزائر في قسم تعلم الآلة بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ويشغل أيضاً منصب أستاذ مساعد للشبكة العالمية في كلية علوم الحاسوب بجامعة نيويورك شنغهاي.
صحيح أن الدكتور شيا يدرس الموسيقى، لكن عمله حقيقة يتجاوز ذلك بكثير. فهو يوظف شغفه في الموسيقى وإعجابه بتعقيداتها في جعل الذكاء الاصطناعي يتصرف بشكل أقرب للطبيعة البشرية عند تفاعله مع أنشطة عالية المستوى كالموسيقى مثلاً.
يقول شيا: “الموسيقى فن مجرد للغاية. فهي لا تلزم الموسيقيين بالارتباط بشكل صارم بالعالم المادي، وتعتمد بالمجمل على إطلاق مخيلتهم الابداعية فحسب. ولهذا السبب، أعتقد أن الموسيقى هي الطريقة المثلى لدراسة الذكاء الإبداعي”.
ويندرج عمل شيا الحالي في تحليل وإنشاء المعزوفات الموسيقية باستخدام أجهزة الحاسوب، كما تتضمن أساليبه في اكتشاف أنماط تفكير البشر والحاسوب محاولات تحمل في طياتها الكثير من الانتكاسات والنجاحات والمواقف الهزلية.
وبهذا الصدد، قال شيا: “لا يمكن لأجهزة الحاسوب إدراك ماهية الموسيقى بالضبط، وكل ما لديها هو تصورات عامة عنها. وصحيح أن جهاز الحاسوب يمتلك القدرة على إنتاج مخطط طيف صوتي، ومن ثم يستخرج منه مفاهيم عالية المستوى. أما نحن البشر، فنستمع بآذاننا للموسيقى كشيء مشابه لمخطط طيف صوتي، ولكننا نستطيع في نفس الوقت إدراك العديد من المفاهيم الأخرى ذات المستوى الأعلى”.
يرى الدكتور شيا بأن الإنسان متفوق على الآلة فيما يتعلق بالمفاهيم الموسيقية، ويعود ذلك بسبب اختلاف إمكانات كل منهما عن الآخر، وقدرته على تنفيذ الأشياء. فأجهزة الحاسوب لها قدرة أكبر من قدرة الأذن البشرية على التقاط الإشارات الصوتية، ولكنها تفتقد “للعقل الموسيقي الإبداعي” الذي تستطيع من خلاله استنباط جميع المفاهيم عالية المستوى اللازمة لابتكار مؤلفات موسيقية جميلة متعددة المستويات.
يعد الدكتور شيا موسيقياً محترفاً ومبتكراً في توظيف القدرات الفريدة لأجهزة الحاسوب لتعلم الموسيقى بشكل أسرع، وإنشاء وتأليف المقطوعات الموسيقية.
يضيف شيا: “أنا موسيقي محترف، لكن لحسن حظي لا أزال مبتدئاً في مجال التلحين الموسيقي. فقد لعبت قلة خبرتي في التلحين دوراً مباشراً في تعزيز اهتمامي بتعليم أجهزة الحاسوب كيفية تأليف مقطوعات موسيقية احترافية لا مثيل لها”.
واختتم قائلاً: “حلمي أن أعيد صياغة ذائقتي للموسيقى العربية على طريقة معزوفة سوناتا ضوء القمر لبيتهوفن بعزف مايلز ديفيس على آلة الفلوت”.
تتسم أبحاث الدكتور غس شيا بطبيعتها متعددة التخصصات. كما أنه يبدي اهتماماً كبيراً بتصميم أنظمة ذكية تفاعلية لتوسيع مساحة الإبداع والتعبير الموسيقي البشري. ويشكل هذا البحث مساحة تقاطع بين مجالات تعلّم الآلة والتفاعل بين الإنسان والآلة والروبوتات والموسيقى الحاسوبية. وتشتمل قائمة أعماله على عناوين مثل التأليف التفاعلي عبر نقل النمط، والعروض التفاعلية للإنسان والآلة، والروبوتات المستقلة الراقصة، وعمليات استرجاع الموسيقى واسعة النطاق والقائمة على المحتوى، والإرشادات اللمسية لتعليم العزف على الفلوت، وحوسبة الموسيقى الحيوية باستخدام العفن الغروي.
يشغل الدكتور شيا منصب أستاذ مساعد للشبكة العالمية في كلية علوم الحاسوب بجامعة نيويورك شنغهاي، كما يعمل كأستاذ مشارك في كل من كلية تاندون للهندسة في جامعة نيويورك، ومختبر الذكاء الحاسوبي والتعلم والرؤية والروبوتات (CILVR) في مركز علوم البيانات بجامعة نيويورك، ومختبر أبحاث الموسيقى والصوت (MARL) في كلية شتاينهارت للثقافة والتعليم والتنمية البشرية في جامعة نيويورك. وكان الدكتور شيا قد حصل على شهادة الدكتوراه من قسم تعلّم الآلة في جامعة كارنيغي ميلون في عام 2016، وكان زميلاً لمعهد نيوكوم في كلية دارتموث بين عامي 2016 و2017.
يعتبر الدكتور شيا عازفاً محترفاً على آلتي “دي” و”شياو” (الفلوت الصيني والفلوت العمودي). وهو عازف منفرد في كل من فرقة “نيويورك شنغهاي جاز” و”بيت كارباثيان” ومعهد الموسيقى الصيني في جامعة بكين.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....