يظل تحقيق الحكومات والشركات لهدف الحياد المناخي بحلول عام 2050، رهيناً بتبنيها لاستراتيجية متكاملة هدفها تحقيق انتقال الطاقة الذي سيساعد بدوره في تعزيز مستويات استخدام الطاقة المتجددة على نطاق واسع.
يشار أنه، في هذا الصدد، تم التركيز فقط على تعزيز معدلات استخدام الكهرباء، وبناء مزارع طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، واستخدام السيارات الكهربائية، غير أن هذه الجهود تظل غير كافية لرفع تحديات التغيرات المناخية وتحقيق الحياد المناخي، ما لم تحرص الجهات المعنية على تطوير البنية التحتية المناسبة التي تُعتبر محورية لتحقيق انتقال الطاقة.
ولضمان الانتقال الناجح نحو استخدام الطاقة المتجددة، سيكون العالم بحاجة ماسة إلى تطوير جيل جديد من البنى التحتية تكون قادرة على نقل الطاقة الكهربائية وتوزيعها بما يتلاءم مع متطلبات شبكات التوزيع المعتمدة على مصادر الطاقة المتجددة ما يجعل تطوير شبكات توزيع ذكية أكثر أمراً مُلحاً.
ويجب ألا ننسى، هنا أن شبكات التوزيع التقليدية، قبل اعتماد مصادر الطاقة المتجددة التي أصبحت عامل تغيير قوي في حياتنا اليومية، قد زودتنا بالطاقة في اتجاه واحد – أي من نقطة الإنتاج مروراً بالمحولات ووصولا إلى شبكات التوزيع – نحو المصانع والمستهلكين مع حفاظ هذه المنظومة على التوازن بين العرض والطلب على الطاقة.
بنية تحتية تجاوزها الزمن
الملاحظ أن شبكات توزيع الكهرباء التقليدية في العالم تكاد تكون في طريقها إلى أن تصبح في خبر كان، خصوصاً مع تزايد توسع نطاق استخدام الكهرباء، واعتماد مصادر الطاقة المتجددة، وتزايد إنتاج الكهرباء المنزلية اعتماداً على الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
وتجد شبكات التوزيع الذكية – تحديداً – معناً لوجودها من هذا المنطلق، نظراً لما تتميز به من مرونة تجعلها قادرة على ملاءمة إمكاناتها لتلبية الطلب المتزايد والاستجابة لتقلبات العرض والطلب على الطاقة. كما تفرض هذه المرونة أيضاً قدرة هذه الشبكات على مراقبة مستويات تدفق الطاقة، وقياسها، وتقييمها في الوقت الحقيقي لتجنب حدوث أية أعطال قد تؤدي إلى انقطاع الكهرباء على نطاق واسع.
قد يُشكل هذا الاحتمال مصدر قلق لبعض المهتمين، حيث إن نجاح تحقيق انتقال الطاقة يعتمد على كفاءة هذه الشبكات وفعاليتها. وتوقع، في هذا الصدد، فريق من جامعة برينستون في عام 2020 أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى استثمار 360 مليار دولار (1.32 تريليون درهم) لترقية منظومة محولاتها القديمة بما يجعلها مناسبة لمتطلبات القرن الحادي والعشرين.
كما يجب، لأغراض تحقيق التوازن الفعال بين تدفقات الطاقة الكهربائية المتغيرة الناتجة عن تعدد مصادر الطاقة المتجددة والتحكم في مستويات الاستهلاك المتقلبة، العمل كذلك على إرساء بنية تحتية حاسوبية قوية بجانب شبكات التوزيع التقليدية – “شبكات التوزيع الذكية” – تجعل أمر توقع تدفقات مصادر الطاقة المتجددة أمراً ممكناً على غرار مصادر الطاقة التقليدية.
ولحسن الحظ، جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أول جامعة للدراسات العليا المتخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، تعمل على رفع هذا التحدي من خلال البحوث التي تقوم بها.
