نحو تعزيز مستويات كفاءة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

Tuesday, October 01, 2024

يُشكل مجال الذكاء الاصطناعي الآخذ في التطور بوتيرة سريعة وما يطرحه من تحديات على مستويات الكفاءة والاستدامة موضوعاً يحظى باهتمام د. شياو سونغ ما التي تشكل بالنسبة إليها موضوعات مثل ’كيفية التقليل من هدر الموارد‘ و’كيفية تحسين استخدامها على نحو أفضل‘ واحدة من أكثر الموضوعات التي تستأثر باهتمامها.

وترى الدكتورة، على هذا الصعيد، أن الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى حلول تعالج هذه المشكلات وتوضح قائلة: “لا يختلف اليوم اثنان على أن الذكاء الاصطناعي يشكل عبءً تشغيلياً بما يستنزف من موارد متزايدة سواء على مستوى مراكز البيانات أو الحواسيب في العالم وهدر للطاقة بكميات هائلة يومياً، وتشكل هذه مشكلة كفاءة في الأداء تستحق الدراسة على مستوى الأنظمة والبيانات”.

وتسعى الدكتورة إلى إيجاد حلول مبتكرة لمثل هذه الإشكاليات من خلال عملها في قسم علوم الحاسوب الذي استحدث مؤخراً في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والذي ترى الدكتورة أنه سيعزز المقاربة المتكاملة للجامعة في دراسات وبحوث علوم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

وتتابع الدكتورة قائلة: “أصبحنا اليوم نُركز كثيراً على خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، ونبذل جهداً أقل في البحث فيما إذا كان بوسعنا استخدام موارد أقل لإنجاز أو تحقيق الأهداف نفسها”. وأكدت الدكتورة أن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تعد الوجهة الأنسب لتحقيق هذا بالنظر إلى ما تتوفر عليه من خبراء مختصين في مجالات عدة مثل معالجة اللغة الطبيعية، والروبوتات، وتعلم الآلة، وغيرها”.

رحلة شياو سونغ في عالم التكنولوجيا

وُلِدَ شغف شياو سونغ بالرغبة في فهم الكيفية التي يمكن بها تقليل هدر الموارد وتحسين مستويات الاستدامة من عمل والديها كمهندسي برمجيات خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

وعن هذا الشغف بالتكنولوجيا تتحدث الدكتورة: “بدأتُ مسيرتي في سن مبكرة لأن والديّ كانا من مهندسي الجيل الأول في البرمجيات في الصين.. وأذكر أن تخصصهما كان في الرياضيات الحاسوبية، لكن في ذلك الوقت، لم يكن لديهما أجهزة حاسوب يمكنهما استخدمها.. ولم يتمكنا من استخدام واحدة إلا في وقت لاحق.. واستخدما أجهزة من ’سيمنز‘ و ’آي بي إم‘ وبدءا تعلم لغات البرمجة.. وأتاحت لي هذه الظروف كطفلة الفرصة لاكتشاف أشياء مثل لغة ’بيسك‘ للبرمجة”.

وتتذكر الدكتورة قائلة: “عندما أنهيت المرحلة الثانوية من دراستي، وخلال الصيف الذي سبق بدايتي لمرحلة دراستي الجامعية في علوم الحاسوب، علمتني والدتي البرمجة بلغة “سي”، وما تزال ذكرى ذلك الصيف عالقة في ذهني”.

بعد استكمالها لدراستها الجامعية في جامعة بكين، انتقلت شياو سونغ إلى الولايات المتحدة لتُتَابِعَ دراساتها العليا للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة إلينوي التي حصلت فيها على تدريب متقدم في علوم الحاسوب، وانصب تركيزها على الحوسبة عالية الأداء.

وعن هذا المجال تقول شياو سونغ: “إنه مجال مثير حقاً، حيث نستخدم فيه أجهزة الحاسوب المتوازية ونركز على القضايا المتعلقة بالكفاءة والقابلية للتوسع”، مضيفة أنه “إذا ما نظرنا إلى عملية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، فسنجد أن العديد من المشكلات والحلول متداخلة بين هذين المبحثين”.

بعد تخرجها، التحقت شياو سونغ بجامعة ولاية كارولينا الشمالية كأستاذة بالتوازي مع عملها في “مختبر أوك ريدج الوطني”، حيث واصلت أبحاثها في مجال الحوسبة عالية الأداء. ثم انتقلت، لاحقاً، إلى “معهد قطر لأبحاث الحوسبة” في جامعة حمد بن خليفة.

وعن هذا الانتقال أوضحت الدكتورة أن عملها حَادَ قليلاً عن عالم الحوسبة عالية الأداء وتحولَ إلى مجال يهتم بدراسة العُقَد [ أو ما يعرف بالكود البرمجي المستخدم لتخزين البيانات في القوائم المترابطة]، مما أتاح لها فرصة التركيز بشكل أكبر على بحث ودراسة مستويات أدق مثل هيكلية عملية التخزين، والتفاصيل الدقيقة المتصلة – مثلاً – بسجلات ومستويات ذاكرة التخزين المؤقتة، حيث يصبح التخزين أسرع وأصغر وأكثر تكلفة من حيث الموارد المالية التي يتطلبها وحجم الطاقة التي يستهلكها”.

