عندما بدأ محمد أرسلان منظور رحلته الأكاديمية في الجامعة عام 2021 في قسم معالجة اللغة الطبيعية الذي كان حينئذ ما يزال في مراحله الأولى، شهد محمد عن كثب التطور السريع لهذا القسم من خلال قيمة وجودة الأكاديميين والباحثين المرموقين الذين استقطبهم من جميع أنحاء العالم. كما كان شاهداً على الإنجازات التي حققها من خلال ما بذله من جهود بحثية قيمة مكنته من تطوير نماذج لغوية متطورة، وقادته إلى الفوز بجوائز دولية مرموقة في مؤتمرات متخصصة.
طوال هذه الرحلة البحثية التي دامت لأربعة أعوام في الجامعة وتكللت بتخرج محمد أرسلان من قسم معالجة اللغة الطبيعية بوصفه أول طالب ينال درجة دكتوراه، كانت كافية ليصبح معها اسمه مرادفاً لهذا القسم الأمر الذي يشعر معه محمد بمزيج من الفخر والاعتزاز والتوجس في الآن نفسه.
وعن هذا الشعور يقول: “أنا، حقاً، فخور وأشعر بسعادة غامرة باعتباري أول خريج ينال درجة الدكتوراه في معالجة اللغة الطبيعية، ولكنني – في الوقت نفسه – أشعر ببعض التوتر بالنظر إلى التطلعات الكبيرة التي يعقدها الكثيرون علي بعد حصولي على هذه الدرجة العلمية وثقل المسؤولية التي نصحني أساتذتي بالنظر إليها كدافع وفرصة ثمينة تحفزني أكثر وتدفعني للعمل لإثبات جدارتي واستحقاقي”.
تمحورت الأطروحة البحثية التي أعدها أرسلان لنيل درجة الدكتوراه حول واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً في عصرنا، والتي حاول الطالب الباحث من خلالها الإجابة عن سؤال: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد في كشف التحيز في وسائل الإعلام؟
شكل هذا الموضوع محور البحث الذي أنجزه الطالب تحت إشراف واحد من الخبراء العالميين المرموقين في هذا المجال – البروفيسور بريسلاف ناكوف. وقد طوّر أرسلان تحت إشراف البروفيسور بريسلاف منهجية جديدة اعتمد فيها للكشف عن التحيز الإعلامي على تحليل شبكة الارتباطات بين وسائل الإعلام وما تنتجه من محتوى والجمهور المستهدف بدلاً من الاعتماد فقط على المقاربة التحليلية التقليدية للنصوص أو المواد الإعلامية المكتوبة.
وعن أهمية هذا الموضوع يوضح أرسلان أن فهم صناعة الإعلام، تعتبر محورية إذا ما أردنا تعزيز وعي الجمهور بما يستهلكه إعلاميا. كما أنها ضرورية إذا ما أردنا تمكين الأفراد من فهم زوايا التناول الإعلامي وقراءة التحيزات السياسية والتحقق من مدى صدقية الأخبار. والتحدي هنا، يضيف أرسلان، يكمن في بطيء وتعقيد المقاربة التحليلية التقليدية للمواد الإعلامية في مقابل السرعة التي تنشر بها الوسائل الإعلامية، والتي تجعل من الصعب كشف وتقييم مدى تحيز هذه المواد أو التحقق من دقتها في الوقت الفعلي.
ويتابع أرسلان شارحاً أن الأبحاث الحالية لطالما اعتمدت على المنهجية التحليلية للمحتوى النصي للأخبار أو المواد الإعلامية المكتوبة، غير أن هذه المقاربة – يوضح الباحث – قد طرحت تحديات كثيرة ارتبطت بجوانب عدة من بينها: أ) الضجيج النصي [ أي وجود أخطاء أو تشويش أو معلومات هامشية في المادة الإعلامية]، ب) صعوبة استخلاص المحتوى من المواقع الإلكترونية، ت) عدم وضوح الارتباطات بين المنابر الإعلامية وما تنتجه من محتوى والجمهور المستهدف”.
لحل هذه المعضلة، قبل أرسلان تحدي البروفيسور بريسلاف الذي من خلاله ركز على استخدام البيانات الرسومية بدلاً من الاعتماد على المواد النصية لكشف التحيزات وتقييم صدقية الأخبار. وقد كان هذا التحدي ما قاد الباحث إلى إعداد أطروحته البحثية لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان: “MGM: Global Understanding of Audience Overlap Graphs for Predicting the Factuality and the Bias of News Media“.