حماية بيانات المستخدمين
ويوضح البروفيسور مارتن تاكاش، نائب رئيس قسم تعلم الآلة، ومساعد أستاذ في القسم نفسه بالجامعة قائلاً: “البديهي هو أن نماذج الذكاء الاصطناعي، يجب تدريبها باستخدام الكثير من البيانات حتى تصبح موثوقة، غير أن تدريب هذه النماذج وفق الطرق الاعتيادية لفهم أنماط استهلاك الأفراد للطاقة هو أمر غير وارد، نظراً لطبيعة البيانات التي سيتم جمعها، والتي قد لا يرغب المستخدمون في مشاركتها لأنها تنتهك خصوصيتهم، ولذا يجب علينا تدريب هذه النماذج وفق مقاربات وطرق أكثر ذكاءً.”
يشار إلى أن فريق عمل البروفيسور تاكاش يعتمد لمعالجة هذا التحدي تقنية جديدة تجمع بين 'التعلم الموحد' و'التعلم المعزز' في آن واحدة من أجل رفع كفاءة شبكات التوزيع الذكية وتعزيزها بالإضافة إلى ضمان الحفاظ على سرية بيانات المستخدمين في الوقت نفسه.
وللتوضيح فإن 'التعلم المعزز' هو نوع من طرق تعلم الآلة الذي يقوم بتدريب الخوارزميات على التعلم اعتماداً على بيئتها المباشرة، بينما 'التعلم الموحد' يعتمد نهجاً لا مركزياً لا يتطلب الوصول المباشر إلى البيانات؛ وإنما يقوم باستخدام البيانات الأولية المجمعة من أكثر من مكان ومعالجتها في مصدرها، سواءً تعلق الأمر بهاتف أو حاسوب محمول أو منظم حرارة أو حتى قمر صناعي. وستتمكن الجامعة بهذه المقاربة الجديدة من الوصول إلى مورد بيانات لم يسبق الوصول إليها أو استغلالها من قبل.
ويتابع تاكاش قائلاً: “تخيل معي لوهلة أن بيتك مزود بألواح شمسية وبطاريات لتخزين الكهرباء، وتريد أن تعرف متى تستخدم مخزونك من الطاقة أو متى تبيعه [إلى شبكة التوزيع]، فسيعتمد السعر الذي ستبيع به – يقول تاكاش – على الطلب؛ ولذا سواء كنت فرداً أو شركة، فأنت بحاجة إلى نموذج ذكاء اصطناعي يساعدك في قراءة تقلبات الأسعار وفهمها حتى تتمكن من اتخاذ القرار الأمثل”.
حل هذه المشكلة بحسب البروفيسور تاكاش اعتماداً على استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي ليس بالأمر الهين خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتقييم المتغيرات المحتملة ذات الصلة لإن “كل شيء له أهميته” في مثل هذه الحسابات. كما أن هناك درجة عالية من عدم اليقينية، تعرف لدى المتخصصين في علم الحاسوب باسم العشوائية.
يذكر أنه تم اعتماد استخدام “التعلم الموحد” بنجاح في قطاع الرعاية الصحية، حيث مكن الشركات من تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي اللامركزية دون الحاجة إلى مشاركة السجلات الطبية أو انتهاك خصوصية المرضى. وكما يُظهر بحث البروفيسور تاكاش، فإن هذه التقنية قادرة على المساعدة في تطوير نوع جديد من البنية التحتية الخاصة بتوزيع الكهرباء القادرة، ليس فقط على الاستفادة من الفوائد المتصلة بمصادر الطاقة المتجددة، بل وكذلك تشجيع المستهلكين على تبني خيارات أكثر استدامة.
تشجيع الخيارات المستدامة
وفي سياق متصل، يوضح نيكولا موريسيو كوادرادو أفيلا، طالب الدراسات العليا ضمن فريق تاكاش قائلاً: “إذا توفرت لدينا البيانات التي تمكننا من فهم كيفية استهلاك المستخدمين للكهرباء، فربما يمكننا أيضاً استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تغيير العادات الاستهلاكية”. ويضيف: “يمكن، على سبيل المثال، الاستفادة من التغييرات الطفيفة لتسعيرة الكهرباء بين النهار والليل لتحديد الوقت الأنسب لغسل الملابس. وقد يبدو هذا أمراً بسيطاً غير أنه مهم لأن مثل هذه التغييرات في السلوك يمكن استغلالها لتسوية منحنيات الطلب، مما يعني أننا لن نكون بحاجة إلى بناء بنية تحتية إضافية لإنتاج الطاقة”.