وتتابع شارحة: “حاولنا من خلال هذا المبحث الإجابة عن أسئلة مثل: كيف ينبغي علينا نقل البيانات؟ وأين يجب أن نضعها؟ وكيف يمكننا تعزيزها وعرضها؟ وهذا موضوع يستحق الاهتمام به بالنظر لتطبيقاته المتعددة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي”.

تأثير مستدام

لقد ساعدت معالجة هذه الأسئلة شياو سونغ على تحقيق إسهامات كبيرة في التقليل من هدر الموارد، وزيادة الكفاءة، وتحقيق الاستدامة في السنوات الأخيرة — لا سيما فيما يخص “أنظمة الرسوم البيانية الموزعة على نطاق واسع” و”أنظمة السير العشوائي على الرسوم البيانية”.

على سبيل المثال، أصبحت الورقة البحثية التي نشرتها هي وفريقها عام 2016 على نظام أطلقوا عليه اسم “Gemini” خلال فعاليات مؤتمر “تصميم وتنفيذ نظم التشغيل” واحدة من أكثر الأوراق تأثيراً في العالم.

وعن هذا النظام تقول: “لقد حقق ’Gemini‘ كفاءة جيدة في حساب الرسوم البيانية على آلة واحدة، وكذلك قابلية التوسع إلى عدة عقد”. وقد وجدت شياو سونغ وفريقها أن النظام تفوق على جميع أنظمة معالجة الرسوم البيانية الموزعة المعروفة، حيث حقق تحسينا وصل إلى 39.8 ضعفا مقارنة بأسرع الأنظمة المتوفرة.

وأضافت: “لقد أثر هذا النظام على تصميم محركات الرسوم البيانية للعديد من شركات الإنترنت، مثل شركة Tencent في الصين المالكة لمنصة WeChat ، والتي يستخدمها ملايين الأشخاص”.

عملت شياو سونغ، بعد هذا، على خوارزميات السير العشوائي على الرسوم البيانية بكفاءة، والتي أثرت على تنفيذ أنظمة مثل نظام شركة –ByteDance المالكة لـ TikTok . وكان أحد مشاريعها الأخرى مشروع ShenTu المشترك — وهو عبارة عن محرك رسومي واسع النطاق قادر على تصنيف 70 تريليون رابط ويب في ثوانٍ. وقد تم ترشيحه لـ “جائزة غوردون بيل المرموقة” من “جمعية الحوسبة الآلية” في عام 2018. كما تمكن المحرك نفسه من الكشف عن صفحات البريد العشوائي على رسم بياني للويب يحتوي على 12 تريليون رابط، مع مراعاة عوامل مثل الشعبية والموثوقية.

وبالنظر لهذه الإنجازات، ليس من الغريب أن تُكرم شياو سونغ بالعديد من الجوائز والتكريمات بما في ذلك جائزة الباحث الرئيسي الشاب من وزارة الطاقة وجائزةNSF CAREER . كما تم تعيينها عضوا متميزا في “جمعية الحوسبة الآلية” في عام 2020.

أهمية عمل شياو سونغ

لماذا يعتبر عمل شياو سونغ مهما لمستقبل الذكاء الاصطناعي؟

بالنسبة لها، فإن الكفاءة عبر مستويات النظام المختلفة، وتقليل هدر الموارد في برمجيات النظام لدعم التطبيقات بشكل أفضل، هو حاجة أساسية مع استمرار نمو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطورها.

وتوضح الدكتورة قائلة أن: “ما نقوم به من تصميم لهيكلية مستويات النظم يهدف إلى جعل الأمور أكثر كفاءة، ومن شأن هذا أن يجعل الذكاء الاصطناعي بالتالي أكثر استدامة”.

وتتابع: “لكن الأمر لا يقتصر على هذا لأن علوم الحاسوب تعمل على الأنظمة، والأمان، وموضوعات السلامة، وكل هذه الأمور مرتبطة ارتباطا وثيقا بالذكاء الاصطناعي وهي أساسية، ونحن بحاجة إلى أشخاص للقيام بهذا العمل الحيوي.. وبحاجة إلى كفاءات قادرة على تصميم وتطوير أجهزة التخزين من الجيل التالي، وقواعد البيانات الجديدة.. وقد لا يكون هذا هو الجانب الجذاب في الذكاء الاصطناعي بالنسبة للكثيرين غير أنه ضروري”.

واستنادا إلى هذه الرؤية، ستركز شياو سونغ من موقعها بوصفها أستاذة ورئيسة قسم علوم الحاسوب بالإنابة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على هذه الجوانب المختلفة، وإضافة إلى عملها مع الطلاب وتعليمهم كيفية تحليل مشاكل علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي المعقدة، وتبني نهج علمي، ومبتكر، وأخلاقي، ومسؤول اجتماعيا في بحوث علوم الحاسوب وحل مشاكل هذا المبحث التخصصي المعقدة.

“نحن بحاجة إلى تشجيع الطلاب الذين يحبون الخوارزميات، وتصميم هياكل البيانات من الجيل التالي، واللعب بأنظمة التشغيل وحتى الأجهزة، والأهم من ذلك هو أن نوفر لهؤلاء الطلاب منصة وبيئة للقيام بأعمال مبتكرة والدفع بعجلة تقدم البحث وتطوره”، د. شياو سونغ ما.

أخبار ذات صلة