بلا حدود: بناء الجيل القادم من مبتكري الذكاء الاصطناعي في مركز عالمي للتكنولوجيا

بقلم: تيم بالدوين، عميد وأستاذ معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

Monday, November 11, 2024

نُشر هذا المقال سابقاً في مجلة MIT Tech Review.

لكي نجعل الذكاء الاصطناعي متاحاً للجميع بحق، علينا الاستثمار في إنشاء المزيد من المؤسسات الأكاديمية التي تركز على البحث والتطوير والتعاون ويمكنها تدريب الجيل القادم من مبتكري الذكاء الاصطناعي؛ وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبوظبي تقدم نموذجاً يُحتذى في هذا الصدد.

قبل بضع سنوات، كان علي اتخاذ واحد من أهم القرارات في حياتي وكان أمامي خيارين: إما مواصلة العمل كأستاذ في جامعة ملبورن، وهو المكان الذي قضيت فيه نحو عشرين عاماً وأسست فيه مع زملائي واحدة من أفضل المجموعات البحثية في معالجة اللغات الطبيعية، أو تجربة شيء مختلف تماماً والانتقال إلى مكان آخر في العالم للمساعدة في بناء جامعة جديدة تركز تركيزاً كاملاً على الذكاء الاصطناعي.

كما هو حال أي شخص يواجه قراراً مهماً في حياته، فكرتُ بعمق في أولوياتي. كنتُ أشعر دائماً أن أهم مهمة لنا نحن العلماء هي بناء الجيل القادم من الكفاءات وتدريبه. ونظراً للتطور السريع الذي شهدناه في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة الماضية، أدركت أن تعليم الجيل القادم من مبتكري الذكاء الاصطناعي يجب أن يتم بطريقة شاملة قدر الإمكان حتى تعم فوائد التكنولوجيا على الجميع في كافة أنحاء العالم.

العالم بكل تعقيداته

تقتصر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي اليوم على عدد قليل من البلدان يطلق عليها معهد أكسفورد للإنترنت اسم الشمال الحوسبي، وتشمل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا والصين، حيث هيمنت هذه البلدان على مجال البحث والتطوير، وأنشأت بنية تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي يمكنها تدريب النماذج التأسيسية، وهذا ليس بالأمر المفاجئ، لأن هذه البلدان تضم أفضل الجامعات والشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا الكبرى في العالم.

معظم العالم يعيش في ما يسميه معهد أكسفورد للإنترنت “صحارى الحوسبة”، وهي بلدان تفتقر إلى البنية التحتية للذكاء الاصطناعي اللازمة لتطوير النماذج التأسيسية للذكاء الاصطناعي.

يسلك العلماء الناشئون في المختبرات والفصول الدراسية في مدن مثل لندن وباريس وبيركلي وبكين مسارات مألوفة تقودهم إلى برامج الدراسات العليا، حيث يعمقون خبراتهم قبل تولي وظائف في شركات ناشئة أو شركات تكنولوجية عملاقة. وقد قادت هذه المنظومات الابتكارية قفزات كبيرة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بدءاً من السيارات ذاتية القيادة ووصولاً إلى النماذج اللغوية الكبيرة وتحليل الصور الطبية.

ولكن تركز الابتكار في هذه البلدان المهيمنة يكون على حساب مليارات البشر الذين يعيشون خارجها ولهم خلفيات ثقافية مختلفة.

تقدم النماذج اللغوية الكبيرة مثالاً واضحاً على أحد التحديات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد أظهر الباحثون أن الكثير من النماذج اللغوية الكبيرة المعروفة والمتاحة بعدة لغات تتسم بضعف الأداء في اللغات الأخرى غير الإنجليزية والصينية وعدد قليل من اللغات الأوروبية الأخرى، علماً أن عدد اللغات المستخدمة في العالم اليوم يقارب 6,000 لغة، وكثير منها تخص مجموعات سكانية في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية؛ فعدد الناطقين باللغة العربية وحدها يقارب 400 مليون شخص، فيما يبلغ عدد الناطقين باللغة الهندية 575 مليون شخص حول العالم.

