لطالما سعى زين محمد مجاهد خريج جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي حصل منها على درجة الماجستير في تخصص معالجة اللغة الطبيعية وراء تقصي الحقيقة والتمييز في المواد الإخبارية – خاصةً – بين الزائف والأصيل منها. لقد ركز زين خلال تناوله لهذا الموضوع على دراسة التحيزات السياسية والمعلومات المضللة والخاطئة التي تروجها وسائل الإعلام، مستعينا في هذا بالنماذج اللغوية الكبيرة لتقييم مدى دقة التقارير الإخبارية عبر منصات الإعلام الجديد.
شغَفُ زين بالبحث عن الحقيقة ظل يرافقه حتى بعد تخرجه عام 2024 من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي انتقل بعدها من الإمارات إلى الدنمارك سعيا منه إلى تعميق فهمه للحقيقة، حيث انضم إلى مجموعةCopeNLU في “مركز بَيُونِير للذكاء الاصطناعي” بجامعة كوبنهاغن كطالب دكتوراه. ويركز زين في بحثه الآن على تقييم أداء المُقَيِّم نفسه [النماذج اللغوية الكبيرة] — بهدف تحسين دقتها في فلترة المعلومات المضللة والخاطئة التي قد تنتجها هذه النماذج عن غير قصد.
وعن طبيعة بحثه لنيل الدكتوراه أكد زين، الذي درس وعمل في موطنه باكستان قبل مجيئه إلى الإمارات، أنه قد انتقل – فعلاً – ببحثه عن الحقيقة من تحليل المواد الإخبارية لكشف التحيزات فيها والتأكد من صحتها، غير أنه لا يزال يركز فيه على مكافحة المعلومات المضللة والخاطئة.
ويتابع زين شارحاً: “موضوع بحثي للدكتوراه هو ‘توليد مواد مكتوبة واقعية’، حيث إنني في بحثي أنظر عن كثب في النماذج اللغوية الكبيرة لأن لديها القدرة أحياناً على إنتاج مواد مكتوبة بشكل جيد تبدو وكأن من كتبها هو إنسان، غير أنها – في الحقيقة – هلوسات”.
ويوضح مضيفاً: “قد تولد أو تنتج هذه النماذج في بعض الأحيان أشياء لا علاقة لها مطلقاً بما طلبه المستخدم، وهذه هي المشكلة التي أحاول إيجاد حل لها – هدفي هو الوصول إلى مرحلة يولد فيها النموذج إجابات واقعية ومتوافقة تماماً مع المطلوب”.
شكل الانتقال من دفء أبوظبي إلى برودة كوبنهاغن في أكتوبر الماضي تغييراً كبيراً لزين، لكنه كان مصمماً وعاقداً العزم على اتخاذ هذه الخطوة في سبيل المضي قدما بدراساته العليا.
وعن ظروف انتقاله إلى كوبنهاغن، ذكر زين أن تعرفه على البروفيسورة إيزابيل أوغينشتاين خلال فترة دراسته في الجامعة والتوافق بين عمله البحثي وما كانت تركز عليه البروفيسورة وفريقها البحثي والتشابه بين اهتماماتهما البحثية، وتقديمه على بعض الوظائف التي نشرتها إيزابيل عبر منصة “لينكد إن” ووقوع الاختيار عليه لشغل واحدة منها كان السبب الذي مهد له الطريق للوصول إلى كوبنهاغن”.
شكل البحث عن الحقيقة والتأكد من صحة المعلومة موضوعا اهتم به زين حتى قبل قدومه إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي وجد فيها التوجيه حول كيفية معالجة هذه المسألة وتناولها تناولا بحثياً.
