تمزح لورا كوستن غالباً حول رحلتها غير المتوقعة إلى عالم التكنولوجيا حيث كانت شهادتها الأولى في مجال الرعاية الصحية، وهو مجال بعيد كل البعد عن الحوسبة. ولتجنب إلحاح الناس عليها لتقديم استشارات طبية في المناسبات الاجتماعية، كانت تقول أنها تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات: وهو مجال تخيلت لورا أنه سيكون أقل جاذبية، وسيبعد بكل تأكيد مثل هذا الاهتمام بطلب الاستشارات منها.
تقول الأستاذة المساعدة في التفاعل بين الإنسان والحاسوب في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وهي تبتسم: “علينا أن نكون حذرين بشأن ما نقوله، لأنه قد يتحقق بالفعل”. وتتابع: “بعد أحد عشر عاماً، هذا بالضبط ما انتهى بي المطاف إليه”.
شهد العقد الماضي تحولاً كبيراً، حيث أصبحت لورا صوتاً رائداً في دراسة كيفية تفسير الناس للبيانات وتفاعلهم معها لذا فإن انتقالها من الرعاية الصحية إلى علوم الحاسوب ربما كان أقل عشوائية مما يبدو، فهو يعكس فضولاً حول كيفية تفاعل الناس مع بيئاتهم، سواء كانت مادية، أو رقمية، أو مدفوعة بالبيانات: وهو جوهر التفاعل بين الإنسان والحاسوب.
وتقول: “أجد أنه من الرائع التفكير في كيفية تحركنا في كل من العالمين المادي والرقمي، وكيف يمكننا تكييف هذه البيئات لتناسب الناس، بدلاً من أن نضطر نحن للتكيف معها، وهو ما حدث بالفعل في الحقبة الرقمية المبكرة، مع الواجهات غير العملية وما شابه ذلك.”
وتضيف: “لقد سرّعت تقنية الذكاء الاصطناعي حقاً من حاجتنا إلى تكييف بيئاتنا، حتى نتمكن من العمل والتفكير معها بفعالية، إلا أنه لا يزال الأمر يبدو كما لو أننا نعرف القليل جداً حول كيفية القيام بذلك فهو أمر يتطلب دراسة الناس: فهم ما يحتاجه الناس للعمل بمفردهم ومع الآخرين، واستيعاب البيانات، وتفسير العالم المتغير والتنقل فيه.”
وتقول: “هذا هو محور تركيزي ودوافعي. اعتاد الناس في العالم الأكاديمي على استخدام البيانات – فهي مصدر رزقهم – ولكن بالنسبة لمعظم الناس، ليست لغتهم اليومية. عملية الترجمة هذه بهدف جعل التعامل مع البيانات وفهمها واتخاذ الإجراءات بناءً عليها أسهل وأكثر سلاسة للناس هو أمر أنا ملتزمة به حقاً.”
“بدأت مهمة لورا لجعل البيانات أكثر سهولة في الوصول إليها بجدية خلال رسالة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر من جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، بالتعاون الوثيق مع معهد البيانات المفتوحة في لندن.”
وقد رسخت هناك اعتقادها بأن فهم البيانات سيصبح أمراً بالغ الأهمية لجميع قطاعات المجتمع، واستكشفت ما يحدث عندما تنتقل البيانات من الجداول إلى العالم الحقيقي لصنع القرار، والحوكمة، والحياة العامة.
وتقول: “سيصبح من المهم أكثر فأكثر أن تكون لدينا فكرة عن كيفية استخدام البيانات في الأنظمة المختلفة وفي صنع القرار. أشعر أننا – كمواطنين – لا يمكننا أن نعتقد أن فهم البيانات هو مسؤولية شخص آخر”.
بعد حصولها على الدكتوراه، انضمت لورا إلى كلية كينغز في لندن كباحثة ما بعد الدكتوراه في مشروع «قصص البيانات» الذي طرح سؤالاً حول كيفية جعل البيانات أكثر جاذبية وسهولة من خلال تقنيات السرد لمختلف الجماهير.