وعن مشروعه البحثي يشير أرسلان إلى أنه رغم مناقشته لثلاث أو أربع أفكار مشاريع بحثية مختلفة مع البروفيسور بريسلاف، إلا أن دراسة موضوع التحيز الإعلامي والتحقق من صدقية الأخبار استأثر باهتمامه. وقد كان هذا المبحث – الذي لطالما اعتُمِد في داسته على تحليل المواد المكتوبة فقط – الموضوع الذي سيركز عليه في بحثه اعتمادا على منهجية جديدة ركز فيها على البيانات الرسومية كوسيلة لكشف التحير الإعلامي والتحقق من مدى صدقية الأخبار.
ويوضح أرسلان أن البيانات الرسومية الخاصة بالمواد الإعلامية هي أفضل في تحديد الارتباطات بين المنابر الإعلامية وما تنتجه من محتوى والجمهور المستهدف، وتسمح بتحليل الأنماط كما تجعل دراسة المواد الإعلامية أكثر كفاءة في الوقت الفعلي. وتظل لهذا النهج – مع هذا – حدوده متمثل في عدم وجود بيانات مصنفة وجزئيات أخرى متناثرة مما يجعل من الصعب على الشبكات العصبية الرسومية (GNNs) فهم الارتباطات البعيد الأمر الذي يعيق عملية تعلمها لأنماط ذات معنى.
يذكر أن الشبكات العصبية الرسومية (GNNs) هي أدوات ذكاء اصطناعي تتعلم من بالاعتماد على العلاقة الهيكلية بين العقد (Nodes) (أي العوامل المشتركة التي تربط بين نقاط البيانات مثل الصور أو الجمل أو البروتينات أو الأشخاص) — وليس فقط من العقد نفسها. ولا تنظر، في هذه الحالة، هذه الشبكات إلى المقالات المنفردة أو المؤسسات الإعلامية فحسب، بل أيضاً إلى كيفية ارتباطها بأخبار أو تقارير أخرى وناشرين ومصادر أخرى وجماهير التي تتعلم من هذه الروابط والعلاقات والهيكليات.
ولحل هذه المشكلة، اقترح محمد أداة أطلق عليها اسم MediaGraphMind (MGM)، والتي تعتمد على استخدام السمات والأنماط الهيكلية والمعلومات المصنف من العقد المتماثلة في البيانات الرسومية الخاصة بالمواد الإعلامية لمساعدة الشبكات الرسومية العصبية والنماذج اللغوية في فهم الارتباطات البعيدة وتحسين أدائها.
ويوضح أرسلان أن هذه العملية مهم لأنها توفر فهماً أوضح عن الفكر السياسي الذي يميل إليه أي منبر إعلامي ومدى مصداقيته من خلال تقرير يضح ميوله ومصداقيتها ضمن مشهد المنابر الإعلامية الأخرى في العالم.
وعن كيفية عمل هذه الأداة أوضح أرسلان قائلا: “حَالَمَا ينشر أي منبر إعلامي محتوى ما، يمكننا ربطه بالمصادر القريبة منه أو المؤسسات الإعلامية القريبة من ميوله – وتحديد مستويات اختلافه أو تشابهه معها”. ويقصد بمفهوم المصادر الإعلامية القريبة – تلك التي توجد بينها عناصر ترابط ذات معنى سواء من حيث طبيعة الموضوعات المتناولة والجمهور المستهدف والموقع الجغرافي وملكية المحتوى أو الخط التحريري.
ويتابع: “يمكننا بعد هذه المرحلة تصنيف هذه المنابر الإعلامية اعتماداً على هذه الارتباطات بدلاً من الاعتماد فقط على المادة المكتوبة التي يستغرق تحليلها قتاً طويلاً. كما يمكننا هذا العمل وبسهولة من تحديد موقع أي منبر إعلامي بالنسبة للمشهد الإعلامي وتقييم مصداقيته بناء على تحيزاته، وبالتالي نصبح قادرين على تحديد وفهم وجهة نظر كل مصدر إعلامي، حيث إن هذا التحليل سيساعدك، على سبيل المثال، في معرفة ما إذا كانت (سي إن إن) تميل لليسار أو اليمين أو ما معرفة مدى مصداقية (بي بي سي) في حال كنت من قراء ما تنشره – ما نريده هو جعل الجمهور أكثر وعياً بهذه الأمور حتى يكونوا أكثر اطلاعا ووعياً بما يستهلكونه من مواد إعلامية”.
استمرت رحلة أرسلان الأكاديمية للحصول على درجة الدكتوراه لأكثر من عقد من الزمن قادته إلى ثلاث دول مختلفة وقريباً ستحط به طموحاته البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي الرحال في الدولة الرابعة.