وعن الدور التوجيهي الذي لعبته الجامعة في مساره البحثي يشير زين إلى دور البروفيسور بريسلاف ناكوف – رئيس قسم وأستاذ معالجة اللغة الطبيعية – في مساعدته وتوجيهه إلى السبل الكفيلة باكتشاف المعلومات المضللة والخاطئة؛ على سبيل المثال، التحقق من الحقائق وتقييم تحيز وسائل الإعلام تجاه مواضيع معينة باستخدام النماذج اللغوية. وقد شكل هذا المبحث صميم موضوع أطروحته الذي تمحور حول معرفة ما إذا كانت وسيلة إعلامية معينة تميل إلى مواضيع محددة مثل الهجرة، والاقتصاد، والتعليم، وغيرها، حيث يمكن للنموذج الذي طوره زين أن يخبرك ما إذا كان مستوى تقرير إعلامي ما جيداً أو متوسطاً أو ضعيفاً، وما إذا كان تحيزه يميل سياسيا إلى الفكر اليساري أو المعتدل أو اليميني وغيرها…
ركز زين في البداية على وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية، ثم وسع بحثه ليشمل كشف مستويات التحيزات والحقيقة عبر اللغات في وسائل الإعلام والمقالات الإخبارية. وقد قام زين من خلال مشروعه البحثي SAFARI بمعالجة نصوص من وسائل إعلام بتسع لغات بما فيها العربية، والألمانية، والهندية، والفرنسية، والإسبانية، والعبرية، واليابانية، والإيطالية، والروسية بهدف كشف مستويات التحيز والواقعية فيها – يذكر أن نتائج هذا البحث تم نشرها خلال فعاليات “مؤتمر الأساليب التجريبية في معالجة اللغات الطبيعية 2024”.
وموازاة مع عمله البحثي، انخرط زين كذلك في مشروع Factcheck-Bench — وهو معيار تقييم دقيق لأدوات التحقق التلقائي من المعلومات أو الحقائق.
وعن مشروع Factcheck-Bench يقول زين: “تعرفت على الفريق في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي الذي يعمل على التحقق من المعلومات أو الحقائق، واكتشاف الأخطاء في مخرجات النماذج اللغوية الكبيرة وتصحيحها، وإنشاء معايير وطرق لتقييم هذه التقنيات. كما عملت مع الفريق نفسه على إعداد ورقة بحثية، تم تقديمها في ’مؤتمر الأساليب التجريبية في معالجة اللغة الطبيعية 2024‘، وهذا ما قادني إلى الدكتوراه، حيث كانت البروفيسورة أوغينشتاين واحدة من الأساتذة الذين يهتمون بهذا الموضوع”.
برزت أهمية التحقق من المعلومات وضرورتها خلال المناظرات التلفزيونية الرئاسية بين دونالد ترامب وكمالا هاريس قبل الانتخابات الأمريكية في أواخر عام 2024. وقد أتى المرشحين خلال مناظرتهما على ذكر عدد من المعلومات التي تم التحقق من صحتها على الهواء من قبل الصحفيين اللذين أدارا المقابلة — وهي خطوة أحدثت انقساماً في الرأي العام لكنها سلطت الضوء على أهمية التحقق من صحة المعلومات.
بالنسبة لزين، أظهرت المناظرات تحديين رئيسيين في التحقق من الحقائق، وهما: السرعة والدقة – وكلاهما مجالين تدعم تكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي تطويرهما وتحسين مستوياتهما.
وعن هذين الجانبين يوضح زين: “يمكننا، بالطبع، باستخدام التكنولوجيا المتاحة حالياً جمع قدر كبير من الأدلة للتحقق من صحة أي معلومة، غير أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، غير أننا أيضاً يكننا أن نتخيل توفرنا على نظام يكفي أن ندخل فيه معلومة نود التحقق منها ويقوم بتصفح الإنترنت بالكامل، وجمع كميات هائلة من الأدلة، وتزويدنا بتقرير يظهر مدى دقة المعلومة بشكل شبه فوري”.
على الرغم من أهمية هذه السرعة، إلا أن عمل زين الحالي يسعى إلى تعزيز مستويات مصداقية عملية التحقق السريع من المعلومات.