العربية

النموذج

المعرفة البديهة المعلومات الخاطئة/التحيز المعدل
LLaMA 2 (7B) 29.0 39.3 47.5 37.2
LLaMA 2 (13B) 30.0 40.3 47.7 38.1
Jais (6.7B) 36.6 45.5 49.3 43.2
Jais (13B) 40.0 49.8 49.8

46.5

الإنجليزية

النموذج

المعرفة البديهة المعلومات الخاطئة/التحيز المعدل

LLaMA 2 (7B)

35 58.9 55.4 53.9

LLaMA 2 (13B)

36.2

60.8

53.7

55.0

Jais (6.7B)

32.8

53.8

54.0

50.0

Jais (13B)

34.6 59.5 53.5

53.9

يقدم النموذج LLaMA 2 أداءً باللغة الإنجليزية يتفوق بنسبة 50% على أدائه باللغة العربية وفقاً لإطار تقييم النماذج اللغوية (LM-Evaluation-Harness)، وفي المقابل، يتفوق نموذج “جيس”، الذي شاركت في تطويره جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، على النموذج LLaMA 2 في اللغة العربية ويمكن مقارنته بنموذج “ميتا” في اللغة الإنجليزية.

إذا كنا سنبني تطبيقات يمكن استخدامها بمجموعة واسعة من لغات العالم، وهذا واجب، فعلينا إنشاء مؤسسات جديدة خارج الشمال الحوسبي تستثمر بشكل واعٍ ومستمر في بناء أدوات تخدم آلاف المجتمعات اللغوية في جميع أنحاء العالم.

بيئات الابتكار

إحدى الطرق لإنشاء مؤسسات جديدة هي دراسة التاريخ وفهم كيفية نشوء مراكز الثقل الحالية في أبحاث الذكاء الاصطناعي قبل عقود؛ فقبل أن يشتهر وادي السيليكون كمركز للابتكار التكنولوجي في العالم، كان اسمه وادي سانتا كلارا، وكان يشتهر بمزارع الخوخ. لقد كان هذا الوادي المتواضع يمتلك المكونات الرئيسية ليصبح عاصمة التكنولوجيا في العالم، رغم قلة من كانوا يتوقعون ذلك حينها. وكان المحفز الرئيس لهذا التغيير هو وجود جامعة جديدة نسبياً غير مقيدة بقيود التقاليد والثقافة الأكاديمية الجامدة المتعارف عليها في الجامعات الأخرى في شرق الولايات المتحدة الأمريكية.

بحلول منتصف القرن العشرين، اشتهرت جامعة ستانفورد بأنها واحدة من أفضل الأماكن لدراسة الهندسة الكهربائية في العالم. وعلى مر السنين، ونتيجة للجمع بين الاستثمار الحكومي عبر تقديم المنح والتركيز على البحوث، قدمت الجامعة عدداً كبيراً من الاختراعات التي أدت إلى تقدم الحوسبة. علاوة على ذلك، شجعت ثقافة ريادة الأعمال المتميزين من الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية على الانطلاق خارج الحرم الجامعي وبناء شركات تقوم على ابتكاراتهم. والنتائج تتحدث عن نفسها، حيث أسس خريجو جامعة ستانفورد شركات مثل “ألفابيت” و”إنفيديا” و”نتفليكس” و”باي بال”.

واليوم، كما كان الحال في وادي سانتا كلارا، أمامنا فرصة لبناء مركز تكنولوجي جديد أساسه جامعة. لهذا السبب اخترت الانضمام إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهي أول جامعة بحثية في العالم تركز تركيزاً كاملاً على الذكاء الاصطناعي. ومن موقعنا كصلة وصل بين الشرق والغرب، نهدف لجذب أصحاب ألمع العقول من جميع أنحاء العالم وتزويدهم بالأدوات اللازمة لفتح آفاق جديدة للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي.

مجتمع شامل للذكاء الاصطناعي

لدينا طلاب من أكثر من 50 دولة حول العالم. وقد نجحنا في جذب باحثين بارزين من بينهم على سبيل المثال لا الحصر مونوجيت تشودري من شركة مايكروسوفت، وإليزابيث تشرشل من شركة جوجل، وتيد بريسكو من جامعة كامبريدج، وسامي حدادين من جامعة ميونيخ التقنية، ويوشيهيكو ناكامورا من جامعة طوكيو.