التشجيع على استهلاك الكهرباء اعتماداً على تسعيرته في الأوقات التي يكون فيها الطلب أقل هو أمر جيد بالنظر لما لذلك من تأثير على أحمال الشبكة وفواتير الخدمات. كما أنه إجابي لأنه يشجع على استخدام الكهرباء خلال ساعات النهار عندما تكون تكلفة الطاقة الشمسية في أدنى مستوياتها لأن إنتاجها يكون في ذروته.
سبب آخر لتشجيع أنماط استهلاك الطاقة بما يتناسب مع مستويات توافر مصادر الطاقة المتجددة هو تمكين شركات إمدادات الطاقة من التأكد من أن لديها ما يكفي من الطاقة لتلبية احتياجات الطاقة المتوقعة – وخاصة أحمال الذروة – فضلا عن الزيادات غير المتوقعة في الطلب.
ويوضح من جانبه الباحث المشارك، الدكتور صامويل هورفاث، والأستاذ المساعد في قسم تعلم الآلة بالجامعة، قائلاً: 'المنظومة التي نتعامل معها معقدة، وهذا يعني أن أياً من الحلول القياسية التي نستخدمها في نظرية التحكم لا تنطبق في هذه الحالة. كما أن الطبيعة العشوائية لأنماط استهلاك الطاقة، تطرح تحدياً آخراً متمثلاً في كيفية الحفاظ على خصوصية المستخدمين'.
الحل الذي يقوم فريق البروفيسور تاكاش بتطويره لرفع تحدي الحفاظ على خصوصية المستخدمين هو جعل عملية تحليل البيانات بأكملها عملية خاصة اعتماداً على نماذج ذكاء اصطناعي يتم تشغيلها على الأجهزة الخاصة بالمستخدمين الأفراد قبل إعادة مخرجاتها كنماذج محدثة إلى شبكة التوزيع، وهكذا لا تتم مشاركة البيانات نفسها أبداً.
ويتابع د. هورفاث موضحاً: “إن عملية تعلم نموذج الذكاء الاصطناعي تتم بالكامل باستخدام بيانات المستخدم على جهازه؛ وهذا يعني أننا لا ننظر إلى بيانات الأفراد، بل ننظر إلى التحديثات المجمعة من جميع النماذج بدلاً من النظر في البيانات نفسها”.
نشرت “وكالة الطاقة الدولية” في سبتمبر 2023 إصداراً محدثاً لتقرير عام 2021 المعنون بـ: “تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050: خريطة طريق لقطاع الطاقة العالمي“، كجزء من دعمها لعملية التقييم العالمي. واحدة من أكثر النتائج المتوقعة لـ “كوب 28” في الإمارات، هو تقييم التقدم العالمي المحرز على مستوى تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس لعام 2015.
وخلصت “وكالة الطاقة الدولية” في التقرير نفسه إلى أن “تعزيز مستويات استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، وخفض انبعاثات غاز الميثان، وزيادة الكهرباء باستخدام التقنيات المتاحة اليوم سيسهم في خفض الانبعاثات بأكثر من 80% بحلول عام 2030”. وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أنه على الرغم من أن “الوصول إلى 1.5 درجة مئوية يبقى أمرا صبعاً”، إلا أن النمو الهائل في قطاع الطاقة النظيفة يعد بالكثير.
خلاصة:
ستلعب، مما لا شك فيه، شبكات التوزيع الذكية دوراً أساسياً في تمكين المزيد من التوسع لاستخدام الطاقة المتجددة وتأثيرها، ليس فقط من خلال المساعدة في إدارة استراتيجية انتقال الطاقة وتقليل الحاجة إلى بنية تحتية جديدة مكلفة، ولكنها ستسهم في جعل الشبكات أكثر مرونة وموثوقية وأماناً.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة موناش يبحث في مدى قدرة النماذج اللغوية.....
اقرأ المزيدفريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفوز بجائزة تقديرية عن دراسة بحثية تشجع الباحثين.....