وعن عمله البحثي في هذا الصدد يتابع زين شارحا: “لدينا نظام يمكنه أن يخبرك بسرعة ما إذا كانت المعلومة صحيحة أم لا، لكن هل يمكننا التأكد من أن النص الذي تولده النماذج اللغوية الكبيرة صحيح؟ هذا مهم لأنه حتى إذا لم يكن المستخدمون واثقون بالضرورة من مدى صحة المعلومة، فمن المرجح أن يصدقوا المدقق؛ ولذا، يجب أن يكون المدقق دقيقا”.
“نظامنا يقوم بالتحقق من المعلومات ويقدم أدلة تبين مدى صحة المعلومات من خطئها، وإذا ما كانت معلومة غير صحيحة، فإنه يصححها ويعطي المستخدم مخرجات نهائية صحيحة، مع تصحيح للأخطاء، وأدلة تبين لماذا المعلومة أو المعلومات غير صحيحة”.
يمكن أن يساعد مثل هذا التقدم في تغيير العمل أو الممارسة الصحفية، والسياسات العامة، وقطاع التعليم، وغيرها — ناهيك عن تعزيز مستويات وعي ومعرفة الجمهور وتعميق فهمه بالموضوعات التي تحظى باهتمامه – أما بالنسبة لزين فالهدف يقول:
“ما نسعى إليه في المقام الأول هو أن تتسم النماذج اللغوية الكبيرة بالموثوقية، وتكون مفيدة، وغير منحازة”.
شكل الانتقال من الخليج إلى أوروبا تحولا كبيرا في حياة زين الذي لم ينتقل فقط إلى جغرافيا وثقافة جديدة، بل ترك أيضا مدينة — وجامعة — أصبحت بمثابة وطنه الثاني.
بالنسبة لزين شكل الانتقال من أبوظبي إلى كوبنهاغن انتقال مزج بين عنصر التشويق وجانب الاستعداد للتأقلم مع ظروف جديدة. كما أنه كان انتقالا من طبيعة أبوظبي الديناميكية وسريعة الوتيرة إلى كوبنهاغن ووتيرتها الهادئة – “أكبر تحدٍ واجهني، يقول زين، كان الطقس — الانتقال من طقس مشمس طوال العام إلى أجواء شتوية وباردة”.
ويتابع: “لدي الكثير من الذكريات الرائعة من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي — أقواها مرتبط بالصداقات والتعاون الذي بنيته خلال فترة وجودي هناك. العمل إلى جانب مواهب متميزة من جميع أنحاء العالم كان مصدر إلهام. كما أن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ساعدتني على التطور من خلال منحي الثقة لمواجهة التحديات الكبيرة والتفكير النقدي في دور الذكاء الاصطناعي في العالم”.
رغم المرحلة الانتقالية التي عاشها زين والتغيرات المرافقة لها، تمكن من التأقلم بشكل جيد مع بيئته الجديدة.
وعن هذه التجربة يقول: “لقد انغمست تدريجياً في أسلوب الحياة الدنماركي — سواء كان ذلك من خلال التجوال في المدينة بالدراجة الهوائية أو تعلم اللغة الدنماركية. تعلم لغة جديدة كان تحديا ومجزٍ في الوقت نفسه؛ كما ساعدني تعلم اللغة على الشعور بالارتباط أكثر بالثقافة والتفاعل أكثر مع المجتمع”.
لكن ربما الأهم من هذا كله هو التحاق زين بمؤسسة يعتبرها مؤسسة قوية وملهمة — مكان مثالي لتحقيق أهدافه في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويختتم قائلاً: “جامعة كوبنهاغن، وخاصة مجموعة CopeNLU، تجاوزت توقعاتي في توفير بيئة بحثية ملهمة. كما أن التركيز على التعاون والبحث المؤثر يتوافق تماما مع طموحاتي. علاوة على ذلك، المجتمع الدولي في الجامعة كان مرحبا للغاية، وقد حالفني الحظ في مقابلة زملاء وأصدقاء مدوا لي يد المساعدة والدعم الذي أحتاجه”.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يطور مجموعة بيانات مرجعية هي الأولى من نوعها.....
باحثون من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يطورون أدوات جديدة لتحسين دقة إجابات النماذج اللغوية الكبيرة.....