قد يشكك البعض في أهمية إتقان الكتابة في عصر تستطيع فيه النماذج اللغوية الكبيرة إنتاج مقالات تفي بالغرض في أي موضوع خلال ثوانٍ معدودة. ولكن مطوري “ARWI”، وهي أداة جديدة صُممت لمساعدة متعلمي اللغة العربية في صقل مهاراتهم في الكتابة بالفصحى، يعتبرون أن أهمية الكتابة لا تقتصر على معرفة كيفية ترتيب الكلمات.
يقول الدكتور نزار حبش، أستاذ علوم الحاسوب والشبكات العالمية في جامعة نيويورك أبوظبي والأستاذ الاستشاري في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وأحد مطوري الأداة، في سياق توضيحه لهذه النقطة: “الكتابة تطوّر المهارات الإدراكية التي تُعد مهمة ومفيدة في التعليم بشكل عام”، مضيفاً أن المرء يستطيع أن يلجأ بسهولة إلى النماذج اللغوية الكبيرة لمساعدته في الكتابة، ولكن النصوص التي تنتجها هذه الأنظمة تفتقر إلى اللمسة الشخصية، “والناس يريدون دائماً أن يكون لهم أسلوب يميزهم في الكتابة”.
ويعبّر الدكتور تيد بريسكو، نائب رئيس قسم معالجة اللغات الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وأحد مطوري “ARWI”، عن أمله في أن ينتشر استخدام هذه الأداة على نطاق واسع بين متعلمي اللغة العربية في جميع أنحاء المنطقة، مشيراً إلى أنها “خدمة مجانية لأي شخص لديه متصفح إنترنت واتصال بالشبكة”.
إلى جانب حبش وبريسكو، شارك في تطوير الأداة كل من كيريل تشيركونوف وكاترين قويدر من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وبشار الحفني من جامعتي نيويورك أبوظبي ومحمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. وقد فاز الفريق بجائزة التنوع في ورشة العمل حول أدوات الكتابة الذكية والتفاعلية (In2Writing)، التي عُقدت على هامش المؤتمر السنوي لفرع جمعية اللغويات الحاسوبية في القارة الأمريكية.
اشتُق اسم الأداة “ARWI” من عبارة “Arabic Write and Improve” التي تعني “الكتابة والتحسين باللغة العربية”. ويشبه الاسم في نطقه الكلمة العربية “أروي”، التي تحمل معنيين مترابطين شعرياً هما “أروي قصة” و”أروي بالماء”، ما يضفي عليها طابعاً مجازياً يرتبط بإحياء الأفكار وتنميتها.
جاءت فكرة الأداة “أروي” من نظام مشابه اسمه “Write and Improve” طوره بريسكو لمساعدة متعلمي اللغة الإنجليزية على التحضير للامتحانات وحقق رواجاً بين آلاف المستخدمين من خلفيات لغوية متنوعة.
فالأداة “أروي” هي تطبيق على شبكة الإنترنت يطلب من المستخدمين كتابة مقالات عن موضوعات متنوعة بحسب مستواهم اللغوي، وفقاً لمستويات الإطار الأوروبي المرجعي الموحد للغات، وهو معيار عالمي لتقييم الكفاءة اللغوية، مما يساعد المتعلمين على التحضير لاختبارات تعتمد هذا المعيار.
يحتوي النظام على محرر نصوص باللغة العربية يستطيع اكتشاف الأخطاء وتقييم جودة النصوص التي يكتبها المستخدم في التطبيق. كما أنه يتتبع تطور أداء المتعلم، ويقدم له ملاحظات مخصصة تساعده على التحسن التدريجي. فعندما يرسل المستخدم المقال، لا يجري تصحيح الأخطاء مباشرةً، بل تُقدم للمستخدم مقترحات حول التصحيحات الممكنة، ما يساعده على التعلم من أخطائه.
ورغم أن “أروي” ليست أول أداة تساعد متعلمي اللغة العربية على تحسين مهاراتهم في الكتابة، فإن الأنظمة الأخرى لا تقيّم جودة الكتابة بشكل عام، ولا يمكنها اكتشاف الأخطاء الدقيقة التي يقع فيها المتعلمون عند الكتابة بالعربية.
ومع اعتماد الكثيرين من الطلاب على النماذج اللغوية الكبيرة لمساعدتهم في الكتابة في السنوات الأخيرة، يؤكد بريسكو أن هذه النماذج لا تُظهر الأخطاء بطريقة تساعد على تعلم اللغة، وغالباً ما تعيد صياغة ما يكتبه المستخدم بدلاً من إجراء تصحيحات محدودة، ما يؤدي إلى تغييرات طفيفة وغير مرغوبة في المعنى.
طُوّرت الأداة “أروي” لسد فجوة في أدوات الكتابة المخصصة لمن يتعلمون الكتابة باللغة العربية الفصحى، وهي اللغة المستخدمة في وسائل الإعلام والكتابات الأكاديمية والأدبية والوثائق الحكومية. فالناس عادة لا يتكلمون الفصحى في حياتهم اليومية، بل يقتصر استخدامها على القراءة والكتابة.