يشار إلى أن أرسلان درس في جامعة الزراعة في فيصل آباد بباكستان من عام 2013 إلى 2017، حيث حصل على درجة البكالوريوس في تكنولوجيا المعلومات، والتي أتبعها بحصوله على درجة الماجستير في عام 2020 في علوم الحاسوب والتكنولوجيا من جامعة نانجينغ للعلوم والتكنولوجيا في الصين ثم درجة الدكتوراه في معالجة اللغة الطبيعية من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في الإمارات.
طور أرسلان خلال فترة دراساته للحصول على البكالوريوس اهتماماً خاصاً بالذكاء الاصطناعي زاد وتعزز خلال مرحلة دراسته للماجستير إلى أن وصل به المطاف إلى دراسته كتخصص في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي – أول جامعة في العالم مكرسة لبحوث الذكاء الاصطناعي.
وعن مساره الأكاديمي الذي قاده إلى الدراسة في الجامعة ذكر أرسلان أن أطروحة الماجستير التي أعدها في مجال موضوع خاص بمعالجة اللغة الطبيعية، ركز فيها على تحليل المشاعر للغات قليلة الموارد أو التي تستخدم التبديل اللغوي [ممارسة التبديل بين لغتين أو أكثر أثناء المحادثة]، كانت السبب الرئيس الذي دفعه إلى اختيار متابعة دراساته العليا في هذه جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
ويضيف: “لم أكن أعرف أنني سأكون طالب الدكتوراه الوحيد في قسم معالجة اللغة الطبيعية آنذاك، لكنني اعتقدت أن التواجد في الجامعة سيكون تجربة مثيرة لأن الجامعة كانت حديثة وقسم معالجة اللغة الطبيعية الذي شهد تطورا سريعا بتعيين المزيد من الأساتذة مثل البروفيسور بريسلاف الذي منحني فرصة أن أكون طالباً تحت إشرافه. شعرت أن هذه هي بداية رحلتي البحثية الحقيقية، نظرًا لخبرته المشهودة في المجال، حيث كان مشرفًا صادقًا ومحفزًا”.
يخطط منظور لمواصلة أبحاثه في مجال التحيز الإعلامي، وقد قبل بالفعل منصب باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة التحول البيني (IT:U) في النمسا.
يقول: “أريد مواصلة العمل على المشكلات المتعلقة بالحساب الاجتماعي. لقد بدأت بالفعل العمل مع أحد الأساتذة في IT:U على مشروع يتعلق بتشويه الادعاءات العلمية – كيف يتم تحريف الادعاءات العلمية في وسائل الإعلام الإخبارية.”
ويضيف: “إذا عدت بذاكرتك إلى فترة كوفيد-19، كانت هناك العديد من الادعاءات التي يتم تداولها في الإعلام، بعضها كان ضارًا للغاية. من المهم معرفة ما إذا كانت الدراسات العلمية مُستشهَد بها بشكل صحيح أو مُحرَّفة في التقارير الإعلامية.”
“نحاول أيضًا تعزيز كفاءة المدققين الحقائقيين، بحيث يمكن تقييم صحة الادعاء أو الخبر بسرعة وكفاءة أكبر.”
بينما يستعد للانتقال إلى النمسا، يتذكر منظور فترة وجوده في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بكل حب، خاصة المستوى الرفيع لأعضاء هيئة التدريس والتجربة التحويلية التي ساعدوا في تقديمها.
يقول: “عندما أتيت إلى الجامعة، لم أدرك مدى ارتفاع المستوى هنا. الأساتذة هنا من الطراز العالمي، ومن الواضح سبب تحول الجامعة بسرعة إلى واحدة من أفضل الجامعات في العالم.”
ويختتم: “أصبحت أكثر مرونة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي – تعلمت كيف أدفع نفسي، وكيف لا أستسلم أبدًا، وأقدّر حقًا المعايير التي ساعدني أعضاء هيئة التدريس على تحقيقها. الآن، تركيزي هو تطوير نفسي كباحث والاستمرار في العمل في الأوساط الأكاديمية. ربما على المدى البعيد سأحصل على منصب أستاذ، لكن في الوقت الحالي سأخطط لخطواتي القادمة وأستمر في التقدم”.
عبدالله وعبدالرحمن المرزوقي ليسا مجرد توأم يشتركان في المظهر فحسب، بل هما أيضاً يتقاسمان شغف بناء نظم.....
اقرأ المزيدتشير التقديرات إلى أن نسبة حالات الإصابة بالخرف التي لا تُشخص تبلغ 75 ٪، ومن هنا رأت.....
باحثون من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يطورون أداء جديدة لمساعدة متعلمي اللغة العربية في صقل.....