وتقول: «نعرف الكثير عن السرد القصصي من مجالات أخرى، لكننا لا نطبقه بما يكفي على البيانات. هناك الكثير لنتعلمه من كيفية سرد الفنانين للقصص، وكيف تم سرد الأمور تاريخياً، وكيف يمكن استخدام الوسائط المختلفة وأشكال التفاعل لإثارة الفضول وجذب الناس».
ثم عادت إلى مدينتها فيينا، حيث قادت مشروع «المخططات الناطقة» الممول وطنياً، كجزء من مبادرة «الإنسانية الرقمية»، والذي ركز على كيفية تفسير الناس للبيانات من خلال التصورات البصرية، وكيف تنقل التمثيلات المرئية المعلومات.
وتوضح: «كان جوهر المشروع سؤالاً بسيطاً: ما الذي يريد الناس – سواء الخبراء أو غير التقنيين – التعبير عنه من خلال التصور البياني، وما الذي تستخلصه الجماهير المختلفة منه فعلياً؟».
وبالتعاون مع الصحفيين – بما في ذلك وكالة الأنباء النمساوية – والعلماء، جمعت لورا هي وفريقها مخططات اعتقد المحترفون أنها واضحة وسهلة الفهم، ثم اختبروها مع مجموعات متنوعة – من المراهقين في المدارس المحرومة إلى كبار السن، والباحثين عن عمل، والمتخصصين في التسويق.
وأظهرت النتائج أن حتى القرارات التصميمية البسيطة يمكن أن تغير الرسالة التي يستخلصها الناس. وأجرى الفريق سلسلة من الدراسات النوعية – بما في ذلك المخططات المتعلقة بالمناخ – وأكملها بعمل تجريبي لفحص كيفية تأثير التصميم والسياق والإطار على تفسير البيانات.
وتقول لورا: «كان من المثير للاهتمام أن نرى مدى تنوع الرسائل التي استخلصها الناس من المخططات، والعوامل التي أثرت في طبيعة فهمهم. لقد أظهر ذلك أن الأمر لا يتعلق فقط بالبيانات – بل بخطاب تلك البيانات، وكذلك بفهم الأشخاص الذين تتواصل معهم».
تقول لورا إنها متحمسة الآن في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي للمساهمة في بناء قسم التفاعل بين الإنسان والحاسوب جنباً إلى جنب مع رئيسة القسم إليزابيث تشرشل – وهي شخصية بارزة في هذا المجال.
تقليدياً، كان يُنظر إلى التفاعل بين الإنسان والحاسوب على أنه فرع صغير من علوم الحاسوب، لكن تأثيره كعلم يتوسع باستمرار فهو مجال متعدد التخصصات ويستخدم مجموعة واسعة من الأساليب، وجوهره فلسفة مشتركة بين الباحثين: بناء أشياء تعمل بشكل جيد للناس ومع الناس. وهذا يعني أن التفاعل بين الإنسان والحاسوب هو نقطة التقاء لجميع الجهود التقنية والعلمية التي تهدف إلى إحداث تأثير مباشر على الناس.
وتقول: «جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مختلفة فهي مبتكرة وتفكر في المستقبل من خلال تخصيص قسم كامل للتفاعل بين الإنسان والحاسوب داخل جامعة تركز على الذكاء الاصطناعي. كان هذا أحد الأسباب الرئيسية لقدومي إلى هنا، وإن المشاركة في بناء القسم منذ البداية والمساهمة في ما سيصبح عليه أمر مثير للغاية».
سيكون جزء من دورها في الجامعة تجهيز الطلاب بالخبرة التقنية للتعامل مع البيانات بفعالية ليس فقط لمساعدة الآخرين على التفاعل مع البيانات التي ينتجونها، ولكن أيضاً لتعزيز قدرتهم على التعامل مع البيانات بشكل نقدي وواثق.