ونظراً للتباين الكبير بين اللهجات العربية، تؤدي الفصحى دوراً محورياً في تسهيل التواصل بين العرب. وأحد الاختلافات الأساسية بين الفصحى واللهجات هو نظام الإعراب المعتمد في الفصحى، الذي يُعد أكثر تعقيداً بكثير من نظيره في اللهجات العامية، وهو أمر يشير إليه حبش بقوله: “بعض هذه اللهجات يختلف عن الفصحى بنفس قدر اختلاف اللغة الفرنسية عن اللاتينية”.
يرى حبش أن الأداة “أروي” يمكن أن تكون مفيدة للمدونين الذين يسعون إلى تحسين مهاراتهم في الكتابة بالفصحى بهدف الوصول إلى جمهور أوسع، مضيفاً: “غالباً ما نعتبر أن أفضل الكُتّاب هم من يُحسنون الكتابة بالفصحى ويستطيعون مخاطبة أكبر عدد ممكن من الناس”.
تجمع الأداة “أروي” بيانات حول أنواع الأخطاء التي يرتكبها المستخدمون. وهذه البيانات يمكن أن تظهر تباين الأخطاء تبعاً لاختلاف اللغات أو اللهجات الأصلية للمستخدمين.
يوضح حبش أن الأداة “أروي” تطلب من المستخدمين الجدد إدخال لغتهم الأم أو اللهجة العربية التي يجيدونها، إلى جانب مستوى إتقانهم للغة. وهذا يمكّنها من تقديم “ملاحظات أكثر تخصيصاً وتركيزاً”. فقد أظهرت دراسات أجراها باحثون في تعليم اللغات أن معرفة لغة المتعلم الأصلية تمكّن المعلّم من تقييم مهاراته اللغوية بشكل أدق، لأن خصائص اللغة الأم تميل إلى الظهور عند تعلم لغة جديدة. والأمر نفسه ينطبق على العربية الفصحى واللهجات العامية. ويضيف قائلاً: “معرفة لهجات المتعلمين يمكن أن تساعدنا في تقديم ملاحظات أفضل وإرشادات أكثر فاعلية لتحسين الكتابة”.
طلب حبش وبريسكو وزملاؤهما من طلاب في جامعة نيويورك أبوظبي يتعلمون اللغة العربية تجربة الأداة “أروي” وتقديم ملاحظاتهم بشأنها. بشكل عام، عبّر الطلاب — وجميعهم من غير الناطقين بالعربية — عن انطباع إيجابي تجاه الأداة. ويعتزم المطورون الاستفادة من هذه الملاحظات، إلى جانب البيانات التي يجمعونها من المستخدمين لاحقاً، لتحسين النظام بشكل مستمر.
وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي من الأداة “أروي” هو مساعدة المتعلمين على تحسين مهاراتهم في الكتابة، يشير الباحثون إلى أن الكمّ الغني والمتنوع من النصوص العربية التي تجمعها يمكن أن يُستخدم أيضاً في تدريب النماذج اللغوية الكبيرة وتحسين أدائها في اللغة العربية. فهذه النماذج تتطلب كميات ضخمة من البيانات لتصل إلى مستوى مرتفع في إتقان اللغة. وقد أظهرت دراسات سابقة أن أداء النماذج في اللغة العربية ما زال دون أدائها في اللغات ذات الموارد الوفيرة مثل الإنجليزية. ويخطط الباحثون لإتاحة مجموعة البيانات التي تجمعها “أروي” للاستخدام العام، بعد إزالة أي معلومات شخصية منها، كي يتمكن المطوّرون الآخرون من الاستفادة منها.
ويؤكد الباحثون أن “أروي” ليست مجرد تطبيق على الإنترنت، بل هي منصة تحتوي على بنية تحتية تدعم إمكانات إضافية. على سبيل المثال، يمكن استخدام قدراتها في تقييم العينات المكتوبة لإصدار شهادات الكفاءة اللغوية المطلوبة في بعض الوظائف التي تشترط إتقان اللغة العربية.
يشير بريسكو إلى أن الفريق يخطط لإضافة مزيد من الوظائف إلى النظام مستقبلاً، ويوضح ذلك بقوله: “نريد أن يكون النظام سهل الاستخدام، ونرغب في التركيز على الجوانب الإيجابية للكتابة، لا أن نقتصر فقط على تصحيح الأخطاء”.
وبينما تساعد الأداة “أروي” المتعلمين على صقل أسلوبهم الخاص في الكتابة بالفصحى، فإنها تذكّرنا بأن الكتابة الجيدة ما زالت مهمة حتى في عصر النماذج اللغوية الكبيرة، وذلك ليس لاجتياز الاختبارات فحسب، بل للتفكير الواضح، والتواصل الدقيق، وبناء الجسور بين الثقافات. وهو ما يؤكده حبش بقوله: “تحسين مهاراتنا في الكتابة يجعلنا قرّاء أفضل، وهذا بدوره يجعلنا أكثر قدرة على تقييم النصوص التي تنتجها النماذج اللغوية الكبيرة”.
لطالما كانت القدرة على استخدام اللغة ميزة ينفرد بها البشر وحدهم، إلى أن ظهرت النماذج اللغوية الكبيرة.....
شركة LibrAI الناشئة في مجال رصد مستويات سلامة الذكاء الاصطناعي، تخطو خطوة جديدة في اتجاه ضمان تطوير.....
بينما تحتفل الإمارات بشهر الابتكار تحت شعار "الإمارات تبتكر 2025"، يحاول تيموثي بالدوين – عميد جامعة محمد.....