صحيح أن هؤلاء العلماء أتوا من بلدان مختلفة، ولكن هناك رؤية واحدة تجمعهم، حيث قدموا كلهم إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي نتيجة لتميزها من حيث التخصصات المتعددة، وتركيزها المستمر على جعل الذكاء الاصطناعي قوة دافعة لتقدم العالم، والفرصة التي توفرها للتعاون مع علماء آخرين في تخصصات مثل علم الروبوتات، ومعالجة اللغات الطبيعية، وتعلم الآلة، والرؤية الحاسوبية.

وإلى جانب هذه التخصصات التقليدية في مجال الذكاء الاصطناعي، أنشأنا أقساماً لتخصصات قريبة منها يمكنها المساهمة في الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه، من بينها التفاعل بين الإنسان والحاسوب، والإحصاء وعلوم البيانات، وعلم الأحياء الحاسوبي.

 

في عام 2024، استقبلت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي 200 طالب من 36 دولة، وهذه الدفعة هي الأكثر تنوعاً بين الدفعات التي استقبلتها الجامعة في تاريخها الممتد لخمس سنوات.

 

يمثل حرص إمارة أبوظبي على تعزيز مكانة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي جزءاً من رؤية أوسع للذكاء الاصطناعي تتجاوز حدود المؤسسات الأكاديمية، حيث تعاون علماؤنا مع “جي 42″، وهي شركة تكنولوجية متخصصة يقع مقرها في أبوظبي، في تطوير “جيس”، وهو نموذج لغوي كبير يركز على اللغة العربية ويُعتبر الأفضل أداءً بين النماذج اللغوية الكبيرة الخاصة باللغة العربية، وكذلك “ناندا”، وهو نموذج لغوي كبير للغة الهندية. كما أطلق معهد النماذج التأسيسية التابع للجامعة مبادرة LLM360 الهادفة لتوفير فرص متكافئة للبحث والتطوير في مجال النماذج الكبيرة عبر نشر نماذج ومجموعات بيانات مفتوحة المصدر بشكل كامل تنافس النماذج مغلقة المصدر أو النماذج الكبيرة المفتوحة التي تقدمها شركات التكنولوجيا في أمريكا الشمالية أو الصين.

كما نعمل على تطوير نماذج لغوية متخصصة في اللغات التركية التي لم تحظ باهتمام كافٍ في مجال معالجة اللغات الطبيعية على الرغم من وجود الملايين من الناطقين بها في مساحة شاسعة تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى غرب الصين.

ومن بين المشاريع الأخرى مشروع يجمع ناطقين بـ 26 لغة من 28 دولة مختلفة لإنشاء مجموعة بيانات معيارية تقيّم أداء النماذج اللغوية البصرية وقدرتها على فهم الاختلافات الثقافية في الصور.

هذه الجهود الهادفة لتوسيع قدرات الذكاء الاصطناعي بحيث تشمل مجتمعات أوسع ضرورية للحفاظ على التنوع الثقافي في العالم وتزويد الجميع بأدوات ذكاء اصطناعي مفيدة لهم.

لقد نجحت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في جمع مجموعة فريدة من الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية القادرين على دفع عجلة الابتكار العالمي الشامل في مجال الذكاء الاصطناعي نحو المستقبل. ومن خلال إنشاء منظومة واسعة من العلماء ورواد الأعمال والمفكرين، تعمل الجامعة على ترسيخ مكانتها كقوة دافعة للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي يمتد تأثيرها خارج أبوظبي بهدف تطوير تكنولوجيا شاملة للغات العالم وثقافاته المتنوعة.

أخبار ذات صلة

thumbnail
Monday, August 12, 2024

نحو تحقيق التوازن بين مستويات سلامة النماذج اللغوية الكبيرة وأدائها

في ورقة بحثية حديثة قدمت خلال فعاليات الاجتماع السنوي لجمعية اللغويات الحاسوبية 2024، تناولت الباحثة يوشيا وَانغ.....

  1. الخصوصيات الثقافية ,
  2. acl 2024 ,
  3. النماذج اللغوية الكبيرة ,
  4. أمن ,
اقرأ المزيد
thumbnail
Monday, July 22, 2024

الذكاء الاصطناعي يحدث تحولاً في الألعاب الأولمبية

يُشبه الرياضيون غالباً "بالآلات التي تعمل جيداً"، ولكننا في الألعاب الأولمبية والبارالمبية نحتفل بإنجازاتهم البشرية الاستثنائية. على.....

اقرأ المزيد