وتقول: «جوهر أنظمة الذكاء الاصطناعي هو البيانات. لذا، يجب أن نسأل: ما البيانات التي تدخل في هذه العملية؟ وما البيانات التي يتم إنشاؤها كمخرجات؟ وكيف تُستخدم هذه البيانات في صنع القرار؟ وماذا نعتقد نحن كمطورين أو تقنيين أنه ممكن باستخدام هذه البيانات؟ ما المهام التي يمكننا استخدامها فيها، وما المهام التي لا يمكننا أو لا ينبغي استخدامها فيها؟».
وتضيف: «مساعدة الطلاب على فهم البيانات واتخاذ قرارات مستنيرة بشأنها أمر مهم للغاية فهو يمنحهم القوة، وكذلك الأشخاص الذين يتفاعلون مع أعمالهم».
يعكس هذا الالتزام جهودها لدعم التنوع في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ففي عام 2024، حصلت على جائزة «هيدي لامار» التي سُمّيت على اسم الممثلة وعالمة الفيزياء المولودة في فيينا. تُكرّم هذه الجائزة الباحثات في النمسا على إنجازاتهن المتميزة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتُبرزهن كنماذج يُحتذى بها للأجيال القادمة من الشابات الساعيات إلى بناء مسيرة مهنية في مجال التكنولوجيا.
كما تم اختيارها بفضل تميزها العلمي وجهودها في خلق بيئات بحثية إيجابية وشاملة، بما في ذلك توفير مساحات داعمة لطالبات الدكتوراه.
وتقول: «أردنا أنا وفريقي تغيير الطريقة التي يعمل بها الناس معاً في المجموعة، لأن مرحلة الدكتوراه يمكن أن تكون منعزلة للغاية لذلك أطلقنا عدداً من المبادرات، بما في ذلك وضع ميثاق سلوك لتشجيع التفاعل الواعي كجزء من ممارساتنا المهنية. أعتقد أننا نجحنا في خلق بيئة يشعر فيها الناس بالراحة، ويمكنهم العمل معاً بشكل جيد، ومساعدة بعضهم البعض».
وتضيف: «يعجبني أن الجائزة باسم “هيدي لامار” فهي تحدّت الصور النمطية وأثبتت أنه يمكن للمرأة أن تكون ناجحة للغاية في دور علمي، وكذلك في صناعة إبداعية. لذا، فإن الفوز بهذه الجائزة يعني لي الكثير».
تنظر لورا إلى عملها باعتباره جزءاً من مهمة أكبر لضمان تطور الذكاء الاصطناعي بطرق تخدم المجتمع حقاً. وتأمل من خلال مساعدة الناس على فهم البيانات بشكل أفضل في سد الفجوة بين أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية والفهم البشري.
وتقول: «إذا كان عملي يمكن أن يساعد الجمهور العام على فهم هذه الأنظمة، ويمنحهم المعرفة للتعامل معها، ويساعدهم على فهم كيفية استخدام البيانات، ويجعلهم يشعرون بالثقة في استخدام البيانات بأنفسهم، فسأعتبر ذلك أمراً رائعاً».
في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، تمتلك لورا المنصة لتحقيق هذه المهمة، من خلال مساعدة الباحثين في الذكاء الاصطناعي ليس فقط على بناء أنظمة قوية، بل أيضاً ضمان أن تكون هذه الأنظمة – والبيانات التي تدخل فيها، والبيانات التي تنتجها – مفهومة على نطاق واسع، وموثوقة، وتُستخدم بمسؤولية لصالح الجميع.
أعلنت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي عن فتح باب التقديم لأول دفعة من برنامج الدكتوراه في.....
اقرأ المزيداستضافت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مؤسسة أبوظبي للموسيقى والفنون، النسخة الرابعة من مبادرتها.....
إرينا غوريفيتش من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تفوز بجائزة ميلنر 2025 من الجمعية الملكية البريطانية